خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [146]
الحلقة مفرغة
الحمد رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فهذا هو اللقاء السادس والأربعون بعد المائة من لقاء الباب المفتوح، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا اليوم الخميس التاسع من شهر شعبان عام 1417هـ، نتكلم فيه بما يسر الله عز وجل من التفسير في سورة الذاريات.
تفسير قوله تعالى: (قال فما خطبكم أيها المرسلون)
القائل: ما خطبكم؟ هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أي: ما شأنكم أيها المرسلون؟ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ [الذاريات:32-33].
(أرسلنا) أي: أرسلنا الله عز وجل؛ لأنه من المعلوم أنه لا يرسل أحداً من الملائكة إلا خالقهم تبارك وتعالى، إلى قوم مجرمين، أي: ذوي جرم عظيم، ألا وهو اللواط -والعياذ بالله- فإنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فيأتون ما لم يخلق لهم، ويدعون ما خلق لهم، كما قال لهم نبيهم لوط عليه الصلاة والسلام: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ [الشعراء:166].
وهذه الفاحشة، فاحشة نكراء لا يقرها عقل، ولا فطرة، ولا دين، ولهذا كانت عقوبتها الإعدام للفاعل والمفعول به، إذا كانا بالغين عاقلين، سواء كانا محصنين أم غير محصنين، بخلاف الزنا، فهو أهون عقوبة؛ لأن الزنا من لم يكن محصناً فعقوبته أن يجلد مائة جلدة ويغرب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً -وهو: الذي قد تزوج وجامع- عقوبته أن يرجم بالحجارة حتى يموت، أما هذا فعقوبته القتل بكل حال، كما جاء في الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به).
ووقعت هذه الفاحشة في عهد أبي بكر رضي الله عنه، فأمر أن يحرق كل من الفاعل والمفعول به؛ لأن الإحراق أعظم عقوبة يعاقب بها بنو آدم، وكذلك جاء عن بعض الخلفاء أنهم أمروا بإحراق اللوطي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أجمع الصحابة على قتل اللوطي فاعلاً كان أو مفعولاً به، لكنهم اختلفوا كيف يقتل، منهم من أحرق ومنهم من قال: يرمى بالحجارة حتى يموت كالزاني المحصن، ومنهم من قال: يلقى من أعلى شاهق في البلد، يعني: من مكان مرتفع أعلى ما يكون في البلد، ثم يتبع بالحجارة حتى يموت.
فالمهم أنهم متفقون على قتله، ولا شك أن قتله هو الحكمة؛ لأن هذه الفاحشة متى دبت في الرجال، صار الرجال كالنساء، وبدأ الذل والعار والخزي على وجه المفعول به لا ينساه حتى يموت.
ثم استغنى الرجال بالرجال وبقيت النساء؛ لأن هذه الفاحشة -والعياذ بالله- إذا ابتلي بها الإنسان لا يلتفت إلى غيرها؛ لأنه مرض فتاك سارٍ، فإذا أعدم هؤلاء وهم في الحقيقة جرثومة فاسدة مفسدة للإنسان؛ كان ذلك عين الإصلاح، ثم اللواط، -والعياذ بالله- لا يمكن التحرز منه؛ لأنه بين ذكرين، لا يمكن لأي إنسان أن يجد ذكرين يمشيان في السوق أن ينكر عليهما اجتماعهما؛ لكن الزنا يمكن، رجل مع امرأة تستنكره أو تتهمه وتتكلم معه، ولذلك كان عقوبة الإعدام في حق اللوطي أوثق ما يكون للحكمة، بل الرحمة أيضاً، هي رحمة بالفاعلين، باللائط والملوط به، حتى لا يبقيا في حياتهما يكتسبان الإثم وتزداد العقوبة عليهما، ورحمة للمجتمع، تكون عقوبتهما نكالاً، حتى لا يفسد المجتمع، لهذا قالت الملائكة لإبراهيم: قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ .
وجرمهم -والعياذ بالله- ما سبقوا إليه، كما قال لهم نبيهم: مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف:80] أرسلوا لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ [الذاريات:33-34] حجارة من طين، لكنه ليس الطين الذي يتفتت، بل الطين الصلب العظيم، الذي إذا أصابت هذه الحجارة أحداً من الناس وضربته على رأسه خرجت من دبره، لا يردها عظم ولا لحم، لقوتها وشدتها وصلابتها والعياذ بالله، وهي معلمة.
تفسير قوله تعالى: (مسومة عند ربك للمسرفين)
الجواب الثاني أدق، أي: هذه الحجارة لفلان، وهذه الحجارة لفلان مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ .
أي: للمتجاوزين حدودهم، ولا شك أن اللواط مجاوزة للحد وإسراف والعياذ بالله.
تفسير قوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين...)
بيت واحد! قرية كاملة يدعوهم نبيهم إلى توحيد الله، وإلى ترك هذه الفاحشة فلم يتبعه أحد حتى أهل بيته، فيهم من لم يؤمن بلوط، فانتبه يا أخي الداعية! لا تجزع إذا دعوت فلم يستجب لك من المائة إلا عشرة، هذه نعمة، الرسل عليهم الصلاة والسلام، يبقون في أممهم دهوراً كثيرة، ولا يتبعهم إلا القليل، لوط عليه الصلاة والسلام من اتبعه من القرية؟ لا أحد، من اتبعه من أهله؟ اتبعه من أهله من اتبعه وتخلف عن دعوته من تخلف ولهذا قال: فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وهنا يتساءل الإنسان في نفسه! كيف قال: (أخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) هل المسلمون هنا بمعنى المؤمنين بالآية التي قبلها؟ ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقالوا: إن في هذا دليل على أن الإيمان والإسلام شيئ واحد.
وذهب آخرون إلى الفرق وقالوا: أما المؤمنون فقد نجوا، وأما البيت فهو بيت إسلام؛ لأن المظهر في هذا البيت بيت لوط أنه بيت إسلامي، حتى امرأته لا تتظاهر بالكفر، تتظاهر بأنها مسلمة، ولهذا قال الله تعالى في سورة التحريم: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10] ليس معنى خانتاهما بالفاحشة؛ بل خانتاهما بالكفر، لكنه كفر مستور، وهو خيانة من جنس النفاق، ولهذا يقال للمجتمع الذي فيه المنافقون: إنه مجتمع مسلم، وإن كان فيه المنافقون؛ لأن المظهر مظهر إسلامي، إذاً نقول فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، إنما قال: من المسلمين؛ لأن امرأته ليست مؤمنة ولكنها مسلمة.
تفسير قوله تعالى: (وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم)
آية معنوية: كل من قرأ قصتهم في جميع ما ورد فيه من السور الكريمة اعتبر واتعظ وخاف، هذه آية معنوية، لكن من الذي ينتبه لهذه الآيات، من يخافون العذاب الأليم لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ أما المنكرون الذين قست قلوبهم، فإنهم لم ينتفعوا بالآيات، قال الله تعالى: وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المنتفعين بالآيات، انتهى الكلام على قصة إبراهيم ولوط عليهما الصلاة والسلام، ويأتي بقية الكلام على آخر السورة.
انتهينا إلى قوله الله تعالى: قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ [الذاريات:31-32].
القائل: ما خطبكم؟ هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أي: ما شأنكم أيها المرسلون؟ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ [الذاريات:32-33].
(أرسلنا) أي: أرسلنا الله عز وجل؛ لأنه من المعلوم أنه لا يرسل أحداً من الملائكة إلا خالقهم تبارك وتعالى، إلى قوم مجرمين، أي: ذوي جرم عظيم، ألا وهو اللواط -والعياذ بالله- فإنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فيأتون ما لم يخلق لهم، ويدعون ما خلق لهم، كما قال لهم نبيهم لوط عليه الصلاة والسلام: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ [الشعراء:166].
وهذه الفاحشة، فاحشة نكراء لا يقرها عقل، ولا فطرة، ولا دين، ولهذا كانت عقوبتها الإعدام للفاعل والمفعول به، إذا كانا بالغين عاقلين، سواء كانا محصنين أم غير محصنين، بخلاف الزنا، فهو أهون عقوبة؛ لأن الزنا من لم يكن محصناً فعقوبته أن يجلد مائة جلدة ويغرب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً -وهو: الذي قد تزوج وجامع- عقوبته أن يرجم بالحجارة حتى يموت، أما هذا فعقوبته القتل بكل حال، كما جاء في الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به).
ووقعت هذه الفاحشة في عهد أبي بكر رضي الله عنه، فأمر أن يحرق كل من الفاعل والمفعول به؛ لأن الإحراق أعظم عقوبة يعاقب بها بنو آدم، وكذلك جاء عن بعض الخلفاء أنهم أمروا بإحراق اللوطي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أجمع الصحابة على قتل اللوطي فاعلاً كان أو مفعولاً به، لكنهم اختلفوا كيف يقتل، منهم من أحرق ومنهم من قال: يرمى بالحجارة حتى يموت كالزاني المحصن، ومنهم من قال: يلقى من أعلى شاهق في البلد، يعني: من مكان مرتفع أعلى ما يكون في البلد، ثم يتبع بالحجارة حتى يموت.
فالمهم أنهم متفقون على قتله، ولا شك أن قتله هو الحكمة؛ لأن هذه الفاحشة متى دبت في الرجال، صار الرجال كالنساء، وبدأ الذل والعار والخزي على وجه المفعول به لا ينساه حتى يموت.
ثم استغنى الرجال بالرجال وبقيت النساء؛ لأن هذه الفاحشة -والعياذ بالله- إذا ابتلي بها الإنسان لا يلتفت إلى غيرها؛ لأنه مرض فتاك سارٍ، فإذا أعدم هؤلاء وهم في الحقيقة جرثومة فاسدة مفسدة للإنسان؛ كان ذلك عين الإصلاح، ثم اللواط، -والعياذ بالله- لا يمكن التحرز منه؛ لأنه بين ذكرين، لا يمكن لأي إنسان أن يجد ذكرين يمشيان في السوق أن ينكر عليهما اجتماعهما؛ لكن الزنا يمكن، رجل مع امرأة تستنكره أو تتهمه وتتكلم معه، ولذلك كان عقوبة الإعدام في حق اللوطي أوثق ما يكون للحكمة، بل الرحمة أيضاً، هي رحمة بالفاعلين، باللائط والملوط به، حتى لا يبقيا في حياتهما يكتسبان الإثم وتزداد العقوبة عليهما، ورحمة للمجتمع، تكون عقوبتهما نكالاً، حتى لا يفسد المجتمع، لهذا قالت الملائكة لإبراهيم: قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ .
وجرمهم -والعياذ بالله- ما سبقوا إليه، كما قال لهم نبيهم: مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف:80] أرسلوا لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ [الذاريات:33-34] حجارة من طين، لكنه ليس الطين الذي يتفتت، بل الطين الصلب العظيم، الذي إذا أصابت هذه الحجارة أحداً من الناس وضربته على رأسه خرجت من دبره، لا يردها عظم ولا لحم، لقوتها وشدتها وصلابتها والعياذ بالله، وهي معلمة.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3400 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3321 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3300 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3283 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3262 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3121 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3097 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3045 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3039 استماع |
لقاء الباب المفتوح [193] | 2929 استماع |