خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/929"> الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/929?sub=63712"> السيرة النبوية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
إرهاصات النبوة [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم. أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
الكلام في هذا الدرس -أيها الإخوة الكرام- عن بناء الكعبة، والكعبة بيت الله الحرام، وهي أول بيت وضع للناس، وسميت كعبة من الكعوب وهو الظهور؛ ولذلك سمى الله عز وجل الفتيات اللائي في الجنة: كواعب، قال سبحانه: وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:33]، والفتاة الكاعب: هي التي ظهر نهداها، وكذلك العظمان الناتئان الظاهران عند مفصل الساق مع القدم يسميان كعبين، فسميت الكعبة كعبة: لأنها ظاهرة بارزة على وجه الأرض، وهي أول بيت وضع للناس كما أخبر ربنا جل جلاله في كتابه.
أول من بنى الكعبة
وهذه الكعبة التي جعلها الله قياماً للناس اختلف المؤرخون في أول من بناها:
فقال بعضهم: أول من بنى الكعبة الملائكة عليهم السلام، وذلك أنهم لما أخبرهم ربنا بأنه خالق بشراً من طين وقالت الملائكة: يا ربنا! أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[البقرة:30]، فالله عز وجل قال للملائكة: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].
فالملائكة استغفروا ربهم من هذا السؤال الذي طرحوه، وطافوا حول البيت المعمور في السماء السابعة يستغفرون الله مما قالوا، فقال الله لهم: ( ابنوا لي بيتاً في الأرض، من عصاني من عبادي ثم أتاني تائباً وطاف به غفرت له )، فبنت الملائكة الكعبة المشرفة.
وبعض المؤرخين يقولون: أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام، فإنه بعدما أهبط إلى الأرض أمر بأن يبني لله بيتاً، فبنى البيت الحرام في مكة، ثم لما كان في زمان نوح وغمر الطوفان الأرض غمر الكعبة المشرفة فذهبت معالمها وضاعت، إلى أن جاء الخليل عليه السلام فأمره الله عز وجل بأن يرفع القواعد من البيت، فـإبراهيم عليه السلام حفر حتى وجد القواعد، ثم رفعها وأظهر هذا البناء بمعونة ولده إسماعيل، وبعدما فرغا توجها إلى الله بالدعاء: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:127-128].
إعادة قريش بناء الكعبة ودور النبي في ذلك
ثم بعد ذلك هدمت الكعبة، ثم بناها العمالقة، ثم هدمت وبنتها قبيلة جرهم، ثم لما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما زال شاباً لم يوح إليه بعد، حديث السن، تهدمت أجزاء من الكعبة، فاتفقت قريش على أن تهدمها ثم تعيد بناءها، واشترطوا ألا يدخل في هذا البناء مهر بغي، ولا مال مغصوب، ولا مال من ربا.
ولما أرادوا أن يهدموها وجدوا حية عظيمة قائمة عليها، ففزعوا وروعوا وضجوا إلى الله بالدعاء، ومعلوم بأن المشركين كانوا يدعون، وكانوا يحلفون، وكانوا يحجون، وكانوا يطوفون، لكنها عبادات مشوبة بطقوس شركية، فدعوا الله عز وجل فأرسل الله طائراً أنشب مخالبه في تلك الحية ثم حملها وألقاها عند أجياد -بعض جبال مكة- بعيداً عن الكعبة، ثم شرعوا في هدمها وإعادة بنائها مرة أخرى.
لما وصلت قريش في البناء إلى مكان الحجر الأسود الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نزل من السماء أبيض فسودته خطايا بني آدم)، والذي أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم (بأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان، تشهد لمن استلمه بحق). فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود اختصمت قريش من الذي ينال شرف وضعه في مكانه، حتى ثاروا إلى السلاح وتحالفت بنو مخزوم وبنو عدي، وأتوا بقصعة من دم فغمسوا فيها أيديهم، لكن بعض عقلائهم قالوا: نحكم أول من يدخل علينا المسجد الحرام نحكمه، فكان أول داخل بفضل من الله ونعمة محمد صلى الله عليه وسلم، فصاح القوم: قد جاء الأمين، قد جاء الأمين.
