خطب ومحاضرات
الإسراء والمعراج
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
وقت الإسراء والمعراج
أيها الإخوة الكرام! هذه الرحلة العلوية، والمعجزة النبوية كانت في ربيع الأول من العام الثاني عشر من البعثة، أما كونها في ربيع الأول فيدل على ذلك ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أربع كلهن في ربيع: مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثته، والإسراء به، وموته. يعني: هذه الحوادث الأربعة العظيمة كلها حصلت في ربيع الأول، مولد النبي عليه الصلاة والسلام، وبعثته صلوات ربي وسلامه عليه؛ لأنه أول ما بدئ به من الوحي أنه كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وذكرت لكم أن هذه استمرت ستة أشهر، ثم بعد ذلك نزل عليه جبريل في شهر رمضان، وما بين رمضان وربيع ستة أشهر، وكذلك الإسراء به صلوات ربي وسلامه عليه كان في ربيع، ووفاته أيضاً كانت في ربيع.
ثبوت الإسراء والمعراج في القرآن والسنة
الإسراء والمعراج ثابتان بالقرآن، أما الإسراء فقد ذكر صراحة في أول آية من سورة بني إسرائيل: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1].
وأما المعراج فقد ذكر ضمناً في صدر سورة النجم، حين قال الله عز وجل: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:10-18].
ثم إنه ثابت بالسنة المتواترة من رواية بضع وثلاثين صحابياً رضوان الله عليهم، منها في صحيح البخاري فقط عشرون رواية عن ستة من الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا غير الذي ورد في صحيح مسلم، وغير الذي ورد في السنن والمسانيد.
معنى الإسراء والمعراج
أيها الإخوة الكرام! ما معنى الإسراء؟
معناه: السير بالليل، ونحن نقرأ في القرآن أن الله عز وجل أوحى إلى لوط عليه السلام وقال له: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ [هود:81]، فالإسراء: السير بالليل، ومنه يقال: في الصباح يحمد القوم السرى، أي: المسير.
وأما (المعراج) فهو: اسم آلة، ودائماً الآلة في لغة العرب تكون على وزن مفعال، فالآلة التي نفتح بها الباب نسميها مفتاح، وليس مُفتاح، وكذلك الآلة التي يستعملها النجار في قطع الأخشاب نسميها: منشار.
وهنا أيضاً: المعراج من العروج، وهي الآلة التي تستخدمها الملائكة في الصعود إلى السماء، قال الله عز وجل: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:4]، فهذه الآلة استخدمها النبي عليه الصلاة والسلام في الصعود إلى السماء.
والإسراء مقصود به: تلك الرحلة المباركة التي كانت من بيت الله الحرام في مكة إلى بيت المقدس في الشام.
وأما المعراج فمقصود به: تلك الرحلة العلوية التي كانت من بيت المقدس في الشام إلى السموات العلا، إلى سدرة المنتهى، وإلى مستوىً سمع فيه صريف الأقلام، وكلمه ربه، وافترض عليه خمس صلوات في كل يوم وليلة.
أدلة كون الإسراء والمعراج بروح النبي وجسده
أيها الإخوة الكرام! الذي عليه جمهور العلماء سلفاً وخلفاً أن الإسراء والمعراج كان رحلة حقيقية بالروح والجسد يقظة لا مناماً؛ والدليل على ذلك الآية التي قال فيها ربنا: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1] الآية.
فالآية أولاً: افتتحت بالتسبيح، ولا يكون التسبيح إلا عند حصول الأمر العظيم الذي تحار فيه العقول، وليس هو في مقدور البشر.
ثم قال الله عز وجل: أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، والعبد روح وجسد، ما قال: سبحان الذي أسرى بروح عبده وإنما: (أسرى بعبده).
ثم قال: لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا [الإسراء:1]، وفي الآية الأخرى قال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، والبصر من آلات الجسد.
ثم رابعاً: أن الإسراء والمعراج لو كان بالروح أو كان مناماً لما كان فيه معجزة، فإن كثيراً من الناس الواحد منهم قد ينام وهو مشتاق مثلاً إلى زيارة بيت الله الحرام، فيرى في منامه أنه ركب الطائرة ووصل إلى مكة زادها الله شرفاً، ويرى نفسه محرماً يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ولربما رأى نفسه قد حلق رأسه، ثم إذا استيقظ وجد نفسه بين أهله وعياله.
