خطب ومحاضرات
حي على الجهاد
الحلقة مفرغة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعــد:
سمعتم عنوان هذه المحاضرة أيها الأحبة وهو (حي على الجهاد) فما أدري: هل أنتم مستعدون للجهاد؟
من قال حي على الجهاد تجبه صيحات الدماء لو كنت أشلاء ممزقة بأنحاء الفضاء |
لم آل جهداً في كفاح مناصب الدين العداء |
وإذا كنتم مستعدين، فلابد أن نطبق معكم ميزان يوشع بن نون عليه الصلاة والسلام.
جعل الدنيا تحت القدمين مع استخدامها
ثم مضى بمن بقي من الجيش، فلما اقترب من القرية التي كان يريد أن يغزوها كان عند صلاة العصر، فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئاً، -يعني جزءاً من الوقت تتوقف الشمس- أو تعود له حتى ينتهي من قتال هذه القرية.
فحبسها الله تبارك وتعالى حتى غزا هذه القرية، وانتصر على أهلها، ثم جمعوا الغنائم في صعيد، -وكان من عادة الأمم السابقة أنهم إذا غنموا غنيمة لا يصيبونها، بل يجعلونها في صعيد، فتأتي نار من السماء فتحرقها- فلما وضعوا هذه الغنائم في الصعيد، انتظروا أن تأتي النار، فجاءت النار ولم تحرقها.
فقال لقومه: فيكم غلول، -فيكم من أخذ من الغنيمة شيئاً-.
ليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعه من كل قبيلة رجل، فلصقت يده بيد رجل، فقال: فيكم الغلول -في قبيلتك الغلول- لتبايعني قبيلتك رجلاً رجلاً، فبايعته القبيلة رجلاً رجلاً، فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول ائتوا به، فذهبوا وأحضروا له مثل قرن الثور من الذهب -قد أخذوه وغلوه- فأخذه ووضعه في الغنيمة، ثم جاءت النار من السماء فأحرقتها
}.من كان سيستجيب لنداء (حي على الجهاد) فإنه يحتاج إلى أن يجعل الدنيا تحت قدميه، لا مانع أن يستخدمها، لكن لا يكون عبداً وخادماً لها، وفرق بين من يخدمها، وبين من يستخدمها.
مدلول كلمة الجهاد
إذاً (جاهد) تدل على أن هناك طرفاً آخر يقاتل المسلمين، ويؤذيهم، ويحاربهم، والمسلمون مطالبون بأن يواجهوا هذا بالجهاد، مثل قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200] فقوله (اصبروا) يدل على أن الإنسان يصبر على ما يناله، وما يصيبه، لكن لما قال: وَصَابِرُوا [آل عمران:200] معناه أنه لا يكفي الصبر، بل لابد من المصابرة، بمعنى أنكم ستلقون أعداء يصبرون كما تصبرون، فصابروا، أي: اصبروا صبراً فوق صبرهم.
قيل لبعض الشجعان في الجاهلية، وأظنه عنترة بن شداد قيل له: كيف كنت شجاعاً باسلاً؟ وكان عنترة عبداً ليس له قيمة، وفي يوم من الأيام أغار الجيش على قومه، فأمره سيده بأن يوقد النيران ويقاتل، فإن انتصر فهو حر، وهكذا، المهم قيل له: بماذا صرت شجاعاً يشار إليك بالبنان؟ قال: إنني أجد من الألم كما يجد غيري، ولكنني في كل لحظة أصبر نفسي، وأقول: أنتظر ربما تكون هذه اللحظة هي اللحظة التي ينهزم فيها عدوك، فأنتظر لحظة، وهكذا أصبر نفسي حتى يعلن عدوي هزيمته وانتصر أنا، وإلا فأنا أجد من الألم ومس العذاب مثلما يجد غيري.
ولذلك كان من حكمة الله أنه جعل اسم هذا الأمر الذي شرعه لنا من قتال الأعداء وغيره، جعل اسمه (الجهاد) حتى تكون الكلمة بحد ذاتها معبرة، حتى لو لم ترد نصوص صريحة في هذا الباب فإن مجرد هذه الكلمة -كلمة (الجهاد)- ذات دلالات عميقة، كما سيتضح من خلال هذا الحديث العابر.
