فتاوى نور على الدرب [707]


الحلقة مفرغة

السؤال: كيف تفسر المعية في قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]؟

الجواب: معية الله تبارك وتعالى لخلقه حقيقية، أضافها الله إلى نفسه في عدة آيات، وهي أنواع:

النوع الأول: معية تقتضي النصر والتأييد مع الإحاطة مثال ذلك قوله تعالى لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، وقول الله تبارك وتعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وصاحبه هنا هو: أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالإجماع.

النوع الثاني معية تقتضي التهديد والتحذير، مثاله قوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108].

النوع الثالث: معية تقتضي العلم والإحاطة بالخلق، كما في قول الله تعالى: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7].

وهذه المعية الحقيقية لا تعني أن الله تعالى مع الخلق في الأرض، كلا والله، فإن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، كما قال الله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على علو الله تبارك وتعالى، وأنه فوق كل شيء، وتنوعت الأدلة من الكتاب والسنة على علو الله تبارك وتعالى، واستمع قول الله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، قالها في أعظم آية من كتاب الله، وهي آية الكرسي، والعلي من العلو، وقال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، والأعلى وصف تفضيل لا يساميه شيء وقال الله تبارك وتعالى: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5]، وقال تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17]، والآيات في هذا كثيرة.

والسنة كذلك دلت على علو الله تعالى؛ قولاً من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفعلاً وإقراراً، فكان يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟ )، وكان يقول: ( سبحان ربي الأعلى )، ولما خطب الناس يوم عرفة، وهو أكبر اجتماع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه قال: ( ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس ) (اللهم) يشير إلى الله عز وجل في السماء، (شهد) يعني: على الناس أنهم أقروا بالبلاغ، أي: بتبليغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إياهم، وأتي إليه بجارية مملوكة فقال لها: ( أين الله؟ قالت: في السماء. فقال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة )، وأقرها على قولها: إن الله في السماء.

وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم فكلهم مجمعون على علو الله تعالى، وأنه فوق كل شيء، ولم يرد عن واحد منهم حرف واحد أن الله ليس في السماء، أو ليس فوق عباده، ولهذا يجب على المؤمن أن يعتقد بقلبه اعتقاداً لا شبهة فيه بعلو الله تعالى فوق كل شيء، وأنه نفسه جل وعلا فوق كل شيء.

وكيف يعقل عاقل فضلاً عن مؤمن أن يكون الله تعالى مع الإنسان في كل مكان، أيمكن أن يتوهم عاقل بأن الإنسان إذا كان في الحمام يكون الله معه؟ إذا كان في المرحاض يكون الله معه؟ إذا كان واحد من الناس في الحجرة في بيته، وآخر من الناس في المسجد يكون الله هنا وهناك؟ الله واحد أم متعدد؟!

إن الإنسان الذي يقول: إن الله في كل مكان بذاته يلزمه أحد أمرين لا ثالث لهما: إما أن يعتقد أن الله متعدد بحسب الأمكنة، وإما أن يعتقد أنه أجزاء بحسب الأمكنة، وحاشاه من ذلك، لا هذا ولا هذا، إنني أدعو كل مؤمن بالله أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله تبارك وتعالى في السماء لا يحصره مكان، وإني أخشى على من لم يعتقد ذلك أن يلقى الله تعالى -وهو يعتقد أن الله في كل مكان- على هذه الحال، فيكون مجانباً للصواب والصراط المستقيم.

عباد الله! لا ترتضوا بأقوال من أخطئوا من أهل العلم، اقرءوا القرآن بأنفسكم، واعتقدوا ما يدل عليه، هل يمكن أن يقرأ قارئ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، ثم يعتقد أنه في المكان الذي هو فيه، يعني: الذي الإنسان فيه، لا يمكن أبداً.

وأما قول هؤلاء الذين أخطئوا وجانبوا الصواب وخالفوا الصراط: إن المراد بذلك علو المكانة فكلا والله، إن هؤلاء أنفسهم إذا دعوا الله يرفعون أيديهم إلى السماء، إلى من دعوا، وهل هذا إلا فطرة، مفطور عليها كل الخلق، العجوز في خدرها تؤمن بأن الله تعالى فوق كل شيء، فالفطرة إذاً: دالة على علو الله تعالى نفسه فوق كل شيء.

