فتاوى نور على الدرب [708]


الحلقة مفرغة

السؤال: تقول بأنها زوجة عاملة، وزوجها يصر على أخذ نصف راتبها شهرياً، مع العلم بأنه ليس بحاجة إليه، فدخله الشهري كبير، وإذا رفضت أن تعطيه نصف الراتب هددها بالطلاق، والتشريد لها ولأبنائها، تقول: ويقلب حياتي إلى جحيم -على حد تعبيره- ويمنعني من العمل نهائياً، فأضطر إلى إعطائه ما يريد حفاظاً على بيتي وأولادي، وخوفاً من تهديده، رغماً عني ودون رضاي، وأنا لا أسامحه فيما يأخذ مني كرهاً وتهديداً، وأيضاً يمنعني من التصرف فيما تبقى لي إلا بعد أن آخذ منه الإذن.

والسؤال: هل يحق له ذلك شرعاً؟ وهل يحق لي أن آخذ من ماله دون علمه بنية استرجاع، ولو جزء مما يأخذه مني؟

الجواب: إذا كان هناك شرط عند عقد النكاح أن تبقي على العمل دون معارض فلك الشرط، ولا يحل له أن يأخذ منك قرشاً واحداً، ولا أن يمنعك من العمل؛ لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34].

وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً ).

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )، يعني: وكل شرط في كتاب الله فهو حق.

فإذا كنت شرطت عليه عند عقد النكاح ألا يمنعك من العمل فليس له الحق أن يمنعك، وليس له الحق أن يأخذ من راتبك قرشاً واحداً.

أما إذا لم تكوني اشترطت عليه فمن المعلوم أن المرأة ملك لزوجها، بمعنى أنه يملك جميع أوقاتها، فليس لها أن تشتغل بعمل خارج عن البيت إلا بإذنه، وحينئذ نقول: إذا لم تشترطي عليه، واتفقت أنت وإياه على أن يكون له نصف الراتب، ولك النصف، أو له الثلث ولك الثلثان، أو له الثلثان ولك الثلث فلا بأس، ( المسلمون على شروطهم )، ولكن الذي يبقى مما شرط لك ليس له حق في منعك من التصرف به، بل تصرفي فيه كما شئت؛ ولهذا كانت أزواج الرجال في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتصرفن كما شئن دون الرجوع إلى الأزواج؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خطب النساء بعد خطبة الرجال في صلاة العيد، وأمرهن أن يتصدقن، جعلت المرأة تأخذ من خواتمها وأخراصها وتلقيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة بلال رضي الله عنه، ولم يقل لهن: هل استأذنتن أزواجكن، والزوج ليس له حق في مال الزوجة إطلاقاً؛ لا راتبها، ولا ثيابها، ولا حليها، ولا غير ذلك، هي حرة فيه، وإذا قدرنا أن الزوج ضغط عليك وهددك بالطلاق إن لم تعطيه شيئاً لم يكن اشترطه عند العقد فإنه آثم، وما يأخذه سحت محرم عليه، فليتق الله في نفسه، وليتق الله في أهله وأولاده.

السؤال: لقد من الله علي بحج بيته الحرام، وأنا في المزدلفة وجدت مبلغ خمسين ريال في التراب وأنا أجمع الحصى، فأخذتها بقصد التبرع بها للمسلمين أو غيرهم؛ لأنني إذا تركت ذلك في التراب لم يستفد منه أحد من المسلمين، وفعلاً عند عودتي تبرعت بها مع إضافة مبلغ من المال للمسلمين في كوسوفا، فهل علي شيء في ذلك؟