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل بنى أو ملك بضع امرأة ولما يدخل بها -يعني رجل عقد على امرأة ولما يتزوجها بعد هذا ينسحب-، ولا رجل اشترى إبلاً أو غنماً وهو ينتظر ولادها ونتاجها، ولا رجل بنى بيتاً ولما يرفع سقفه، فانفض عنه جمع غفير من هؤلاء. ثم مضى بمن بقي من الجيش، فلما اقترب من القرية التي كان يريد أن يغزوها كان عند صلاة العصر، فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئاً، -يعني جزءاً من الوقت تتوقف الشمس- أو تعود له حتى ينتهي من قتال هذه القرية. فحبسها الله تبارك وتعالى حتى غزا هذه القرية، وانتصر على أهلها، ثم جمعوا الغنائم في صعيد، -وكان من عادة الأمم السابقة أنهم إذا غنموا غنيمة لا يصيبونها، بل يجعلونها في صعيد، فتأتي نار من السماء فتحرقها- فلما وضعوا هذه الغنائم في الصعيد، انتظروا أن تأتي النار، فجاءت النار ولم تحرقها. فقال لقومه: فيكم غلول، -فيكم من أخذ من الغنيمة شيئاً-. ليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعه من كل قبيلة رجل، فلصقت يده بيد رجل، فقال: فيكم الغلول -في قبيلتك الغلول- لتبايعني قبيلتك رجلاً رجلاً، فبايعته القبيلة رجلاً رجلاً، فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول ائتوا به، فذهبوا وأحضروا له مثل قرن الثور من الذهب -قد أخذوه وغلوه- فأخذه ووضعه في الغنيمة، ثم جاءت النار من السماء فأحرقتها
من كان سيستجيب لنداء (حي على الجهاد) فإنه يحتاج إلى أن يجعل الدنيا تحت قدميه، لا مانع أن يستخدمها، لكن لا يكون عبداً وخادماً لها، وفرق بين من يخدمها، وبين من يستخدمها.
أحبتي الكرام: الجهاد بحد ذاته كلمه ذات مدلول عميق، وهي من الشعائر العظيمة التي جاء بها دين الإسلام، ولو رجعنا يسيراً الى المعنى والمدلول اللغوي لكلمة (جهاد) لوجدنا أنها مشتقة أصلاً من كلمة (جهد)، و(جهد) تدل على بذل الجهد، واستفراغ الوسع والطاقة في أمر من الأمور، فأنت تقول: فلاناً أجهد فلاناً يعني اتعبه، وفلان اجتهد في كذا يعني بذل جهده وغايته، فإذا أضفنا إلى أصل معنى كلمة (جهد) لفظ (الجهاد) أو (المجاهدة) الذي يدل على مفاعلة بين طرفين، بأن يبذل شخص جهده ضدك وأنت تبذل جهدك ضده، هذه مثل المقاتلة، فرق بين أن تقول: فلان قتل فلاناً، أو فلان قاتل فلاناً، وفقتله يمكن أن تكون بمعنى أن يجده نائماً -مثلاً- فقتله بالسيف، لكن عندما تقول: قاتله، معناه أن هذا كان معه سيف، وهذا كان معه سيف، فالتقيا، ومازال كل واحد منهما يكر ويفر ويميل يمنة ويسرة على الآخر حتى أمكن منه فقتله.
إذاً (جاهد) تدل على أن هناك طرفاً آخر يقاتل المسلمين، ويؤذيهم، ويحاربهم، والمسلمون مطالبون بأن يواجهوا هذا بالجهاد، مثل قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200] فقوله (اصبروا) يدل على أن الإنسان يصبر على ما يناله، وما يصيبه، لكن لما قال: وَصَابِرُوا [آل عمران:200] معناه أنه لا يكفي الصبر، بل لابد من المصابرة، بمعنى أنكم ستلقون أعداء يصبرون كما تصبرون، فصابروا، أي: اصبروا صبراً فوق صبرهم.
قيل لبعض الشجعان في الجاهلية، وأظنه عنترة بن شداد قيل له: كيف كنت شجاعاً باسلاً؟ وكان عنترة عبداً ليس له قيمة، وفي يوم من الأيام أغار الجيش على قومه، فأمره سيده بأن يوقد النيران ويقاتل، فإن انتصر فهو حر، وهكذا، المهم قيل له: بماذا صرت شجاعاً يشار إليك بالبنان؟ قال: إنني أجد من الألم كما يجد غيري، ولكنني في كل لحظة أصبر نفسي، وأقول: أنتظر ربما تكون هذه اللحظة هي اللحظة التي ينهزم فيها عدوك، فأنتظر لحظة، وهكذا أصبر نفسي حتى يعلن عدوي هزيمته وانتصر أنا، وإلا فأنا أجد من الألم ومس العذاب مثلما يجد غيري.
ولذلك كان من حكمة الله أنه جعل اسم هذا الأمر الذي شرعه لنا من قتال الأعداء وغيره، جعل اسمه (الجهاد) حتى تكون الكلمة بحد ذاتها معبرة، حتى لو لم ترد نصوص صريحة في هذا الباب فإن مجرد هذه الكلمة -كلمة (الجهاد)- ذات دلالات عميقة، كما سيتضح من خلال هذا الحديث العابر.
ومن أعظم الدلالات التي يدل عليها هذا الاسم الكريم المبارك لهذه الشعيرة العظيمة الجهاد: قضية ثبات الجهاد، ودوامه، واستمراره، وهذه قضيه أعتبر أنها من أعظم وأخطر القضايا التي تحتاج أن نبرزها في هذا العصر، وعندنا نصوص كثيرة، -فضلاً عن مدلول كلمة الجهاد نفسها، التي تدل على دوام المجاهدة، ومقاتلة الأعداء إلى قيام الساعة- فعندنا نصوص نبوية صريحة تدل على ثبات الجهاد، وبقائه إلى يوم القيامة، أذكر منها بعض الأمثلة:-
حديث الطائفة المنصورة
بل ورد في بعض الأحاديث الواردة، كما في حديث النواس بن سمعان وغيره: {أن أناساً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد -أي أنه في بعض المعارك لما حصلت هدنة بين المسلمين والكفار، المسلمون وضعوا السلاح، وأذالوا الخيول وآذلوها أي: وتركوها، وأهملوها، وقالوا: لا جهاد، انتهى الجهاد- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذبوا! الآن جاء القتال -أي من الآن بدء القتال- ولا يزال الله عز وجل يزيغ قلوب أقوام، ويرزقهم منهم إلى قيام الساعة}.
إذاً فالأحاديث الواردة في الطائفة المنصورة الباقية إلى قيام الساعة، وهي أحاديث متواترة، قطعية الثبوت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تؤكد أن شعيرة الجهاد، شعيرة محكمة، باقية إلى قيام الساعة، أي: أن الجهاد مستمر شرعاً، وواقعاً.
أما من ناحية الشرع، فإن من المعلوم بالضرورة في دين الإسلام، أن الجهاد شعيرة وشريعة، أي لا يمكن أن يأتي شخص ويقول: الجهاد منسوخ، هل يمكن أن يقول أحد: إن الجهاد منسوخ -مثلاً- بآيات الصبر؟ لا يقول أحد ذلك، قد يقول العكس إن آيات الصبر منسوخة بالجهاد وآيات السيف، وهناك من يقول: ليس هناك نسخ، بل هذه في حين، وهذه في حين آخر، لكن لم يوجد ولن يوجد -بإذن الله تعالى- من يقول: إن الجهاد منسوخ ولو قال مسلم ذلك، لكان كافراً مرتداً عن دين الله سبحانه وتعالى.
فقضيه الإقرار بشرعية الجهاد، هذه قضية مفروغ منها في الدين، ومسلمة، وهي من القضايا المعلومة من الدين بالضرورة، لو أنكرها إنسان لكان يُعلم في ذلك، فإن أصر، فإنه يكون مرتداً، فيقتل مرتداً، فهذا من حيث الشرع هو ثابت، لكن أيضاً من حيث الواقع، حديث الطائفة المنصورة يؤكد أن الجهاد باق، فليس الجهاد أمراً وقتياً كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخلفاء الراشدين، ثم انتهى، كلا، بل هو باق إلى قيام الساعة.
حديث ( ولكن جهاد ونية )
فقوله عليه الصلاة والسلام: {لا هجرة بعد الفتح} أي: أن الهجرة من مكة إلى المدينة بعد فتح مكة صارت غير واجبة، لأن مكة صارت دار إسلام بفتحها، فلم يعد واجباً على أهل مكة أن يغادروها إلى المدينة، بل يبقوا في مكة.
{ولكن جهاد ونية} وما بعد (لكن) مغاير لما قبلها في الحكم، فلما بين صلى الله عليه وسلم بأنه لا هجرة بعد الفتح، بين أن الأمر الباقي قبل الفتح وبعد الفتح: هو الجهاد في سبيل الله والنية.
فدل الحديث على أن الجهاد باق، باق من ناحية الشرع -كما أسلفت- وباق من ناحية الواقع، كما أن الهجرة نسخ وجوبها من حيث الشرع، ونسخ وقوعها من حيث التاريخ، فإننا نعلم أن المؤرخين إذا قالوا: إن فلاناً من المهاجرين، مثلاً: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبو عبيدة إلى غير ذلك، يقولون: هؤلاء من المهاجرين، هل معنى ذلك أنهم هاجروا قبل فتح مكة.
ولذلك قال الله عز وجل: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] فإذا قيل: فلانٌ مهاجري، فالمقصود: أنه هاجر قبل فتح مكة، أما بعد فتح مكة فليس هناك هجرة، ومن خرج من مكة إلى المدينة لا يسمى مهاجراً حينئذٍ.
إذاً قوله: { لا هجرة بعد الفتح} يعني: لا هجرة شرعية من مكة، ولا هجرة واقعية أيضاً، ولكن الجهاد باق شرعاً، وكذلك هو باق من حيث الواقع، لا يمكن أن تفقده الأمة في عصر من العصور.