فلو كان الإسراء والمعراج كذلك لما كان معجزة، ولما كذبه المشركون، لكننا نقرأ في كتب السيرة: ( أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما رجع مكث عليه الصلاة والسلام في المسجد الحرام في صبيحة عودته من المعراج، فمر به عدو الله أبو جهل -لعنه الله- وقال: يا محمد! هل كان من شيء -يعني: هل هناك شيء جديد-؟ قال: نعم. قال: وما ذاك؟ قال: أمسيت معكم البارحة، ثم أسري بي إلى بيت المقدس في الشام، فقال له أبو جهل : وأصبحت بيننا -يعني: ذهبت ورجعت- ؟! فقال: نعم، فلم يشأ أبو جهل أن يكذبه خشية أن ينكر الحديث فيما بعد، لكنه قال له: أرأيت لو دعوت لك الناس أتحدثهم بما حدثتني به؟ قال عليه الصلاة والسلام: ادعهم. فجمع أبو جهل الدهماء والغوغاء والمتسكعين والمتعطلين والمتبطلين، حتى أحاطوا بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام كلهم، ثم قال له أبو جهل: يا ابن أخي! حدثهم بالذي حدثتني به، فحدثهم النبي عليه الصلاة والسلام، فصار القوم ما بين مصفق ومصفر، وواضع راحتيه على رأسه -يعني: هذا كلام لا يصدق، فواحد يصفق والآخر يصفر صنيع الغوغاء، والثالث يضرب بيديه على رأسه- ثم لما أفاقوا من سكرتهم، قال أحد عقلائهم: يا محمد! صف لي بيت المقدس -يعني: أنت تزعم أنك أتيته، صفه لي- يقول عليه الصلاة والسلام: فجلاه الله لي فجعلت أصفه لهم -أخذ يقول لهم: بيت المقدس شكله كذا وفيه كذا وفيه باب من هنا، وتدخل من كذا وتطلع من هنا- فقال القوم: أما الوصف فقد أصاب والله )، فعلاً هذا الوصف.
ولو كان الإسراء والمعراج بالروح مناماً لما كذبوه.
ثم أيضاً الدليل الخامس على أنه كان بالروح والجسد: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( أتيت بالبراق )، ووصف البراق: ( بأنه دابة فوق الحمار ودون البغل، يضع رجله حيث ينتهي طرفه )، فلو كان بالروح لما احتاج إلى براق، وسمي البراق براقاً: من البرق؛ لأنه سريع، أو من البريق لأنه لامع، أو من قول العرب: شاة برقاء إذا اختلط بياضها بسواد.
المقصود: أن هذه كلها أدلة على أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد.
وهناك دليل آخر بأن النبي عليه الصلاة والسلام لما كتب إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، قال هرقل : (انظروا هل هاهنا أحد من تجار العرب؟ فذهبوا فجاءوا بـأبي سفيان بن حرب ، وكان في ذلك الوقت أعدى أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان رئيساً لمعسكر الشرك، فـهرقل سأل أبا سفيان عشرة أسئلة:
هذا الرجل أهو ذو نسب فيكم؟ قال: نعم.
هل كان في آبائه ملك؟ قال: لا.
هل قال هذا القول أحد قبله؟ قال: لا.
هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول مقالته تلك؟ قال: لا.
هل يغدر؟ قال: لا.
هل يدخل في دينه الضعفاء أم الأقوياء؟ قال: بل الضعفاء.
هل يزيدون أم ينقصون؟ قال: بل يزيدون.
هل يرتد عن دينه أحد سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا.
قال له: بم يأمركم؟ قال: يأمرنا بكذا وكذا.
هل حاربتموه؟ قال: نعم.
قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال، مرة يغلبنا ومرة نغلبه.
فقال له هرقل : هو رسول الله حقاً، ويوشك أن يملك ما تحت قدمي هاتين، و هرقل كان ملكاً ذكياً قد حصل شروط الملك، وعنده استشراف للمستقبل وعلم بالسنن وبصيرة بأحوال الأمم، فقال: إنه نبي حقاً، وبدأ يذكر له الأدلة:
سألتك: أهو ذو نسب؟ قلت: نعم. وكذلك الأنبياء.
