سلسلة منهاج المسلم - (63)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد ..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات، إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها، إذ الباب الأول في العقيدة، والثاني في الآداب، والثالث في الأخلاق، والرابع في العبادات، والخامس في المعاملات، وهذه شريعة الله عز وجل لعباده المؤمنين، وها نحن قد انتهى بنا الدرس إلى [ الفصل السادس: في خلق الرحمة]، فالرحمة خلق، وستعلمه إن شاء الله.

الرحمة خلق المسلم

قال: [المسلم] أي: المسلم الكامل الإسلام الذي أعطى قلبه ووجهه لله، ذلكم هو المسلم، أعطى قلبه لله فلا يتقلب إلا في طلب رضا الله، وأسلم وجهه لله فلا يرى إلا الله، هذا هو المسلم الحسن الإسلام [رحيم، والرحمة خلق من أخلاقه، إذ منشأ الرحمة صفاء النفس وطهارة الروح] فمكان ونشأة الرحمة صفاء النفس وطهارة الروح [والمسلم بإتيانه الخير وعمله الصالح وابتعاده عن الشر واجتنابه المفاسد هو دائماً في طهارة نفس وطيب روح، ومن كان هذا حاله فإن الرحمة لا تفارق قلبه؛ ولهذا كان المسلم يحب الرحمة ويبذلها ويوصي بها ويدعو إليها، مصداقاً لقوله تعالى: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد:17-18]] فتأملوا هذه الآية من سورة البلد ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد:17] أي أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على الطاعة وتواصوا بالرحمة [وعملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم] والمصطفى هو نبي الله، اصطفاه الله واختاره واجتباه وبعثه إلى عباده نبياً ورسولاً [( إنما يرحم الله من عباده الرحماء )] فلنحفظ هذا الحديث وندخله في قلوبنا كما ندخل الدينار في جيوبنا فرحين مسرورين، فمن لم يكن رحيماً لا يرحم، هذا خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقل: بنو هاشم ولا البيض ولا السود، وإنما (يرحم من عباده الرحماء) ، هذا الحديث خير -والله- من ألف ريال، بل من مائة ألف ريال.

ومن قال هذا واعتقده ودخل في قلبه ما قدر أن يؤذي مؤمناً ولو بنظرة شزراً؛ لأنه رحيم، والرحيم لا يؤذي [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ] ارحموا من في الأرض من الناس والحيوانات يرحمكم الذي في السماء عز وجل، ومن يرحم يُرحم، فسنة الله لا تتبدل، ومعناه: إن لم ترحموا من في الأرض فلن يرحمكم من في السماء [واسترشاداً بقوله عليه الصلاة والسلام: ( من لا يرحم لا يُرحم )]، وقد حفظ العجائز هذا في الجاهلية أنه من لا يرحم لا يُرحم أبداً، فهذه سنة الله، فالذين يقتلون ويذبحون ويبقرون البطون ليس لهم من يرحمهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لا يرحم لا يُرحم ) [ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي )] أي: لا تنزع الرحمة من قلب أحد إلا من قلب شقي -والعياذ بالله تعالى- كتب الله شقاوته، أما السعيد فالرحمة في قلبه ولا تفارقه أبداً [وتحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمنين )] أي: الصادقين في إيمانهم العارفين بربهم [( في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )] مثل المؤمنين: رجالاً ونساءً، بيضاً وسوداً، عرباً وعجماً مثلهم الحق الذي ينطبق عليهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى من الجسد عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فإذا مرض أنفه مرض وتأذى الجسد كله، وإذا مرضت عينه مرض جسمه كله، وإذا مرضت يده مرض جسمه كله، بل حتى إذا مرض سنهُ فقط مرض بمرضه جسمه كله.

هذا هو شأن المؤمنين، فالمؤمنين الصادقين في إيمانهم وتوادهم وتراحمهم وتعاطفهم مع بعضهم البعض كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، أي: توالت الأعضاء كلها بالحمى والسهر.