حديث ( الخيل في نواصيها الخير )
ولماذا كانت الخيل بهذه المثابة؟ لأنه معقود في نواصيها الأجر والمغنم، والمغنم: هو ثمرة من ثمرات الجهاد، وكذلك الأجر: إنما هو ثمرة من ثمرات الجهاد، والخيل: إنما هي آلة من آلات الجهاد أو كانت آلة من آلات الجهاد فيما مضى، في عهود قتال المسلمين الأولين كانت الخيل من أعظم وسائل الجهاد.
كذلك في الحروب المستقبلية التي تكون قبل قيام الساعة، والملاحم الكبرى التي حدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم تستخدم فيها الخيول، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قتال المسلمين مع الروم في دمشق، وفتحهم للقسطنطينية، قبل خروج الدجال، والملاحم الكبرى التي ورد الخبر عنها، فيها ذكر الخيل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الفوارس الذين يقاتلون، قال: {إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير الفوارس على وجه الأرض يومئذ أو من خير فوارس الأرض يومئذ } فذكر صلى الله عليه وسلم الخيول، وأنه معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
إذاً، قتال الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الأولين كان بالخيول، والملاحم الكبرى التي قبل قيام الساعة ستكون بالخيول، وهذا لا يلزم أن يكون الجهاد بالخيل دائماً: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فليس صحيحاً أن عدونا يواجهنا بالصاروخ، والمدفعية، والدبابة، وغيرها من وسائل الحرب المتقدمة، ونحن نواجهه بالسيف، والخنجر، والخيل، كلا، بل نعد له القوة التي تتناسب مع القوة التي يواجهنا، ويحاربنا بها.
حديث: { الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة } حديث متواتر، رواه أكثر من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث بعضهم في الصحيحين وغيرهما -كما ذكرت- حديث ابن عمر، وعروة بن أبي الجعد البارقي.
ويقول الإمام أحمد، كما ذكر الترمذي: "فقه هذا الحديث أن الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر إلى يوم القيامة".
والبخاري -أيضاً- بوب على هذا الحديث في صحيحه، "باب الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر".
فالإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والبيهقي، وغيرهم من العلماء، فهموا أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: { الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة} أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، لأنه إنما كانت الخيل كذلك للحاجة إليها في الجهاد، فمعنى هذا أن الجهاد باقٍ إلى قيام الساعة.
من الأمثلة لهذه النصوص: الأحاديث المتواترة الواردة في شأن الطائفة المنصورة، فقد ورد عن أكثر من عشرين صحابياً، أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بوجود طائفة منصورة باقية إلى قيام الساعة، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذه الأحاديث، في مهمات الطائفة المنصورة أنهم يقاتلون أعداءهم، ظاهرين على من ناوأهم.
بل ورد في بعض الأحاديث الواردة، كما في حديث النواس بن سمعان وغيره: {أن أناساً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد -أي أنه في بعض المعارك لما حصلت هدنة بين المسلمين والكفار، المسلمون وضعوا السلاح، وأذالوا الخيول وآذلوها أي: وتركوها، وأهملوها، وقالوا: لا جهاد، انتهى الجهاد- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذبوا! الآن جاء القتال -أي من الآن بدء القتال- ولا يزال الله عز وجل يزيغ قلوب أقوام، ويرزقهم منهم إلى قيام الساعة}.
إذاً فالأحاديث الواردة في الطائفة المنصورة الباقية إلى قيام الساعة، وهي أحاديث متواترة، قطعية الثبوت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تؤكد أن شعيرة الجهاد، شعيرة محكمة، باقية إلى قيام الساعة، أي: أن الجهاد مستمر شرعاً، وواقعاً.
أما من ناحية الشرع، فإن من المعلوم بالضرورة في دين الإسلام، أن الجهاد شعيرة وشريعة، أي لا يمكن أن يأتي شخص ويقول: الجهاد منسوخ، هل يمكن أن يقول أحد: إن الجهاد منسوخ -مثلاً- بآيات الصبر؟ لا يقول أحد ذلك، قد يقول العكس إن آيات الصبر منسوخة بالجهاد وآيات السيف، وهناك من يقول: ليس هناك نسخ، بل هذه في حين، وهذه في حين آخر، لكن لم يوجد ولن يوجد -بإذن الله تعالى- من يقول: إن الجهاد منسوخ ولو قال مسلم ذلك، لكان كافراً مرتداً عن دين الله سبحانه وتعالى.
فقضيه الإقرار بشرعية الجهاد، هذه قضية مفروغ منها في الدين، ومسلمة، وهي من القضايا المعلومة من الدين بالضرورة، لو أنكرها إنسان لكان يُعلم في ذلك، فإن أصر، فإنه يكون مرتداً، فيقتل مرتداً، فهذا من حيث الشرع هو ثابت، لكن أيضاً من حيث الواقع، حديث الطائفة المنصورة يؤكد أن الجهاد باق، فليس الجهاد أمراً وقتياً كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخلفاء الراشدين، ثم انتهى، كلا، بل هو باق إلى قيام الساعة.
صنف ثان من الأدلة التي تدل على بقاء الجهاد، واستمراره، ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا}.
فقوله عليه الصلاة والسلام: {لا هجرة بعد الفتح} أي: أن الهجرة من مكة إلى المدينة بعد فتح مكة صارت غير واجبة، لأن مكة صارت دار إسلام بفتحها، فلم يعد واجباً على أهل مكة أن يغادروها إلى المدينة، بل يبقوا في مكة.
{ولكن جهاد ونية} وما بعد (لكن) مغاير لما قبلها في الحكم، فلما بين صلى الله عليه وسلم بأنه لا هجرة بعد الفتح، بين أن الأمر الباقي قبل الفتح وبعد الفتح: هو الجهاد في سبيل الله والنية.
فدل الحديث على أن الجهاد باق، باق من ناحية الشرع -كما أسلفت- وباق من ناحية الواقع، كما أن الهجرة نسخ وجوبها من حيث الشرع، ونسخ وقوعها من حيث التاريخ، فإننا نعلم أن المؤرخين إذا قالوا: إن فلاناً من المهاجرين، مثلاً: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبو عبيدة إلى غير ذلك، يقولون: هؤلاء من المهاجرين، هل معنى ذلك أنهم هاجروا قبل فتح مكة.
ولذلك قال الله عز وجل: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] فإذا قيل: فلانٌ مهاجري، فالمقصود: أنه هاجر قبل فتح مكة، أما بعد فتح مكة فليس هناك هجرة، ومن خرج من مكة إلى المدينة لا يسمى مهاجراً حينئذٍ.
إذاً قوله: { لا هجرة بعد الفتح} يعني: لا هجرة شرعية من مكة، ولا هجرة واقعية أيضاً، ولكن الجهاد باق شرعاً، وكذلك هو باق من حيث الواقع، لا يمكن أن تفقده الأمة في عصر من العصور.
ومن الأحاديث الدالة أيضاً على بقاء الجهاد إلى قيام الساعة، قوله صلى الله عليه وسلم: { الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة} كما رواه الشيخان، عن ابن عمر، وروياه -أيضاً- عن عروة بن أبي الجعد البارقي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر، والمغنم}.
ولماذا كانت الخيل بهذه المثابة؟ لأنه معقود في نواصيها الأجر والمغنم، والمغنم: هو ثمرة من ثمرات الجهاد، وكذلك الأجر: إنما هو ثمرة من ثمرات الجهاد، والخيل: إنما هي آلة من آلات الجهاد أو كانت آلة من آلات الجهاد فيما مضى، في عهود قتال المسلمين الأولين كانت الخيل من أعظم وسائل الجهاد.
كذلك في الحروب المستقبلية التي تكون قبل قيام الساعة، والملاحم الكبرى التي حدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم تستخدم فيها الخيول، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قتال المسلمين مع الروم في دمشق، وفتحهم للقسطنطينية، قبل خروج الدجال، والملاحم الكبرى التي ورد الخبر عنها، فيها ذكر الخيل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الفوارس الذين يقاتلون، قال: {إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير الفوارس على وجه الأرض يومئذ أو من خير فوارس الأرض يومئذ } فذكر صلى الله عليه وسلم الخيول، وأنه معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
إذاً، قتال الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الأولين كان بالخيول، والملاحم الكبرى التي قبل قيام الساعة ستكون بالخيول، وهذا لا يلزم أن يكون الجهاد بالخيل دائماً: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فليس صحيحاً أن عدونا يواجهنا بالصاروخ، والمدفعية، والدبابة، وغيرها من وسائل الحرب المتقدمة، ونحن نواجهه بالسيف، والخنجر، والخيل، كلا، بل نعد له القوة التي تتناسب مع القوة التي يواجهنا، ويحاربنا بها.
حديث: { الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة } حديث متواتر، رواه أكثر من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث بعضهم في الصحيحين وغيرهما -كما ذكرت- حديث ابن عمر، وعروة بن أبي الجعد البارقي.
ويقول الإمام أحمد، كما ذكر الترمذي: "فقه هذا الحديث أن الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر إلى يوم القيامة".
والبخاري -أيضاً- بوب على هذا الحديث في صحيحه، "باب الجهاد ماضٍ مع البر والفاجر".
فالإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والبيهقي، وغيرهم من العلماء، فهموا أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: { الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة} أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، لأنه إنما كانت الخيل كذلك للحاجة إليها في الجهاد، فمعنى هذا أن الجهاد باقٍ إلى قيام الساعة.