سألتك: هل كان في آبائه من ملك؟ فقلت: لا. فلعله لو كان في آبائه ملك لقلنا: قام يطلب ملك أبيه، يعني: يتخذ النبوة سلماً من أجل أن يتوصل إلى استعادة ملك آبائه.
سألتك: هل قال هذا القول أحد قبله؟ فقلت: لا، فلو قال أحد هذا القول قبله لقلنا: هو يقلد غيره.. إلى آخر ما ذكره هرقل من الأدلة، فـأبو سفيان خرج حسيراً كسيراً وقال: (لقد أمِر أمر ابن أبي كبشة أن بلغ أن يخافه ملك بني الأصفر)، (لقد أمر) أي: عظم، ألسنا نقرأ في القرآن: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً [الكهف:71]، (أمر ابن أبي كبشة) وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا يعيرونه فلا يقولون: محمد، ولكن يقولون: ابن أبي كبشة، وأبو كبشة هو: زوج المرأة التي أرضعت الرسول عليه الصلاة والسلام التي هي: حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية .
ثم قال أبو سفيان ، وقد رجع إلى هرقل : (أيها الملك! سأحكي لك قولاً تعلم منه أن محمداً كاذب)، أي: أنا عندي دليل قوي تعرف منه أن محمداً ليس بنبي ولا بشيء. فقال له: وما ذلك؟ قال له: يزعم أنه خرج من مسجدنا في الحرم في مكة فأتى مسجدكم في إيليا - أي: القدس، والقدس تسمى: إيليا - ثم رجع من ليلته، ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهراً ونرجع فيه شهر- فكأنه يقول للملك: كيف تصدق كلام مثل هذا؟ نحن نمشي إليه شهراً ونرجع منه في شهر، الرحلة إليه تستغرق شهرين، وهو يقول: إنه قضاها في ساعات قليلة وعاد، وعند الملك كبير البطارقة (البابا)، وهو كبير القساوسة، فقال له: أنا أعرف تلك الليلة أيها الملك فقال له: وما علمك بها؟ قال: كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد الأقصى، والمسجد الأقصى كما بناه سليمان عليه السلام، يقول: كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد كلها إلا باباً واحداً غلبني في تلك الليلة، فاستعنت عليه بعمال المسجد، وهم الناس الذين في المسجد ممن يحرسونه وينظفونه وغيرهم، وجعلنا نعالجه كأنما نزاول جبلاً، فاستعنت عليه بالنجاجرة -النجارين- فجاءوا فما استطاعوا له شيئاً، فقالوا: قد سقط عليه شيء من النجاف -يعني: من السقف- وإن أصبحنا أغلقناه - وتعرفون أن صاحب الصنعة إذا عجز عن شيء يأتي بأي عذر- فقالوا له: إن أصبحنا أغلقناه، يقول: فتركناه فلما أصبحت حركته فأغلق بدون عمال ولا نجارين ولا شيء، ونظرت فإذا في حلقته أثر مربط الدابة، فعلمت أنه ما حبس تلك الليلة إلا على نبي، وإنه صلى في مسجدنا تلك الليلة.
فقال أبو سفيان : لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني: أنا أتيت بهذه على أساس أن يكذبه هرقل فزادته إيماناً بأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام.
العلة في كون الإسراء والمعراج وقع ليلاً
هذه الأدلة كلها تدل على أن هذه الرحلة كانت روحاً وجسداً، وأنها كانت ليلاً كما قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً [الإسراء:1]، قال المفسرون: وفائدة التنكير التقليل، يعني: أن الله ما قال: سبحان الذي أسرى بعبده الليل، وإنما (ليلاً)، يعني: أن الرحلة تمت في جزء من الليل وما استغرقت الليل كله.
لماذا كانت في الليل؟
قالوا: لأن الليل مظنة الرحمات والفيوضات، ولذلك لو تأملتم لوجدتم أن نزول القرآن كان بالليل، كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وكذلك ( ينزل ربنا إلى سماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل الآخر يقول: هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له )، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصلاة بعد المكتوبة، قال: ( أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل )، والليل تسكن فيه الحركات، وتخفت فيه الأصوات، ويستطيع المتأمل أن يتأمل، والمتفكر أن يتفكر، وهذا واضح للناس.
