أرشيف المقالات

من الشهداء؟! - عبد اللطيف بن هاجس الغامدي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .

الحمد لله الخبير القدير، والصلاة والسلام على البشير النذير، وأشهد أن لا إله إلا الله السميع البصير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله السراج المنير، أما بعد:

فإن الشهداء في أمَّة الإسلام كثير، ولو شاء الرجل أن يعدّهم لعجز، فلا يحصيهم إلا الله تعالى، مع أن الناظر في واقع الحال يرى أن الشهداء أقلّ من القليل، وهذا الفهم المغلوط يأتي من الجهل المطبق بدين الإسلام وما فيه من أحكام.
والحق الذي لا مرية فيه أن الشهداء في الإسلام لا يحصيهم ديوان، لتعدد الأسباب التي تؤول بالعبد إلى الوصول لمرتبة الشهادة ، والحصول على ثوابها الجزيل.
وقبل أن ندلف للدخول في موضوعنا، نقول: بأن الشهادة تنقسم إلى قسمين؛ شهادة كبرى، وصغرى.
فالكبرى هي: الشهادة في سبيل الله تعالى في أرض القتال والنزال مع أعداء الملّة، وهذه المرتبة السامية والمنزلة العالية لمن صدق مع الله في نيّته وعزيمته، فمضى لميادين الوغى وساحات الفداء، بعد أن باع نفسه من الله، يرجو تجارة لن تبور مع العزيز الغفور، فتلقاه ربّه بالقبول الحسن، واصطفاه لنيل الشهادة، فختم له بخاتمة السعادة .
وهم من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للشهيدِ عند اللهِ سبعَ خِصالٍ: أن يُغفرَ له في أولِ دَفعةٍ من دمِه، ويرى مقعدَه من الجنة ِ، ويُحلَّى حُلَّةَ الإيمان ِ، ويُجارُ من عذاب القبر ِ، ويأمنُ من الفزعِ الأكبرِ، ويوضعُ على رأسِه تاجُ الوَقارِ؛ الياقوتةُ منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زوجةً من الحورَ العِينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ إنسانًا من أقاربِه» (صحيح الترغيب والترهيب؛ برقم: [1374] عن عبادة بن الصامت).
والصغرى هي: ما دون ذلك مما عده الشارع الحكيم شهادة، لكنه دون المرتبة الأولى، وإليك بعض أولئك مع ذكر بعض الأدلة عليهم:
فهم من مات بالطاعون، والمبطون بداء البطن كالاستسقاء والغريق، والحريق، وصاحب الهدم يموت تحت الهدم، والمرأة تموت بالولادة، ومن أصيب بذات الجنب، والمسلول من مات بداء السل، واللديغ، ومن مات دون دينه وماله وحقه وعرضه ونفسه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تعدُّونَ الشَّهيدَ فيكُم؟» قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، مَن قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ، قالَ: «إنَّ شُهَداءَ أمَّتي إذًا لقليلٌ»، قالوا: فمَن هم يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: «مَن قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ، ومن ماتَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعونِ فَهوَ شَهيدٌ، ومَن ماتَ في البَطنِ فَهوَ شَهيدٌ»، روايةٍ زادَ فيِهِ «والغَرِقُ شهيدٌ» ( صحيح مسلم ؛ برقم [1915]).
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشُّهَداءُ خمسةٌ: المَطعونُ، والمَبطونُ، والغَريقُ، وصاحبُ الهدمِ، والشهيدُ في سبيلِ اللهِ» (صحيح البخاري ؛ برقم: [2829]، وصحيح مسلم؛ برقم: [1914]، وغيرهما).
وعن راشد بن حبيش رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتعلَمون مَن الشَّهيدُ مِن أُمَّتِي؟» فأرَمَّ القَومُ، فقال عُبادةُ: سانِدُوني.
فأسنَدوهُ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ! الصَّابرُ المُحتَسبُ.
فقال رسولُ اللهِ: «إنَّ شُهداءَ أُمَّتِي إذًا لقَليلٌ، القَتلُ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ شَهادةٌ، والطَّاعونُ شهادةٌ، والغَرَقُ شهادةٌ، والبَطنُ شهادةٌ، والنُّفَساءُ يجرُّها ولدُها بسرَرِه إلى الجن َّةِ»، "قال: وزادَ أبو العوامِ سادِنُ بيتِ المقدسِ: «والحَرقُ، والسُّلُّ» (صحيح الترغيب والترهيب؛ برقم: [1396]).
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (سنن أبو داود؛ برقم: [4772] وسنن النسائي؛ برقم: [4095]، وسنن الترمذي؛ برقم: [1421]؛ بسند صحيح).
وعن سويد بن مقرن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (سنن النسائي؛ برقم: [4096]).
وكما رأيت فإن فضل الله عظيم، فهو الذي خلق الداء وقدَّر على عباده الفناء، وكتب لمن مات بهذه الأوصاف أن يمنحه أجر الشهادة، فسبحانه ما أكرمه! وأرحمه!
والمتأمل يرى أن تلك الميتات من أبشع وأشنع ما يموت عليه المرء، ففيها الكثير من المعاناة والألم كمن تموت على ولدها حين ولادته، ومنها ما هو حرمان من التوبة وإصلاح الوضع مع الله كمن يموت رديمًا، وفيها ما فيه فجيعة فظيعة كمن يموت دون أهله وماله أو بالغرق والحرق، وفيها ما فيه طول معاناة واستمرار ألم ومقاساة كمن يموت بالسل أو الطاعون أو ذات الجنب، وعلى أيِّ حال فالموت قادم مهما تعددت أسبابه وتنوعت أبوابه.
فهل نحن على استعداد للنقلة ليوم المعاد؟ وهل لدينا الزاد ليوم الرحيل إلى ذلك اليوم الطويل والموقف المخزي الوبيل؟!

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن