الجهاد وأنواعه [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

أيها الإخوة الكرام! تقدم معنا الكلام أن تشريع الجهاد مر بأربع مراحل:

المرحلة الأولى: التي فيها الأمر بالصبر والصفح، والهجر والكف.

ثم المرحلة الثانية: والتي فيها الإذن بالقتال.

ثم المرحلة الثالثة: والتي فيها الأمر بقتال من قاتل المسلمين.

ثم المرحلة الرابعة: وهي الأمر بقتال المشركين كافة.

وأن هذا الجهاد قد شرع لأن الله عز وجل قد أقام هذا الكون على سنة التدافع بين الحق والباطل كما قال سبحانه: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ [البقرة:251]، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً [الحج:40].

ومنذ أن أهبط الله عز وجل أبانا آدم وأمنا حواء إلى هذه الأرض أهبط معهم إبليس، وقال سبحانه: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36]، فهناك حزب الحق حزب الله، وهناك حزب الشيطان، قال الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76].

وليس الغرض من الجهاد القضاء على الكفر والشرك، ولكن المراد كف الأذى، والمنع من الصد عن سبيل الله، وإلا فالكفر والشرك باق إلى قيام الساعة وليس الغرض من تشريع الجهاد أن نجعل الناس كلهم مسلمين.

ولذلك هاهنا شبهات تطرح، فمن هذه الشبهات مثلاً:

أن أكثر الناس لا يفهمون من الجهاد إلا القتال، مع أن الجهاد عندنا أعم من القتال، القتال ليس إلا نوعاً من أنواع الجهاد، وإلا هناك أنواع أخرى. فبعض الناس يقول: الجهاد ظلم؛ لأن فيه إراقة للدماء، وإزهاقاً للأرواح، وتخريباً للعامر، وإتلافاً للممتلكات وما إلى ذلك.

ونقول بأن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والظلم معاقبة البريء، فهل المشرك والكافر بريء؟ إنه لا ذنب أعظم عند الله من الشرك، قال الله عز وجل: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:116]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]، فلا يمكن أن يقال: بأن الجهاد ظلم.

ثانياً: بعض الناس يقول: الجهاد فيه إكراه لغير المسلم على أن يدخل في الإسلام.

ونقول: هذا بعيد جداً، وذلك أن الله عز وجل أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وأنزل عليه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99]، وأنزل عليه: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]، وسبب نزول الآية كما قال أهل التفسير: بأن رجلاً من الأنصار أسلم، وكان له ولدان قد تنصرا في الجاهلية، أي حين كان الناس يعبدون الأوثان تنصر هذان الولدان فلما جاء الله بالإسلام أسلم أبوهما ثم عرض عليهما أن يسلما فأبيا، فجاء يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله! كيف أرضى وبعضي في النار! يعني: وجزء مني في النار، يريد بذلك إذناً من النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يجبر ولديه على الإسلام، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ [البقرة:256]، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام حتى لما فتح مكة ما أكره أهلها على الإسلام، ونحن نقرأ في القرآن: وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29].

فالجهاد لم يشرع أبداً لإكراه غير المسلم على الإسلام، وإلا المكره لا يقبل منه إيمان أصلاً.

لماذا شرع الجهاد؟

أولاً: شرع الجهاد تأميناً للدعوة وأهلها؛ لأن المشركين لن يكفوا عن الأذى، وكثيراً ما كان يأتي مسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شج وجهه، أو لطم، أو ضرب بالسياط حتى دمي ظهره، أو يأتي الواحد منهم وقد ألقي في الرمضاء ووضعت على صدره الصخرة العظيمة، فكانوا يأتون للنبي صلى الله عليه وسلم شاكين، فكان يقول لهم: ( اصبروا فإنا لم نؤمر بقتال )، فالمسلمون صبروا على الأذى ولم يردوا الاعتداء، لكن هل كف المشركون؟ هل امتنعوا أم أنهم تمادوا؟ لا شك أنهم تمادوا، وهذه هي سنة الله عز وجل؛ ولذلك إذا لم يقابل الاعتداء بمثله، وتقابل القوة بقوة، فإن الحق يضيع، والباطل يتمدد؛ ولذلك كان من أمثلة العرب أنهم يقولون: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، يعني: حتى الحيوانات والبهائم لو أنك آذيت واحداً منها، فلن يبقى واقفاً مستسلماً؟ اللهم إلا الحمار، فإنك تصفعه وتجلده وهو مطأطئ رأسه ينتظر المزيد من الصفعات والضربات والسياط، لكن لو أنك رجمت كلباً فلن يتركك، سينبح عليك ويكشر عن أنيابه، ويحاول أن يهجم عليك، بل حتى الطيور الوادعة المسالمة، لو أنك اعتديت على أفراخها وأردت أن تؤذيها، فإنها ستدافع عن نفسها بما استطاعت.

فالجهاد شرع أولاً: تأميناً للدعوة وأهلها.

