لقاء الباب المفتوح [63]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثالث والستون من اللقاءات التي تتم في كل يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن والعشرون من شهر محرم عام (1415هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدناه من تفسير شيء من آيات الله الكريمة، حيث انتهى بنا المطاف إلى قول الله تبارك وتعالى: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:5].

تفسير قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد)

قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ [الفجر:6-7] الخطاب هنا لكل من يوجه إليه هذا التكذيب وهم البشر كلهم، بل والجن أيضاً: (ألم تر) أيها المخاطب: كيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ أي: ما الذي فعل بهم.

و(عاد) قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية ، أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام، فبلغهم الرسالة، ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا: من أشد منا قوة؟ قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15] فهم افتخروا بقوتهم ولكن الله بيّن أنهم ضعفاء أمام قوة الله، ولهذا قال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ ولم يقل: أن الله أشد منهم قوة، بل قال: الَّذِي خَلَقَهُمْ ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم؛ لأن الخالق أقوى من المخلوق: أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:15-16].

هنا يقول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ الذي فعله بهم أنه أرسل عليهم الريح العقيم: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7].. فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25] وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار، يعني: اعتبر أيها المكذب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بهؤلاء، كيف أذيقوا هذا العذاب، وقد قال الله تعالى: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].

تفسير قوله تعالى: (إرم ذات العماد ...)

قال تعالى: إِرَمَ [الفجر:7] هذه وصف للقبيلة، وقيل: اسم للقرية، وقيل غير ذلك، فسواء كانت اسماً للقبيلة أو اسماً للقرية فإن الله تعالى نكل بهم نكالاً عظيماً مع أنهم أقوياء.

وقوله: ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:7-8] أصحاب العماد أي: الأبنية القوية: الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا أي: لم يصنع مثلها في البلاد؛ لأنها قوية محكمة، وهذا هو الذي غرهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ وفي قوله تعالى: لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ مع أن الذي صنعها هو الآدمي، وهذا دليل على أن الآدمي قد يوصف بالخلق فيقال خلق كذا، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين: (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) لكن الخلق الذي ينسب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الله، الخلق المنسوب إلى الله إيجاد بعد إعدام وتحويل وتغيير، أما الخلق المنسوب لغير الله فهو مجرد تحويل وتغيير.

وأضرب لكم مثلاً: هذا الباب من خشب، من الذي خلق الخشب؟ الله، لا يمكن للبشر أن يخلقوه، لكن البشر يستطيع أن يحول جذوع الخشب وآصال الخشب إلى أبواب وإلى دواليب وما أشبه ذلك، فالخلق المنسوب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الخالق، فما الفرق؟ الخلق المنسوب للخالق إيجاد من عدم وهذا لا يستصغره أحد، والمنسوب للمخلوق تغيير وتحويل يحول الشيء من صفة إلى صفة، أما أن يغير الذوات، بمعنى: أن يجعل الذهب فضةً أو الفضة حديداً أو ما أشبه ذلك فهذا مستحيل لا يمكن ولا يقدر على ذلك إلا لله وحده لا شريك له.

تفسير قوله تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد)

ثم قال تعالى: وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ [الفجر:9] ثمود: هم قوم صالح، ومساكنهم معروفة الآن كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ [الحجر:80] ذكر الله أن ثمود كانوا في بلاد الحجر ، وهي معروفة، مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك وأسرع وقَنَّع رأسه صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثلما أصابهم) هؤلاء القوم أعطاهم الله القوة حتى صاروا يخرقون الجبال، والحصى والصخور العظيمة يخرقونها ويصنعون منها بيوتاً، ولهذا قال: جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ أي: وادي ثمود وهو معروف، هؤلاء -أيضاً- فعل الله بهم ما فعل من العذاب والنكال حيث قيل لهم: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [هود:65] ثم بعد الثلاثة الأيام أخذتهم الصحية والرجفة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين.

فعلينا أن نعتبر بحال هؤلاء المكذبين الذين صار مآلهم إلى الهلاك والدمار، وليعلم أن هذه الأمة لن تهلك بما أهلك به الأمم السابقة، بهذا العذاب العام، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل الله تعالى ألا يهلكهم بسنة عامة، ولكن قد تهلك هذه الأمة بأن يجعل الله بأسهم بينهم، فتجري بينهم الحروب والمقاتلة، ويكون هلاك بعضهم على يد بعض، لا بشيء ينزل من السماء كما صنع الله بالأمم السابقة.

ولهذا يجب علينا أن نحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن نبتعد عن كل ما يثير الناس بعضهم على بعض، وأن نلزم دائماً الهدوء، وأن نبتعد عن القيل والقال وكثرة السؤال، فإن ذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكم من كلمة واحدة صنعت ما تصنعه السيوف الباترة، فالواجب الحذر من الفتن، وأن نكون أمة متآلفة متحابة، يتطلب كل واحد منا العذر لأخيه إذا رأى منه ما يكره.

نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح، وأن يجمع قلوبنا على طاعته.

قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ [الفجر:6-7] الخطاب هنا لكل من يوجه إليه هذا التكذيب وهم البشر كلهم، بل والجن أيضاً: (ألم تر) أيها المخاطب: كيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ أي: ما الذي فعل بهم.

و(عاد) قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية ، أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام، فبلغهم الرسالة، ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا: من أشد منا قوة؟ قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15] فهم افتخروا بقوتهم ولكن الله بيّن أنهم ضعفاء أمام قوة الله، ولهذا قال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ ولم يقل: أن الله أشد منهم قوة، بل قال: الَّذِي خَلَقَهُمْ ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم؛ لأن الخالق أقوى من المخلوق: أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:15-16].

هنا يقول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ الذي فعله بهم أنه أرسل عليهم الريح العقيم: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7].. فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25] وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار، يعني: اعتبر أيها المكذب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بهؤلاء، كيف أذيقوا هذا العذاب، وقد قال الله تعالى: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83].




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [146] 3352 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3318 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3297 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3279 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3261 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3118 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3091 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3042 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3035 استماع
لقاء الباب المفتوح [193] 2926 استماع