والعقل كذلك يدل على هذا، فإن من المعلوم أن العلو صفة كمال، وأن السفول صفة نقص، وأيما أولى أن نصف رب العالمين بصفة الكمال أو بصفة النقص؟

كل مؤمن يقول: له صفة الكمال المطلق، ولا يمكن أن يوصف بالنقص بأي حال من الأحوال، إذا علمت ذلك فقد يتراءى لك أن هذا ينافي قول الله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، فأقول لك أيها الأخ المسلم: إنه لا ينافيه؛ لأن الله تعالى ليس كعباده، ليس كالمخلوق، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وهو أعلى وأجل مما يتصوره الإنسان، ولا يمكن أن يحيط الإنسان بالله علماً، كما قال عن نفسه: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110]، فهو وإن كان في السماء، فوق كل شيء، فهو مع العباد لكن ليس المعنى أنه في أمكنتهم، بل هو محيط بهم علماً وقدرةً وسلطاناً، وغير ذلك من معاني ربوبيته، فإياك يا أخي المسلم أن تلقى الله على ضلال، اقرأ قول الله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، ثم اقرأ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، ثم آمن بهذا وهذا، واعلم أنه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.

فيجب على الإنسان أن يؤمن بأن الله نفسه فوق كل شيء، وأنه ليس حالاً في الأرض، ولا ساكناً فيها، ثم يؤمن مرةً أخرى بأنه تعالى له عرش عظيم قد استوى عليه، أي: علا عليه علواً خاصاً غير العلو المطلق، علواً خاصاً يليق به جل وعلا، وقد ذكر الله استواءه على العرش في سبعة مواضع من القرآن، كلها بلفظ (استوى على)، واللغة العربية التي نزل بها القرآن تدل على أن (استوى على) أي: علا عليه، كما في قول الله تبارك وتعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:12-14].

وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على أن استواء الله على عرشه استواء حقيقي، وهو علوه جل وعلا على عرشه، ولم يرد عن أحد منهم تفسير ينافي هذا المعنى أبداً.

وهنا أعطيك قاعدة وهي: أنه إذا جاء في الكتاب والسنة لفظ يدل على معنى، ولم يرد عن الصحابة خلافه، فهذا إجماع منهم على أن المراد ظاهره، وإلا لفسروه بخلاف ظاهره، ولنقل عنهم ذلك، وهذه قاعدة مفيدة في تحقيق الإجماع في مثل هذه الأمور.

وأما من فسر (استوى على العرش) بأنه: استولى عليه، فتفسيره خطأ ظاهر، وغلط واضح، فإن الله استولى على العرش وغيره، فكيف نقول: إنه استوى على العرش خاصة يعني: استولى عليه، ثم إن الآيات الكريمة تأبى ذلك أشد الإياء، اقرأ قول الله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، فلو فسرت (استوى) بمعنى استولى، لكان العرش قبل ذلك ليس ملكاً لله، بل هو ملك لغيره، وهل هذا معقول؟ هل يمكن أن يتفوه بهذا عاقل فضلاً عن مؤمن أن العرش كان مملوكاً لغير الله أولاً ثم كان لله ثانياً؟!

ألا فليتق الله هؤلاء المحرفون للكلم عن مواضعه، وأن يقولوا عن ربهم كما قال ربهم عن نفسه جل وعلا، فهم والله ليسوا أعلم بالله من نفسه، وليسوا أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يرد عنه أنه فسر هذا اللفظ بما فسر به هؤلاء، وليسوا أعلم بالله وصفاته من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يرد عنهم أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء على العرش، ألا فليتق الله امرؤ، ولا يخرج عن سبيل المؤمنين، بعدما تبين له الهدى فإنه على خطر عظيم.

إن العلماء الذين سبقوا وأتوا من بعد الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وفسروا الاستواء بالاستيلاء نرجو الله تبارك وتعالى أن يعفو عن مجتهديهم، وأن يتجاوز عنهم، وليس علينا أن نتبعهم، بل ولا لنا أن نتبعهم فيما أخطئوا به، بل نسأل الله لهم العفو عما أخطئوا فيه بعد بذل الاجتهاد، ونرجو الله أن يوفقنا للصواب وإن خالفناهم، ولا يغرنك أيها الأخ المسلم ما تتوهمه من كثرة القائلين بهذا، أي: بأن استوى بمعنى استولى، فإنهم لا يمثلون شيئاً بالنسبة للإجماع السابق، فالصحابة كلهم مجمعون على أن (استوى على العرش) أي: علا عليه، لم يرد عن واحد منهم حرف واحد أنه استولى عليه، فهم مجمعون على هذا، وكذلك الأئمة من بعدهم أئمة المسلمين وزعماؤهم كالإمام أحمد وغيره، إن بينك وبين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أزمنة وعلماء لا يحصيهم إلا الله عز وجل، فعليك بمذهب من سلف، ودع عنك من خلف، فالخير كل الخير فيمن سلف، وليس فيمن خلف.