ثانياً: شرع رداً للأذى وحماية للمستضعفين، قال الله عز وجل: فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، وقال: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190]، وقال: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126]، هذه الندية وهذه المثلية هي التي تضمن للمسلمين العز؛ ولذلك الآن في واقعنا المعاصر الكفار وعلى رأسهم اليهود الذين هم أشد الناس عداوة للمؤمنين، يقصفون بطائراتهم ويرمون براجماتهم، ويطلقون رصاصاتهم، ويهدمون البيوت على أهلها، ويقتلون ويعيثون في الأرض فساداً، فلا يزيد العرب على أن يشجبوا ويستنكروا وينددوا ويقولون: نحن حريصون على السلام، لابد من تنفيذ خارطة الطريق.

هل اليهود يلتفتون لهذا الكلام؟ لا أبداً، بل يعدون هؤلاء أمة لا قيمة لها، هؤلاء الذين ليس لهم سلاح إلا الشجب والاستنكار، والتنديد ومناشدة المنظمات الدولية، والهيئات الأممية والمجتمع الدولي والولايات المتحدة أن يطلعوا بدورهم في إقرار السلام، هذه كلمات محفوظة نسمعها عقيب كل اعتداء، فهل كف اليهود؟ اللهم لا، وهكذا الدنيا ما تحترم إلا من كان قوياً.

شرع الجهاد من أجل أن يُكف أذى هؤلاء الكفرة والمشركين، ومن أجل أن يحمي المؤمنون المستضعفون.

ثم هناك غاية أخرى: وهي أن الجهاد شرع تأميناً للأديان والعقائد كلها، وهذه قد تستغربونها، لكنها منطوق القرآن، قال الله عز وجل: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ [الحج:40]، جمع صومعة، وَبِيَعٌ [الحج:40]، جمع بيعة، وَصَلَوَاتٌ [الحج:40]، جمع صلاة، وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً [الحج:40]، والمساجد ذكرت رابعاً، فنحن نؤمِّن كل صاحب دين على دينه، فإذا حصل الجهاد لن نخرب عامراً، ولن نهدم دوراً للعبادة، وإن كنا على يقين أن تلك التي يمارسونها عبادة باطلة، لكن مع ذلك لا نعتدي عليهم، ولا نؤذيهم.

وللجهاد عندنا آداب، فالجيش المسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث به، يوصي القائد ويقول له: ( انطلق باسم الله، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً وليداً، ولا شيخاً كبيراً، ولا راهباً، ولا تخربن عامراً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تعقرن بعيراً إلا لمأكلة )، وانظر إلى هذه التعاليم، (لا تغلوا) الغلول: هو السرقة من الغنيمة، (ولا تمثلوا)، أي: لو أنك تمكنت من عدوك فلا تمثل به، لك أن تقتله، لكن التمثيل لا يجوز؛ ولذلك يوم بدر لما أسر سهيل بن عمرو العامري وكان رجلاً خطيباً مفوهاً، يحرض الناس على قتال الرسول صلى الله عليه وسلم مع السبعين أسيراً، وعرفه عمر رضي الله عنه فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (يا رسول الله! دعني أنزع ثنيتيه فيندلع لسانه فلا يقوم عليك خطيباً بعد اليوم أبداً). أي: إن هذا الذي يؤذينا ويحرض الناس علينا، دعنا نقلع ثنيته السفلى فإذا أراد أن يتكلم خرج لسانه فنكون قد كفينا شره، فما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هذه فكرة طيبة، أو هذا كلام جميل، ولكن قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يا عمر ! لا أمثل به فيمثل الله بي، وإن كنت نبياً )، قال له: التمثيل ليس من هدينا.

ثم قال في وصيته: (ولا تغدروا)، والمسلم ليس عنده غدر، وقد جاء في الحديث: ( ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان بن فلان )، يعني: إذا أعطيت عهداً؛ لأن الله عز وجل قال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل:91].

ثم قال: (ولا تقتلوا)، وهناك أصناف من الناس لا نقتلهم، فالطفل لا يقتل، والشيخ الكبير لا يقتل، والمرأة التي لم تشارك في القتال ولم تعن برأي لا تقتل، فهؤلاء جميعاً لا يقتلون، وكذلك الراهب الذي اعتزل وزعم أنه يعبد الله لا يتعرض له بسوء.

ثم بعد ذلك يوصي صلوات ربي وسلامه عليه، وكذلك الصديق أبو بكر من بعده: (بأن لا تخربن عامراً) فالمكان العامر لا يخرب، فنحن ما عندنا أن الحرب حرب دمار، والأسلحة التي تستخدم الآن التي تهدم المباني على رءوس أهلها ليست عندنا.

ثم قال: (ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تعقرن بعيراً إلا لمأكلة )، أي: ما في بعير ينحر إلا من أجل أن يؤكل، وليس لمجرد العبث والإتلاف والإيذاء، فهذا كله ممنوع، منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد سبق أن ذكرنا أن الجهاد على أربعة أنواع:

جهاد النفس.

وجهاد الشيطان.

وجهاد المنافقين.

وجهاد الكفار.

أما جهاد النفس: فإن نفسك التي بين جنبيك مطلوب منك أن تجاهد لتزكيتها وتربيتها وتطهيرها وتنقيتها من الآفات والأدران والأمراض، وجهاد النفس هذا على أربع مراتب:

أولاً: جهادها على تعلم دين الله عز وجل الذي أمرت به.