وكان معروفاً عندهم صلوات ربي وسلامه عليه بالأمانة، فعرضوا عليه الأمر، فهداه الله عز وجل لحيلة مشروعة ووسيلة طيبة تحقن بها الدماء، ويرضى بها الجميع، قال: ( ائتوني بثوب، فجيء له بثوب، فبسطه ثم حمل الحجر فوضعه فيه، وقال: ليأخذ كل فخذ بطرف من الثوب ) يعني: بنو هاشم يأخذون طرفاً، وبنو عدي يأخذون طرفاً، وبنو مخزوم طرفاً، وبنو أمية بن عبد شمس يأخذون طرفاً، وبنو تيم يأخذون طرفاً، وبنو أسد، وهكذا كل فخذ من قريش أخذ بطرف، فاشتركوا جميعاً في حمله حتى أوصلوه إلى مكانه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعه.
وفي هذا دليل على أنه صلوات الله وسلامه عليه مفطور على الذكاء وسرعة البديهة، وحسن السياسة والرغبة في الوفاق وجمع الكلمة، وأنه أبعد الناس صلوات الله وسلامه عليه من الشقاق، وحب الخلاف وأن يذيع صيته ولو كان على حساب الدماء والأعراض.
وفي هذا تدريب من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم على أن يخوض في أمور الناس اجتماعية وسياسية ودينية ويشارك فيها كلها صلوات ربي وسلامه عليه.
وهذه الكعبة التي جعلها الله قياماً للناس اختلف المؤرخون في أول من بناها:
فقال بعضهم: أول من بنى الكعبة الملائكة عليهم السلام، وذلك أنهم لما أخبرهم ربنا بأنه خالق بشراً من طين وقالت الملائكة: يا ربنا! أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[البقرة:30]، فالله عز وجل قال للملائكة: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].
فالملائكة استغفروا ربهم من هذا السؤال الذي طرحوه، وطافوا حول البيت المعمور في السماء السابعة يستغفرون الله مما قالوا، فقال الله لهم: ( ابنوا لي بيتاً في الأرض، من عصاني من عبادي ثم أتاني تائباً وطاف به غفرت له )، فبنت الملائكة الكعبة المشرفة.
وبعض المؤرخين يقولون: أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام، فإنه بعدما أهبط إلى الأرض أمر بأن يبني لله بيتاً، فبنى البيت الحرام في مكة، ثم لما كان في زمان نوح وغمر الطوفان الأرض غمر الكعبة المشرفة فذهبت معالمها وضاعت، إلى أن جاء الخليل عليه السلام فأمره الله عز وجل بأن يرفع القواعد من البيت، فـإبراهيم عليه السلام حفر حتى وجد القواعد، ثم رفعها وأظهر هذا البناء بمعونة ولده إسماعيل، وبعدما فرغا توجها إلى الله بالدعاء: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:127-128].
ثم بعد ذلك هدمت الكعبة، ثم بناها العمالقة، ثم هدمت وبنتها قبيلة جرهم، ثم لما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما زال شاباً لم يوح إليه بعد، حديث السن، تهدمت أجزاء من الكعبة، فاتفقت قريش على أن تهدمها ثم تعيد بناءها، واشترطوا ألا يدخل في هذا البناء مهر بغي، ولا مال مغصوب، ولا مال من ربا.
ولما أرادوا أن يهدموها وجدوا حية عظيمة قائمة عليها، ففزعوا وروعوا وضجوا إلى الله بالدعاء، ومعلوم بأن المشركين كانوا يدعون، وكانوا يحلفون، وكانوا يحجون، وكانوا يطوفون، لكنها عبادات مشوبة بطقوس شركية، فدعوا الله عز وجل فأرسل الله طائراً أنشب مخالبه في تلك الحية ثم حملها وألقاها عند أجياد -بعض جبال مكة- بعيداً عن الكعبة، ثم شرعوا في هدمها وإعادة بنائها مرة أخرى.
لما وصلت قريش في البناء إلى مكان الحجر الأسود الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نزل من السماء أبيض فسودته خطايا بني آدم)، والذي أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم (بأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان، تشهد لمن استلمه بحق). فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود اختصمت قريش من الذي ينال شرف وضعه في مكانه، حتى ثاروا إلى السلاح وتحالفت بنو مخزوم وبنو عدي، وأتوا بقصعة من دم فغمسوا فيها أيديهم، لكن بعض عقلائهم قالوا: نحكم أول من يدخل علينا المسجد الحرام نحكمه، فكان أول داخل بفضل من الله ونعمة محمد صلى الله عليه وسلم، فصاح القوم: قد جاء الأمين، قد جاء الأمين.
