خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/929"> الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/929?sub=63712"> السيرة النبوية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة والسراج المنير والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد تقدم معنا الكلام في أن نبينا عليه الصلاة والسلام لما عظم كيد المشركين له، واشتد أذاهم لأصحابه، أمرهم بأن يخرجوا مهاجرين إلى الحبشة؛ لأن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، ثم إنه عليه الصلاة والسلام نفسه قد خرج إلى الطائف يبتغي النصرة من سادات ثقيف، ثم أكرمه الله عز وجل بتلك المعجزة العظيمة حين أسري به إلى بيت المقدس، ثم عرج منه إلى السموات العلى حيث عظم وكرم وكلم، وعاد عليه الصلاة والسلام وقد ثبت الله فؤاده، وسلاه عما يلقى من أذى المشركين.
نبينا عليه الصلاة والسلام بدأ بعد ذلك في عرض نفسه على القبائل في الموسم، كان موسم الحج جامعاً لأشتات الناس من وجهاء القبائل ورءوس القوم، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يمر على كل قبيلة، على كل جماعة، ( أيها الناس! إني رسول الله إليكم جميعاً، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا: لا إله إلا الله تملكوا بها العرب والعجم، من يأويني؟ من يحميني؟ من ينصرني حتى أبلغ كلام ربي؟ )، وكان يتابعه في هذا كله عمه أبو لهب يصد الناس عنه، ويصف النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب والسحر والجنون، ويقول لهم: (إن هذا يدعوكم إلى أن تسلخوا آلهتكم، وأن تفارقوا دين آبائكم إلى ما جاء به من البدعة والضلالة) أبو لهب يصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه جاء بالبدعة والضلالة، البدعة والضلالة هنا توحيد الله عز وجل، وكأن أبا جهل على الهدى، أو أبا لهب على الهدى والسنة حين يعبد اللات والعزى.
وسنة الله عز وجل وفطرته هي التوحيد، لكن هكذا تقلب الحقائق، مثلما قال فرعون: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26]، فوصف موسى بأنه مفسد، ومثلما قال لـموسى: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ [الشعراء:19]، فرعون يصف موسى بأنه من الكافرين.
هؤلاء العرب كانوا قد غيروا دين إبراهيم، إبراهيم عليه السلام جاء محارباً للأوثان والأصنام ولذلك خاطب أباه وقومه قائلاً لهم: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [الأنبياء:52]، ووجه إليهم سؤالاً استنكارياً: مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [الشعراء:70-83].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار )؛ لأنه كان أول من غير دين إبراهيم، هذا الخبيث اسمه: عمرو بن لحي ، الرسول عليه الصلاة والسلام رآه في النار يجر أمعاءه، لأنه كان أول من جاء بالأصنام إلى جزيرة العرب، ودعا الناس إلى عبادتها فأطاعوه.
فنبينا عليه الصلاة والسلام عرض نفسه على القبائل: كندة، بني حنيفة، بني عامر بن صعصعة، بني شيبان، بني عبس، بني فزارة، بني تميم، يمر على هذه القبائل واحدة واحدة، وكانت ردودهم متباينة.
رد القبائل على النبي صلى الله عليه وسلم
بعض القبائل كبني حنيفة: رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رداً قبيحاً، أغلظوا له، وأساءوا إليه وعنفوه.
وبعضهم كبني عامر بن صعصعة، بحثوا عن مصلحة أنفسهم، عن صفقة دنيوية، قال زعيمهم: ( يا محمد! أرأيت إن تابعناك على أمرك حتى أظهرك الله أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الأمر لله يضعه حيث شاء، قال له: عجباً! أفنهدف نحورنا للعرب حتى إذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا في أمرك! ).
وهذا يمثل نموذجاً لأناس يأكلون الدنيا بالدين، يتخذون الدين مطية من أجل الوصول إلى الدنيا، وربما يتوق الواحد إلى منصب، وربما يتوق إلى مال، ربما يتوق إلى جاه، إلى غير ذلك مما يعرض من الأطماع، لكن يتخذ الدين شعاراً، يتخذ الدين سلماً يرقى عليه من أجل الوصول إلى دنياه؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
النبي عليه الصلاة والسلام لم يتنازل، هذا يدلنا على فضيلة الأنصار من الأوس والخزرج رضوان الله عليهم، فإنهم قد بذلوا أنفسهم وأموالهم لنصرة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى استحقوا ثناء الله في القرآن: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]، ما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم مالاً، ولا طلبوا منه مناصب، كانوا معطين لا آخذين، يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع؛ ولذلك أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً فقال: ( فإنهم كرشي وعيبتي، اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ).