الجواب: أولاً: ذكرت السائلة أنها وجدت ذلك حين كانت تلتقط الحصى، وأقول لها ولغيرها: إن التقاط الحصى من مزدلفة ليس بسنة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يلقط حصى الجمار من مزدلفة، ولا أمر بذلك، وإنما استحبه بعض العلماء رحمهم الله لأن الإنسان مأمور إذا وصل منى أن يبدأ قبل كل شيء بالرمي، قالوا: والإنسان إذا ركب راحلته وتوجه إلى منى فمتى يلتقط الحصى؟ وأول ما يبدأ به الرمي، فقالوا: إذاً: يستحب أن يأخذ الحصى من مزدلفة قبل أن يركب، هذا وجه ما قاله بعض أهل العلم أنه يستحب أن يأخذ الحصى من مزدلفة، وإلا فلا سنة في ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يلقط له سبع حصيات فقط وهو في طريقه إلى منى، بل إن ابن حزم رحمه الله قال: إنه أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى، وهو واقف على جمرة العقبة، فالتقطها له ثم رمى بها، هذا هو المشهور.

أما بالنسبة لما وجدت فإنه لا يجزئ أن تتصدق به في مكانها في بلدها لا لكوسوفا ولا غيرها؛ وذلك لأنها وجدتها في مكان فاضل تضاعف فيه الحسنات، فكان عليها أن تتصدق بذلك في مكة؛ من أجل كثرة الثواب لصاحبها، وعلى هذا فنقول لهذه المرأة: ما تصدقت به على كوسوفا فهو في محله إن شاء الله لكن أجره لك، وعليك أن تتصدقي بخمسين ريالاً في مكة الآن، توصي أحداً من معارفها أن يتصدق بخمسين ريالاً عن صاحبها، والله تعالى يعلم به، وإذا لم يكن لها معارف في مكة فمتى ذهبت إلى مكة تصدقت بخمسين ريالاً عن صاحب الخمسين التي ضاعت.

السؤال: امرأة كانت مريضة، ولا تستطيع التركيز، فكانت والدتها تساعدها على الوضوء ثم تصلي نائمة على السرير، وتجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، تقول: وأثناء الصلاة يغلب علي النعاس لبضع ثوانٍ ثم أفيق، ولا أدري كم صليت، أو ماذا قرأت في الصلاة، وكان ذلك لمدة ثلاثة أيام متصلة، فهل علي يا فضيلة الشيخ أن أعيد الصلوات؟

الجواب: ما دامت تعي ما تقول ولكن تغفو قليلاً فإنه لا ينتقض به الوضوء فلا إعادة عليها، ولا حرج لو كانت أمها عندها، وجعلت تلقنها، تقول مثلاً: كبري، اقرئي، اركعي، اسجدي، قولي كذا، لا حرج في هذا.

وأما الجمع فلها أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ وذلك لأن الجمع بابه واسع، كلما شق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها، في أي سبب من الأسباب، فإن له أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، دليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ -يعني: ما الذي أراد بهذا- قال ابن عباس رضي الله عنهما: ألا يحرج أمته ) أي: ألا يلحقها حرج في ترك الجمع.

السؤال: تقول: عندي كمية من الذهب، اشتريتها بغرض الزينة حفاظاً على مالي من أن أصرفه، وهذا الذهب يبلغ النصاب وحال عليه الحول، وفي نيتي أن أزكيه إن شاء الله، ولكن قبل شهر من تمام الحول رزقت بمبلغ من ميراث لأبي يرحمه الله، فهل أزكي الذهب فقط عند تمام الحول، أم أزكي الذهب بالإضافة إلى المال أيضاً؟

الجواب: يجب عليها أن تزكى الذهب إذا تم حوله، سواء أتاها مال سواه أم لا؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم: أن الحلي تجب فيه الزكاة، حتى لو كان معداً للاستعمال فقط فإن فيه الزكاة لعموم الأدلة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تخصيص لها، أي: لم يرد عنه أن الحلي ليس فيه زكاة.

وقياسه على الثياب ونحوها مما يحتاجه الإنسان قياس فاسد؛ أولاً: لأنه قياس في مقابلة النص، فقد جاء في النصوص عن خصوص الحلي أن فيه الزكاة، كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن امرأةً أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ -يعني: إن لم تؤد زكاته- فخلعتهما وألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقالت: هما لله ورسوله )، وهذا نص صريح في زكاة الحلي، ولا يمكن إبطاله بقياس فاسد.