وكان معروفاً عندهم صلوات ربي وسلامه عليه بالأمانة، فعرضوا عليه الأمر، فهداه الله عز وجل لحيلة مشروعة ووسيلة طيبة تحقن بها الدماء، ويرضى بها الجميع، قال: ( ائتوني بثوب، فجيء له بثوب، فبسطه ثم حمل الحجر فوضعه فيه، وقال: ليأخذ كل فخذ بطرف من الثوب ) يعني: بنو هاشم يأخذون طرفاً، وبنو عدي يأخذون طرفاً، وبنو مخزوم طرفاً، وبنو أمية بن عبد شمس يأخذون طرفاً، وبنو تيم يأخذون طرفاً، وبنو أسد، وهكذا كل فخذ من قريش أخذ بطرف، فاشتركوا جميعاً في حمله حتى أوصلوه إلى مكانه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعه.
وفي هذا دليل على أنه صلوات الله وسلامه عليه مفطور على الذكاء وسرعة البديهة، وحسن السياسة والرغبة في الوفاق وجمع الكلمة، وأنه أبعد الناس صلوات الله وسلامه عليه من الشقاق، وحب الخلاف وأن يذيع صيته ولو كان على حساب الدماء والأعراض.
وفي هذا تدريب من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم على أن يخوض في أمور الناس اجتماعية وسياسية ودينية ويشارك فيها كلها صلوات ربي وسلامه عليه.
بعض إرهاصات البعثة النبوية
وأيضاً أيها الإخوة الكرام: لابد أن نذكر أن هناك إرهاصات حصلت ودلت على أن ظهور النبي المنتظر قد بات وشيكاً.
كان أهل الكتاب يحدثون الناس بأن نبياً قد أظل زمانه، يعني: حتى اليهود في المدينة كان إذا حصل بينهم وبين الأوس والخزرج نوع خلاف كانت اليهود تتوعدهم، وتقول لهم: يوشك أن يخرج نبي قد أظل زمانه نتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم.
يعني: كان اليهود يتوعدون أهل المدينة من الأوس والخزرج بأن النبي قد أوشك أن يخرج، وأننا معشر اليهود سنكون من أتباعه، وسنقتلكم معه قتل عاد وإرم.
سبحان الله! لما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم سارعت الأوس والخزرج إلى الإيمان به، وقال بعضهم لبعض: إنه النبي الذي تتوعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه.
وكفر اليهود الذين كانوا يحدثون الناس بخروج النبي كما قال الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89].
وأيضاً أيها الإخوة الكرام: لابد أن نذكر أن هناك إرهاصات حصلت ودلت على أن ظهور النبي المنتظر قد بات وشيكاً.
كان أهل الكتاب يحدثون الناس بأن نبياً قد أظل زمانه، يعني: حتى اليهود في المدينة كان إذا حصل بينهم وبين الأوس والخزرج نوع خلاف كانت اليهود تتوعدهم، وتقول لهم: يوشك أن يخرج نبي قد أظل زمانه نتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم.
يعني: كان اليهود يتوعدون أهل المدينة من الأوس والخزرج بأن النبي قد أوشك أن يخرج، وأننا معشر اليهود سنكون من أتباعه، وسنقتلكم معه قتل عاد وإرم.
سبحان الله! لما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم سارعت الأوس والخزرج إلى الإيمان به، وقال بعضهم لبعض: إنه النبي الذي تتوعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه.
وكفر اليهود الذين كانوا يحدثون الناس بخروج النبي كما قال الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89].
أيضاً: من الإرهاصات: ما حصل لـسلمان الفارسي ، وهذا الرجل كان من بلاد فارس، من أرض يقال لها: أصبهان، وهي معروفة إلى اليوم، من بلد يقال لها: جي، وكان على دين المجوسية، كان مجوسياً يعبد النار، قال: (وبلغ من اجتهادي في دين المجوسية أن جعلوني قاطن النار لا أدعها تخبو أبداً). يعني: من شدة اجتهاده جعلوه السادن الذي يجلس عند النار، كلما خبت فإنه يزيدها حطباً من أجل أن تستمر مشتعلة، فيسجد لها الساجدون، ويطوف بها الطائفون.
يقول سلمان رضي الله عنه: (وكنت أحب ولد أبي إليه) ، يعني: أبوه كان يحبه أكثر واحد من إخوانه.