فبنو حنيفة نموذج للرد القبيح، وبنو عامر بن صعصعة نموذج للصفقة الدنيوية والمطالب الدنيئة، وآخرون وهم: ربيعة، ردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رداً معقولاً، رداً طيباً، تكلم المثنى بن حارثة فقال: (إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى: أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثاً، وإن شئت نصرناك فيما يلي مياه العرب، فإن الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك).
والعرب كانوا على فريقين:
فريق يتبعون كسرى ملك الفرس، ويمثل ذلك المناذرة، النعمان بن المنذر ومن كان قبله ومن جاء بعده ممن كان يحكم بلاد اليمن.
وفريق كانوا يوالون الروم، ويمثلهم الغساسنة الذين كانوا يسكنون بلاد العرب المتاخمة لبلاد الشام في ناحية تبوك ونحوها. فبعض العرب كانوا عملاء للفرس، وبعضهم عملاء للروم.
فهذا الرجل كان ممن يتبعون بلاد فارس، لكنه تكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم بأدب شديد، قال له: (يمنعنا من متابعتك وطاعة أمرك، عهد أخذه علينا كسرى: ألا نحدث حدثاً، ولا نؤوي محدثاً، وإن الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت نصرناك مما يلي مياه العرب)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم وصدقتم، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم، أتسبحونه وتقدسونه؟! قالوا: نعم. فتلا عليه الصلاة والسلام: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً [الأحزاب:45-46]، وأعجب عليه الصلاة والسلام وسره ما رأى من أخلاقهم ).
هؤلاء كانوا تابعين لفارس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: ( أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، ويفرشكم نساءهم )، هذا الكلام يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين، كان يعلم علم اليقين أن الله ناصر دينه، ومظهر أمره، وأن الإسلام سيعلو على سائر الأديان، وأن المسلمين سيصيرون سادة. يقول هذا الكلام هل كان عنده جيش؟ هل كان عنده دولة؟ أبداً. يقول هذا الكلام وهو في مكة عليه الصلاة والسلام محاصر مضطهد، أصحابه معذبون.
تبشير النبي أصحابه بالتمكين
ونظيره أيضاً: لما كان في طريق الهجرة مطارداً، وقد عرضت قريش جائزة لمن يأتي به وبصاحبه حيين أو ميتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـسراقة بن مالك الجشعمي : ( كيف بك إذا لبست سواري كسرى بن هرمز ؟! )، كسرى بن هرمز الذي كان يحكم بلاد فارس، وهذا الرجل لا يطمع أن يراه بعينه المجردة فضلاً عن أن يملك شيئاً مما يخصه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءته من الله رسائل من هذه الرسائل: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، ومن هذه الرسائل: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]، ومن هذه الرسائل: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21]، إلى غير ذلك من الآيات التي فيها بيان أن هذا الدين إلى ظهور.
ولذلك هذه الحقيقة ما فارقت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، كان يبشر بها أصحابه فرادى ومجتمعين، ( لما غزا صلى الله عليه وسلم ديار طي هرب عدي بن حاتم الطائي ، وأسرت أخته سفانة، جيء بها أسيرة، وممسوكة مع الأسرى، فكلمت علي بن أبي طالب من أجل أن يكلم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: إن خرج إلى الصلاة فكلميه، فليس عنده حجاب ولا حرس، فقامت إليه فقالت له: أنا ابنة رجل كان يقري الضيف، ويكسب المعدوم، ويفك العاني، ويعين على نوائب الحق، فأطلقني. قال لها: من أنت؟ قالت: أنا ابنة حاتم الطائي . فقال عليه الصلاة والسلام: أطلقوها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، ولو كان مسلماً لترحمنا عليه ).