العلة في الإسراء إلى المسجد الأقصى وعدم العروج مباشرة من المسجد الحرام
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء:1]، والسؤال هنا: لم لم يكن المعراج مباشرة من المسجد الحرام إلى السموات العلى، وإنما عندنا رحلتان: إسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومعراج من المسجد الأقصى إلى السموات العلا؟
ذكروا في ذلك معاني:
المعنى الأول: قالوا: من أجل أن يجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين رؤية القبلتين في ليلة واحدة، فأول الليل يكون في المسجد الحرام، وبعد ساعات يكون في المسجد الأقصى، فيكون قد جمع بين رؤية القبلتين في ليلة واحدة.
المعنى الثاني: قالوا: لأن بيت المقدس كان مهاجر الأنبياء قبله، فأراد الله أن يجمع لنبيه عليه الصلاة والسلام أشتات الفضائل؛ ونحن نقرأ في القرآن بأن إبراهيم عليه السلام لما أساء إليه قومه قال: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26]، فهاجر إلى بيت المقدس بدليل القرآن، قال الله عز وجل: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:71]، فبيت المقدس هو مهاجر الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك لم يرد الله سبحانه أن يتميز عليه نبي بشيء من الفضائل.
المعنى الثالث: وهذا ذكره الشيخ: محمد الغزالي عليه رحمة الله قال: لما كان اليهود قد تنكروا للرسالات، وحرفوا الكتب، وشرعوا في الدين ما لم يأذن به الله، وانقطعت صلتهم بالسماء، وهم يدعون أنهم أهل تلك الأرض المقدسة التي كان فيها موسى وداود وسليمان وسائر أنبياء بني إسرائيل، كان في هذه الرحلة دلالة رمزية على أن الوريث لميراث الأنبياء حقاً هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى أشار إليه ربنا حين قال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ [آل عمران:68]، وأشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام لما قال لليهود: ( أنا أولى بـموسى منكم )، ولما قال: ( أنا أولى الناس بـعيسى ليس بيني وبينه نبي )، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( الأنبياء إخوة لعلات -أي: لضرائر- أمهاتهم شتى ودينهم واحد ).
مكان ابتداء رحلة الإسراء إلى المسجد الأقصى
وبدأت رحلة الرسول عليه الصلاة والسلام إما من بيت أم هانئ كما في بعض الروايات، أو من حجر إسماعيل كما في بعض الروايات، ولا تعارض كما قال ابن حجر رحمه الله؛ لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم كان نائماً في بيت أم هانئ ، فأتاه الملك فأيقظه وصحبه إلى الحرم ومن هناك بدأت الرحلة، فلا تعارض بين الروايات.
العلة في استخدام جبريل الطست من ذهب في حادثة شق الصدر
والنبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يسرى به شق صدره في تلك الليلة ( نزل جبريل وشق صدره ثم غسله بماء زمزم، ثم أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمةً وإيماناً فأفرغه في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أطبقه ).
والسؤال هنا: هل يجوز لك أن تستخدم طستاً من ذهب؟ وهل يجوز لك أن تستخدم ملعقة من ذهب أو سكيناً من فضة؟
الجواب: ما يجوز لا من ذهب ولا من فضة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الذي يأكل في صحائف الذهب والفضة، أو يشرب في آنيتهما، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم )، فلا يجوز لك يا أيها الرجل أن تستعمل الذهب مطلقاً، ولا يجوز لك أن تستعمل من الفضة إلا خاتماً، أما أن تعمل سلسلة من فضة أو ملعقة أو شوكة أو سكيناً أو صحناً أو حلة من فضة، فلا يجوز.