أيها الأخ المستمع! إنني لم أطل عليك في علو الله عز وجل واستوائه على عرشه ومعيته لخلقه إلا لأن الأمر خطير؛ ولأنه قد ضلت فيه أفهام، وزلت فيه أقدام، فعليك بمذهب من سلف، ودع عنك من أخطأ ممن خلف، أسأل الله أن يوفقنا جميعاً للصواب، وأن يتوفانا على العقيدة السليمة الخالصة من كل شوب.

السؤال: ما رأيكم فيمن يلقنون الميت بعد دفنه، وهم يحتجون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لقن ابنه إبراهيم بعد دفنه؟

الجواب: رأينا أن تلقين الميت بعد دفنه ليس بصحيح، ولم ترد به سنةٌ صحيحة لا في إبراهيم رضي الله عنه، ولا في غيره، وأما حديث أبي أمامة المشهور فإنه حديثٌ ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: ( استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل )، ولم يقل: لقنوه، ثم إن تلقين الميت لا فائدة منه في الواقع؛ لأن الميت لا يسمع مثل هذا، ولن يجيب إذا كان ليس على إيمان مهما لقن، لا يجيب إذا مات على غير إيمان فإنه لا يمكن أن يستجيب بالصواب، وإذا مات على الإيمان فإنه يجيب بالصواب سواءٌ لقن أم لم يلقن.

وخلاصة الجواب: أنه لا مشروعية لتلقين الميت بعد دفنه، وأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا في ابنه ولا غيره.

السؤال: هل تجوز الأضحية عن الميت؟

الجواب: نعم تجوز الأضحية عن الميت بمعنى: أن يضحي الإنسان في أيام النحر، أي: في عيد الأضحى وثلاثة أيام بعده أضحية ينويها عن الميت، يقول مثلاً عند ذبحها: اللهم هذا منك ولك، اللهم هذه عن فلان، ولكن ليس هذا بأمرٍ مشروع؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ضحى عن أحدٍ من أمواته، فقد ماتت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وهي من أحب النساء إليه، ولم يضح لها، واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب في أحد، ولم يضح عنه، ومات له ثلاثٍ بنات في حياته، ولم يضح عنهن، ولو كان هذا أمراً مشروعاً لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما بقوله، وإما بفعله، وإما بإقراره، ولم يعلم أن أحداً من الصحابة ضحى عن أحدٍ من أمواته في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن لو ضحى عن ميت لم يمنعه، وإن كان بعض أهل العلم قال: إنه لا ينفع الميت، وقالوا: إن الصدقة بثمن الأضحية عن الميت أفضل من الأضحية.

وهاهنا مسألة: إذا ضحى الإنسان عنه وعن أهل بيته، ونوى أنه عن الحي والميت، فأرجو أن يكون ذلك نافعاً إن شاء الله تعالى ومشروعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالأضحية عنه وعن أهل بيته، فهذا محتمل أن يكون عن أهل بيته الأحياء والأموات، ويحتمل أن يكون عن أهل بيته الأحياء فقط، والشيء الذي ينبغي أن يُنكر ما يفعله بعض الناس، تجده يشتري الأضحية من ماله، ويضحي بها عن أمواته، ولا ينويها عنه وعن أهل بيته، وهذا أمرٌ خلاف السنة بلا شك، فالأضحية في الأصل عن الأحياء فقط.

التنبيه الآخر: أنه إذا أوصى الميت بأضحية، فهنا لا بد أن يضحى عنه اتباعاً لوصيته، ويكون هذا من عمله لأنه أوصى به.

السؤال: يقول: يوجد بعض الناس يقولون: عند وجود الحذاء مقلوباً رأساً على عقب فالملائكة لا تدخل هذا البيت، أو أن الله لا ينظر إلى هذا البيت، فماذا تقولون في هذا الأمر؟

الجواب: هذا لا صحة له، ولا أعلم في كون النعل مقلوبة بأساً، لكن هذا أمرٌ شديدٌ عند الناس، وقد يكون الأمر شديداً عند الناس ولا أصل له، هذا مثالٌ من الأمثلة، ومثالٌ آخر: البول قائماً، بعض العوام يشدد فيه جداً، حتى إنه ليخرج الإنسان من الإسلام إذا بال قائماً، وهذا غلط؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه بال قائماً، وقال أهل العلم: لا بأس بالبول قائماً بشرط أن يأمن التلويث بالبول، وأن يأمن الناظر، يعني: إذا لم يكن حوله أحد، ولا يخشى أن يتلوث بالبول فلا بأس أن يبول قائماً، ولا كراهة في ذلك لا سيما إذا احتاج إلى هذا، مثل أن يكون معه وجع ركب، يشق عليه الجلوس فلا إشكال في جوازه.