فهذه المرأة أطلقوها، فرجعت تبحث عن أخيها حتى وجدته في المكان الذي هرب إليه، فقالت له: (بئس ما صنعت! تركت حريمك ووليت مدبراً، ثم لما هدأت نفسها قالت له: ائت محمداً، فما رأيت خيراً منه، إن كان نبياً فهي سعادة الدنيا والآخرة، وإن كان ملكاً كنت أسعد الناس به)، فـعدي بن حاتم جاء إلى المدينة وكان على دين النصرانية، فالنبي صلى الله عليه وسلم لقيه، وكان لقاؤه به في المسجد، يقول: فرأيت أصحابه يحفون به، إن تكلم سكتوا، وإن أمر ابتدروا، فقلت: إنه ملك -هذه طريقة الملوك، الملك إذا تكلم فالناس يسكتون، وإذا أمر بشيء فإنهم يسرعون إلى التنفيذ- قال: ثم قام إلى بيته فقمت معه، فاستوقفته امرأة عجوز تكلمه طويلاً، فقلت: والله ما هذه أخلاق الملوك، قال: ثم دخل بيته فألقى إلي وسادة وجلس هو على الأرض عليه الصلاة والسلام، قال: فاستحييت. قلت: بل اجلس عليها أنت، قال: ( لا. اجلس أنت. ثم قال: يا عدي ! ما حملك على الفرار؟ أغاضك أن يقال: الله أكبر؟ فهل أحد أكبر من الله؟ أغاضك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل إله مع الله؟ يا عدي ! أسلم. فقلت له: أنا ذو دين فقال له: أنا أعلم بدينك منك، ألست من الركوسية وأنت تأكل من مرباع قومك وهو لا يحل لك )، الركوسية فرقة من النصارى في ذلك الزمان مثلما يقال الآن: كاثوليك وأرثوذوكس وبروتستانت ، وغير ذلك من الفرق، وكان قومه إذا ذهبوا لغارة يجعلون له الربع باعتباره سيد القوم، وهذا لا يحل له في دين النصرانية، ( قال عدي: فما تمالكت لها -وجد نفسه كتاباً مفتوحاً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم- ثم قال له عليه الصلاة والسلام: يا عدي ! أسلم. ثم تركه ساعة، فالتفت إليه فقال له: لعله يمنعك من الإسلام ما ترى من ضعف أصحابي؟ قال: نعم. قال: ولعله يمنعك من الإسلام ما ترى من فاقتهم؟ قال: نعم. قال: ولعله يمنعك من الإسلام ما ترى من كثرة الأعداء؟ قال: نعم. فالرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه ثلاث علامات: قال له: يا عدي! أتعرف الحيرة -الحيرة في العراق- أتعرف الحيرة؟ فقال: لا. ولكن سمعت بها، قال له: فإنه يوشك إن طال بك زمان أن ترى الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت ليست في جوار أحد إلا الله )، قال له: لو طال عمرك قليلاً سترى المرأة الحاجة أو المعتمرة تخرج من العراق حتى تصل مكة ليس معها أحد، لا تحتاج إلى حرس ولا تحتاج لشيء، الأمان سيعم بفضل دين الإسلام، ( يوشك إن طالت بك حياة أن ترى الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت ليست في جوار أحد إلا الله، ويوشك إن طالت بك حياة أن ترى المال يعطى صحاحاً فلا يقبله أحد، ويوشك إن طالت بك حياة أن تفتح كنوز كسرى بن هرمز )، يقول عدي: (والذي بعث محمداً بالحق، طالت بي حياة حتى رأيت الأولى -المرأة المسافرة ليس معها أحد- وكنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ، يعني: ممن شاركوا في فتح بلاد فارس، قال: ووالله لتقعن الثالثة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
لكن كثيراً من الناس غلب عليهم التشاؤم في زماننا هذا، إذا رأوا أعداء الله ممكنين، ورأوا المسلمين كلمتهم مفرقة، وحدتهم ممزقة، بلادهم مجزأة، ثرواتهم منهوبة، حكامهم مشغولون بتأمين الكراسي، والواحد منهم لا يبالي بأن يقتل نصف الشعب من أجل أن يبقى له ملكه، كثير من الناس يغلب عليه التشاؤم، فتجده يردد: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، ويردد: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم:58]، وبعضهم يتعلق بظهور المهدي ، يقول: المهدي اقترب، وبعضهم متعلق بنزول المسيح ، وهذا كله من القدر الذي حجبه الله عنا لا ندري متى يكون، ويظنون أن الأمر هكذا.
نقول: لا. الكون قائم على سنة التداول: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، ما هناك شيء يبقى، قبل مائتي سنة هل كان الناس يسمعون بشيء اسمه الولايات المتحدة الأمريكية؟ أبداً ما كانت أصلاً شيئاً مذكوراً، ولا كانت تعرف، الذي كان يسيطر على الدنيا قبل مائة سنة تقريباً الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بريطانيا، كان عندها مستعمرات وتحتل بلاداً إثر بلاد، وتنهب وتقتل وتفعل، والآن بريطانيا ما عادت إلا مجموعة من الجزر، وما عادت تلك الدولة المخوفة المهيبة.
اعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله عليه في القرآن: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]، وقد بشر عليه الصلاة والسلام فقال: ( ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر، ولن يبقى بيت شعر ولا مدر إلا أدخل الله فيه هذا الدين ).
بشرنا عليه الصلاة والسلام بفتح القسطنطينية، القسطنطينية عاصمة هرقل، وقد فتحت على يد محمد بن مراد الفاتح رحمه الله ورضي عنه، وبشرنا عليه الصلاة والسلام بفتح رومية، روما عاصمة إيطاليا وسيحصل، حتى إن الصحابة من شدة يقينهم قالوا: ( يا رسول الله! أي المدينتين تفتح أولاً: قسطنطينية أم رومية؟ قال: مدينة هرقل تفتح أولاً )، التي هي القسطنطينية وقد فتحت.
الآن لو ذهبت إلى تركيا تجد الأذان يرفع، مع أن أهلها ليس لسانهم عربياً، ووجوههم إلى وجوه الأوروبيين أقرب، وكثير من عاداتهم تجدها أيضاً شبيهة بعادات الأوروبيين، لكن الأذان يجلجل في السماء والمآذن ترتفع، إذا ذهبت إلى إسطنبول لا تجد رابية ولا جبلاً إلا وأعلاه مسجد، في أعلى الأماكن، وأهلها يحبون الإسلام حتى إذا رأوا إنساناً يلبس عمامة وجلباباً كلهم يحرص على أن يسلم عليه وأن يتصور معه، كأنه كائن غريب، كأنهم يعدونه صحابياً، وهذا من حبهم للدين، وإذا دخلت المساجد تجدها عامرة ونظيفة، والناس مؤدبون في المساجد لا تكاد تسمع صوتاً، يعظمون حرمة المساجد، كثير منهم يحمل القرآن يقبله وربما لا يستطيع أن يقرأ فيه.
هذا كله الآن في تركيا بعدما أسقطت الخلافة، بعدما غيبت الشريعة، بعدما منع الحجاب قرابة مائة سنة، يعني: منذ أن جاء عدو الله ورسوله الذئب الأغبر أتاتورك ، فمنع الحجاب، واللغة التركية بدلاً من أن كانت تكتب بالحروف العربية جعلها تكتب بالحروف اللاتينية، بل الأذان نفسه جعله باللغة اللاتينية، وحول بعض المساجد إلى متاحف، وهدم بعضها، وغيب الدين تماماً وحاربه حرباً لا هوادة فيها، الآن والحمد لله رب العالمين تركيا ترجع إلى الإسلام بقوة.
ولذلك أبداً يا مسلم لا تتشاءم، لا تيأس، الآن الحمد لله الإسلام ينتشر في المشارق والمغارب رغم أنه ليس هناك دولة تتبناه، تتبنى الدعوة إليه وتتبنى حمايته، مثلاً الآن الكنيسة دولة، الفاتيكان دولة، زعيمها الذي يسمى البابا يستقبل الرؤساء، إذا نزل أرضاً فرش له البساط الأحمر ويستقبله رئيسها وملكها، وتعزف له الموسيقى التي تعزف لرؤساء الدول، ونشرات الأخبار تتداول بأنه زار كذا ونزل بأرض كذا وفعل كذا وقال كذا، الكنيسة دولة، الآن الكنيسة الكاثوليكية دولة، وهي التي تتولى التبشير بالنصرانية.
الإسلام ليس هناك دولة تتبنى الدعوة إليه في المشارق والمغارب، ومع ذلك هو أكثر الأديان انتشاراً، والحمد لله رب العالمين. لم؟ لأن قوة الإسلام ذاتية ليست قوة خارجية، وإنما قوته ذاتية في أدلته الناصعة وبراهينه المقنعة وعدم تعارضه مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
أسباب قبول الخزرج لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم
فنبينا عليه الصلاة والسلام ما زال يعرض نفسه على القبائل حتى لقي جماعة من الخزرج في السنة الحادية عشرة من البعثة، وهؤلاء الجماعة لقيهم عند العقبة، جلس إليهم وتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الإسلام، والقوم كانوا مهيئين، وهناك سببان أديا بهم إلى الإسلام:
السبب الأول: أن اليهود هيأوهم، كانوا يقولون لهم: يوشك أن يظهر نبي قد أظل زمانه، اليهود كانوا يقولون لأهل المدينة: بأن هناك نبياً سيبعث، ولذلك بمجرد ما جلس إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام نظر بعضهم إلى بعض وقالوا: (إنه النبي الذي تخوفكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه، نحن نؤمن به قبل أن يؤمن به اليهود). هذا السبب الأول.