هذه القضية نأخذ منها معاني ودلالات كثيرة فإننا فهمنا من مجموع هذه الأحاديث ومن غيرها ومن أصل كلمة الجهاد، أن الجهاد باق إلى قيام الساعة، نأخذ من ذلك عدة أمور:
طبيعة الكفر واحدة
هذا حكم إلهي على الكافرين، ويقول جل وعلا: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] ويقول: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] ويقول: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] ولو أسرد لكم الآيات القرآنية التي تبين طبيعة الكفر؛ لانتهى المجلس قبل أن نكمل هذه الآيات.
قد يتخيل بعضكم أن هذه قضيه بديهية، وهي كذلك قضية بديهية، لكن المؤسف أننا في هذا العصر أصبحنا بحاجة إلى التركيز على البديهيات، حتى يفهمها الناس ولا يقبلوا فيها أي تراجع.
وقد وقع في يدي عدد من الكتب التي كتبها -مع الأسف- بعض الفقهاء، وبعض المفكرين المعاصرين، فوجدت أنهم يطرحون قضية الجهاد طرحاً ميتاً متماوتاً، مخذولاً مهزوماً، يقول لك: الأصل المسالمة مع الكفار، والأصل أننا ندعو وننشر الإسلام بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالسلم، وبالدعوة السلمية، أصبح كثير -لا أقول من عامة المسلمين بل من دعاة الإسلام في هذا العصر- يتصورون أنه من الممكن عن طريق الدعوة السلمية، والوسائل السلمية، أن أمريكا تسلم، ثم بريطانيا، ثم فرنسا، ثم ألمانيا، ثم روسيا.
والحمد الله رب العالمين، وتنتهي هذه القضية، ولا نحتاج إلى رفع راية الجهاد، ولا نحتاج إلى حمل السيوف للقتال، يتصور بعض البله والمغفلين مثل هذا الأمر، والواقع أن الذي يقرأ القرآن الكريم قراءة واعية، لا يحتاج إلى كلام، ولا إلى بيان خلاف ذلك، مثل من يتصورون -أيضاً- أنه قد يوجد في كل بلد من بلدان العالم أحزاب تنادي بالإسلام، ثم تطرح برنامجها في الإصلاح الزراعي، وبرنامجها في الإصلاح الإداري، وبرنامجها في الإصلاح السياسي، وبرنامجها في الإصلاح الاقتصادي، ثم تستقطب الناس شيئاً فشيئاً، ثم تطرح نفسها بالترخيص الرسمي لها، فتدخل البرلمانات والمجالس النيابية، وغير ذلك، وتبدأ شيئاً فشيئاً تطرح الإسلام، حتى تفرض الإسلام من خلال المجالس النيابية، ومن خلال القنوات الرسمية -كما يقولون- وبهذا نستطيع -كما يتصورون- أن نفرض الإسلام على أمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وغيرها من بلاد العالم.
هذا في الواقع سذاجة كبيرة، وقد لاحظتها ولمستها على بعض الذين يعايشون الكفار في أوروبا، وأمريكا، يقولون هؤلاء الكفار سذج، ما عندهم شيء، وليس عندهم عداء صريح للإسلام.
الولاء والبراء عند عوام المسلمين
بل قد تجد المسلم يعيش إلى جنب اليهودي، وإلى جنب النصراني، والمشرك، والشيوعي، سواء بسواء، وتحت سقف واحد، يأكلون طعاماً واحداً، ويشربون ماءً واحداً، وبينهم من الألفة والمودة الشيء العظيم، كأنهم إخوة، حتى عوام المسلمين اليوم ضاعت منهم معاني الولاء والبراء، وفقدوا إحساسهم بالتميز بالدين، فلا عبرة بكون عوام النصارى -مثلاً- في أمريكا، وأوروبا وغيرها، أصحبوا لا يحملون عداوة صارخة واضحة للمسلمين، هذا صحيح، فقد يوجد في طبقات منهم، لكن العبرة بأمور:
أولها: أن هناك قيادات مستفيدة، تحرك هؤلاء الناس، مثلما كان القسس والرهبان يحرضون أوروبا، أيام الحروب الصليبية، ويحركونها لتأتي لغزو المسلمين، كذلك يوجد في كل عصر، وفي كل زمان، وفي كل مكان زعماء دينيون، وزعماء سياسيون، وزعماء اجتماعيون، إذا جاء وقت الحاجة حركوا عواطف الناس، وحرضوهم وجمعوهم على العداء، والكراهية، والبغضاء للمؤمنين والمسلمين، هذا جانب.
الجانب الثاني: أن هؤلاء الدهماء والعوام من الناس، وإن كان عداؤهم وبغضهم للإسلام مستخفياً، إلا أنه قابل للتحريك في أي وقت.