ثم جهادها على العمل بما تعلمت، فإن العلم يطلبه العمل فإن وجده وإلا ارتحل.

ثم جهادها على الدعوة إلى هذا الحق والخير الذي تعلمته.

ثم رابعاً: جهادها على الصبر في هذا الطريق الشاق الذي صبر فيه الأنبياء والمرسلون كما قال الله عز وجل مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127]، وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [هود:120-122]، يعني: ما تتوقع بأن النصر وإحقاق الحق وإبطال الباطل سيحصل بين عشية وضحاها، لا. هذا طريق طويل ناح فيه نوح ، وشرد فيه الخليل ، وقتل فيه زكريا، ونشر يحيى بالمناشير، إلى غير ذلك مما أصاب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ‏

ثم جهاد الشيطان على مرتبتين:

أولاً: جهاده فيما يلقي من الشبهات، والشيطان قد يوسوس لك في العقيدة، أو يوسوس لك في العبادة، أو يوسوس لك في التشريعات، فيوسوس لك في العقيدة بأن يقول لك: من خلق الله؟ أين هو الله؟ ما الدليل على وجوده؟ ما الدليل على أن القرآن كلام الله؟ أو يوسوس لك بأن القرآن كلام عادي من جنس ما كان العرب يتكلمون به! وقد يوسوس لك في التشريعات بأن يقول لك: الدين يحجر عليك! أو الدين يقيدك! أو الدين يمنعك من كثير مما تريد! أو اترك الدين وراء ظهرك وعش أيامك وافعل ما تريد، ونحو ذلك مما يزينه الشيطان.

والشيطان على نوعين كما بين ربنا: الشيطان الإنسي، والشيطان الجني، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام:112].

والشيطان أيضاً قد يزين لك الشهوات؛ لأن الإنسان حيوان بطبعه يميل إلى ما يميل إليه الحيوان، يعني: نحن معشر بني الإنسان نشترك مع الحيوان البهيم في صفات، من ذلك: أن الحيوان يحب الطعام ونحن نحبه، ويحب الشراب ونحن نحبه، ويحب النكاح ونحن نحبه، ويحتاج إلى النوم ونحن كذلك. فالشيطان يزين لك هذه الشهوات، فإذا سمعت المؤذن يقول: الصلاة خير من النوم وتريد أن تقوم، يقول لك الشيطان: ارقد ارقد أنت أتيت متأخراً، فخذ راحتك، ثم إن النوم يهدئ أعصابك لذلك فارقد، فإذا وجد منك إصراراً قال لك: ارقد قليلاً، وبعدها ستقوم بين الأذان والإقامة فإن بينها نصف ساعة أو ثلث ساعة، فتنام ولا يوقظك إلا حر الشمس، والشيطان يضحك منك، بل إنك ستجد أن الشيطان قد بال في أذنيك، ويا ليته بصق، ولكنه بال، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن رجل نام حتى أصبح، قال: ( ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ).

فالشيطان يزين لك الشهوات، ويزين لك أكل الحرام، ويزين لك الوقوع في الحرام، وعنده في ذلك طرق شتى كما ذكر المفسرون في تفسير قول ربنا: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ [الحشر:16]، قالوا: هذا مثل ضربه الله لعابد من عباد بني إسرائيل كان يقال له برصيصا ، وبرصيصا رجل عابد معتزل الناس في جبل.

وفي هذا أن الجهاد ليس خاصاً بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم أبداً، ولذلك نقرأ في القرآن، وإذ قال موسى لقومه: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ [المائدة:21]، إلى أن قالوا له: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24]، وكذلك في العهد الجديد في الإنجيل الموجود إلى اليوم بأيدي النصارى في إنجيل متى في الإصحاح الخامس والثلاثين على لسان المسيح عليه السلام أنه قال: (لا تظنوا أني جئت لألقي على الأرض سلاماً، ما جئت لألقي سلاماً بل لأضع سيفاً، لأفرق بين الولد وأبيه، وبين المرأة وكنتها -أي: حماتها- من لا يحبني أكثر من أبيه لا يستحقني، من لا يحبني أكثر من أمه لا يستحقني )، فهذا الكلام منسوب لـلمسيح عليه السلام.

ثم بعد ذلك يأتون فيزعمون بأن الإسلام هو دين السيف، ودين القتل، ودين الدماء!

