الاحتفال بأعياد أهل الكتاب أو حضورها
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الاحتفال بأعياد أهل الكتاب أو حضورها [اليهود والنصارى]أخي الكريم: اعلم وفقك الله لما يحبُّه ويرضاه، أنه لا يجوز الاحتفال بأعياد أهل الكتاب، ولا حضورها، ولا شهودها للآتي ذكره:
لأن في هذا تعاوُنًا على الإثم والعدوان، وقد نُهينا عنه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72].
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَطَاوُسُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُمْ، "الزُّورَ": هِيَ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ؛ [ابن كثير: 6/130].
ولأن في مشاركتهم موافقةً وإقرارًا لشعائرهم، وفيه التودُّد إليهم؛ بل يجب إظهار العداوة لهم وتبيين بغضهم؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ ﴾ [المجادلة: 22]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4].
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى احتفال أهل الكتاب بأعيادهم أبدلنا خيرًا منهما، بعيد الفطر وعيد الأضحى؛ فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: ((مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟))، قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ))؛ [إسناده صحيح؛ أخرجه أبو داود (1134)، والنسائي (1767)، وأحمد (1200) وغيرهم].
والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يُجمع بين البدل والمبدل منه؛ قال تعالى: ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ﴾ [البقرة: 59]، ولم يجمعوا بين القولين، فقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد أبدلكم...)) يقتضي ترك الجمع بين أعيادنا وأعيادهم.
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هنَّأ أهل الكتاب في أعيادهم؛ بل بدلنا خيرًا منهما، وأن الدين كامل، ونهانا أن نُضيف شيئًا في الدين؛ فعَنْ أمِّ المؤمنين أُمِّ عبدالله عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ))؛ [الصحيحين: البخاري (2697)، ومسلم (1718/17)] وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ))؛ [مسلم (1718/18)].
وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم بقصِّ الشوارب والصبغ في أحاديث كثيرة؛ منها: عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ))؛ [الصحيحين: البخاري (3462)، ومسلم (2103)].
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ، فَحَرَامٌ بِالاتِّفَاقِ؛ مِثْلَ: أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولَ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ؛ بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ، وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا قَدْرَ لِلدِّينِ عِنْدَهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَلَ، فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كُفْرٍ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ"؛ [أحكام أهل الذمة: 1 /441].
وقد أفتت اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية بعدم الجواز.