أرشيف المقالات

حجة الوداع وقضايا الأمة - ملفات متنوعة

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
إتمام النعمة وإكمال الدين وإقرار الدين الإسلامي منهج حياة ..
القضاء على التمييز العنصري والتأكيد على حقوق الإنسان وإثبات حقوق المرأة ، ثم علامات انتقال النبي محمد صلي الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ..
كيف ؟!!
إنه يوم الوداع : لقاءَ وداعِ رسول لأمته، وداعاً لهذه الدار الفانية إلى الدار الباقية، لا نَصَبَ فيها ولا تعب ، لا هم فيها ولا حزن ...ما أروعها من ساعة، وما أجمله من لقاء ، اجتمع فيه من أرسله الله رحمة للعالمين مع الجموع الحاشدة ،الخاشعة ، المتضرعة ، وكلهم أعين راعية ، وقلوب واعية ، وآذان صاغية ، لنظرات الوداع ، وكلمات الوداع..!! ، كلمات من لا ينطق عن الهوى " { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} " [النجم]
 كلمات الوداع :لقد أنصتتِ الدنيا بأسرها ، لتسمع كلام الصادق الأمين وهو يقول: « أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا » .
وهو يُلخص لأمته - بل للبشرية جمعاء - مبادئ الرحمة والإنسانية، ويرسي لها دعائم السلم والسلام، ويقيم فيها أواصر المحبة والأخوة، ويغرس بأرضها روح التراحم والتعاون، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه سيأتي على الناس حين من الدهر يودِّعون فيه هذه المبادئ ، ويسيرون في عالم الماديات ، تسوده معايير القوة والظلم - ظلم الإنسان لأخيه الإنسان - ويُقدم فيه كل ما هو مادي على ما هو إنساني...!!
كان - صلى الله عليه وسلم  - في عرفة على ناقته، يدعو ربه ويناجيه ويستغيث به ، رافعاً يديه إلى السماء، ثم توقف عن الدعاء وهو يبكي، وإذا بجبريل ينزل عليه من السماء بقوله – سبحانه -: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ".
المائدة
ففهم كبار الصحابة من ذلك أن أجل رسول الله  قد اقترب، وأنه قد دنا موعد الفراق، فبكوا وابكوا.
في حجة الوداع : تم القضاء على التمييز العنصري، فقد ألغى محمد  كل ألوان التمييز العنصري، وداس عليه بقدميه، وذلك قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، في حين أن دولة من الدول في عصرنا الحاضر، تتبجح بأنها أعظم دولة في العالم، لا زالت تفرق بين مواطنيها بحسب ألوانهم ، أما في الإسلام فلا أبيض ولا أسود ولا أحمر، لا نسب، لا مال، لا جاه  - فقط -  "  {إن أكرمكم عند الله أتقاكم } " [الحجرات]
   وقف النبي  ينادي: يا أبا بكر، يا قرشي، يا سيد، أنت وبلال الحبشي أخوان، لا فرق بينكما عند الله إلا بالتقوى، وقف هناك يقول: يا عمر، يا أبا حفص، يا فاروق الإسلام، أنت وصهيب الرومي أخوان، وقف هناك يقول: يا علي أنت وسلمان الفارسي أخوان.
 هذه أخوة الدين ، هذه أخوة العقيدة ، الناس فيها سواسية كأسنان المشط،  لا فضل فيها لعربي على اعجمي الا بالتقوي والعمل الصالح .

في حجة الوداع : تبرز قضية أخرى قررها  رسول الله  في هذا الموقف العظيم ، إنها  قضية الإنسان، قضية حقوق الإنسان، فقد نادى هذا النبي العظيم بحقوق الإنسان، وأنه لابد أن يكون محترماً له مكانته بين الناس، لا أن يعامل كما يعامل الحيوان.
 وإذا كان هذا الإنسان مؤمناً، ازدادت حرمته، وتأكدت حقوقه.
" إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا "   ينظر  إلى الكعبة ويقول:  " ما أعظمك، وما أشد حرمتك، والذي نفسي بيده، للمؤمن أشد حرمة عند الله منك "
المنظمات المستجدة والهيئات المستحدثة معنية - للاسف -  بقتل الإنسان وذبحه  وسحله وتجريده من حقوقه  ، أما  الذي نادى بحقوق الإنسان، الذي  طبق حقوق الإنسان على واقع الحياة هو محمد رسول الله
أعلن حقوق الإنسان، واحترام الإنسان، وأعلن أن الله مع الإنسان ما دام هذا الإنسان عابداً لله مستقيما إليه مستعينا به متوكلا عليه
نزل النبي ، ثم أتى إلى الجبل فوقف من بعد صلاة الظهر إلى صلاة المغرب باكياً، مستغفراً، متواضعاً لله تبارك وتعالى.
وقف هناك، والبشرية كلها تنظر إليه، وتسمع كلامه، لأن البشرية تعلم أنه :  " وما ينطق عن الهوى  إن هو إلا وحي يوحى "  النجم
في حجة الوداع : قد أعلن فيها  حقوق المرأة  " عن عنوان عندكم "  أي أسيرات ، أعلن أنها إنسانة لها شأنها في المجتمع، فهي تمثل نصف الأمة، ثم هي تلد النصف الآخر، فهي أمة كاملة.
أما الذين يدعون إلى ما يسمى بحرية المرأة، فأولئك هم أعداء المرأة، وقتلة المرأة، ذئاب البشر لا يريدون إلا أن تكون المرأة جسداً مشاعاً، يفترسه ذئاب الأرض وكلابها.
في حجة الوداع علامات دنو أجله صلى الله عليه وسلم :  لما أتى لينحر الإبل، وقد ساق معه مائة ناقة، ليفدى بها جده إسماعيل عليه السلام، فأخذ الحربة لينحرها – وهو الرجل الذي يعرف المواقف كلها، في الحرب تجده في مقدمة الصفوف تجده ، وفي السلم من أعظم المسالمين، وعند الصلاة خاشع قانت، وعند الخصومات عادل مقسط، وفي السياسة قائد محنك، وعند الصدقة جواد كريم، وفي بيته أب رحيم قريب من القلوب -.