ولذلك قد تجد -بالنسبة للمسلمين- مسلماً لا يصلي، ولا يصوم، ولا يحج البيت الحرام، وليس عنده خوف من الله عز وجل، لكن لو حصلت حرب بين قبيلة من المسلمين الذين يعيش بينهم، وبين قبيلة أخرى من الكفار، تجده يخوض المعركة مع قومه من المسلمين، إما بالحمية، وإما بالعصبية لقومه، من هذا الباب وليس من باب العصبية لله ورسوله، ولذلك {جاء رجل يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}.
أحياناً إنسان تحركه الحمية لقومه والعصبية لدينه وإن لم يكون متمسكاً بهذا الدين، فهكذا بالنسبة لأولئك النصارى، واليهود، وإن كان بغضهم للإسلام مستتراً، مستخفياً، إلا أنه قابل للتحريك والإثارة في أي وقت من الأوقات.
العداء للإسلام يبرز في كل وقت
لكن حجاب بغطاء الشعر، فرفض مدير المدرسة، وتطورت القضية إلى مدير التعليم، ثم إلى وزير المعارف، ثم إلى مجلس الوزراء، ثم إلى رئيس الدولة، وصارت قضية صحفية، بدأت ولم تنته، وفي النهاية لم تمكّن هؤلاء الفتيات من دخول المدرسة بالحجاب الشرعي، إما أن تخلع الحجاب، وتكشف عن شعرها، وإما أن تحرم من دخول المدرسة، واضطرت هؤلاء الفتيات الثلاث إلى أن يدخلن المدرسة، ويخلعن الحجاب عن شعرهن، ما هو الذي حرك فرنسا الدولة الصليبية من أقصاها إلى أقصاها! كانوا يقولون: إن فرنسا أم الحرية، وفرنسا بلد، العري فيها مباح، حتى في أجهزة إعلامهم، وفي أسواقهم، وفي كل مكان تواجه المرأة العارية، البلد الذي يبيح حرية التعري، أصبح يغضب ويثور وتتحرك أجهزته كلها: الإعلامية، والإدارية، من أجل ثلاث فتيات أردن دخول المدرسة بغطاء الرأس، لماذا كل هذا؟! ما هو الذي جعل بريطانيا تتحرك، وتثور من أجل قضية سلمان رشدي وهو شخص واحد وليس قضية سياسية، ولا يمثل جهة سياسية، لكن لأنه تحدى مشاعر المسلمين، وأهانهم، وانتهك حرمات الأنبياء والمرسلين، وأساء إلى الصحابة، وإلى أمهات المؤمنين، وجرح شعور كل مسلم، أثاروا هذه القضية على أوسع نطاق، وجعلوها ضربة لازمة على المسلمين، وتحركت أجهزة كثيرة: سياسية، وصحفية، واستغلت هذا الحادث أبشع استغلال.
ما هو الذي يجعل روسيا -الآن- تعامل الجمهوريات النصرانية معاملة، وتعامل الجمهوريات الإسلامية معاملة أخرى؟! فالجمهوريات النصرانية، يأتي رئيس الدولة ويقال له نرحب بك كرئيس دولة صديقة، ويجلس للمحاورة والمشاورة والمداورة معهم.
ثم الدول الغربية كلها تقف إلى صفها، وتهدد روسيا إذا استخدمت القوة في حقها، في حين أن حركة المسلمين تسحق بالقوة والدبابات، ولا أحد يتحرك، لقد عامل الروس النصارى معاملة غير معاملة المسلمين، والقوة الغربية كلها تحركت من أجل النصارى، ولم تتحرك من أجل المسلمين، بل هي تساند هذه الخطوات.
الإسلام لا ينتصر بالدعوة السلمية
ولست أعجب أن تنطلي على سذج ومغفلين، ولكنني والله أعجب أن تنطلي على مفكرين، ويقال لهم فقهاء، ويكتبونها في كتب وتنشر في دوريات، ونشرات، وقد آلمني هذا جداً.
إن طبيعة الكفر -أيها الأحباب- واحدة، فالكفر الذي واجهه الأنبياء هو الكفر الذي نواجهه الآن وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان:31] فإذا قامت للإسلام دعوة حقيقية، ورفعت راية الجهاد في سبيل الله، والدعوة الصادقة إلى الله عز وجل، إن كانت صادقة فإن الله سبحانه وتعالى يقول: بأنه لا بد وأن يكون لها أعداء من المجرمين، وهؤلاء الأعداء بطبيعة الحال لا أعتقد، ولا يعتقد معي عاقل، ولا مجنون أنهم سوف يقفون مكتوفي الأيدي، هؤلاء الأعداء شأنهم كما ذكر الله عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام:112].