هذا العابد برصيصا جاءه ثلاثة إخوة وقالوا له: إننا نريد الخروج في غزوة، وعندنا أخت واحدة لا نأمن عليها أحداً سواك، فعندهم أخت واحدة وهم ثلاثة أشقاء، ويريدون الخروج للجهاد ولا يريدون تركها وحدها، وليس هناك إنسان يستأمن عليها إلا هذا العابد؛ لأنه رجل مضمون، فاستعاذ بالله منهم ومن أختهم، لكنهم ما زالوا يصرون ويلحون حتى قال: أنزلوها في ذلك المكان، مكان في الأسفل وهو فوق الجبل في صومعته، وكان في كل يوم يصنع الطعام وينزل يضعه على بابها ثم يصعد، وينادي عليها بعدما يصعد هو لتخرج فتأخذ الطعام، فالشيطان بعد حين جاءه وقال له: لو أنك تركت الطعام على بابها لربما يراها بعض الفساق، طيب ماذا أصنع؟ قال له: أدخل لها الطعام إلى الداخل، فالرجل أطاع الشيطان فأدخل الطعام، ثم بعد ذلك بزمن جاءه وقال له: هذه مسكينة تجلس وحدها الليل والنهار لا تجد من يؤنسها ولا من يكلمها، فلو أنك جلست معها حيناً، يعني: أعطها فقط من وقتك قليلاً، فبدأ يتردد عليها، ثم لم يزل يزينها في عينيه ويجملها حتى ضرب على فخذها يوماً، ثم في يوم آخر وقع عليها.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما ). وبعد أن وقع عليها حملت، والبطن كل يوم تكبر وتزيد، والإخوة قد يصلون في أي وقت، فقال إبليس لــبرصيصا: أنت الآن في مصيبة، وإخوانها سيأتون ويجدون المولود، فقال له برصيصا : ماذا أصنع؟ قال له: اقتل الولد، فقتل الولد ودفنه، فقال له: أتراها كاتمة إخوانها ما صنعت بولدها؟ إنها سوف تُخبر عنك مباشرة. فقال له: ماذا أصنع؟ قال له: اقتلها. يعني: زنى ثم قتل ثم قتل. فقتلها ودفنها إلى جوار ولدها، وصعد إلى صومعته، وما لبث إلا يسيراً حتى جاء الإخوة من الغزو، فقالوا: أين أختنا؟ فبكى بدموع التماسيح، ولربما مسح بدموعه لحيته وترحم عليها وقال: نعم الأخت كانت، لقد مرضت فقمت عليها حتى ماتت فدفنتها، فاسترجعوا وحوقلوا وحسبلوا وصدقوا ما قاله الرجل؛ لأنه صاحب دين عندهم، وذهبوا.

فجاء الشيطان في المنام للأخ الأكبر وقال له: أين أختك؟ فقال له: برصيصا قال كذا وكذا، فقال له: لا ليس هكذا، أنا سأخبرك، وبدأ يخبره عن القصة من أولها إلى آخرها، ثم جاء للأخ الثاني، ثم جاء للثالث في المنام، فلما أصبحوا، قال الأخ الأكبر: إني رأيت رؤيا وأعوذ بالله، لقد كان كذا وكذا، نعوذ بالله من الشيطان، قال الأوسط: وأنا قد رأيت، قال الأصغر: وأنا كذلك، فقال الأكبر: إنما هي حلم ليست بشيء، وقال الأصغر: لا والله! لأذهبن ولأبحثن في المكان الذي عينه، فذهب وحفر ووجد الأخت ليست ميتة وإنما مقتولة وإلى جوارها طفل صغير، فجيء بـبرصيصا إلى المحكمة، وأقر، وحكم عليه بالقتل، فجاءه إبليس فقال له: أنا صاحبك الذي زين لك ما قد مضى، وإني قادر على أن أنجيك الساعة، ولسان حاله: أنا محامي درجة أولى، والآن ممكن أن نجد بعض الثغرات القانونية ونلتف على قرار القاضي، ونطلب استئناف، وأستطيع أن أخفف عليك هذا الحكم، لكن هناك طلب واحد، فقال له: ما هو؟ قال له: تسجد لي. فقط أعطني سجدة واحدة، فخر مباشرة ساجداً، فالشيطان ضحك منه، وقال له: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ[الحشر:16]، وهكذا الشيطان يجر ابن آدم إلى المهالك، ثم بعد ذلك يتخلى عنه.

فمطلوب منك جهاده فيما يثير من شبهات، ومطلوب منك جهاده فيما يبعث من شهوات، وهذا كله من الشهوات، والدين ما منعنا، الدين أباح لنا أن نأكل، وأن نشرب، وأن ننام، وأن نتمتع بالنساء، وأباح لنا حتى الشهوات المعنوية، شهوة الجاه، وشهوة الشهرة وغيرها، ولو أن الإنسان أتى هذا كله من بابه المشروع فلا تثريب عليه، لكن الممنوع والحرام أن الإنسان يتعدى حدود الله، أسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.

وسائل ثبات العبد على الطاعة بعد رمضان

السؤال: ما هي وسائل الثبات بعد شهر رمضان؟

الجواب: وسائل الثبات كثيرة أولها: الدعاء، ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ، ( يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك )، ( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد )، هكذا كان يدعو النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الدعاء الآخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( اللهم اجعلني لك ذكاراً، لك شكاراً، لك مطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواهاً منيباً، اللهم تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي )، إلى غير ذلك من الأدعية.

الوسيلة الثانية: اتخاذ الصاحب الطيب، فإن الصاحب ساحب، يعني: يسحبك، فلو أن الصاحب طيب وسمع الأذان سيقول لك: هيا نصلي، أما إذا كان ليس بطيب فيقول لك: نصلي فيما بعد، فالإنسان يتخذ رفيقاً صالحاً، وبالمقابل يجتنب رفقاء السوء، فإنهم يردونك ويؤذونك ويضيعونك ويهلكونك.

ثم الوسيلة الثالثة: أن يكون لك ورد من القرآن يومياً لا تخل به، بأن يكون عندك جزء مثلاً من القرآن يومياً تحافظ عليه ولا تخل به.

ثم رابعاً: من وسائل الثبات على دين الله عز وجل: أن يكون لك مجلس على الأقل في الأسبوع تحضر حلقة من حلق العلم، أو مجلساً من مجالس الذكر، من أجل أن تسمع ما يفيدك، ومن أجل أن يرق قلبك، ويستقيم أمرك.

أيضاً من وسائل الثبات على دين الله: القراءة في كتب الصالحين، وفي أخبار الصالحين، تقرأ في سير أعلام النبلاء، وفي حلية الأولياء، وفي صفة الصفوة، وفي كتاب الإصابة، أو في كتاب الاستيعاب، أو مثلاً حتى في كتاب رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك من الكتب التي تتكلم عن أولئك الطيبين، من أجل أن يزداد الإنسان إيماناً ويثبت على الخير الذي ابتدأه.

حكم الزكاة على العامل الذي يتقاضى أرباحاً من عروض التجارة

السؤال: أعمل مديراً لمحل تجاري بدون مرتب، وأتقاضى نسبة خمسة وعشرين في المائة من الأرباح، هل علي زكاة؟

الجواب: نعم. إذا كانت هذه الأرباح في حولك قد بلغت نصاباً فعليك الزكاة، يعني: مثلاً: اجعل لك حولاً، حولك يوم واحد من رمضان، وانظر ما عندك إذا كان بالغاً نصاباً يعني: ثمانية آلاف وزيادة وهذا هو النصاب في أيامنا هذه، فيجب عليك أن تخرج ربع العشر.

السعر الذي تقوم به عروض التجارة

السؤال: ولدي محل تجاري وأريد إخراج الزكاة هل أقيم البضاعة بالسعر الذي أشتري به أم الذي أبيع به؟

الجواب: لا. عروض التجارة تقوم بسعر البيع لا بسعر الشراء، كذلك لو كان عندك أراضي تقومها بسعر البيع لا بالسعر الذي اشتريته بها.

الدليل على أولوية صاحب البيت بالصلاة بالضيوف

السؤال: هل هناك حديث يدل على أن يؤم صاحب البيت ضيفه في الصلاة؟

الجواب: نعم هناك حديث، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه )، يعني: أنت لو جئتني ضيفاً، فأنا أحق بالإمامة إلا أن أقدمك. فصاحب البيت أحق بالإمامة، وكذلك السلطان الحاكم لو أنه جاء في مكان فهو أحق بالإمامة؛ لأنه ذو السلطان.

مدى سقوط الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا قام به بعض الأمة

السؤال: يقول الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [آل عمران:104].. الآية. هل تعني هذه الآية أنه إذا قام دعاة من أهل الخير سقط عن بقية الأمة؟ ويعني ذلك إذا قام البعض بالجهاد سقط عن الباقين؟

الجواب: أما بالنسبة للجهاد فالأصل فيه أنه فرض على الكفاية، ولا يتعين إلا في أحوال كما لو دهم العدو بلداً، وكما لو عين الإمام نفراً، وكما لو التقى الصفان، أو لو كان النفير عاماً، فهذه الحالات يكون الجهاد فيها فرض عين، وإلا الأصل في الجهاد أنه فرض كفاية؛ لقول الله عز وجل: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يخرج في كل غزاة، بل كان في بعض الأحيان يبعث غيره عليه الصلاة والسلام، فالجهاد الأصل فيه أنه فرض كفاية.

أما بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فبعض أهل التفسير استدل بهذه الآية على أنه فرض كفاية؛ لأن (من) هاهنا تبعيضية، لكن أكثر المفسرين على أن (من) هاهنا ليست تبعيضية، وإنما هي لبيان الجنس.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هناك نوع منه فرض عين علينا جميعاً، وهو ما نشترك جميعاً في الإحاطة به، يعني: الآن أي واحد منا يعرف بأن صلاة العصر واجبة فرض، ولذلك يمكن أن تأمر أي إنسان بصلاة العصر ولا تحتاج إلى علم، وليس من حقه أن يقول لك: ما الدليل على وجوب صلاة العصر؟ ومثلاً: لو وجدت إنساناً يشرب خمراً، فكل المسلمين سواء في العلم بأن الخمر حرام، أو لو وجدت إنساناً يسب والديه مثلاً، يعني: ما تحتاج إلى دليل، كلنا في العلم بها سواء، فهاهنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين، لكن بعد ذلك هناك أمور دقيقة تحتاج إلى شيء من العلم والبصيرة، فهذه يقوم بها طائفة من الأمة، يعني مثلاً: مناظرة أصحاب المذاهب الوضعية، أو أصحاب الأديان، فلو أنك لقيت بوذياً أو هندوسياً أو وجودياً أو شيوعياً أو غير ذلك من أهل الملل، هذا مناظرته ومجادلته تحتاج إلى نوع من العلم، ونوع من البصيرة، وليس كل إنسان يمكن أن يناقش.

