فتاوى نور على الدرب [32]


الحلقة مفرغة

السؤال: أسمع دائماً من الناس أن الجن يتصورون في صورة طيور وقطط وأغنام, وأنا أنكر ذلك ولم أصدقه ولن أصدق به؛ لأن الجن مخلوق مثلنا, ولا يستطيع تغيير الخلق إلا الله سبحانه وتعالى, فهل هذه صحيح أم لا؟

الجواب: الحمد لله, هذا الذي ذكرته أمرٌ مشهور بين الناس, أن الجن قد يتشكلون بشكل شيء مشاهد ومرئي, وربما يشهد له الحديث الثابت في الصحيح: أن رجلاً شاباً من الأنصار كان حديث عهدٍ بعرس, فجاء ذات ليلة فوجد أهله على الباب, فسألهم: ما هو السبب؟ فذكرت له ما في الفراش, فذهب إلى فراشه فوجد فيه حيةً, فأخذ رمحاً فطعنها, فماتت هذه الحية, ثم مات الرجل فوراً, فلا يدرى أيهما أسرع موتاً الرجل أم الحية؟ ثم ( إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين) فهذا يدل على أن هذا كان جناً, وأنه قد تصور بصورة الحية, والحكايات في ذلك كثيرةٌ ومشهورة, ولكن هذا الحديث صحيح قد يشهد لصحتها.

وكما أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام يتصورون بأشكالٍ ليست على هيئتهم التي خلقوا عليها, فإن جبريل صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً بصورة دحية الكلبي , وجاء إليه مرة بصورة رجل شديد بياض الثياب, شديد سواد الشعر, لا يرى عليه أثر السفر, ولا يعرفه أحدٌ من الصحابة, وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فأسند ركبتيه إلى ركبتيه, ووضع كفيه على فخذيه -جلسة المتأدب- ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم الأسئلة المشهورة في الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها, ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).

ومن المعلوم أن قدرتهم على التشكل بهذا الشكل إنما هي من الله سبحانه وتعالى, فهو الذي أقدرهم على ذلك, فلا يبعد أن يكون الجن هكذا يستطيعون أن يتصوروا أو يتشكلوا للناس بأشكالٍ متعددة, هذا ما ظهر لي في هذه المسألة.

السؤال: إن السحاب أو السستة التي تضعها النساء في ملابسهن في الخلف حرام, وكذلك الملابس الضيقة وحمالة الصدر والحمرة التي توضع على الشفاه؟ أفيدونا أفادكم الله, وجزاكم عنا كل خير.

الجواب: السحاب الذي يكون من خلف المرأة لا نرى فيه شيئاً, ونرى أنه لا بأس به, وأن الأصل في اللباس نوعاً وكيفية أن فيه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه, ولا شك أن المعتاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره إلى زماننا هذا أن يكون الجيب من الأمام ولا يكون من الخلف, ولكن كوننا نقول: إذا خالف الإنسان هذه العادة يعتبر مرتكباً للحرام أو مرتكباً لمكروه, هذا أمرٌ لا يمكن إلا بدليلٍ من الشرع, فإذا جاء الدليل الشرعي على أن هذا من المكروه عملنا به، وإلا فإن الأصل الإباحة.

أما الملابس الضيقة فلا يجوز أن تلبسها المرأة إلا إذا كانت في بيتٍ ليس فيه سوى زوجها, وذلك لأن الملابس الضيقة التي تصف حجم الجسم هي في الحقيقة تعتبر غير ساترة, ساترةٌ من حيث خفاء اللون؛ لكن ليست ساترة من حيث الحجم, فهذا يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد -ثم ذكر-: نساءٌ كاسياتٌ عاريات) فهذه المرأة التي تلبس هذا الثوب الضيق الذي يبين مقاطع الجسم هي في الحقيقة ساترةٌ عارية, فلا يجوز أن تلبس مثل هذا ما لم تكن في بيتٍ ليس فيه سوى زوجها.

وأما بالنسبة للحمالات فلا بأس بهن, أن تضع المرأة شيئاً يجمل ثديها لا بأس به, إلا أني أرى أنه لا ينبغي للمرأة الشابة التي لم تتزوج أن تلبسه؛ لأنها حينئذٍ ينشأ في نفسها محبة الظهور والافتتان والفتن, فلا ينبغي أن تفعل, ثم المرأة المتزوجة التي تفعله لزوجها فلا بأس به, هذا يعتبر من التجميل.

وأما مسألة الحمرة في الشفاه فهي أيضاً من الأمور التي تتجمل بها المرأة؛ كالحناء في اليد وشبهه, والأصل فيه الإباحة, ولكني ما أعلم فيه شيئاً أستند فيه إلى القول بالإباحة إلا الأصل، وهو أن الأصل الإباحة, فإن ورد شيء يقضي التحريم, فالله أعلم.

السؤال: عندما تكون الحيضة على المرأة ثم خرجت في زيارة لبعض الصديقات, ولبست أحد فساتينها الخاصة بالزيارة, وبعد عودتها خلعت هذا الفستان, ثم بعد أن تطهرت لبسته مرةً أخرى, وقد لبسته وعليها العادة, فهل يصبح هذا الثوب نجساً أم لا؟

الجواب: هذا الثوب لا يصبح نجساً إلا إذا أصابه دم الحيض, وإذا أصابه الدم فإنها تغسل الدم كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم, وذكر حين ( سئل عن دم الحيض يصيب الثوب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تحته ثم تقرصه بالماء, ثم تغسله, ثم تصلي فيه) هذا الفستان الذي لبسته إذا لم يصبه الدم فهو طاهرٌ تجوز الصلاة فيه, وإن أصابه الدم غسل الدم ثم صلت به.