فهم يمكرون، ويكيدون، ويتآمرون، ويخططون، ولم يجلسوا، بل على العكس نحن الجالسون، أما هم لا يزالون يكيدون مع أن المسلمين شبه نائمين، إلا أن أعداءهم يكيدون لهم كيداً، خشية أن يستيقظوا من غفوتهم ونومهم، فما بالك لو استيفظ المسلمون فعلاً، واستردوا بعض عافيتهم، لوجدنا العداوة الصريحة المعلنة، ووالله إن كل هذه العبارات التي أصبحوا يدندنون بها الآن، ويرددونها في أجهزتهم، وصحافتهم: قضية حقوق الإنسان، وحرية الإنسان، وكرامة الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، ومثل هذه العبارات الرنانة، هذه -والله- كلها حبر على ورق، والدليل على ذلك أنه لم يلتزم بهذه القضايا إلا المسلمون.
الآن قضية ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع الجهاد، ويحرمه -ومع الأسف- يوقّع عليه المسلمون، وهو يعتبر أن الجهاد نوع من القرصنة الإقليمية، والاعتداء على حقوق الآخرين، وأن المنازعات بين الدول يحب أن تحل بالطُرق السِلْمِية، لأن النـزاع يهدد الأمن والسلام والدوليين كما يقولون.
الإسلام دين الجهاد
الطيارات الإسرائيلية تضرب العراق، ثم تذهب مرة أخرى، لتضرب في تونس، ثم تضرب في لبنان، وقد تهدد أي بلد عربي بكل سهولة، ويعتبرونها رحلة للمتعة، هذا لا يستنكرونه ولا يستغربونه، ولا يرون فيه بأساً، لماذا؟
لأن الذين قاموا به ليسوا من المسلمين، ولا يُعْتَبرُ هذا إخلال بمواثيق الأمم المتحدة في نظرهم وفي مقاييسهم.
فرنسا حين تخوفت من انتصار الإسلام في الجزائر، هدد رئيس الدولة بأنه في حال انتصار الإسلام في الجزائر، أن فرنسا قد تتدخل بصورة مباشرة. أين مواثيق الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان، والحدود الدولية، وعدم التدخل في شئون الآخرين، أين هذا كله؟!
الآن في السودان حيث يُوجد حكم يُعلن بعض الجوانب الإسلامية، ويخشون أن يكون هذا الحكم له جذور إسلامية، أصبحنا نجد حرباً عالمية معلنة على هذه الدولة، أين حقوق الإنسان؟!
وأين مواثيق الأمم المتحدة؟!
وأين قضية عدم التدخل في شئون الآخرين؟!
كل ذلك ذهب أدراج الرياح، هذا خاص بالمسلمين.
إذاً: من السذاجة أن نتصور أن الإسلام ينتصر، وينتشر عن طريق الدعوة السلمية فقط، الدعوة السلمية لا بد منها، وهذا صحيح، وحتى في القتال فإن المسلم مطالب بأن يدعو هؤلاء إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، كما في حديث بريدة في صحيح مسلم : {إذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم وذكر الإسلام، ثم الجزية، ثم القتال}.
فنحن نقول: لسنا نقاتل الناس حتى ننهب أموالهم، لا،بل نحن ندعوهم حتى يكونوا مسلمين، نعرض عليهم الإسلام، لكن نعلم من دين الله وشرعه، ونعلم من حقائق التاريخ وتجارب الواقع أن هذا الدين لا يمكن أن يستقر أمره إلا عن طريق الطائفة المنصورة التي تحمل راية الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى.
لا بد من قتال الكفار وأهله
أود أن أقول: إنني لا أقصد مثل هذا النوع، ولا أتحدث عنه لا تحريماً ولا تحليلاً، هذه قضية يبحثها المختصون، ويقولون فيها رأيهم وكلمتهم، لكن أقصد أن هذا الأسلوب حتى حين نقول أنه يجوز، ليس المعنى أننا نعتمد هذا الأسلوب للدعوة إلى الله عز وجل ونعتقد أن هذا الأسلوب يغني عن القتال، أريد أن أؤكد أن أعداء الله عز وجل وهو أصناف من اليهود، والنصارى والمشركين، والشيوعيين، والوثنيين، إلى غيرهم، كل هؤلاء لا يمكن إلا أن يقاتلونا، حتى وإن لم نقاتلهم فإنهم سوف يقاتلوننا، فلابد من الجهاد في سبيل الله عز وجل، هذه قضية مهمة وإن كانت نظرية إلى حدما، ولكن أحببت أن أتحدث عنها؛ لأني لا حظت فيها انحرافاً كبيراً وخطيراً عند كثير من الشباب، وفي كثير من الكتب والداراسات.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5118 استماع |
حديث الهجرة | 5007 استماع |
تلك الرسل | 4155 استماع |
الصومال الجريح | 4146 استماع |
مصير المترفين | 4123 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4052 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3976 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3929 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3872 استماع |
التخريج بواسطة المعجم المفهرس | 3833 استماع |