فتاوى نور على الدرب [460]


الحلقة مفرغة

السؤال: كيف يكون تعاهد القرآن؟

الجواب: تعاهد القرآن يكون بمداومة تلاوته حسب ما تقتضيه المصلحة والحاجة، فقد يكون الإنسان ضعيفاً في حفظه لكتاب الله، وهذا نقول له: أكثر من تلاوته ومعاهدته؛ لئلا يضيع منه شيء، وتارةً يكون حفظه لكتاب الله قوياً فهذا لا نلزمه من المعاهدة والمحافظة كما نلزم الأول، فهي تكون بحسب الحال، أي: بحسب حال حافظ القرآن، وضابطها أن يتعاهد القرآن على وجه يأمن فيه من نسيانه، ويختلف هذا باختلاف الناس.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في المحاماة؟

الجواب: المحاماة وهي المدافعة عن صاحب الحق، لا بأس بها في الأصل، فهي من قسم الوكالات الجائزة، إلا أنها أحياناً تجب، وأحياناً تحرم، فتجب المحاماة إذا كان لا يمكن استخلاص الحق لصاحب الحق إلا بها، فإن أخاك المسلم إذا استنجدك للمحافظة على ماله ودفاع أهل الظلم عنه كان من حقه عليك أن تعينه في هذا الشيء.

وتكون محرمة إذا كان الإنسان يحامي لغيره في إثبات باطل أو إنكار حق، فإذا كان الإنسان قد جعل مهنة المحاماة وسيلةً لإرضاء من وكله سواء كان محقاً أو مبطلاً فإن الدخول فيها حرام، أما إذا دخل من أجل نصرة الحق ورد المظالم إلى أهلها فإنه لا بأس بها، بل قد تكون واجبةً أو مندوبة بحسب ما تقتضيه الحاجة أو المصلحة.

السؤال: تذكر بأنها تصلي الرواتب، وتحمد الله على ذلك، وتقول: لكن مشكلتي في فصل الشتاء أصلي صلاة الظهر مع العصر؛ وذلك لأنني موظفة ولا أستطيع تأدية الصلاة في محل عملي، وكذلك لا أستطيع الخروج من البيت للصلاة لبعد المسافة، فتكون صلاة الظهر والعصر في فترة متقاربة لقصر نهار الشتاء، فكيف أصلي راتبة الظهر والعصر هل أجمعهما قبل صلاة الفريضة أم ماذا؟

الجواب: وقت الظهر يمتد إلى دخول وقت العصر، فليس بينهما مسافة زمنية، بل إذا خرج هذا دخل هذا، وإذا علم هذا تبين أن الإنسان إذا صلى الظهر في آخر وقتها قريباً من العصر لم يكن جامعاً بل هو مصل للظهر في وقتها، ومصل للعصر في وقتها، وحينئذٍ نقول له: إذا صليت الظهر فصل الراتبة بعدها قبل أن تصلي العصر، لكن لو فرضنا أن الإنسان لا يمكن أن يصلي الظهر إلا بعد دخول وقت العصر واحتاج إلى أن يجمع بينها وبين العصر فلا حرج عليه أن يجمع بينها وبين العصر؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ) أي: ألا يلحقها الحرج والضيق.

فيؤخذ من هذا الحديث أن الجمع إذا كان في تركه مشقة وحرج فإنه يكون جائزاً، وهذه القاعدة داخلة في عموم قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] .

فلتنظر هذه السائلة هل هي تصل إلى بيتها قبل دخول وقت العصر فحينئذٍ تصلي الظهر في وقتها ولا تحتاج إلى الجمع، أو لا تصل إلى بيتها إلا بعد دخول وقت صلاة العصر فحينئذٍ تنوي الجمع، وإذا وصلت إلى بيتها جمعت بين الظهر والعصر، وتصلي الراتبة راتبة الظهر بين الظهر والعصر إن شاءت؛ لأنه لا يضر الفصل بين المجموعتين إذا كان الجمع جمع تأخير.

السؤال: عند الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة والسورة التي تليها هل يجوز قول: صدق الله العظيم؟

الجواب: قول: (صدق الله العظيم) بعد انتهاء التلاوة في الصلاة أو في غيرها بدعة؛ وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا إذا انتهوا من القراءة قالوا: صدق الله، ومن المعلوم أن قول القائل: صدق الله عبادة؛ لأنه ثناء على الله بالصدق، وإذا كان عبادةً فإنه لا يجوز أن نشرع من العبادات ما لم يشرعه الله ورسوله، فإن فعلنا ذلك كان بدعةً، ( وكل بدعة ضلالة )، وعلى هذا فالقارئ إذا انتهى من قراءته يسكت، ولا يقول: صدق الله العظيم ولا غيرها؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم.

( وقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من سورة النساء، حتى إذا بلغ قول الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا [النساء:41] قال النبي صلى الله عليه وسلم: حسبك. قال: فالتفت فإذا عيناه تذرفان ) صلوات الله وسلامه عليه، ولم يقل ابن مسعود : صدق الله، ولا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

وكذلك قرأ عنده زيد بن ثابت سورة النجم حتى ختمها، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم له: قل: صدق الله العظيم، ولا قالها أيضاً، فدل هذا على أنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه أن يقولوا عند انتهاء القراءة: صدق الله العظيم، لا في الصلاة ولا خارج الصلاة.

السؤال: يملك أخي قلادة ذهبية لكنه لا يلبسها وإنما يحتفظ بها فقط في بعض الأحيان وبعض الأحيان يقوم بحملها في جيبه، فهل يصح عمله هذا؟

الجواب: القلادة الذهبية لا بأس باقتنائها لكن بشرط ألا يلبسها إن كان رجلاً، ويجوز لبسها للمرأة، وإذا كان الرجل لا يلبس القلادة من الذهب فأي فائدة أن يحملها أو يضعها في جيبه، أنا أخشى أنه يفعل ذلك من أجل أن يتبجح بها عند الناس حيث يخرجها أمامهم ويلعب بها في يده مثلاً، وإلا فلا أظن عاقلاً يحمل قلادةً في جيبه من الذهب دون أن يصنع بها شيئاً، على كل حال إذا لم يلبسها ولم يخرجها مخرج الإعجاب والفخر فإن حمله إياها لا بأس به، ولكنني أقترح عليه أن يجعل هذه القلادة لزوجته إن كان متزوجاً، أو لأحد من نسائه من أقاربه حتى يسلم من الإشكال الذي ورد علي الآن في كونه يحملها بدون أن يلبسها، أو أن يخرجها في يده مخرج الإعجاب.

السؤال: سمعت من بعض الناس بأن غطاء الرأس بالنسبة للنساء أثناء تأدية الصلاة يجب أن يكون أبيض اللون أو من الألوان الفاتحة ولا يجوز أن يكون من الألوان الغامقة، فما حكم الشرع في نظركم في هذا الموضوع؟

الجواب: هذا الذي سمعت من أن المرأة تلبس عند الصلاة خماراً أبيض أو فاتح اللون لا أصل له، بل إن المرأة تلبس خماراً على ما تعتاده في غير الصلاة، إن كان أبيض فأبيض، وإن كان أسود فأسود، ولبسها للأسود أحسن؛ لأن الذي عليها لباس أسود وهو العباءة، فتناسب خمار مع اللباس الآخر أبعد من التبرج، وكلما كان أبعد من التبرج فهو أولى.

السؤال: ما حكم من يصوم شهر رمضان وهو لا يصلي؟ وكذلك سمعت من الناس أن صوم الأول من شهر محرم سنة فهل هذا صحيح؟

الجواب: صوم رمضان لمن لا يصلي مردود عليه؛ لأن الذي لا يصلي كافر مرتد خارج عن الإسلام، ومن شرط صحة العبادة: أن يكون الفاعل مسلماً، فما فعله تارك الصلاة من صيام أو صدقة أو غيرهما من العبادات فهو باطل مردود عليه، ولكن إذا منّ الله عليه بالإسلام ورجع فصلى فإن الله يثيبه على ما عمل من عمل الخير في حال كفره؛ لأن الله اشترط لحبوط العمل بالردة أن يموت الإنسان على ذلك، فقال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:217]؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أسلمت على ما أسلفت من خير ).

السؤال: ما حكم من يكون عليه جنابة أثناء وقت السحور ثم تسحر، وبعد الأذان نوى الإمساك ثم ذهب ونام وهو لم يؤد الصلاة، ولم يغتسل من الجنابة ونام حتى المغرب ولم يؤد الصلاة ولم يغتسل، أفيدونا أفادكم الله، علماً بأن الزوجة قامت بأمره وهو مستيقظ ولم يسمع كلامها؟

الجواب: إذا كان هذا الرجل يدع الصلاة في هذا اليوم وفي غيره فإنه لا صيام له، وصيامه باطل مردود عليه؛ لأن الصيام لا يصح من كافر، وتارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة، وهو مرتد عن الإسلام إذا مات على هذه الحال فهو من أهل النار المخلدين فيها، الذين يحشرون مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف .

أما إذا كان تركها في ذلك اليوم وحده وكان من عادته أن يصلي فلا شك أنه أتى إثماً عظيماً، ولكنه لا يكفر بذلك، وصيامه صحيح؛ لأنه ليس من شرط الصيام الطهارة من الجنابة؛ ولهذا لو أن الإنسان أصبح جنباً وهو صائم كان صومه صحيحاً، يعني لو أنه حصلت عليه جنابة في آخر الليل ثم تسحر ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صيامه صحيح، ودليل ذلك قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] ، وهذا يقتضي أنه يجوز أن يجامع إلى أن يطلع الفجر، ومن لازم ذلك أنه لن يغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يصبح جنباً من أهله ثم يصوم.

السؤال: سمعنا من بعض الناس بأنه إذا أذن المؤذن فلا يستحب للمرء أن يقوم إلى الصلاة إلا إذا قال: حي على الفلاح حي على الفلاح.. فهل هذا صحيح؟

الجواب: نعم، بعض أهل العلم رحمهم الله قال: إنه لا ينبغي القيام حين يسمع النداء حتى يقول جزءاً من الأذان؛ قالوا: لأن هذا يشبه الشيطان إذا أدبر حين سماعه الأذان، فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضراط؛ لشدة وقع ما سمعه عليه، قال أهل العلم: فلا ينبغي للإنسان أن يقوم من حين أن يسمع الأذان بل ينتظر حتى يكبر عدة تكبيرات، هكذا قال بعض أهل العلم، وفي نفسي من هذا شيء.

السؤال: متى يمسك الإنسان عن الأكل والشرب هل أثناء الأذان أم بعد الانتهاء؟

الجواب: الانتهاء عن الأكل والشرب للصائم معلق بطلوع الفجر لا بالأذان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ).

فإذا كان المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر، فإن الواجب على الإنسان أن يمسك من حين أن يسمع الأذان.

وأما إذا كان المؤذن يؤذن على حسب ساعته وما رسم له من تحديد، بل وما رسم له من التحديد الذي لم يبن على مشاهدة الفجر، فإنه لا حرج عليه أن يأكل ويشرب، ولو كان المؤذن يؤذن لكن لا يتمادى في ذلك.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3915 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3695 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3504 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3500 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3482 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3442 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3441 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3421 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3346 استماع
فتاوى نور على الدرب [451] 3324 استماع