السؤال: تزوجت امرأة بكراً, ودفعت مهراً ومقداره ستون ألف ريال لوالدها, ودخلت بها الدخول الشرعي, ومكثت معي لمدة سنة تماماً, وانتقلت إلى رحمة الله, ولم تنجب شيئاً من الذرية, وخلفت من التركة حلياً من الفضة, والآن والدها يطالبني بتسليم الحلي المذكور له. لذا أرجو من فضيلتكم الإفتاء عن موضوعي, وهل يستحق والدها الحلي دوني أنا الزوج أو لا؟

الجواب: امرأتك هذه لما ماتت ولم تنجب أولاداً صار لك نصف ما تركت؛ لقول الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12] فعلى هذا يكون لك نصف ما خلفت من الحلي وغيره, حتى من الدراهم, وحتى من العقارات إن كان لها عقار, وحتى من الثياب, كل ما خلفت من ملك فإن لك نصفه بنص القرآن وإجماع أهل العلم.

أما أبوها فإن له ما فرض الله له, له الباقي إلا أن يكون لها أم, فإن الأم في هذه الحال تشارك الأب فيما بقي بعد فرض الزوج, فيفرض للزوج النصف, وللأم ثلث ما بقي, وللأب الباقي.

فعليه إذا كان لها أمٌ وأب, تقسم المسألة من ستة أسهم: للزوج ثلاثة: النصف, وللأم ثلث الباقي: واحد, وللأب الباقي: اثنان.

السؤال: ما حكم إسبال الثوب, وإذا كان الإنسان لا يقصد به إظهار الكبر بل كان شيئاً عادياً, فما رأيكم في ذلك؟ وهل الصلاة فيه صحيحة أم لا؟ لأنني سمعت بعض الناس يقول: من صلى في ثوبٍ متعدي الكعبين فلا صلاة له؟ أفيدونا وفقكم الله.

الجواب: إسبال الثوب محرم إذا نزل أسفل من الكعبين, ولكن إن كان الإنسان فعله خيلاء وجره على الأرض فإن عقوبته عظيمةٌ جداً؛ فإن الله تعالى لا يكلمه, ولا ينظر إليه يوم القيامة, ولا يزكيه, وله عذابٌ عظيم؛ كما في حديث أبي ذر الثابت في الصحيح, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة, ولا ينظر إليهم, ولا يزكيهم, وله عذابٌ أليم -قالها ثلاثاً- و أبو ذر يقول: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المسبل, والمنان, والمنفق سلعته بالحلف الكذب) وفي حديث ابن عمر : ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فيكون حديث ابن عمر مقيداً لحديث أبي ذر , ويكون مسبلاً -أي خيلاء- فإذا جر الإنسان ثوبه خيلاء فإن الله تعالى لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذابٌ عظيم.

أما إذا صنعه لغير خيلاء, وإنما هو للعادة فإن ما أسفل من الكعبين ففي النار, كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أسفل من الكعبين فهو في النار) فيكون حراماً, لكن ليست له العقوبة التي يعاقب بها من جر ثوبه خيلاء؛ لأن هذا ما أسفل من الكعبين فهو في النار, يكون التعذيب بالنار على ما نزل من الكعبين فقط يكوى به ويعذب به في النار.

ولا تعجب أن يكون العذاب بالنار بجزءٍ من البدن, فإن هذا ثابت في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة : ( ويلٌ للأعقاب من النار) في قومٍ توضئوا وقصروا في غسل أرجلهم, فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته: ( ويلٌ للأعقاب من النار, ويلٌ للأعقاب من النار) . فهنا العقوبة على محل التقصير فقط وهي الأعقاب, كذلك ما أسفل من الكعبين فهو في النار، فالعقوبة على ما حصل فيه التعدي وهو ما تحت الكعبين فقط.

وعلى هذا نقول: ما نزل عن الكعبين من الثياب فهو حرامٌ، سواءٌ صنعه الإنسان خيلاء أو لعادةٍ بين الناس, وهذه العادة يجب أن يبتعد عنها؛ لأن العادة إذا خالفت الشرع فهي عادةٌ باطلة يجب على المرء أن يتجنبها.

وأما بالنسبة لصحة الصلاة: فإن هذه المسألة مبنية على أصلٍ مختلفٍ فيه, وهو: هل من شرط صحة الصلاة أن يكون الساتر مباحاً أو لا؟

فمن العلماء من قال: إنه يشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً, وأن الرجل إن صلى في ثوبٍ محرمٍ عليه بطلت صلاته, وعلى هذا فإذا صلى في ثوبٍ خيلاء فصلاته باطلة, وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله, وفيه حديثٌ تكلم العلماء فيه من حيث الصحة.

ومن العلماء من يقول: إنه لا يشترط في الساتر أن يكون مباحاً بل يحصل الستر بالثوب المحرم؛ لأن حقيقة الستر حصلت, وكون الثوب محرماً لا يمنع من الستر به, وإنما يأثم الإنسان به, وعلى هذا فتصح الصلاة بالثوب وإن كان خيلاء.

وعلى كل حال فيجب على المسلم أن لا يكون نظره من زاويةٍ واحدة, هل تصح الصلاة أو لا تصح؟ بل يجب أن ينظر من الناحيتين, فنقول: هذا ثوبٌ محرم, والواجب على المسلم أن يتجنبه في صلاته وغير صلاته, وهذا كما هو معروف بالنسبة للرجال, أما النساء فإن المشروع في حقهن أن يسترن أقدامهن بثيابهن.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع