خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [162]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والستون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام (1418هـ).
نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به اللقاءات السابقة، بالكلام بما تيسر في تفسير الآيات الكريمة التي انتهينا إليها في سورة الطور.
تفسير قوله تعالى: (فذكر فما أنت مذكر)
فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ هذا نفي لما ادعاه المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن أو مجنون، قال الله تعالى: فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ أي: بإنعام ربك عليك بما أنزل عليك من الوحي لست بكاهن ولا مجنون؛ والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وكانت الكهانة في الجاهلية مشهورة، يكون للإنسان رئيٌ من الجن يصحبه ويخدمه، ثم يصعد الجني إلى السماء يستمع ما يقال في السماء، وينزل به على هذا الكاهن، فيكون هذا علم غيبٍ عن أهل الأرض، لكن الكاهن يزيد عليه أشياء كثيرة يتخرصها، فإذا وقع ما سمعه من السماء صار عظيماً في قومه؛ لأنه أخبر عن شيء مستقبل فوقع.
فالكاهن إذاً: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء بالوحي رده المشركون وكذبوه، وقالوا: إنما جاء به محمد من الكهانة؛ لأن الكهان يخبرون عن الشيء فيقع، ولأن الكهان أيضاً يأتون بكلامٍ مسجوع يشبه القرآن، والقرآن آيات مفصلة أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في كلام حمل بن النابغة الذي قال: (يا رسول الله! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو من إخوان الكهان) من أجل سجعه الذي سجع.
المهم أنهم يقولون عنه صلى الله عليه وسلم: إنه كاهن، فنفى الله ذلك، ثم قالوا: إنه مجنون يأتي بما لا يعرف، فكذبهم الله فقال: فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور:29] هذه الجملة منفية مؤكدة بالباء الزائدة إعراباً المفيدة معنىً، (بكاهن) أصلها: فما أنت بنعمة ربك كاهناً ولا مجنوناً، لكن زيدت الباء توكيداً للنفي.
تفسير قوله تعالى: (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون)
نَتَرَبَّصُ بِهِ [الطور:30] أي: ننتظر به، رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور:30] أي: حوادث الدهر وقوارعه فيهلك كما هلك الشعراء من قبله ولا يكون له أثر، انظروا -والعياذ بالله- كيف يترقبون موت الرسول عليه الصلاة والسلام، يقولون: هذا شاعر من جنس الشعراء يهلك وينتهي أمره.
وقوله: رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور:30] قيل: إن المنون هو الدهر، وقيل إن المنون هو: الموت، وهما متلازمان، والمراد بذلك حوادث الدهر المهلكة المبيدة.
تفسير قوله تعالى: (قل تربصوا فإني معكم من المتربصين)
إذاً.. (تربصوا) فعل الأمر للتحدي والتهديد أيضاً، فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [الطور:31] أي: فأنا منتظر أيضاً، انتظروا أنتم وأنا أنتظر لمن تكون العاقبة، وصارت العاقبة -والحمد لله- للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ [الطور:31].
تفسير قوله تعالى: (أم تأمرهم أحلامهم بهذا...)
الجواب: أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الطور:32]، أي: بل لا تأمرهم عقولهم بهذا، وكثيرٌ منهم يعلم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم حق لكن غلبتهم الكبرياء -والعياذ بالله- فأنكروا وكذبوا، ولهذا قال: أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الطور:32]، أي: معتدون ظالمون، وأصل الطغيان مجاوزة الحد، كما في قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ [الحاقة:11] أي: زاد وارتفع عن عادته، حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11].
تفسير قوله تعالى: (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون)
تفسير قوله تعالى: (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين)
يدل على أن القرآن ليس من كلام البشر بل هو من كلام الله عز وجل، ولهذا قال: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ومع قوة المعارضة وقوة البلاغة والفصاحة عجزوا أن يأتوا بحديثٍ مثله، وما استطاعوا، فدل ذلك على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يتقوله، ولم يستطع أن يأتي بمثله.
وفي قوله: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ كلمة: (حديث) نكرة، والنكرة تدل على الإطلاق، لكن جاء في آية أخرى أن الله قال: قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38]، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13] وجاء في آية أخرى الإخبار بأنه لن يستطيع أحدٌ أن يعارض القرآن، فقال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء:88] حتى ولو تعاونوا؟! ولهذا قال: وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] تبين الآن بطلان قولهم: إنه تقوله؛ لأن الله تحداهم أن يأتوا بمثله ولكنهم عجزوا، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [الطور:34] أي: إن كانوا صادقين في دعواهم أنك تقولته فليأتوا بحديثٍ مثله.
تفسير قوله تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون)
الجواب: لا، هذا جواب عقلي لا ينكر، أم هم الخالقون لأنفسهم؟
الجواب: لا؛ لأنهم قبل أن يوجدوا كانوا عدماً، وكيف يمكن للعدم أن يخلق؟ لا يمكن هذا، فإذا تبين أنهم لم يخلقوا من غير خالق، وأنهم لم يخلقوا أنفسهم تبين أن لهم خالقاً قادراً على إيجادهم، من هو؟ الله عز وجل، لا يستطيع أحدٌ منهم أن يقول: إن الذي خلقني أبي أو أمي، فإذا لم يكن كذلك تعين أن يكون لهم خالق وهو الله تبارك وتعالى، وإذا كان لهم خالق وهم مخلوقون مربوبون مدبرون فالواجب أن يخضعوا لهذا الخالق وأن يعبدوه وحده كما أنه هو الخالق وحده.
هذه الآية سمعها جبير بن مطعم وكان قد قدم إلى المدينة وهو مشرك، قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في طلب الفداء لأسرى بدر، أظنه لا يخفى على كثيرٍ منكم أن بدراً انتصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والحمد لله وانتصارهم انتصار لنا، قتلوا من قريش سبعين رجلاً وأسروا سبعين رجلاً وجاءوا بهم إلى المدينة، وانقسموا إلى أقسام: منهم من أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم ومنَّ عليه، ومنهم من فداه بمال، ومنهم من فداه بأسير إن كان هناك أسير لا أدري، ومنهم من فداه بتعليم أهل المدينة الكتابة.
جبير بن مطعم أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام يطلب فداء أسرى بدر؛ لأنه من صميم قريش والأسرى أيضاً من قريش، ويظهر لي والله أعلم: أن جبيراً سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان
هذا الإحسان قال النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أوفى الناس عليه الصلاة والسلام بكرمه، قال: (لو كان
وجبير بن المطعم بن عدي لعله سمع بهذه المقالة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب فداء الأسرى، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ في المغرب بسورة الطور لما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] قال جبير : كاد قلبـي يطير؛ لأن هذه حجة ملزمة لا يمكن أن يتخلص منها أحد، قال: ووقر الإيمان في قلبي، معناه أنه دخل الإيمان في قلبه، سبحان الله! انظر تأثير القرآن الكريم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما دعاه في تلك الساعة لكن سمع هذه الآية العجيبة العظيمة فكاد قلبه يطير، أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35].
الجواب بكل سهولة: لا في الأمرين، لا خلقوا من غير شيء، ولا هم الخالقون، بل لهم خالق وهو الله سبحانه وتعالى، ولا أحد يمكن أن ينكر هاتين المقدمتين، كلها حجة قطعية تدمغ كل كافر؛ لأنه إذا قال: نعم وله خالق خلقه قلنا: إذاً لماذا لا تعبده لأنك عبدٌ له مملوكٌ له؟
تفسير قوله تعالى: (أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون)
ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على ما تبقى من هذه الإلزامات العظيمة التي ألزم الله بها قريشاً كل هذا من أجل إقامة الحجة عليهم، ولو شاء سبحانه وتعالى لعاقبهم بدون أن تكون هذه المجادلة أو هذه المناقشة.
قال الله تعالى: فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور:29] الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ذكر) والمذكر محذوف، والتقدير: ذكر الناس، أو إن شئت فقل: ذكر من أرسلت إليهم من الجن والإنس.
فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ هذا نفي لما ادعاه المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن أو مجنون، قال الله تعالى: فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ أي: بإنعام ربك عليك بما أنزل عليك من الوحي لست بكاهن ولا مجنون؛ والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وكانت الكهانة في الجاهلية مشهورة، يكون للإنسان رئيٌ من الجن يصحبه ويخدمه، ثم يصعد الجني إلى السماء يستمع ما يقال في السماء، وينزل به على هذا الكاهن، فيكون هذا علم غيبٍ عن أهل الأرض، لكن الكاهن يزيد عليه أشياء كثيرة يتخرصها، فإذا وقع ما سمعه من السماء صار عظيماً في قومه؛ لأنه أخبر عن شيء مستقبل فوقع.
فالكاهن إذاً: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء بالوحي رده المشركون وكذبوه، وقالوا: إنما جاء به محمد من الكهانة؛ لأن الكهان يخبرون عن الشيء فيقع، ولأن الكهان أيضاً يأتون بكلامٍ مسجوع يشبه القرآن، والقرآن آيات مفصلة أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في كلام حمل بن النابغة الذي قال: (يا رسول الله! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو من إخوان الكهان) من أجل سجعه الذي سجع.
المهم أنهم يقولون عنه صلى الله عليه وسلم: إنه كاهن، فنفى الله ذلك، ثم قالوا: إنه مجنون يأتي بما لا يعرف، فكذبهم الله فقال: فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور:29] هذه الجملة منفية مؤكدة بالباء الزائدة إعراباً المفيدة معنىً، (بكاهن) أصلها: فما أنت بنعمة ربك كاهناً ولا مجنوناً، لكن زيدت الباء توكيداً للنفي.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3033 استماع |