والسؤال: كيف أتى جبريل بطست من ذهب واستعمله في حشو صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
بعض أهل العلم قالوا: كان ذلك قبل تحريم الذهب، ولكن الأنسب أن يقال: بأن تلك الليلة وما شوهد فيها يناسب الأحوال الأخروية؛ ولذلك لا يوجد بالنسبة له مانع من استعمال الذهب وغيره؛ لأنه في تلك الرحلة هل كان ملتصقاً بالدنيا، أو كان عنده شيء من أحوال الدنيا؟
الجواب: لا، فكل الذين قابلهم هم من عالم الآخرة، وكل الذي رآه في الجنة والنار هو من عالم الآخرة، ونحن نعلم بأننا في الجنة إن شاء الله سنستخدم الذهب والفضة بنص القرآن: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ [الكهف:30-31]، من حرير، وَإِسْتَبْرَقٍ[الكهف:31]، أيضاً حرير، وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان:21]، والآيات كثيرة في هذا المعنى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه جل جلاله )، والله لن نستخدم فقط الآنية بل حتى البنيان، فالرسول عليه الصلاة والسلام لما حدثنا عن بناء الجنة قال: ( لبنة من فضة ولبنة من ذهب )، أي: طوبة، فتخيل المنظر. طوبة فضة وطوبة ذهب، كيف يكون المنظر؟
والجنة ليس فيها شيء مما في الدنيا من القاذورات والأشياء المنغصات.
وقد قيل:
ستة ليست لأهل الجنة لا بول لا غائط لا أجنة
كذاك لا نوم ولا أسنان ولا لحى أيضاً كما أتانا
وقوله: (ولا أجنة) أي: ليس فيها ولادة، متعة فقط، ليس فيها ولادة ولا إزعاج، ولا مستشفى ولا طبيب.
(كذاك لا نوم) فالجنة ما فيها نوم، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هل في الجنة نوم؟ قال: النوم أخو الموت )، فليس فيها نوم؛ لأن النوم يأتي من التعب، والجنة ليس فيها تعب قال تعالى: لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48].
(ولا أسنان) أي: ليس في الجنة شيخ كبير ولا امرأة عجوز، بل كلنا ندخل الجنة على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة؛ حتى يحصل الإلف والانبساط، ويكون الناس جميعاً في عمر واحد، والآن لو جلس ابن خمس عشرة سنة مع ابن التسعين لا يأتلفون مع بعض؟ بل كلما قال هذا كلمة هذا يقول له: قلت ماذا؟ فينطقها زيداً وهذا يسمعها عمراً، ثم ابن السبعين والثمانين رجاحة العقل عنده عالية، أما ابن الخامسة عشرة فهو يريد أن يلعب ويضرب وهكذا.
أما في الجنة فكلنا في سن واحد.
كذاك لا لحى أيضاً كما أتى، بل كلنا جرد مرد، لا يوجد واحد عنده لحية والثاني: حليق، والثالث أبقى منها مثل الخيط لا، فكلنا على سن المسيح بن مريم، وفي حسن يوسف.
العلة في ركوب النبي على البراق في حادثة الإسراء والمعراج
ثم إن نبينا عليه الصلاة والسلام ذكر قصة الإسراء تفصيلاً، فقال: ( أتيت بالبراق، وهو: دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه )، والسؤال: ألم يكن في قدرة ربنا أن يحمل نبينا عليه الصلاة والسلام من غير دابة؟ يعني: ممكن أن ربنا جل جلاله لو شاء لأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في لمح البصر من ههنا إلى ههنا، فلماذا أتي بدابة وركبها عليه الصلاة والسلام؟
قال العلماء: أولاً: تكريماً له؛ لأن الراكب أفضل من الماشي. فتكون من باب التكريم، فمثلاً: لو قلت لواحد من الناس: يا أخي! غداً إن شاء الله تفطر معي، فقال لك: والله المسافة بعيدة، فقلت له: سأبعث إليك بالسيارة تأتي بك، فهذا معناه أنك حريص جداً أن يفطر معك، أما آخر تقول له: تفطر معنا غداً إن شاء الله. فيقول لك: والله أنا بعيد، فقلت له: والله فعلاً رمضان غالباً الناس فيه مشغولون، الله يتقبل منا.
فالله جل جلاله أراد أن يكرم نبيه صلى الله عليه وسلم فيأتي به راكباً.
ثم ثانياً: قالوا: أراد الله أن يؤنس نبيه بالعادة في مقام خرق العادة، والعادة: أن الإنسان إذا أراد الارتحال من مكان إلى مكان أنه يركب، فالله عز وجل أراد أن تأتي هذه الرحلة في بعض صورها على ما جرت به العادة وإن كانت كلها خارقة للعادة؛ لأنها معجزة.
يقول عليه الصلاة والسلام: ( يضع حافره عند منتهى طرفه ) يعني: ما يمشي كما تمشي الدواب، وإنما طرفه إذا بلغ هناك فحافره حيث ينتهي طرفه ( فركبته، فسار بي حتى أتيت بيت المقدس )، والله عز وجل يقول عنه: الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1]، قالوا: بركته أولاً: بكثرة من دفن فيه من الأنبياء والصالحين، وثانياً: بكثرة ما أنبت الله حوله من الثمار والأشجار.
قال: ( حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء )، ففيه باب معين الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يدخلون منه، قال: ( ثم دخلت فصليت فيه ركعتين )، وبعض الناس سيستشكل ويقول: الصلاة فرضت في المعراج ولم تفرض في الإسراء؟
نقول: نعم. ومن قال: بأنه صلى فرضاً، إنما صلى ركعتين تطوعاً؛ لأن قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً [المزمل:1-2]، كان في بدايات الدعوة قبل أن تفرض الصلوات الخمس.
عرض اللبن والخمر على رسول الله في حادثة الإسراء والمعراج
قال: ( ثم خرجت -بعدما صلى ركعتين - قال: فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن، فقال جبريل : أصبت الفطرة )، يعني أن اللبن نشربه على الحالة التي خلقه الله عليها، بل بعض الناس قد يشرب من الضرع مباشرة لكونه ما عنده ماعون.
أما الخمر فليست من خلق الله وإنما تعرضت لتفاعلات كيميائية حتى تحولت إلى خمر، أو أن البشر قد وضعوا فيها بعض الأشياء فحولوها من شراب طيب إلى شراب مسكر، ومن رزق حسن إلى شراب خبيث.
فيقول عليه الصلاة والسلام: ( قال جبريل : أصبت الفطرة )؛ لأن اللبن كما هو عليه، وكذلك الإنسان الذي ما تدنست فطرته يعتبر كما هو عليه، ( كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )، وهذه رواية الإمام أبي عبد الله البخاري .
استفتاح جبريل من أهل السماء ولقيا النبي في السماء بالأنبياء
يقول عليه الصلاة والسلام: ( ثم عرج بي إلى السماوات، وفي كل سماء يستفتح جبريل )، فالسماء عندها أبواب لكننا لا نراها، والدليل قول الله عز وجل: وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً [النبأ:19] ، وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً [الفرقان:25].
( فـجبريل عليه السلام كان يستفتح فيقول أهل السماء من؟ فيقول: جبريل ) ، وهذا من أدب الاستئذان، فإن الإنسان إذا طرق الباب أو ضرب الجرس فقيل له: من؟ فلا يقل: أنا. فهذا خطأ. ( ولما جاء جابر رضي الله عنه إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم قال: من؟ قال: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا، أنا، كأنه كرهها )، فأنا لا يحصل بها تعريف فكلنا أنا. وبعض الناس أيضاً يدق الباب، فإذا قيل له: من؟ قال: أمين، وكيف أعرف أنك أمين معرفة تامة. ولكن قل: أنا فلان بن فلان تعريفاً كاملاً؛ لأنه لو قلت: محمد، فما أكثر المحمدين. ولو قلت: أحمد فما أكثر الأحمدين، فعرف تعريفاً يحصل به الاطمئنان لصاحب البيت، فيفتح لك الباب.
( فقال: جبريل . فقالوا: من معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. فقال أهل السماء: أوقد بعث؟ )، ومعناه أنه كان معروفاً لديهم وإلا لقالوا: ومن محمد، لكن ( أوقد بعث) معناها أنهم كانوا يعرفون أن هناك نبياً قد أظل زمانه وأنه سيبعث، وهذا النبي اسمه محمد، كما لو أن إنساناً طرق الباب، فقلت له: من؟ فقال: أنا عبد الكريم، أو أنا عبد الحفيظ مثلاً، فقلت له: وصلت؟ فمعناها أنك تعرفه.
( فقالوا: أوقد بعث؟ قال: بلى، قالوا: مرحباً به فنعم المجيء جاء )، يرحب به أهل السماء.