الآثار الخارجية للرحمة

[والرحمة وإن كانت حقيقتها رقة القلب وانعطاف النفس] فالرحمة التي هي صفة المؤمن -وندعو الله أن نكون من أهلها وأن يرزقنا إياها- حقيقتها رقة القلب وانعطاف النفس [المقتضي للمغفرة والإحسان فإنها لن تكون دائماً مجرد عاطفة نفسية لا أثر لها في الخارج، بل إنها ذات آثار خارجية، ومظاهر حقيقية تتجسم فيها في عالم الشهادة ..] فالرحمة محلها القلب، ولكن لها آثار تظهر على العبد في الخارج، فليست في القلب فقط، بل إذا وجدت تجلت مظاهرها في الأعضاء كلها [ومن آثار الرحمة الخارجية: العفو على ذي الزلة] وبها يُعرف أن في قلبك رحمة، فإنك إذا أوذيت وتنازلت ولم تقتص من ذاك الذي آذاك وعفوت عنه؛ دل هذا على وجود رحمة [والمغفرة لصاحب الخطيئة] فيُعرف أنك ذو رحمة بأن نجدك تعفو عمن ظلمك، وتتنازل عمن آذاك [وإغاثة الملهوف، ومساعدة الضعيف، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، ومداواة المريض، ومواساة الحزين .. كل هذه من آثار الرحمة وغيرها كثير] فالرحمة خلق في القلب ولكن تتجلى آثارها في الخارج.

قال: [المسلم] أي: المسلم الكامل الإسلام الذي أعطى قلبه ووجهه لله، ذلكم هو المسلم، أعطى قلبه لله فلا يتقلب إلا في طلب رضا الله، وأسلم وجهه لله فلا يرى إلا الله، هذا هو المسلم الحسن الإسلام [رحيم، والرحمة خلق من أخلاقه، إذ منشأ الرحمة صفاء النفس وطهارة الروح] فمكان ونشأة الرحمة صفاء النفس وطهارة الروح [والمسلم بإتيانه الخير وعمله الصالح وابتعاده عن الشر واجتنابه المفاسد هو دائماً في طهارة نفس وطيب روح، ومن كان هذا حاله فإن الرحمة لا تفارق قلبه؛ ولهذا كان المسلم يحب الرحمة ويبذلها ويوصي بها ويدعو إليها، مصداقاً لقوله تعالى: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد:17-18]] فتأملوا هذه الآية من سورة البلد ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد:17] أي أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على الطاعة وتواصوا بالرحمة [وعملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم] والمصطفى هو نبي الله، اصطفاه الله واختاره واجتباه وبعثه إلى عباده نبياً ورسولاً [( إنما يرحم الله من عباده الرحماء )] فلنحفظ هذا الحديث وندخله في قلوبنا كما ندخل الدينار في جيوبنا فرحين مسرورين، فمن لم يكن رحيماً لا يرحم، هذا خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقل: بنو هاشم ولا البيض ولا السود، وإنما (يرحم من عباده الرحماء) ، هذا الحديث خير -والله- من ألف ريال، بل من مائة ألف ريال.

ومن قال هذا واعتقده ودخل في قلبه ما قدر أن يؤذي مؤمناً ولو بنظرة شزراً؛ لأنه رحيم، والرحيم لا يؤذي [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ] ارحموا من في الأرض من الناس والحيوانات يرحمكم الذي في السماء عز وجل، ومن يرحم يُرحم، فسنة الله لا تتبدل، ومعناه: إن لم ترحموا من في الأرض فلن يرحمكم من في السماء [واسترشاداً بقوله عليه الصلاة والسلام: ( من لا يرحم لا يُرحم )]، وقد حفظ العجائز هذا في الجاهلية أنه من لا يرحم لا يُرحم أبداً، فهذه سنة الله، فالذين يقتلون ويذبحون ويبقرون البطون ليس لهم من يرحمهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لا يرحم لا يُرحم ) [ومن قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي )] أي: لا تنزع الرحمة من قلب أحد إلا من قلب شقي -والعياذ بالله تعالى- كتب الله شقاوته، أما السعيد فالرحمة في قلبه ولا تفارقه أبداً [وتحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمنين )] أي: الصادقين في إيمانهم العارفين بربهم [( في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )] مثل المؤمنين: رجالاً ونساءً، بيضاً وسوداً، عرباً وعجماً مثلهم الحق الذي ينطبق عليهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى من الجسد عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فإذا مرض أنفه مرض وتأذى الجسد كله، وإذا مرضت عينه مرض جسمه كله، وإذا مرضت يده مرض جسمه كله، بل حتى إذا مرض سنهُ فقط مرض بمرضه جسمه كله.

هذا هو شأن المؤمنين، فالمؤمنين الصادقين في إيمانهم وتوادهم وتراحمهم وتعاطفهم مع بعضهم البعض كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، أي: توالت الأعضاء كلها بالحمى والسهر.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4154 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4080 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3859 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3833 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3821 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3745 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3643 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3628 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3606 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (99) 3603 استماع