السبب الثاني: أنه قد جرى بين الأوس والخزرج مقتلة عظيمة في يوم عصيب يقال له: يوم بعاث، قتل من سرواتهم -أي: من قادتهم وسادتهم- كثير، وجرح آخرون، وأفنى بعضهم بعضاً، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدم صلى الله عليه وسلم المدينة وقد افترق ملؤهم، وقتلت سرواتهم، وجرحوا ، فقدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم إلى الإسلام).
إرسال النبي الدعاة إلى المدينة
هؤلاء التقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في العام الحادي عشر من البعثة، فلما كان العام الذي يليه العام الثاني عشر من البعثة جاء للحج اثنا عشر رجلاً من المسلمين الذين بعضهم ممن أسلم في العام الذي مضى الذين التقوا بالرسول عليه الصلاة والسلام عند العقبة، وهؤلاء عرضوا على غيرهم فجاءوا، المجموع: اثنا عشر رجلاً من المسلمين، وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يسمى ببيعة النساء بشروطها الستة: أن لا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصونه في معروف.
بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طلبوا إليه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن، ويشرح لهم الإسلام، فبعث معهم الرجل المبارك والإمام الفذ والداعية المفطور مصعب بن عمير رضي الله عنه، مصعب بن عمير ذهب وكان رجلاً يغلب عليه الأدب ودماثة الخلق وحلاوة الصوت بالقرآن والصدق في الدعوة إلى الله عز وجل، ذهب معهم إلى المدينة وكان يؤمهم في الصلاة، يصلي بهم، وقد بلغ عدد المسلمين أربعين رجلاً، وبدأ الإسلام ينتشر في المدينة انتشار النور في الظلام، والناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وكان مصعب رضي الله عنه قد نزل عند أسيد بن حضير، فجاء سعد بن عبادة رضي الله عنه مرة وقد وقف عليه مهدداً مشاتماً، لما جاء سعد قال له أسيد : إن هذا سيد قومه، قال لـمصعب : فاصدق الله فيه، يعني: أخلص في دعوته، فجاء فوقف وقال له: ( يا طريد يا شريد جئت لتغير ديننا وتفتن سفهاءنا، واللات والعزى لئن لم تنته لأفعلن بك كذا وكذا)، يهدده، هنا يظهر خلق المسلم، فقال له مصعب رضي الله عنه: (هل لك أن تجلس وتسمع، فإن أحببت الذي نقول فالحمد لله، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره، فقال له: لقد أنصفت. قال له: اجلس. فجلس رضي الله عنه متكئاً على عصاه، وبدأ مصعب يرتل القرآن، يقول الصحابة: فوالله لقد عرفنا الإسلام في وجهه قبل أن ينطق من تهلل أساريره يسمع القرآن ويظهر عليه الانشراح والقبول، مجرد ما انتهى مصعب من قراءته قال له: ما أحسن هذا الكلام وأطيبه، ماذا يصنع من أراد الدخول في دينكم؟ قال له: يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فشهد الرجل شهادة الحق واغتسل، ومباشرة ذهب إلى قومه، وكان رجلاً صاحب كرم.
الآن بعض الناس يريد يدعو ويريد يقول لأخته: تحجبي، ويقول لأمه: البسي جوارب، ويقول لأخيه وأبيه: صل، وهو لا يخدمهم بشيء، ما عنده فائدة، ما عنده خدمة، لا يظنن أن الدين لحية وكتباً يتأبطها، بل الإنسان لو سعى في مصالح الناس وأحسن إليهم فسرعان ما يقبلون دعوته، هذا الرجل سعد بن عبادة كان رجلاً كريماً يصنع الجفنة من الثريد، خبز ولحم ومرق، ثم يبعث منادياً ينادي في المدينة: (من أراد الشحم؟ من أراد اللحم؟ من أراد الخبز؟ من أراد الزيت؟ فعليه بأطم سعد بن عبادة بن دليم )، رجل مطعم صاحب ولائم، ذهب إلى قومه من بني عبد الأشهل، جمعهم كلهم رجالهم ونساءهم قال لهم: (أي رجل أنا فيكم؟ قالوا له : أيمننا نقيبة وأطولنا يداً قال لهم: فإن كلامي من كلامكم حرام حتى تتابعوا محمداً على دينه)، كل بني عبد الأشهل شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ببركة هذا الرجل رضي الله عنه.
ثم بعد ذلك تتابعت إسلام دور الأنصار عليهم من الله الرضوان، و سعد بن عبادة هو أحد الرجلين اللذين قيل فيهما:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على الله في الفردوس منية عارف
فإن ظلال الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات رفارف
سعد بن عبادة هذا كان سيد الخزرج ومعه الآخر سعد بن معاذ الذي كان سيد الأوس رضوان الله على الجميع.
بعض القبائل كبني حنيفة: رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رداً قبيحاً، أغلظوا له، وأساءوا إليه وعنفوه.
وبعضهم كبني عامر بن صعصعة، بحثوا عن مصلحة أنفسهم، عن صفقة دنيوية، قال زعيمهم: ( يا محمد! أرأيت إن تابعناك على أمرك حتى أظهرك الله أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الأمر لله يضعه حيث شاء، قال له: عجباً! أفنهدف نحورنا للعرب حتى إذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا في أمرك! ).
وهذا يمثل نموذجاً لأناس يأكلون الدنيا بالدين، يتخذون الدين مطية من أجل الوصول إلى الدنيا، وربما يتوق الواحد إلى منصب، وربما يتوق إلى مال، ربما يتوق إلى جاه، إلى غير ذلك مما يعرض من الأطماع، لكن يتخذ الدين شعاراً، يتخذ الدين سلماً يرقى عليه من أجل الوصول إلى دنياه؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
النبي عليه الصلاة والسلام لم يتنازل، هذا يدلنا على فضيلة الأنصار من الأوس والخزرج رضوان الله عليهم، فإنهم قد بذلوا أنفسهم وأموالهم لنصرة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى استحقوا ثناء الله في القرآن: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]، ما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم مالاً، ولا طلبوا منه مناصب، كانوا معطين لا آخذين، يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع؛ ولذلك أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً فقال: ( فإنهم كرشي وعيبتي، اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ).
فبنو حنيفة نموذج للرد القبيح، وبنو عامر بن صعصعة نموذج للصفقة الدنيوية والمطالب الدنيئة، وآخرون وهم: ربيعة، ردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رداً معقولاً، رداً طيباً، تكلم المثنى بن حارثة فقال: (إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى: أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثاً، وإن شئت نصرناك فيما يلي مياه العرب، فإن الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك).
والعرب كانوا على فريقين:
فريق يتبعون كسرى ملك الفرس، ويمثل ذلك المناذرة، النعمان بن المنذر ومن كان قبله ومن جاء بعده ممن كان يحكم بلاد اليمن.
وفريق كانوا يوالون الروم، ويمثلهم الغساسنة الذين كانوا يسكنون بلاد العرب المتاخمة لبلاد الشام في ناحية تبوك ونحوها. فبعض العرب كانوا عملاء للفرس، وبعضهم عملاء للروم.
فهذا الرجل كان ممن يتبعون بلاد فارس، لكنه تكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم بأدب شديد، قال له: (يمنعنا من متابعتك وطاعة أمرك، عهد أخذه علينا كسرى: ألا نحدث حدثاً، ولا نؤوي محدثاً، وإن الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت نصرناك مما يلي مياه العرب)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم وصدقتم، وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم، أتسبحونه وتقدسونه؟! قالوا: نعم. فتلا عليه الصلاة والسلام: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً [الأحزاب:45-46]، وأعجب عليه الصلاة والسلام وسره ما رأى من أخلاقهم ).
هؤلاء كانوا تابعين لفارس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: ( أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، ويفرشكم نساءهم )، هذا الكلام يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين، كان يعلم علم اليقين أن الله ناصر دينه، ومظهر أمره، وأن الإسلام سيعلو على سائر الأديان، وأن المسلمين سيصيرون سادة. يقول هذا الكلام هل كان عنده جيش؟ هل كان عنده دولة؟ أبداً. يقول هذا الكلام وهو في مكة عليه الصلاة والسلام محاصر مضطهد، أصحابه معذبون.