والنبي عليه الصلاة والسلام قابل ثمانية من الأنبياء:
قابل في السماء الأولى: آدم أبا البشر.
وفي السماء الثانية: ابني الخالة يحيى و عيسى .
وفي السماء الثالثة: يوسف ، فإذا هو قد أوتي شطر الحسن.
وفي السماء الرابعة: إدريس، قال تعالى عنه: وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً [مريم:57].
وفي الخامسة: المحبب في قومه هارون بن عمران، ( فإذا هو شيخ عظيم اللحية، عظيم العثنون، ما رأيت شيخاً قط أجمل منه ) عليه الصلاة والسلام، ومعنى (شيخ): أنه كبير في السن، لحيته عظيمة، و(العثنون) يعني: ما ينزل من الذقن مباشرةً، (ما رأيت شيخاً قط أجمل منه).
وفي السماء السادسة: موسى بن عمران، ( كأنه من رجال أزد شنوءة، قال: فلما جاوزته بكى؟ قيل له: ما يبكيك؟ قال: غلام بعث من بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر ممن يدخل من أمتي ).
أيها الإخوة الكرام! ما قال موسى هذا الكلام حسداً، معاذ الله! فإن الحسد في ذلك العالم منفي عن آحاد المؤمنين، فكيف بالأنبياء والمرسلين؟ وإنما موسى يبكي لما فاته من الخير، ولما فاته من الأجر.
ولما قال: (غلام) ما قصد الانتقاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قصد مدحه؛ لأنه ما زال قوياً وما زال فتياً رغم أنه ناف على الخمسين عليه الصلاة والسلام.
( ثم في السماء السابعة لقي إبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور وقال له: يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة عذبة الماء، طيبة التربة، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر )، يعني: كلما قلت هذه الكلمات الأربع يغرس لك في الجنة غرس، لكن الآن لو أردت أن تزرع شجرة أمام بيتك كم تستغرق يوماً حتى تقوم؟ هذا إذا لم يسلط الله عليها شاة تأكل من ورقها فتميتها، وإذا أخرجت من لعابها فيها شيئاً قتلتها، والشجرة تحتاج كل يوم أن تسقى وتنظف وتهيّأ وغير ذلك، لكن إذا قلت هذه الكلمات الأربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، استغرقت منك عشر ثواني، فممكن في الدقيقة أن تقولها ست مرات ليغرس لك ست شجرات في الجنة، فإذا دخلت الجنة لقيت قصرك فيه أنواع من الشجر وألوان، وليس في الجنة شمس، لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً [الإنسان:13]، لكن من باب الزينة.
فالنبي عليه الصلاة والسلام في السماء الأولى قابل آدم ؛ لأنه أبوه الأعلى، وفي السابعة قابل إبراهيم؛ لأنه أبوه الأدنى من أجل أن يطمئن.
بعض الآيات التي رآها النبي في حادثة الإسراء والمعراج
ثم بعد ذلك: ( عرج به إلى سدرة المنتهى )، ( السدرة ) شجرة النبق، وهي: شجرة زاكية، رائحتها طيبة، قال عليه الصلاة والسلام: ( وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا نبتها كقلال هجر )، يعني: النبقة الواحدة في هذه الشجرة ضخمة، والورقة الواحدة مثل آذان الفيل، وهذا كله من باب التقريب والتشبيه.
يقول عليه الصلاة والسلام: ( وغشيها من نور الله ما لا أستطيع وصفه )، أي: غشيت هذه الشجرة أنوار ما يستطيع عليه الصلاة والسلام بما أوتي من فصاحة أن يصف لنا ما رأى عليه الصلاة والسلام، ودخل الجنة ورأى نعيم أهلها.
ثم بعد ذلك -والعياذ بالله- اطلع على عذاب أهل النار، ( فرأى أقواماً تقرض شفاههم بالمقاريض )، ممكن أن تقول: بالزرادية أو الكماشة، ( تقرض شفاههم بالمقاريض، فقال: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة من أمتك )، قد تلقى بعض الناس ساكتاً، لكن إذا حصلت فتنة صار رأساً، فهو رأس في الفتنة ذنب في الخير.
( ثم رأى صلى الله عليه وسلم أقواماً لهم أظافر من نحاس يخمشون بها وجوههم، فسأل عنهم، فقيل له: هؤلاء الذين يقعون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، ورأى أقواماً بطونهم كأمثال البيوت تسرح فيها الحيات. فسأل عنهم، فقيل: هؤلاء أكلة الربا، لا يقوم أحدهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ورأى أقواماً لهم مشافر كمشافر الإبل، شفاههم غليظة يأخذون حجارة من نار فيلقمونها أفواههم فتخرج من أدبارهم، فسأل عنهم. فقيل: هؤلاء أكلة أموال اليتامى إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، ورأى نساءً معلقات من أثدائهن في نار جهنم، فسأل، فقيل: هؤلاء اللائي أدخلن على أزواجهن من ليس منهم )، يعني: حملت -والعياذ بالله - من حرام، ثم نسبته إلى زوجها وهو لا يدري.
فرأى نبينا عليه الصلاة والسلام هذه المناظر كلها، ثم استمر في العروج والصعود والترقي إلى أن كلمه ربه جل جلاله، ( وافترض عليه في كل يوم وليلة خمسين صلاةً، فرجع عليه الصلاة والسلام، وفي السماء السادسة لقي موسى، فقال له: يا محمد! ما افترض عليك ربك؟ قال: خمسون صلاةً في كل يوم وليلة، فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإني عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة )، وهذا يدل على أن موسى كان ناصحاً أميناً. وهو يدل على الكلام الذي ذكرته قبل قليل: بأن بكاءه ما كان حسداً، ولو كان حاسداً لقال له: خمسون فقط، ادعه أن يجعلها لك خمسة وسبعين. لكنه عليه السلام قال له: ( ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فحط الله عنه خمساً. قال: ارجع. حتى صارت خمساً، ثم لما جاء موسى عليه السلام قال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف -الخمس هذه ذاتها دعه ينقصها- فقال عليه الصلاة والسلام: لقد راجعت ربي حتى استحييت، فقال الله عز وجل: يا محمد! أمضيت فريضتي، وخففت على عبادي، ما يبدل القول لدي، هي خمس وهي خمسون )، خمس في الأداء وخمسون في الأجر والثواب، فنحن نصلي خمس صلوات وربنا يكتب لنا خمسين. وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]، وفي هذا دليل على أهمية الصلاة، لأن كل الفرائض نزل بها جبريل عليه السلام، لكن الصلاة ما نزل بها جبريل وإنما استدعي محمد عليه الصلاة والسلام لفرضها عليه.
الآن الدول -ولله المثل الأعلى- تخاطب سفراءها بالوسائل الدبلوماسية، بالحقيبة الدبلوماسية، لكن لو كان الأمر خطيراً، فإن السفير يستدعى.
نقف عند هذا الحد إن شاء الله، ونكمل في درس الغد.
أيها الإخوة الكرام! هذه الرحلة العلوية، والمعجزة النبوية كانت في ربيع الأول من العام الثاني عشر من البعثة، أما كونها في ربيع الأول فيدل على ذلك ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أربع كلهن في ربيع: مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثته، والإسراء به، وموته. يعني: هذه الحوادث الأربعة العظيمة كلها حصلت في ربيع الأول، مولد النبي عليه الصلاة والسلام، وبعثته صلوات ربي وسلامه عليه؛ لأنه أول ما بدئ به من الوحي أنه كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وذكرت لكم أن هذه استمرت ستة أشهر، ثم بعد ذلك نزل عليه جبريل في شهر رمضان، وما بين رمضان وربيع ستة أشهر، وكذلك الإسراء به صلوات ربي وسلامه عليه كان في ربيع، ووفاته أيضاً كانت في ربيع.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
بداية نزول الوحي | 2556 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [2] | 2405 استماع |
عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل | 2175 استماع |
أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم | 2148 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة [2] | 2131 استماع |
النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة [1] | 2108 استماع |
إرهاصات النبوة [2] | 2071 استماع |
تواضع النبي صلى الله عليه وسلم | 1876 استماع |
عام الحزن وخروج النبي إلى الطائف | 1827 استماع |
صد قريش عن دين الله [1] | 1819 استماع |