سفر المرأة للعمرة بغير محرم

السؤال: تقول السائلة: كنت أريد أن أذهب لأداء عمرة رمضان مع والدي وشقيقتي، وحدثت بعض المشاكل في الجوازات والتذاكر، وسافر أبي وحده إلى جدة، ثم بعد ذلك تيسرت لنا أمور السفر والتذاكر، وتم شراء التذاكر لي ولأختي، فهل يجوز أن نسافر وأبونا ينتظرنا في ميناء جدة؟

الجواب: إذا كان هناك الرفقة المأمونة، فيمكن لها أن تسافر مع أختها.

أفضل أوقات أذكار الصباح والمساء

السؤال: أقرأ أذكار المساء بعد صلاة العصر، وأقرأ بعد صلاة العصر سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات، وعلمت أن بعد صلاة المغرب تقرأ الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات، هل قراءة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات بعد المغرب فيها حديث أم قراءتها بعد المغرب للشخص الذي يقول الأذكار بعد المغرب؟

الجواب: الأفضل أن تقال أذكار المساء قبل المغرب، وأذكار الصباح بعد الصبح؛ لأن الله قال: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130]، هذا هو الوقت الأفضل، وقراءة قل هو الله أحد والمعوذتين ثلاثاً مع أذكار المساء غير قراءتها بعد صلاة المغرب، وكذلك قراءتها بعد صلاة الصبح غير قراءتها مع أذكار الصباح، وأنت مأجور على هذا كله.

المقصود بالأرحام وكيفية صلتهم

السؤال: أسأل عن صلة الرحم، وما هي الأصناف من الأقارب الذين يأثم الإنسان إذا لم يقم بزيارتها؟

الجواب: أرحامك جميع أقاربك من جهة أبيك وأمك، الذكور والإناث، الكبار والصغار، المحارم وغيرهم، فيدخل في ذلك الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأبناء والبنات، ومن تناسل منهم، والإخوة والأخوات والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، ومن تناسل منهم، هؤلاء جميعاً أرحام، وبعضهم حقه آكد من بعض، فحق الأم أعظم من حق الأب، وحق الخالة أعظم من حق العمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( الخالة بمنزلة الأم )، وليس بالضرورة أن تكون الصلة زيارة، يعني: الآن عندك أرحام مشتتون في بلاد الله، عندك أرحام في سنار، وأرحام في القضاري، وأرحام في مروي، وأرحام في مكة، وأرحام في بريطانيا، وأرحام في الصين إذا كانوا يعملون هناك، وأرحام في كل مكان لا يتأتى بأن تزورهم، بل ربما حتى أرحامك هاهنا قد تجد خالتك في الكدر وعمتك في منطقة أخرى، وزوجتك في الثورة الحارة ستة وستين، يعني موزعون، قد يكون من العسر أن الإنسان يصلهم جميعاً بالزيارة، لكن صلة الرحم تكون بالدعاء، وتكون بالزيارة، وتكون بتفقد الأحوال، تكون بالاتصال، يعني: إذا لم تقدر أن تصلهم على الأقل اتصل بهم، وكذلك تكون بالنوال، يعني: في العيد لو عملت لك ظروفاً في كل ظرف خمسون ريالاً، وأرسلت إلى خالاتك، هذه أعظم صلة، سيدعون لك إلى يوم القيامة، أما أن تذهب وتقعد عندهم، وتبيت وتقيل، وتأكل وتشرب، ثم بعد ذلك تذهب، فإنهم يقولون لك: سبحان الله! فلان هذا ما يأتينا أبداً بخير قط، وإذا رأوك في العيد الآتي سيقولون لك: حسبنا الله ونعم الوكيل، قد انتهى خبزنا، وقضي على حلاوتنا، وأكل تمرنا.

حكم تعليق التمائم والحروز والشعر وغيرها لدرء العين

السؤال: ما حكم تعليق التمائم والحروز وحكم تعليق الأشياء مثل المقشاشة والشعر والجزمة في السيارة لدرء العين؟

الجواب: ما يجوز، هذا كله هراء ينبغي أن يتنزه عنه أهل الإسلام (من تعلق شيئاً وكل إليه)، ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودعه الله )، ما يجوز أن تعلق شيئاً من هذا لا مقشاشة ولا شعر ولا حذاء ولا تميمة ولا كذا، هذا كله لا يطرد عيناً، ولا يجلب نفعاً، ولا يدفع ضراً، وإنما حصن نفسك بآيات القرآن: قل هو الله أحد والمعوذتين ثلاثاً في الصباح، وثلاثاً في المساء، كذلك: ( باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) ثلاثاً إذا أصبحت وثلاثاً إذا أمسيت، ( أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق )، ثلاثاً إذا أصبحت وثلاثاً إذا أمسيت، وهكذا.