السؤال: كيف تكون المرأة داعية لدين الله وما هي الأسباب المعينة على ذلك، وما الكتب التي أبدأ بها في تحصيل طلب العلم الشرعي؟

الجواب: تكون المرأة داعية كالرجل تماماً إذا كان لديها علم بشريعة الله، فإن لم يكن لديها علم فلا يحل لها أن تتكلم بلا علم، لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، ولقوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، ولقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].

ثانياً: أن يكون لديها قدرة على التكلم بما علمت.

ثالثاً: أن يكون لديها قدرة على مجادلة المعارض؛ لأنه قد يقوم شخص معارضٌ لما تدعو إليه، ويكون لديه فصاحة وبيان، فيغلب بفصاحته وبيانه على هذه الداعية؛ لضعف دفاعها وقوة باطله، فلا بد أن يكون لديها قدرة على مجادلة المعارض.

وأما ما تبدأ به فخير ما يبدأ به طالب العلم: كتاب الله عز وجل، أن يحفظه، ويتدبر معانيه، ويدعو الناس إلى دين الله تعالى به، ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن السنة تبين القرآن، وتوضحه وتفسره، وهي شقيقة القرآن في وجوب العمل بها، ثم كتب العقيدة والتوحيد، لا سيما إذا كان في بلدٍ يكثر فيه الشرك، والعقيدة الباطلة، ثم ما كتبه أهل العلم من الفقه حسبما يتيسر لها، والأحسن أن تسأل عن كل مسألةٍ بعينها، أي: تسأل أهل العلم؛ ليكون ذلك أدق في الجواب.

السؤال: في الحديث: ( الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب )، إذا لم يتيسر شخص في السفر معي، وأنا صاحب أسفار كثيرة، وأريد أن أطبق السنة، ولا يتيسر لي أن يسافر معي أحد ماذا أفعل؟ وهل أدخل في هذا الحديث إذا سافرت لوحدي؟

الجواب: نعم، أما في الطرق المأهولة التي يكثر فيها المارة فلا يدخل في هذا الحديث، فمثلاً هنا في السعودية: طريق القصيم الرياض لو سافر الإنسان وحده فليس وحده في الواقع؛ لأن الطريق كأنه الشارع في البلد، فلا تخلو لحظة من سيارة تمر بك أو تمر بها.

والمراد في الحديث ما كان في الزمن الأول، يذهب الرجل وحده على بعيره في الفلوات ليس معه أحد، فهذا غلط، وحذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منه في قوله: ( إنه شيطان )؛ لأن هذا الإنسان قد ينام، وتأتيه الشمس ويتعب، وقد يمرض، وقد يموت، لكن -الحمد لله- الطرق المأهولة عندنا التي يكون الخط فيها معموراً دائماً لا يعتبر الإنسان مسافراً وحده إذا سافر في سيارته وحده.

السؤال: يقول: لقد قرأت في حديث بأن: ( من قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت )، هل هذا صحيح؟

الجواب: الحديث في صحته نظر، لكن حسنه بعض أهل العلم، والعمل بذلك طيب؛ لأنه لا يضر الإنسان شيئاً، بل له أجر في كل حرفٍ حسنة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعافٍ كثيرة، وفيه أيضاً زيادة الحفظ؛ لأن من قرأ آية الكرسي في ليله لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح، لكن يبدأ بالأذكار الواردة في الأحاديث الصحيحة قبل آية الكرسي.

السؤال: يقول: بأنه عازمٌ على الحج هذا العام إن شاء الله، ولكن عليه دينٌ لشخصٍ آخر، وقد بحث عنه ولم يجده، يقول: ماذا أفعل، وهل لا بد من موافقة صاحب الدين؟

الجواب: أولاً نقول: من كان عليه دين فلا حج عليه أصلاً، حتى وإن لم يؤدِ الفريضة؛ لأنه لم يفرض عليه الحج حتى يوفي الدين، فليشتغل بوفاء دينه وإن أخر الحج سنةً بعد أخرى حتى يقضي الدين، وإني لأعجب من حرص الناس على أداء الحج مع الديون التي عليهم، وهم يعلمون أو لا يعلمون أن حق الله عز وجل مبنيٌ على المسامحة، وأن من عليه دينٌ فلا حج عليه، ومع ذلك يماطلون أصحاب الديون أو لا يماطلون، ولكن يحجون، وهذا غلطٌ منهم بلا شك، نقول: اقضِ دينك ثم حج، وإذا كنت لا تعرف صاحب الدين فابحث عنه بقدر المستطاع، فإذا لم تجده وكان عندك مالٌ واسع، تعلم أنك تحج ويبقى لديك فضلٌ كبير زائد على الدين، فحينئذٍ لا بأس أن تحج.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [182] 3695 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3650 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3504 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3500 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3482 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3442 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3441 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3421 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3345 استماع
فتاوى نور على الدرب [451] 3324 استماع