شرح سنن أبي داود [541]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ذم مفارقة الجماعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الخوارج.

حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير وأبو بكر بن عياش ومندل عن مطرف عن أبي جهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)].

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الخوارج ].

والخوارج: هم فرقة من فرق الضلال خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه لما حصل التحكيم بين أهل العراق وأهل الشام، وقالوا: لا حكم إلا لله، وانحازوا إلى مكان معين يقال له: حروراء، فأرسل إليهم علي رضي الله عنه ابن عباس فناظرهم، ورجع من رجع منهم وبقي من بقي منهم، وبعد ذلك حصل قتالهم من علي رضي الله عنه؛ لأنهم خرجوا عليه، وصاروا منحازين، وتكلموا في علي وفي غيره من الصحابة بسبب التحكيم.

وقد جاءت الأحاديث في قتالهم وفي فضل ذلك، وجاء في بعض الأحاديث أنه قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق).

وقد حصل ذلك من علي رضي الله عنه، فإنه قاتلهم وصار بهذا الحديث هو الأولى بالحق من معاوية ، ومعاوية رضي الله عنه مجتهد، والمجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وكلهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب محبة الجميع، وتوليهم، والدعاء لهم، وذكرهم بما يليق بهم، وحفظ الألسنة والقلوب من أن يكون فيها شيء لا يليق في حقهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).

ومعناه: أن من فارق جماعة المسلمين وخرج عليهم فإنه يكون بذلك قد ضل وتاه؛ والربقة قيل: هي ما يوضع في رقبة البعير من أجل حفظه وربطه به، أو تربط الدابة به حتى لا تذهب وتضيع، وإذا انفلتت تلك الربقة التي ربطت بها فإنها تضيع وتذهب عن صاحبها، فيكون الذي خرج من الجماعة بمثابة تلك الدابة التي كانت محاطة بسياج الجماعة، ولما خرجت صارت عرضة للضياع وللتلف.

وهذا لا يدل على الكفر؛ ولكن يدل على أن من خرج وقاتل فإنه يستحق أن يقاتل، أما من شذ أو خرج عن جماعة المسلمين بتكوينه جماعة أو حزباً، فإنها تعمل الاحتياطات التي تمنع من شره.

تراجم رجال إسناد حديث ذم مفارقة الجماعة

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا زهير ].

زهير بن معاوية ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وأبو بكر بن عياش ].

وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.

[ ومندل ].

وهو مندل بن علي العنزي ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ عن مطرف ].

مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي جهم ].

سليمان بن الجهم ، ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن خالد بن وهبان ].

وهو مجهول، أخرج له أبو داود .

[ عن أبي ذر ].

جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث في إسناده رجل مجهول، وله شواهد تدل على ما دل عليه من التحذير من الخروج عن الجماعة.

شرح حديث الصبر على الولاة إذا استأثروا بالفيء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟ قلت: إذن والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك، قال: أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني)].

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء)، يعني: ما حالكم معهم وما موقفكم منهم؟

ومعلوم أنه قد جاءت الأحاديث الكثيرة في الصبر عند الأثرة، وأن الإنسان لا يقدم على شيء فيه مضرة من أجل حظ فاته من حظوظ الدنيا، أو أنه استؤثر عليه بشيء من أمور الدنيا، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى الأنصار رضي الله عنهم بأن يصبروا، (وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالسمع والطاعة، فكان أصحابه يبايعونه على الطاعة في عسرهم ويسرهم، ومنشطهم ومكرههم، وعلى أثره عليهم). أي أن يستأثر بالمال دونهم فلا يدعوهم ذلك إلى الخروج وإحداث فتن تترتب عليها أضرار لا حد لها، فإن الأمن والاطمئنان خير من فوات شيء يريد بعض الناس أن يكون له.

فالواجب السمع والطاعة وعدم الخروج وعدم إيجاد أي شيء يحدث الفتن والقلاقل ويفرق الجمع، ويخل بالأمن، ولو فات الإنسان شيء من حظوظ الدنيا.

قوله: (يستأثرون بهذا الفيء).

والفيء: هو ما يؤخذ من الكفار بدون قتال، وحكمه أن يصرف في مصالح المسلمين، وإذا حصل بقتال فإنه غنيمة، والغنيمة تقسم أخماساً: أربعة أخماس منها تكون للغانمين، وخمس يكون للمصارف التي ذكرها الله عز وجل بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ.. [الأنفال:41] الآية.

قوله: [ (تصبر حتى تلقاني) ].

أي: تصبر حتى الموت، وهذا لا يدل على أن الأموات يتلاقون في البرزخ، ولكن كما جاء في الأنصار: (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).

قوله: [ (قلت: إذن والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي، ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك)].

معناه: أي أنه سيقاتل من حصل منه ذلك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى ما هو خير من ذلك، وهو ما يكون فيه السلامة، وعدم حصول الشيء الذي فيه مضرة، فقال له: (أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني) يعني: أن الإنسان يصبر ولو حصل له ما حصل من المضرة، أو فاته ما فاته من المصالح، وذلك حتى ينتقل من هذه الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ولم تحصل منه فتن وأمور يترتب عليها إضرار بالعامة، وحصول اختلال الأمن الذي لا يقر للناس معه قرار، ولا يهدأ لهم بال، ولا يطيب لهم عيش، ولا يأمنون على أنفسهم، ولا يستريحون في بيوتهم.

ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة في الصبر على جور الولاة وتحريم الخروج عليهم ولو كانوا جائرين، لما يترتب على الخروج من أضرار تفوق جورهم، وذلك بما يحصل بسبب ذلك من الفتن واختلال الأمن، وأن الناس لا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم.

وقد يقال: هل قوله: (أولا أدلك على خير من ذلك؟) فيه إرشاد إلى ما هو أفضل مع جواز الخروج؟

والجواب: لا يدل على ذلك؛ لأن النصوص واضحة في النهي عن الخروج، وهذا أخذ بالمشتبهات، والواجب هو الأخذ بالأمور الواضحة الجلية التي فيها تحريم الخروج على الولاة ولو كانوا جائرين، أو استأثروا بالمال، ولكن هذا فيه الإرشاد إلى ما فيه السلامة وإلى ما هو خير للإسلام والمسلمين، وهو الصبر وعدم الخروج.

تراجم رجال إسناد حديث الصبر على الولاة إذا استأثروا بالفيء

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].

عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا زهير حدثنا مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر ].

وقد مر ذكر هذا الإسناد.

والحديث ضعفه الألباني ، ولعله من جهة خالد بن وهبان ، وهذا الحديث ليس له شواهد من ناحية ذكر الخروج والإرشاد إلى ما هو خير منه، بخلاف الحديث الذي قبله.

ومعنى هذا الحديث مشتبه من حيث المقارنة بين الصبر والخروج بالتفضيل، وهذا مخالف لما جاء في النصوص الأخرى الواضحة الجلية التي فيها أن الصبر هو المطلوب، وأنه ليس هناك مفاضلة بين شيئين أحدهما أولى من الآخر، وينبغي لو صح هذا الحديث أن يحمل على الواضح.

شرح حديث النهي عن مقاتلة الولاة ما صلوا

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد وسليمان بن داود المعنى، قالا: حدثنا حماد بن زيد عن معلى بن زياد وهشام بن حسان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر -قال أبو داود قال هشام : بلسانه- فقد برىء، ومن كره بقلبه فقد سلم، ولكن من رضي وتابع.

فقيل: يا رسول الله! أفلا نقتلهم؟ -قال ابن داود : أفلا نقاتلهم؟- قال: لا، ما صلوا)].

أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ستكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون).

يعني: ترون أموراً معروفة حسنة وأموراً منكرة، فعندهم خير وشر، وأمور محمودة وأمور مذمومة، وأمور هي حق وأمور هي باطل.

قوله: [ (فمن أنكر -قال أبو داود قال هشام : بلسانه- فقد برئ)].

الإنكار يكون على الأمر المنكر، وأما الأمر المحمود فليس فيه إشكال، وإنما الكلام في المنكر الذي يحصل منهم، فمن أنكر بلسانه، يعني: وذلك بالطريقة المشروعة التي تترتب عليها مصلحة ولا تترتب عليها مضرة، فلا يكون ذلك الإنكار على المنابر، أو بطريقة التشهير، أو الكلام في المجامع مما يترتب عليه تهييج الغوغاء وحصول الفتن، فإن هذا ليس من النصح ولا من الصواب.

والإنسان لا يرضى لنفسه بهذا الشيء، فلو حصل منه أخطاء فإنه لا يحب أن تعلن وأن تذكر على المنابر أو في المجامع، فإذا كان عند الإنسان خطأ فإنه يحب أن ينصح سراً، وأن ينكر عليه سراً، ولا يحب أن ينكر عليه علانية.

وإذا كان الأمر كذلك فعلى الإنسان أن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به؛ للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في حديث طويل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ثم قال: وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه).

وجاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنهم كلموه في شأن عثمان رضي الله عنه فقال لهم: أترون أني لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون؟ لقد كلمته.

يعني: أنه كلمه على وجه لا يترتب عليه ضرر ولا مفسدة.

والحاصل أن المنكر ينكر بالطريقة التي تفيد، لا بالطريقة التي تزيد الطين بلة، وتسبب الفتن والقلاقل وتهيج الغوغاء.

قوله: [ (فقد برئ)].

يعني: أنه أدى ما عليه.

قوله: [ (ومن كره بقلبه فقد سلم)].

وذلك حيث لم يتمكن من التنبيه والإنكار باللسان، ولم يذكر الإنكار باليد في هذا الحديث.

قوله: [ (ولكن من رضي وتابع)].

أي: فهذا هو الذي يأثم؛ لكونه تابع على المنكر وأقره وحصل منه الرضا بالمنكر، فهذا يأثم ويصير شريكاً للحاكم في الإثم.

قوله: [ (فقيل: يا رسول الله أفلا نقتلهم؟ -قال ابن داود : أفلا نقاتلهم؟- قال: لا، ما صلوا)].

أي أن سليمان بن داود قال: (أفلا نقاتلهم؟) ، وقال مسدد : (أفلا نقتلهم؟).

فالقتل قد يحصل من الإنسان في الخفاء، وأما القتال فتكون فيه مناصبة وبروز وإظهار.

والمعنى أنه لا يجوز أن يحصل القتل الذي هو الاغتيال أو الإتيان بالخفاء، ولا يجوز أن تحصل المقاتلة بأن يظهر وينصب نفسه ويقاتل الوالي أو الإمام؛ فإن كل ذلك لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا ما صلوا)، أي: إذا كانوا يصلون فلا يجوز الخروج عليهم، ولا يجوز قتلهم ولا مقاتلتهم.

وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على كفر تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الآخر: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، وهنا قال: (لا، ما صلوا)، فدل على أن ترك الصلاة من الكفر الواضح الذي عند الناس فيه من الله برهان؛ لأنه جعل ذلك في مقابل قوله: (إلا أن تروا كفراً بواحاً)، فكأنه هنا ذكر مثالاً للكفر البواح الذي فيه من الله برهان، وهو كونهم لا يصلون، فإذا كانوا يصلون فإنه لا يخرج عليهم، وإذا كانوا يصلون لا فإنه يجوز الخروج عليهم.

ولكن كما قلت: إذا وجد الكفر فلا يجوز الإقدام على الخروج إلا إذا عرف بأنه ستترتب عليه مصلحة، ولا تحصل مفسدة أكبر وأعظم من تلك المفسدة التي يراد التخلص منها؛ لأنه قد يترتب على ذلك إزالة الخارجين، ويترتب على ذلك فتن وأمور لا تحمد، فلا تكون هناك فائدة ولا مصلحة.

وقد يقال: هل يصح تفسير: (ما صلوا) بإبقائهم على شعيرة الصلاة بين المسلمين وإقامة المساجد، أي: ما لم يمنعوا الناس من الصلاة؟

فنقول: ليس هذا معناه؛ لأن كلمة (صلوا) ترجع إلى فعلهم، أي: ما كانوا من المصلين، وليس معنى ذلك أنهم تركوا الناس ولم يمنعوهم وإن كانوا في أنفسهم لا يصلون.

وفي رواية أخرى: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، ومعلوم أن الأمير إذا حضر فهو الذي يصلي بالناس، ويكون من شأنه أن يكون هو الإمام، وقد كان الأمراء والولاة هم الذين يصلون بالرعية كما كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة هم الذين يتولون الصلاة، ويقومون بها.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن مقاتلة الولاة ما صلوا

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ وسليمان بن داود ].

سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا حماد بن زيد ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن معلى بن زياد ].

وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ وهشام بن حسان ].

هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ضبة بن محصن ].

وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي .

[ عن أم سلمة ].

هند بنت أبي أمية رضي الله عنها وأرضاها، وهي أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث النهي عن مقاتلة الولاة ما صلوا من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا الحسن عن ضبة بن محصن العنزي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: (فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم).

قال قتادة : يعني: من أنكر بقلبه ومن كره بقلبه ].

وهذا كما هو معلوم عند من لا يتمكن من الإنكار باللسان، وإلا فإنه إذا حصل الإنكار باللسان على الوجه المشروع، والذي لا تترتب عليه مضرة فإن هذا هو المطلوب، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)، فإنه إذا تمكن من الإنكار باللسان لم يكف الإنكار بالقلب، ولا بد من الإنكار بالقلب لمن لا يتمكن من الإنكار باللسان.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن مقاتلة الولاة ما صلوا من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا ابن بشار ].

هو محمد بن بشار الملقب بندار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا معاذ بن هشام ].

معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني أبي ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الحسن عن ضبة بن محصن العنزى عن أم سلمة ].

وقد مر ذكر الثلاثة.

شرح حديث الأمر بقتل من يفرق أمر المسلمين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن زياد بن علاقة عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستكون في أمتي هنات وهنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان)].

أورد أبو داود حديث عرفجة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون في أمتي هنات وهنات وهنات) أي: أمور منكرة وفتن.

قوله: [ (فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربو بالسيف كائناً من كان)

يعني: أن الخارج على الأئمة يدفع ولو قضي عليه؛ لأنه لو ترك لأخل بالأمن ولأضر بالمسلمين، فإذا كان لا يندفع إلا بالمقاتلة فإنه يقاتل، وإذا كان يندفع بغير ذلك فإنه يفعل معه الشيء الذي يكف شره وأذاه.

وهذا يدلنا على حرص الإسلام على جمع الكلمة، ووحدة الصف، وعدم الفوضى، وعلى أن الأمن فيه مصلحة عظيمة والناس بحاجة إليه، وأن كل من يسعى للإخلال به فإنه يوقع به العقاب الذي يستحقه ولو كان ذلك بالقتل أو القتال.

تراجم رجال إسناد حديث الأمر بقتل من يفرق أمر المسلمين

قوله: [ حدثنا مسدد عن يحيى ].

يحيى هو ابن سعيد القطان البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة ].

شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زياد بن علاقة ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عرفجة ].

عرفجة بن شريح ، وهو صحابي، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الخوارج.

حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير وأبو بكر بن عياش ومندل عن مطرف عن أبي جهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)].

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الخوارج ].

والخوارج: هم فرقة من فرق الضلال خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه لما حصل التحكيم بين أهل العراق وأهل الشام، وقالوا: لا حكم إلا لله، وانحازوا إلى مكان معين يقال له: حروراء، فأرسل إليهم علي رضي الله عنه ابن عباس فناظرهم، ورجع من رجع منهم وبقي من بقي منهم، وبعد ذلك حصل قتالهم من علي رضي الله عنه؛ لأنهم خرجوا عليه، وصاروا منحازين، وتكلموا في علي وفي غيره من الصحابة بسبب التحكيم.

وقد جاءت الأحاديث في قتالهم وفي فضل ذلك، وجاء في بعض الأحاديث أنه قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق).

وقد حصل ذلك من علي رضي الله عنه، فإنه قاتلهم وصار بهذا الحديث هو الأولى بالحق من معاوية ، ومعاوية رضي الله عنه مجتهد، والمجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وكلهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب محبة الجميع، وتوليهم، والدعاء لهم، وذكرهم بما يليق بهم، وحفظ الألسنة والقلوب من أن يكون فيها شيء لا يليق في حقهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).

ومعناه: أن من فارق جماعة المسلمين وخرج عليهم فإنه يكون بذلك قد ضل وتاه؛ والربقة قيل: هي ما يوضع في رقبة البعير من أجل حفظه وربطه به، أو تربط الدابة به حتى لا تذهب وتضيع، وإذا انفلتت تلك الربقة التي ربطت بها فإنها تضيع وتذهب عن صاحبها، فيكون الذي خرج من الجماعة بمثابة تلك الدابة التي كانت محاطة بسياج الجماعة، ولما خرجت صارت عرضة للضياع وللتلف.

وهذا لا يدل على الكفر؛ ولكن يدل على أن من خرج وقاتل فإنه يستحق أن يقاتل، أما من شذ أو خرج عن جماعة المسلمين بتكوينه جماعة أو حزباً، فإنها تعمل الاحتياطات التي تمنع من شره.