كيفية وضع المصحف عند سجود التلاوة

السؤال: هل يمكن وضع المصحف عند القراءة على الفخذ؟ وكيف يصنع من يريد السجود لسجدة التلاوة والمصحف في يده هل يمسكه بيده ويسجد، علماً بأنه لا يوجد مكان قريب لوضعه عليه؟

الجواب: ما يوضع المصحف على الأرض، المصحف لا تضعه على الأرض ولو كانت أرض المسجد، لا يوضع المصحف على الأرض، إما أن تضعه في مكان مرتفع كهذه التي جعلت للمصاحف، وإما أن تمسكه بيدك، وممكن أيضاً أن تضعه تحت إبطك وتسجد، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

المقصود بقول: عليه القضاء والكفارة

السؤال: يقال: (عليه القضاء والكفارة)، فما المقصود؟

الجواب: المقصود: بأن الإنسان إذا انتهك حرمة رمضان بجماع، يعني: وقع على امرأته وهو صائم يلزمه القضاء، أي: أن يقضي مكان اليوم يوماً، ويلزمه الكفارة؛ لأنه ارتكب ذنباً عظيماً، فلابد أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً، من أجل أن يمحو ذلك الذنب العظيم الذي وقع فيه.

وأيضاً يقال: (عليه القضاء والفدية)، لو أن إنساناً مثلاً أفطر في رمضان من العام الماضي خمسة أيام، ولم يقضها حتى دخل رمضان هذا العام، ستبقى في ذمته تلك الأيام الخمسة، وعليه مع ذلك فدية بإطعام خمسة مساكين، يعني: عن كل يوم مسكيناً.

حكم صوم الحامل التي تقيء كثيراً بسبب الحمل

السؤال: امرأة تستفرغ كثيراً بسبب الحمل هل يجوز لها أن تفطر؟

الجواب: والله إذا كانت تستطيع الصيام فالله عز وجل قال: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]، لكن إذا كانت لا تستطيع الصيام والأمر قد شق عليها مشقة عظيمة، فلا حرج عليها أن تفطر؛ لعموم قول ربنا: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184].

حكم من نذر أن يصوم شهرين فصام اثني عشر يوماً وعجز عن الباقي

السؤال: شخص نذر أن يصوم شهرين، فصام منها اثني عشر يوماً ولم يقدر على الباقي، فماذا يصنع؟

الجواب: يصوم، نذر شهرين يصوم شهرين حتى يتأدب مرة أخرى فلا ينذر؛ لأن النذر مكروه. الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنذروا؛ فإن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل )، وفي رواية : (من اللئيم)، يعني: اللئيم يشترط على الله يقول له: إذا امرأتي أتت بغلام سأصوم، أما إن أتت ببنت فلن يصوم، وهذا يشترط على الله عز وجل، إن ربحت تجارتي تصدقت بكذا، وإن لم تربح فلا صدقة. هذا مكروه؛ لأنه أولاً: لا يغير من قدر الله شيئاً، كل شيء مكتوب، ثانياً: ربما يوسوس لك الشيطان بأنه لولا نذرك لما تحقق أملك، ثم الشيء الثالث: كثير من الناس ينذر ثم بعد ذلك يبدأ يلتمس العلل والحيل من أجل أن يتملص مما نذر، وبعض الحمقاء ينذر ثم بعد ذلك يضيق صدره بما نذر، وذكروا عن واحد من الأعراب بأنه كان له حمار يتعيش عليه، يعني: ينقل عليه ويكاري ومرض الحمار، فنذر لله إن شفي الحمار أن يصوم عشرة أيام، فشفي الحمار. وصام الرجل ولما انقضى اليوم العاشر مات الحمار، فقال: هكذا يا رب! إذا جاء رمضان سأفطر عشرة أيام، يعني: سيعوض عن هذا النذر الذي فعله، فلا تنذروا، لكن الإنسان لو حصلت له نعمة مثلاً ربحت تجارته، ولدت زوجته نجح ولده، المهم حصل له أي شيء، فله أن يطيع الله ويتصدق، ويسجد لله شكراً، ويصوم من دون أن يلزم نفسه.

حكم طلاق المرأة عبر الهاتف أو غيره

السؤال: هل يجوز طلاق المرأة عبر الهاتف أو إرجاعها؟

الجواب: نعم. الطلاق عبر الهاتف واقع؛ لأن العبرة باللفظ، فمن قال لامرأته: أنت طالق، سواءً كان ذلك مشافهة أو عبر الهاتف أو كتب ذلك وبعثه برسالة، أو كتبه في رساله الهاتف الجوال، أو أرسل إليها عبر البريد الإلكتروني أو غير ذلك من الوسائل، طالما أنه تلفظ أو كتب، فليس العبرة بالوسيلة.

وقت ابتداء عدة المطلقة

السؤال: إذا صدرت القسيمة بعد أسبوعين أو أكثر بعد حضورها متى تحسب عدتها من تاريخ الطلاق أم من تاريخ استخراج القسيمة؟

الجواب: لا، من تاريخ الطلاق، يعني: هو اتصل عليها اليوم مثلاً طلقها، ثم بعد ذلك ما أسلمها الورقة إلا بعد أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة، هي تحتسب عدتها من حين لفظ؛ لأن القسيمة مسألة إجرائية لإثبات الحقوق فقط، لكن لا يتعلق بها عبادة ولا حكم.

