فتاوى نور على الدرب [21]


الحلقة مفرغة

السؤال: لدينا مقابر يوضع عليها كثير من القاذورات والقمائم التي لا تتصور, وهذا لا يرضى به الله ولا رسوله, وهذا مما يؤثر في النفس عند المؤمنين, فأرجو من سماحتكم إرشادنا والنصح لمثل من يضع هذه القاذورات على المقابر؟

الجواب: لا شك أن مقابر المسلمين يجب احترامها وصيانتها عن الأذى, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه نهى أن يجصص القبر وأن يجلس عليه) وقال: ( لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتمضي إلى جلده خيرٌ له من أن يجلس على القبر) وذلك لما فيه من إهانة صاحب القبر.

وهذا الحديث يؤخذ منه أن كل ما يكون فيه إهانة لأهل القبور فإنه مما أتى الشرع بالتحذير منه والتخويف.

والواجب في مثل هذا الحال أن من شاهد هذا في مقابر المسلمين أن يتصل بالمسئولين عن صيانة المقابر ويخبرهم بهذا حتى يقوموا بصيانتها وحمايتها عن هذه المؤذيات.

كما أنه أيضاً يجب عليه أن ينصح من يشاهده يلقي القمائم فيها, ويبين له أن هذه دار إخوانه المؤمنين, وأنه لا ينبغي بل ولا يجوز أن يلقي فيها ما يكون فيه إهانةٌ لهم وعدم قيامٍ بحقهم.

والشارع كما نهى عن إهانة القبور كذلك أيضاً نهى عن تعظيمها كما في التجصيص والبناء، فلا يجوز أيضاً تعظيم القبور بالبناء عليها وتجصيصها وإشادتها بالعلامات الكثيرة البارزة الظاهرة, فإن علي بن أبي طالب قال لـ أبي الهياج : ( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع صورةً إلا طمستها, ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) وكثير هي القبور نرى أن بعض الناس يضعون عليها علامات كبار، حصى كبار طويلة مشرفة, فمثل هذا أيضاً لا ينبغي، فإنما تكون العلامات في المقبرة بما يحصل به الكفاية في الدلالة على صاحب القبر فقط, وأما أنها تكبر وتبيض أو تحمر بالبوية أو ما أشبه ذلك فهذا مما لا ينبغي, فالدين وسط بين هذا وهذا.

السؤال: نرى الكثير من مقابر المسلمين الآن يوضع عليها أعمدة طويلة كخشب أو أغطية حقائب كبيرة أو علب ملونة لكي يستدلوا بها للزيارة فما الحكم في ذلك؟

الجواب: هذا قد يدخل في القبر المشرف البين الظاهر, وهذا أيضاً مما لا ينبغي, والذي ينبغي أن الإنسان يقتصر على أقل ما تحصل به العلامة فقط.

السؤال: أخبركم بأن لدينا أوقافاً وهي لم تزرع ولم يعتنِ أهلها بها, ويزرعون أراضيهم الأخرى ويتركونها, ونخشى أن يكون ذلك سبباً لانقطاع المطر, أرجو الإرشاد والنصح لمثل هؤلاء ودمتم؟

الجواب: على كل حال هذه الأماكن والأوقاف لا يجوز للنظار عليها الذين يتولونها أن يهملوها, بل الواجب أن يرعوها حق رعايتها, فإن كان يمكن استغلالها وفيه مصلحة فإنها تستغل وتؤخذ مساحتها وإلا فإنها تباع ويصرف ثمنها في أشياء ينتفع بها الموقوف عليهم والواقفون.

وأما تركها هكذا هملاً فهذا لا يجوز, وهو خلاف الأمانة التي تجب على من تولاها أن يقوم بها, ثم إنه بهذه المناسبة أحب أن أبين لإخواننا المستمعين أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يوقف شيئاً أن يجعله من الأشياء المستمر نفعها المعلوم كبناء المدارس وبناء المساجد وإصلاح الطرق وما أشبه ذلك مما يحصل به النفع المستمر الذي لا يوجب إشغال ذمة المتولين على هذه الأوقاف, ولا يوجب أيضاً نزاعهم وخصومتهم كما نجد في الأوقاف الخاصة التي توقف على الذرية وشبههم, فإنه يحصل فيها من الخصومة والملاحاة والمحاكمة أحياناً مالا ينبغي أن يكون بين الأقارب.

لهذا نرى أن الأفضل للإنسان إذا أراد أن ينفع نفسه أن يبذل ما يقدر الله له في حياته في أمورٍ نافعة مستمرة كما أشرنا إليه أولاً من بناء المساجد والمدارس وإصلاح الطرق وطبع الكتب النافعة وما أشبهها.

السؤال: أرى بعض الناس يجعل مغاسل اليدين على البيارة وكذلك مغاسل المطابخ, وفي هذه الحالة يذهب بعض الطعام إلى البيارة, فهل يجوز ذلك؟

ويقول أيضاً: سمعنا ولا ندري ما صحته أنهم يقولون: إن الطعام الذي لا يشبع القطة يجوز أن يذهب إلى هذه البيارة؟

الجواب: لا ينبغي أن يجعل غسيل اليدين وغسيل الأواني من الطعام مع القاذورات والنجاسات؛ لأن هذا الغسيل يجتمع ويتكون منه شيء كثير, هذا إذا كان يحصل من هذا الغسل شيء ذو جرم كحبةٍ وقطعة خبز وما أشبه ذلك, أما إذا كان لا يحصل منه جرم فلا حرج.

وأما ما سمعه من أن الذي لا يشبع القطة! فهذا لا أصل له, وما سمعته إلا من هذا السؤال.

والطريق إلى الخلاص من ذلك أن يقسم الحفرة التي يتجمع فيها الماء إلى قسمين, ويضع بينهما جداراً منيعاً يصبه صباً أو يبنيه ببلك مختوم ويليسه تلييساً قوياً, ويصرف غسيل الطعام واليدين إلى جهة, ومحل الخلاء إلى جهةٍ أخرى, وبهذا يحصل المقصود إن شاء الله.

السؤال: طلبت مني إحدى السيدات أن أكتب لبرنامج الخير مستفسراً عن مشكلة سبق أن حدثت لتلك السيدة، نرجو عرضها على أحد علماء الفقه عبر برنامج نور على الدرب ونص المشكلة أن تلك السيدة أسقطت طفلاً ميتاً في الشهر السابع من تكوينه, وكانت السيدة في حالة في مرض شديد لغاية أنها لم تستطع حمل الطفل, ولم يكن بالقرب منها أحد تطلب إليه حمل الطفل ودفنه فرجعت إلى خدرها وتركته.

وفي الصباح حاولت السير إلى مكان إسقاط الطفل فوجدته قد أكلته السباع أو الكلاب, وحيث أن تلك السيدة تعيش الآن في قلقٍ وحيرة من أمرها خوفاً من العقوبة أو عقوبة ما حدث, وتأمل إرشادها إلى ما يجب أن تفعله, وهل عليها إثمٌ في ذلك؟ وما كفارته؟ ونأمل التكرم بالرد إذا تكرمتم علينا وفقكم الله؟

الجواب: لا شك أن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً, وأنه لا يجوز لها أن تعمل مثل هذا العمل, وأن الذي ينبغي بل يجب عليها أنها أبقته عندها في البيت حتى تتصل بأحدٍ في الصباح ويقوم باللازم من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه, ولكن إذا كان الأمر كما هو مشروح الآن فإن عليها أن تتوب إلى الله وتستغفر ولا تعود لمثلها, وعليها كذلك أيضاً هي أو غيرها أن تصلي على هذا الطفل؛ لأنه لم يصلَ عليه.

والصحيح من أقوال أهل العلم أن الصلاة على الميت لا تتقيد بشهرٍ ولا بسنة بل أي ميتٍ لم يصل عليه فإنه يصلى عليه متى أمكن ذلك.

وعلى هذا فهذا الطفل تصلي عليه هي, أو من علم بحاله من المسلمين, ولعل الله أن ييسر فنصلي عليه نحن إن شاء الله, ويكون ذلك خيراً على خير.

السؤال: يوجد عند شخص (م) مجموعة من النقود, وطلبتها منه عدة مرات ويماطلني، وجئت له مرة وقلت له: أعطني جزاك الله خيراً حقي، قال: ما عندي شيء، اصبر مثل غيرك, والحقيقة أنا رجل حمقي وغضبت وقلت له: شوف عساي أعمى يوم أقف عليك, متى ما هداك الله جبها؟ والآن له سنتان ما شفت أحداً، وأنا نادم على فعلي ومحتار على أنني وصيت له, ويقول: وصيت لرجال لفكها ولا أفاد, وأنا ودي أذهب لأمه وأشكيه إذا لم يسدد لي فأنا خائف من هذا الدعاء الذي دعيته على نفسي, أرجو حل هذه المشكلة وفقكم الله؟

الجواب: هذا الذي دعوت به على نفسك هو عند بعض العلماء بمنزلة اليمين, فقول الرجل: هو يهوديٌ إن فعل كذا أو نصرانيٌ إن فعل كذا أو ما أشبه ذلك, وعلى هذا فيكون حكمه حكم اليمين, بمعنى أنك إن عدت إليه وطالبته وجب عليك كفارة يمين.

وكفارة اليمين هي كما ذكر الله تعالى في سورة المائدة: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89] فأنت الآن أطعم عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الناس, وهو في وقتنا الآن الرز فاصنع طعاماً من الرز وادع إليه عشرةً من الفقراء وأطعمهم حتى يأكلوه, وإن لم تفعل هكذا فانظر عائلة فقيرة تتكون من عشرة أنفار ثم ادفع إليهم هذا, وينبغي أن تجعل معه لحماً أو نحوه مما يؤدمه حتى يتم الإطعام, وتطالبه بحقك بعد ذلك.

السؤال: إذا أتيت لصلاة الفجر ووجدت الإمام قام للصلاة, ولم أتسنن لسنة الفجر, هل أقضيها بعد الصلاة أم لا؟

الجواب: هذه المسألة فيها قولان لأهل العلم, منهم من يرى جواز قضائها بعد الصلاة؛ لأنها من ذوات الأسباب, ومنهم من يرى أنها لا تقضى بعد الصلاة, ولكن تقضى في النهار في الضحى.

فإذا أحببت أن تقضيها بعد الصلاة فلا حرج عليك, وإذا كنت تثق من نفسك أن تقضيها في النهار في الضحى فهو أحسن وأطيب, وخروجاً من الخلاف, ولكن إن قضيتها بعد الصلاة فلا حرج عليك.

السؤال: بعض الناس هداهم الله إذا مر على القوم وهم جالسون, أو مر على شخص أومأ إليه برأسه يقصد السلام, هل نرد عليه أم لا؟

الجواب: الذي لا يجب الرد على مثل هذا؛ لأن الرد إنما يجب على من سلم السلام المشروع وهو قوله: السلام عليكم هذا هو الذي يجب أن يرد عليه, فأما من أومأ برأسه فقط أو بيده فقط فهذا لا يستحق الرد؛ لأنه خروجٌ عن المشروع.

ولكن ينبغي في هذه الحال أن تبين له أن السلام المشروع هو أن يقول: السلام عليكم حتى لا يكون في نفسه عليك حرج أو عداوة, وحتى يستفيد أيضاً من كلامك له بأن هذا هو السلام المشروع.

وهذا أيضاً مثل قول الإنسان: أهلاً وسهلاً ومرحباً فهذا ليس هو السلام المشروع, بل السلام المشروع السلام عليكم, ويرد المسلم عليه فيقول: وعليكم السلام.

السؤال: شخص حلف عدة مرات عن عدة أشياء, فهل تكفيرها يجزئ عن جميع هذه الحلوف؟ أم كل حلف يحتاج إلى تكفير مستقل؟

الجواب: هذه الأحلاف أو الحلوف إذا كانت على فعل واحد فإنه يجزئه كفارة واحدة، مثل أن يقول: والله لا أكلم فلاناً، ثم يقول له بعض الناس: كلمه, الهجر حرام, ثم يقول: والله لا أكلمه, ثم يقول له آخر: كيف تحلف؟ كلمه وهذا أخوك المسلم, فيقول ثالثةٌ: والله لا أكلمه. فهذه أيمانٌ ثلاثة لكن المحلوف عليه شيء واحد, فهذا يجزئه كفارةٌ واحدة؛ لأن المحلوف عليه شيء واحد.

وأما إذا كان المحلوف عليه متعدداً مثل أن قال: والله لا أكلم فلاناً, والله لا أدخل هذا البيت, والله لا آكل هذا الطعام وما أشبه ذلك من الأنواع المتعددة ثم حنث في يمينه, وفعل ما حلف على تركه, فهذا إن كفر عن واحد منها لزمه الكفارة لغيره إن حنث فيه.

وإن لم يكفر فإنه محل خلافٍ بين أهل العلم: منهم من قال: يجب عليه لكل فعلٍ كفارة, ومنهم من قال: تكفيه كفارةٌ واحدة.

فالذين قالوا: عليه لكل فعلٍ كفارة اعتبروا أن المحلوف عليه متعدد, ولكل محلوفٍ عليه كفارة.

والذين قالوا: تجزئه كفارةٌ واحدة, قالوا: إن تعدد المحلوف عليه كتعدد أسباب الوضوء, فإن الرجل قد يأكل لحم إبلٍ وقد ينام وقد يخرج من سبيليه شيء ويجزئه وضوءٌ واحد, قالوا: فهذا أيضاً مثله تجزؤه كفارةٌ واحدة, وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه إذا حلف على أشياء متعددة وحنث فيها ولم يكفر فإنه يجزؤه كفارةٌ واحدة عن الجميع.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3648 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3502 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3498 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3480 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3420 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3344 استماع
فتاوى نور على الدرب [451] 3323 استماع