شرح سنن أبي داود [273]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ( أن رسول الله نهى عن الوصال ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوصال.

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟! قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان باب في الوصال أي: في حكمه، والوصال هو: أن يصل الصائم الليل بالنهار فيصوم اليومين لا يأكل بينهما شيئاً، هذا هو الوصال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وكان يواصل عليه الصلاة والسلام.

أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل. قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى).

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يواصل، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يواصلون اقتداءً به، فنهاهم عن الوصال، ولما نهاهم عن شيء هو يفعله صلى الله عليه وسلم ذكّروه بفعله وأنهم إنما يفعلون ذلك اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، فقال: (إني لست كهيئتكم) أي: هناك فرق بيني وبينكم وهو أني أطعم وأسقى.

وفسر كونه يطعم ويسقى بتفسيرين: أحدهما: أن يكون على حقيقته، وأنه يطعم ويسقى حقيقة، ولكنه ليس كالذي يحصل في الدنيا من كونه يأكل ويشرب وهو صائم، ولكنه كما جاء في بعض الأحاديث: (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) يعني: يحصل له شيء في النوم فيحصل له ذلك حقيقة.

وقيل: إن المقصود من ذلك أنه يعطى قوة الآكل والشارب وكأنه لم يترك الأكل والشرب لما أعطاه الله عز وجل من القوة، فيكون هذا هو الفرق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونهيه إياهم عن الوصال هو من شفقته عليهم صلى الله عليه وسلم، وهو كما وصفه الله عز وجل في كتابه العزيز: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

وقد جاء في بعض الروايات: أنه لما رآهم راغبين بأن يفعلوا كما فعل وقد بين لهم الفرق بينه وبينهم واصل بهم في آخر الشهر وقال: (لو تأخر الهلال لزدتكم.. كالمنكل لهم) يعني: يريد أن يوقفهم بالفعل على ما يلحقهم من الضرر بسبب الوصال، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يواصل هو ليس كمثلهم؛ لأن له ميزة عليهم، وهي أنه يطعم ويسقى صلى الله عليه وسلم، فيكون وصاله بهم بعد أن ألحوا بأن يفعلوا كما فعل صلى الله عليه وسلم تنكيلاً لهم؛ فإنه واصل بهم وقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم.. كالمنكل لهم) يعني: أنه فعل هذا تنكيلاً بهم، وهذا يشبه ما يحصل في المشاهدة من أنه إذا كان الطفل يريد أنه يأتي إلى ويحاول أن يقع فيها فيأخذ وليه بطرف إصبعه ويلمسه شيئاً حاراً حتى يقف على الضرر، وحتى يعرف الضرر فيتركه ويبتعد عنه، فجاء النهي عن الوصال، ولكنه جاء ما يدل على جوازه إلى السحر، كما جاء في صحيح البخاري وفي غيره وكذلك سيأتي عند أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) يعني: يوماً وليلة فقط من طلوع الفجر إلى أن يأتي وقت السحر، بحيث يتسحر فيصوم الليل والنهار، مع أن ترك الوصال هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) ومعنى هذا: أن الترك هو الأولى، بل قد جاءت السنة بالترغيب في تأخير السحور وتعجيل الفطر وذلك للإبقاء عليهم، وفي ذلك الشفقة عليهم والرأفة بهم والرحمة بهم من الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث( أن رسول الله نهى عن الوصال .... )

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس الإمام الفقيه المحدث أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي من أعلى ما يكون عند أبي داود ؛ لأن في الإسناد بين أبي داود ورسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص أو أربع وسائط.

شرح حديث (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد أن بكر بن مضر حدثهم عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ، قالوا: فإنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم؛ إن لي مطعماً يطعمني وساقياً يسقيني) ].

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث ابن عمر المتقدم يعني: نهى عن الوصال وقالوا له: إنك تواصل؟ فقال: (إني لست كهيئتكم) وفيه زيادة: (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) يعني: من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر فقط، بحيث إنه يأكل في وقت السحر ليتقوى على الصيام المستقبل، يعني: ليس لأنه لو واصل حتى طلوع الفجر يكون قد واصل اليومين والليلة، ولكن كونه يواصل إلى السحر فيأكل سحوراً، ويتقوى على الصيام المستقبل، فهذا جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال: وقال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) فمعناه: من أراد فليواصل إلى كذا، وتركه أولى لكون الإنسان يصوم النهار فقط من طلوع الشمس إلى غروبها، هذا هو الأولى بدون وصال، وإن واصل فليكن إلى السحر فقط، وليس أكثر من ذلك، والراجح في النهي عن الوصال أنه للتحريم.

تراجم رجال إسناد حديث (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل ...)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بكر بن مضر ].

بكر بن مضر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة .

[ عن ابن الهاد ].

ابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن الهاد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن خباب ].

عبد الله بن خباب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سعيد الخدري ].

وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري ، مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وعائشة أم المؤمنين، ستة رجال وامرأة واحدة، رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوصال.

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟! قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان باب في الوصال أي: في حكمه، والوصال هو: أن يصل الصائم الليل بالنهار فيصوم اليومين لا يأكل بينهما شيئاً، هذا هو الوصال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وكان يواصل عليه الصلاة والسلام.

أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل. قال: إني لست كهيئتكم؛ إني أطعم وأسقى).

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يواصل، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يواصلون اقتداءً به، فنهاهم عن الوصال، ولما نهاهم عن شيء هو يفعله صلى الله عليه وسلم ذكّروه بفعله وأنهم إنما يفعلون ذلك اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، فقال: (إني لست كهيئتكم) أي: هناك فرق بيني وبينكم وهو أني أطعم وأسقى.

وفسر كونه يطعم ويسقى بتفسيرين: أحدهما: أن يكون على حقيقته، وأنه يطعم ويسقى حقيقة، ولكنه ليس كالذي يحصل في الدنيا من كونه يأكل ويشرب وهو صائم، ولكنه كما جاء في بعض الأحاديث: (أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) يعني: يحصل له شيء في النوم فيحصل له ذلك حقيقة.

وقيل: إن المقصود من ذلك أنه يعطى قوة الآكل والشارب وكأنه لم يترك الأكل والشرب لما أعطاه الله عز وجل من القوة، فيكون هذا هو الفرق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونهيه إياهم عن الوصال هو من شفقته عليهم صلى الله عليه وسلم، وهو كما وصفه الله عز وجل في كتابه العزيز: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

وقد جاء في بعض الروايات: أنه لما رآهم راغبين بأن يفعلوا كما فعل وقد بين لهم الفرق بينه وبينهم واصل بهم في آخر الشهر وقال: (لو تأخر الهلال لزدتكم.. كالمنكل لهم) يعني: يريد أن يوقفهم بالفعل على ما يلحقهم من الضرر بسبب الوصال، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يواصل هو ليس كمثلهم؛ لأن له ميزة عليهم، وهي أنه يطعم ويسقى صلى الله عليه وسلم، فيكون وصاله بهم بعد أن ألحوا بأن يفعلوا كما فعل صلى الله عليه وسلم تنكيلاً لهم؛ فإنه واصل بهم وقال: (لو تأخر الشهر لزدتكم.. كالمنكل لهم) يعني: أنه فعل هذا تنكيلاً بهم، وهذا يشبه ما يحصل في المشاهدة من أنه إذا كان الطفل يريد أنه يأتي إلى ويحاول أن يقع فيها فيأخذ وليه بطرف إصبعه ويلمسه شيئاً حاراً حتى يقف على الضرر، وحتى يعرف الضرر فيتركه ويبتعد عنه، فجاء النهي عن الوصال، ولكنه جاء ما يدل على جوازه إلى السحر، كما جاء في صحيح البخاري وفي غيره وكذلك سيأتي عند أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) يعني: يوماً وليلة فقط من طلوع الفجر إلى أن يأتي وقت السحر، بحيث يتسحر فيصوم الليل والنهار، مع أن ترك الوصال هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) ومعنى هذا: أن الترك هو الأولى، بل قد جاءت السنة بالترغيب في تأخير السحور وتعجيل الفطر وذلك للإبقاء عليهم، وفي ذلك الشفقة عليهم والرأفة بهم والرحمة بهم من الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس الإمام الفقيه المحدث أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي من أعلى ما يكون عند أبي داود ؛ لأن في الإسناد بين أبي داود ورسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص أو أربع وسائط.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد أن بكر بن مضر حدثهم عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ، قالوا: فإنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم؛ إن لي مطعماً يطعمني وساقياً يسقيني) ].

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث ابن عمر المتقدم يعني: نهى عن الوصال وقالوا له: إنك تواصل؟ فقال: (إني لست كهيئتكم) وفيه زيادة: (فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) يعني: من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر فقط، بحيث إنه يأكل في وقت السحر ليتقوى على الصيام المستقبل، يعني: ليس لأنه لو واصل حتى طلوع الفجر يكون قد واصل اليومين والليلة، ولكن كونه يواصل إلى السحر فيأكل سحوراً، ويتقوى على الصيام المستقبل، فهذا جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال: وقال: (أيكم أراد أن يواصل فليواصل) فمعناه: من أراد فليواصل إلى كذا، وتركه أولى لكون الإنسان يصوم النهار فقط من طلوع الشمس إلى غروبها، هذا هو الأولى بدون وصال، وإن واصل فليكن إلى السحر فقط، وليس أكثر من ذلك، والراجح في النهي عن الوصال أنه للتحريم.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2884 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2834 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2829 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2724 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2694 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2687 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2672 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2670 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2650 استماع
شرح سنن أبي داود [024] 2626 استماع