حكم من لم يؤد الخدمة الوطنية المقررة عليه وطلب منه الحلف على المصحف أنه أداها

السؤال: لقد أديت الفترة المحددة لي من الخدمة الوطنية، ومدتها ثمانية عشر شهراً، كنت لا أذهب، وعندما ذهبت لاستخراج خلو الطرف من الخدمة وجدت أنهم يقومون بتحليف المجند على المصحف بأنه قد أداها كاملة، فماذا أصنع؟

الجواب: والله ما أدري ماذا تصنع! أنت أديتها وإلا ما أديتها؟ احلف بالله وقل: أنا سجلت في مكان كذا وسيسمحون لك، لكن لا تحلف يميناً غموساً، وهو في الحقيقة فيه خلل في هذه الناحية؛ لأنهم ربما ينسبون الشخص لمؤسسة معينة وهي ليست في حاجة إليه، وربما ما عنده مكان أصلاً يجلس فيه، ومثله كثير، فحقيقة هذا النظام يحتاج إلى تعديل؛ لأنه يوقع الإنسان في الحرج، وربما يحلف بالله كاذباً وهذه مصيبة، وربما يمتنع فما يعطونه خلو الطرف، فهي تحتاج إلى حل.

كيفية زواج المسلم من الكتابية وشروطه

السؤال: كيف يتم زواج مسلم من كتابية؟ وهل يتم عقد الزواج في المسجد أم الكنيسة وخصوصاً إذا لم يكن وليها موجوداً؟

الجواب: والله أنا ما جربت يا أخي من أجل أن أعرف أنه ينعقد في الكنيسة وإلا في المسجد، زواج الكتابية لا يجوز إلا بشروط:

الشرط الأول: أن تكون كتابية فعلاً، وإلا بالذات في أوروبا وأمريكا كثيرون من الرجال والنساء ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، يعني هو يقول: أنا نصراني، لكنه في حقيقة الأمر لا نصراني ولا شيء، فلابد أن تتأكد من أنها كتابية.

ثم الشرط الثاني: لابد أن تكون محصنة، بمعنى: عفيفة؛ لأن الله عز وجل قال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5]، و(المحصنات) بمعنى: العفائف، فلا يجوز أن تتزوج بزانية، والآن الفتيات في أوروبا وأمريكا الأصل فيهن الزنا، يعني: فلا تجد عفيفة إلا باعتبار شيء نادر وشاذ، والشاذ لا حكم له.

ثم الشرط الثالث: أن يكون التصرف بيد الزوج المسلم، فله القوامة وله الأمر وله النهي، والأولاد يتبعونه في دينه، وهذا لا يحصل، وهذا من أول شيء يسأل: هل يعقد في المسجد وإلا في الكنيسة؟ يعني: يريد أن يبدأ حياته في الكنيسة من أجل أن يرفع الصليب في وجهه، ومن أجل أن يرش عليه الماء، ويعمل له البخور، ومثل هذه الطقوس التي ما أنزل الله بها من سلطان، فلا تتزوج كتابية، والمسلمات ما شاء الله موجودات بكثرة فلا ينبغي أن يتركن، ومتى سيتزوجن إذا أنت تفتش عن كتابية وهذا يفتش عن صينية؟!

نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا أجمعين، وأن يعفو عنا أجمعين، وأن يرفع درجاتنا في عليين، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، ونسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير الثواب، وخير النجاح، وخير العلم، وخير العمل وخير الحياة وخير الممات، وثبتنا وثقل موازيننا، وحقق إيماننا، وارفع درجاتنا، واغفر خطيئاتنا، وتقبل صلاتنا.

ونسألك الدرجات العلى من الجنة، ونسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتلم بها شعثنا، وتبيض بها وجوهنا، وتصلح بها ديننا، وتحفظ بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكي بها عملنا، وتدفع بها الفتن عنا، وتعصمنا بها من كل سوء يا سميع الدعاء.

اللهم اختم لنا شهر رمضان بالمغفرة والرضوان، والعتق من النيران، اللهم اجعلنا من عبادك المقبولين، اللهم اجعلنا من عبادك المقبولين، اللهم اجعلنا من عبادك المقبولين، اللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيماناً واحتساباً، واجعلنا ممن قام رمضان إيماناً واحتساباً، اللهم اجعل شهر رمضان شاهداً لنا ولا تجعله شاهداً علينا يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين، يا خير المسئولين ويا خير المعطين.

نسألك ألا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وعمل متقبل مبرور برحمتك يا عزيز يا غفور، اغفر لآبائنا وأمهاتنا ولمشايخنا ولسائر المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لمن بنى هذا المسجد المبارك، ولمن عبد الله فيه، ولجيرانه من المسلمين والمسلمات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
بداية نزول الوحي 2554 استماع
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [2] 2403 استماع
عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل 2173 استماع
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم 2146 استماع
النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة [2] 2129 استماع
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [1] 2106 استماع
إرهاصات النبوة [2] 2069 استماع
الإسراء والمعراج 2012 استماع
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم 1874 استماع
عام الحزن وخروج النبي إلى الطائف 1824 استماع