أخذ  الحربة، وتقدم إلى الإبل ليذبحها، فأخذت تتسابق إليه أيتها يُنحر أولا !! سبحان الله، حتى النوق العجماوات، تحب الموت وتتسابق عليه، إذا كان من يديه .
نعم، إنها المحبة الصادقة التي فطرها الله في القلوب له ، الجمال تحبه، والطيور في السماء تحبه، وأعواد المنبر تحن إليه وتبكي لفراقه.
عند البخاري أنه عليه الصلاة والسلام، ترك منبره الأول لمنبر جديد، فبكى المنبر الأول ،  أتبكي أعواد الخشب ، إذا كان محمدٌ  هو المفارق .

تسابقت إليه الإبل، كل جمل يقدم نحره وصدره، فأخذ  يقول: بسم الله ، فنحر ثلاثاً وستين، ثم توقف، لماذا لم يكمل المائة، لأن عمره ثلاث وستون، ثم يموت كما يموت الناس، ويذهب كما يذهب الناس، ثم أعطى  الحرية  لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكمّل مائة، فعرف كبار الصحابة أنه  لن يتجاوز هذا العدد من السنين، وأنه يموت، فقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم  قال في يوم النحر لأصحابه: لعلي " لا أحج بعد حجتي هذه " فعرف الصحابة أنه يودعهم، فارتفع البكاء والضجيج، وكثر النحيب، وبالفعل ما رأوه بعدها أبداً.
وفي مثل هذا اليوم من كل عام يجتمع المسلمون من كل حدب  صوب يسترجعوا عظمة دينهم  ومكانة نبيهم وعطاء ربهم ، ويبتهلون ويكبرون ويحمدون ، دينهم يوحدهم ويعزهم ويجمعهم  كيف ؟!!
إنه يوم وحدة المسلمين العظمي  ،يوم مؤتمر المؤمنين الأكبر ، مؤتمر سنوي يجتمع فيه المسلمون من أجناس الأرض على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، علي اختلاف لغاتهم وأوطانهم ، اجتمعوا في هذا المكان لهدفٍ واحدٍ ولربٍّ واحد، يرجون رحمته ويخافون عذابه ، إنهم يصنعون وحدة الهدف،  ويبنون وحدة العمل ، إنهم جميعا مسلمون ، لرب واجد يعبدون ،ولرسول واحد يتبعون ، ولقبلة واحدة يتجهون ، ولكتاب واحد يقرؤون ، ولإعمال واحدة ويؤدون...!! هل هناك وحدة أعظم من هذه الوحدة ؟!
في حجة الوداع : لما أراد أن يحلق رأسه، قال لمعمر بن عبد الله: يا معمر، ألديك موسى، قال: نعم يا رسول الله، قال: " سم الله وأحلق رأسي " ، فأعطاه ميمنة رأسه الشريف، الذي ما عرف إلا العدل والحق والوفاء، فأخذ يحلق رأسه وهو يتبسم، عليه الصلاة والسلام، ويقول لمعمر: " أما رأيت رسول الله  أعطاك رأسه بين يديك، والموسى في يديك " ، قال معمر: يا رسول الله، والله إنها من نعم الله أن أحلق رأسك "  فلما انتهى النصف الأول قال لأصحابه:  " اقتسموه بينكم " فكادوا يقتتلون على شعره، كل منهم يريد أن يحصل ولو على شعرة واحدة، وبعضهم ما حصل إلا على نصف شعرة.
ليس عندنا في الإسلام كهنوت، وليس عندنا في الإسلام عبودية لغير الله – تعالى –، ولكن عندنا حب صادق لهذا النبي، الذي أنقذنا من الضلالة وهدانا إلى النور.
ثم قال لمعمر: " احلق النصف الآخر" ، فحلق النصف الآخر، فقال : " ين أبو طلحة الأنصاري؟ "  فأتى أبو طلحة، فقال له النبي : " خذ هذا الشعر كله " ، فبكى أبو طلحة من الفرح
ولازالت بركاته صلى الله عليه وسلم ورحمته  تزخر بها الارض والسماء لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ..
ومازالت رحمته تغشي العالمين " وما أرسلناك الترجمة للعالمين "
إن أخذوا بستان وفهموا سرته وحافظوا على دعوته
الحج   غِنًى لا فقر معه، ومَوعد لا سَهو فيه، وجِهاد لا شَوكة فيه، ونداء لا لبس عنده "  {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} "  الحج:
اللهم وحد صف المسلمين واجمع كلمتهم وارفع رايتهم ..
اللهم ارزقنا حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ..
 
   خميس النقيب
 

شارك الخبر

المرئيات-١