والقياس على الثياب فاسد من وجه آخر، وهو أن الأصل في الثياب عدم الزكاة حتى تكون معدةً للتجارة، وأما الذهب فالأصل فيه الزكاة، ولا دليل على إخراج أي نوع أو أي استعمال عن هذا العموم، فمن أراد إبراء ذمته فليؤد زكاة الذهب إذا بلغ النصاب.

السؤال: ما حكم التيمم والإنسان يلبس الخاتم والساعة؟

الجواب: أما الساعة فليست في أعضاء التيمم إطلاقاً؛ لأن الساعة في الذراع، والقول الراجح الذي لا شك فيه: أن الذراع لا يجب مسحه في التيمم، وأما الخاتم فلا بأس، أي: أنه يعفى عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يلبس الخاتم ولما أرى عمار بن ياسر كيفية التيمم قال: ( إنما كان يكفيك أن تقول بيدك هكذا، ثم ضرب بيده الأرض، ومسح كفيه ووجهه )؛ ولأن طهارة التيمم طهارة ميسرة في الأصل، فموضع الطهارة عضوان فقط: الوجه والكفان، في الحدث الأصغر والأكبر، ولا يكرر فيه المسح، فهي طهارة مخففة، فلا حرج أن يكون على الإنسان خاتم على إصبعه، ويتيمم بدون أن يخلعه.

السؤال: يقول: مشكلتي بأنني متزوج في شهر شعبان الماضي، وعندما جاء شهر رمضان الكريم لم أستطع أن أمسك نفسي في وقت الصيام -وجامع زوجته وهي الآن حامل- يقول: أفيدوني ماذا أفعل ليغفر الله لي؟ وهل هذا الحمل به شيء؟

الجواب: أما الحمل فليس فيه شيء، وأما الجماع في نهار رمضان والإنسان مقيم في بلده، وواجب عليه أن يؤدي الصيام في وقته وهو يعلم أنه حرام، فإن فيه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعلى هذا الفاعل أن يؤدي الكفارة كما جاء في الحديث ( عتق رقبة ) يعني: إعتاق رقيق، ( فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً )، والمرأة مثله، إلا أن يكون قد أكرهها فليس عليها شيء.

السؤال: بعض الأئمة في المساجد إذا جاء شهر رمضان مثلاً أجر من ينوب عنه في المسجد، وذهب إلى الحرم يصوم هناك، وأعطى الأجير نصف الراتب، فهل بقية الراتب حلال لهذا الإمام؟

الجواب: ينبغي أن يكون السؤال: هل هذا حلال؟ ولو أعطى النائب الراتب كله، أرى أن هذا لا يجوز له أن يفعل، أن يترك المسجد الذي قيامه فيه واجب ويذهب إلى مكة؛ لأن الذهاب إلى مكة أعلى ما نقول فيه: إنه سنة، أو على الأقل نقول: تطوع، هذا أعلى ما نقول فيه، وقيامه بفريضة الوظيفة واجب، فلا يحل للإنسان أن يدع وظيفته التي يجب عليه أداؤها ويذهب إلى مكة ليصوم رمضان هناك، أو يدع الوظيفة ويعتكف في بعض المساجد كما يفعله بعض الناس، وهذا من الجهل، القيام بواجب الوظيفة أفضل من التطوع، أفضل من أن يؤدي عمرة فضلاً عن أن يبقى كل رمضان في مكة، يعني لو قال: أقوم بوظيفتي أو أؤدي العمرة أيهما أفضل؟ قلنا: قم بالوظيفة ودع العمرة، لكن إذا كان يريد أن يؤدي العمرة في يومين، أو ما أشبه ذلك لسهولة الوصول إلى مكة -الآن والحمد لله- فأرجو ألا يكون في هذا بأس، يذهب يوماً أو يومين في الطائرة ويرجع.