يقول رضي الله عنه: (فأرسلني أبي إلى ضيعته يوماً) أبوه كان عنده مزرعة يخرج في كل يوم يتفقدها ويرجع، فشغل ببناء له، فقال له: يا بني! انطلق إلى تلك الضيعة ولا تتأخر، فإنك إن تلبثت لم يكن شيء أهم إلي منك. يعني: لو تأخرت ستشغلني عن أي شيء.
يقول سلمان رضي الله عنه: (فمررت بقوم يعبدون الله على دين النصرانية) مر بقوم نصارى في كنيسة لهم يتعبدون، قال: (فوقفت عندهم، وسمعت كلامهم، وأعجبني قولهم، فأرسل أبي في طلبي). أي: لما تأخر أرسل أبوه في طلبه.
قال: فلما جئت سألني؟ فأخبرته، وقلت له: وقفت عند قوم يقولون كذا، ويعبدون الله بكذا وكذا، قال لي: يا بني! لا يفتنوك، دينك خير من دينهم، قلت: لا والله! بل دينهم خير من ديني. يعني: أفصح بمكنون نفسه، فوضعه أبوه في القيد.
وهكذا دائماً الإنسان الضعيف ما يتحمل المراجعة، فوضعه في القيد.. أي: حبسه.
يقول سلمان رضي الله عنه: (فأرسلت إلى أولئك القوم) أي: أرسل رسولاً إلى أولئك النصارى قال لهم: (دينكم هذا أين هو؟ فأخبروه أنه في الشام)، وفعلاً مبدأ النصرانية من بلاد الشام؛ لأن المسيح عليه السلام ولد في فلسطين، إن كان قد ولد في الناصرة؛ ولذلك سمي النصارى نصارى، أو ولد في بيت لحم، الله أعلم، لكن مبدأ دين النصارى في بلاد الشام.
يقول سلمان رضي الله عنه.. وانتبهوا إلى هذا الكلام؛ لأنه دال على إنسان متجرد للحق، وإلا لو كان سلمان من طلاب الدنيا لجلس عند النار وهو غني ذو مال معظم عند أبيه وقومه، لكنه رضي الله عنه يريد الحق، يريد الله والدار الآخرة.
قال: (فما لبثت إلا يسيراً حتى عالجت قيدي) يعني: خلصت نفسي من القيد (ثم ذهبت إلى كبيرهم إلى حبرهم إلى راهبهم، فقال لي: لا أعلم أحداً بقي على دين النصرانية إلا راهب بعمورية) وعمورية في بلاد الترك، يعني: سيخرج سلمان من بلاد الفرس إلى بلاد الترك، قال: ( فذهبت إليه، وعرضت عليه أمري، وبقيت أخدمه فما رأيت رجلاً لا يدين بدين الإسلام خيراً منه)، يعني: كان رجلاً طيباً، على التوحيد وعلى الخير وعلى الزهد في هذه الدنيا.
قال: (فلما أدركته الوفاة قال: يا بني! لا أعلم أحداً بقي على ما أنا عليه إلا رجل بنصيبين. قال: فخرجت وأتيته، وكان شيخ سوء)؛ لأن بعض الناس يلبس لباس الدين، فيطيل لحيته، ويكور عمامته، ويتمتم بكلمات ولكن غرضه أن يحلب الناس حلباً، ولو استطاع أن ينزع اللقمة من أفواههم لفعل.
فهذا الراهب كان من هذا الصنف، يأمر الناس بالصدقة وبعد ذلك يكنزها لنفسه، لا يصل للفقراء منه شيء، يقول سلمان : (حتى بلغ ما عنده من الذهب والفضة سبع قلال) والقلال: جمع قلة من الذهب والفضة، وكان هذا الرجل قد دفنها.
قال: (فلما مات وجاء القوم ليدفنوه، قلت لهم: صاحبكم شيخ سوء) رجلكم هذا غير صالح، (كان يجمع منكم المال ثم يكنزه لنفسه، وإن شئتم دللتكم عليه، فدللتهم على المكان الذي دفن فيه ذلك المال، فأخرجوه ثم أسندوه إلى جدار ورجموه بالحجارة).
أي أن الراهب الذي كانوا يريدون أن يدفنوه ويحتفلوا به أسندوه إلى جدار ورجموه بالحجارة.
يقول سلمان رضي الله عنه: (ثم انطلقت إلى بلاد الشام، فوجدت راهباً مكثت عنده، فلما أدركه الموت قلت: إلى من تعهد بي؟ فقال: يا بني! ما بقي أحد على دين المسيح بن مريم ، ولكن قد أظل زمان نبي يوشك أن يخرج، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة. قلت: وأين هو؟ قال: في بلاد العرب في أرض سبخة ذات نخل بين حرتين) حدد له المكان.
بقي سلمان رضي الله عنه همته معلقة بأن يبلغ بلاد العرب، لكنه مكث في الشام إلى أن صار عنده غنيمات وبقرة، صار عنده رأس مال، قال: (فقدم قوم من التجار العرب، فلما أرادوا أن يرجعوا قلت: اذهبوا بي إلى بلادكم ولكم هذه الغنيمات والبقرة)، أي: الغنم والبقر لكم لكن أبلغوني بلاد العرب، قال: (فصحبوني حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني عبداً) أي: بعدما أخذوا الغنم والبقر وصلوا إلى مكان اسمه وادي القرى، وكان اليهود فيه كثيرين فقالوا لهم: اشتروا منا هذا العبد، فباعوه عبداً رقيقاً وهو الحر الكريم رضي الله عنه.
قال: (فبقيت عند سيدي اليهودي أعمل في زرعه، وبينما أنا أعمل يوماً إذ أتى قوم من يثرب فباعني لهم). انظروا كيف يقدر الله الأسباب، جاء يهود من المدينة واشتروا سلمان من اليهودي الذي في وادي القرى.
يقول رضي الله عنه: (فلما بلغت يثرب نظرت إليها فعرفتها)، عرف أن هذه هي الأرض التي وصفها الراهب، أرض سبخة، أي: كثيرة الحجارة السود، كثيرة النخل بين حرتين.
يقول رضي الله عنه: (فصرت أعمل عند اليهودي، وبينما أنا أعمل يوماً إذا أتاه يهودي فقال له: قاتل الله بني قيلة، اجتمعوا في قباء على رجل قدم من مكة يزعم أنه نبي)، اليهودي يكلم اليهودي يقول له: الأوس والخزرج اجتمعوا في قباء، على رجل جاء من مكة يقول: إنه نبي.
يقول سلمان رضي الله عنه: (فأخذتني رعدة) ارتعد، (قلت له: ماذا قلت؟ قال: فرفع سيدي يده فلطمني، وقال لي: ما شأنك؟ ارجع إلى عملك) أي: لا دخل لك في كلام الكبار.
يقول سلمان: (فقال لي اليهودي: لا شيء وإنما قول سمعته أحببت أن أتثبت منه. فلما جن الليل وانتهى عمل سلمان قال: (أخذت طبقاً من تمر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقربت إليه التمر، فقال لي: ما هذا؟ قلت: صدقة. فقال لأصحابه: كلوا، وكف يده، ما طعم منه شيئاً، فقلت: هذه والله واحدة. قال: فلما كانت الليلة التي تليها أخذت طبقاً من تمر ثم أتيته فقال: ما هذا؟ قلت: هدية. فقال لأصحابه: كلوا باسم الله وأكل معهم، قلت: هذه والله ثانية).
بقيت الثالثة: وهي خاتم النبوة؛ وهذه مشكلة لأنها في الظهر، وليس من الأدب ولا من الحكمة أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: اكشف لي عن ظهرك هناك شيء أريد أن أتأكد منه، لكنه مجتهد رضي الله عنه، بدأ يراقب أحوال النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن خرج في جنازة إلى بقيع الغرقد، فخرج معهم، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان القبر يحفر أن يجلس ويجلس حوله أصحابه كأن على رءوسهم الطير، يعني: يجلسون في صمت وفي حزن واعتبار وتفكر، ليس كما نصنع في مقابرنا الآن، القبر يحفر والميت يدفن والناس حلقاً حلقاً، هؤلاء يقهقهون، وهؤلاء يدخنون، وهؤلاء يسفون عليه التراب.
كانوا يجلسون حوله كأن على رءوسهم الطير، وبدأ سلمان يدور حول النبي عليه الصلاة والسلام، يعني: يأتي مرة من هاهنا ومرة من هاهنا، والنبي عليه الصلاة والسلام أذكى الناس، أدرك أن هذا الرجل يبحث عن شيء، (فألقى رداءه عليه الصلاة والسلام، فظهر خاتم النبوة، فأقبل سلمان يقبل كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبكي. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: تحول يعني: تعال قدام. ما شأنك؟) فحكى له الأمر كله منذ أن خرج من أصبهان، من جي، في أقصى المشرق إلى أن مر بعمورية ونصيبين وبلاد الشام، ووادي القرى إلى أن وصل المدينة وبيع عبداً رقيقاً، ومن ذلك اليوم صار سلمان ابن الإسلام.
إلى الآن لو سألنا أي واحد: سلمان ابن من؟ هل أحد يعرف أباه؟ لا، لقد نسي ما كان في فارس، ولذلك أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( سلمان سابق الفرس، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبشة، وأنا سابق العرب ) يعني: أول مسلم من العرب الرسول عليه الصلاة والسلام، وأول مسلم من الحبش بلال، وأول مسلم من الروم صهيب ، وأول مسلم من الفرس سلمان عليهم جميعاً رضوان الله عز وجل.
كذلك من الإرهاصات: ما كان من شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إني لعند نصب من أنصاب المشركين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر، إذ أتى رجل بعجل فذبحه، فخرج من جوف العجل صوت ما سمعت أنفذ منه، يقول: يا نجيح! رجل فصيح، قائل يصيح : لا إله إلا الله).
عمر رضي الله عنه سمع هذا من جوف العجل، ولعل الناطق جني، والعلم عند الله تعالى.
من الإرهاصات أيضاً: جاء في كتب أهل الكتاب أن من صفة نبينا عليه الصلاة والسلام أنه يسبق حلمه غضبه، وأنه لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فهو عليه الصلاة والسلام حليم وليس بغضوب، وأنه كلما ازداد الجاهل عليه جهلاً ازداد حلماً عليه الصلاة والسلام، ومن أجل معرفة هذه العلامة جاء رجل من اليهود يقال له: زيد بن سعنة أو زيد بن سعية يريد أن يختبرها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد استسلف منه أصوعاً من شعير، يعني: كان عنده أضياف فطلب منه عليه الصلاة والسلام أن يسلفه شيئاً من الشعير، ووعده بأن يرده إليه في يوم كذا، وقبل أن يحين موعد تقاضي الدين جاء اليهودي للنبي صلى الله عليه وسلم على ملأ من الناس وأمسك به وأخذه أخذاً شديداً وقال: يا محمد! قم وفني حقي فإنكم يا بني عبد المطلب! قوم مطل، أي: قوم تأكلون حقوق الناس، ناس مماطلين فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمسك باليهودي وطرحه أرضاً وقعد على صدره، يعني: بعد دقائق اليهودي سيكون مقتولاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: ( مه يا عمر! كنت أنا وهو أحوج إلى غير هذا منك، قال: وما ذاك؟ قال: تأمره بحسن الطلب، وتأمرني بحسن القضاء، ثم قال له: اذهب وفه حقه وزده عشرين صاعاً؛ جزاء ما روعته ) والعشرون الصاع حوالي خمسين كيلو جرام، الآن لو أن واحداً استسلف منك مالاً، أخذ منك مائة جنيه، ثم جاء وقال لك: أنت رجل طيب، أنت أعطيتني مائة فخذ مائة وخمسين، تحبه أم تبغضه؟ ولو جاءك غداً وقال لك: أريد ألفاً؟ ستعطيه وتقول وفي نفسك: إن شاء الله يردها ألفاً وخمسمائة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لـعمر : ( اذهب وفه حقه، وزده عشرين صاعاً؛ جزاء ما روعته )؛ لأنك خوفته، فذهب عمر وأعطى الرجل وزاده، فجاء اليهودي وقال: ( يا محمد! لقد عهدت فيك أخلاق النبوة كلها إلا خلقاً واحداً ما عهدته إلا الساعة: أن حلمك يسبق غضبك، وأن شدة الجهل لا تزيدك إلا حلماً، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله)، هذه أيضاً مما كان موجوداً في كتب أهل الكتاب.
ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( متى نبئ؟ أخبر بأنه كان نبياً وإن آدم بين الروح والجسد )، أي: في علم الله الأزلي كان صلوات ربي وسلامه عليه نبياً.
أيها الإخوة الكرام! قبل أن ينبأ عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى غار حراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، وغار حراء إلى الآن موجود في مكة، والوصول إليه يستغرق صعوداً في الجبل نحواً من ساعة، والنبي عليه الصلاة والسلام وهو الفتي القوي على أمر الله كان يذهب إلى ذلك الجبل يخلو بربه، ويتأمل في ملكوت السموات والأرض، ويعلم بفطرته النقية أن لهذا الكون خالقاً مدبراً، وأنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، وأنه غني عن العالمين، يمكث عليه الصلاة والسلام وحده أياماً ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حبب إليه الخلاء والبعد عن الناس.