السؤال: الشخص الذي يستقدم عمالاً من الخارج ويأخذ من أجرتهم عشرين في المائة مقابل كفالته لهم، هل هذا حلال أم فيه شبهة؟

الجواب: هذا لا شبهة في أنها حرام، أولاً: لأنها تخالف نظام الدولة، وكل شيء يخالف نظام الدولة فهو حرام وإن كان في الأصل حلالاً؛ لأن الله تعالى أوجب علينا طاعة ولاة الأمور في غير الحرام، وإذا كان ولاة الأمور قد سنوا نظاماً نحو العمالة فالواجب اتباعه، ما لم يكن محرماً في نفسه، وإذا كان كذلك فإن هذا الاتفاق الذي بينهم يجب عليه إلغاؤه، وأن تكون الأجرة كلها لهم، أجرة عملهم كلها لهم، ولا يأخذ منهم شيئاً.

وأقولها على نظر إلا إذا أراد أن يأخذ مقدار ما خسره في الذهاب إلى بلادهم وجلبهم فقط، فهذه قد أقول وأستغفر الله إن كنت مخطئاً: إنه لا بأس به، مع أني في تردد من هذا، ولو أن الناس مشوا على ما يجب عليهم نحو العمالة لحصل خير كثير، لكن الآن كما نرى جعلوا مسألة العمالة مثل التجارة، يأتون بهم ويأخذون عليهم ضرائب كل شهر، يؤجرون ثلاثة من الرجال أو أكثر أو أقل، وهم نائمون على فرشهم، وهؤلاء المساكين يكدحون، وربما لا يحصلون إلا على هذا الذي قدر عليهم، فليتق الله امرؤ في نفسه وفي إخوانه وفي حكومته، وليتمشى على النظام تماماً بدون تفريط.

السؤال: إذا أردت أن أصلي الوتر سرداً مثلاً خمس ركعات أو تسع ركعات، فهل يجوز أن أقرأ الفاتحة ومعها سورة في كل ركعة؟

الجواب: نعم، الوتر أنواع، أقله ركعة واحدة، ثم ثلاث، والثلاث إن شاء سردها سرداً بتشهد واحد، وإن شاء سلم من ركعتين ثم استأنف الثالثة، وإذا أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهد واحد، وإذا أوتر بسبع سردها جميعاً بتشهد واحد، وإذا أوتر بتسع سرد ثمانياً وجلس للتشهد، ثم قام للتاسعة ولا يسلم في الثامنة، ثم إذا قرأ من التاسعة سلم، وإن أوتر بإحدى عشرة فإنه يصلي ركعتين ركعتين ويوتر بواحدة، هذه صفة الوتر، وفي كل ركعة يقرأ الفاتحة وسورة حسب ما يتيسر له من السور.

مداخلة: وما هو الأفضل في الوتر من جهة الركعات؟

الشيخ: الأفضل أن يكون الإنسان على نشاطه، إن كان نشيطاً فكلما زاد العدد إلى إحدى عشرة فهو أفضل.

السؤال: أريد أن أصوم كصيام نبي الله داود عليه السلام، فهل علي حرج إذا صادف صيامي في يوم الجمعة؛ لأنني أريد أن أنقص أو أزيد على ذلك؟

الجواب: نعم لا بأس، إذا كان يصوم يوماً ويدع يوماً فصادف صيامه يوم الجمعة فلا حرج؛ لأن النهي عن صيام يوم الجمعة إنما ينهى عنه إذا كان أراد تخصيص يوم الجمعة، وأما إذا صادف أن يوم الجمعة هو اليوم الذي يصوم فيه وهو يصوم يوماً ويدع يوماً، أو صادف يوم الجمعة يوم عرفة، أو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء فلا حرج أن يصومه وحده؛ لأن النهي عن صوم يوم الجمعة إنما هو عن إفراده وتخصيصه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: ( لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام ).