فقه أحاديث الصيام [8]


الحلقة مفرغة

المقدم: الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده.

أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيهلاً بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم اليومي: فقه أحاديث الصيام، أرحب في مطلع هذا الحلقة بضيف البرنامج صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ المشارك في قسم الفقه المقارن، في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، باسمكم وباسم فريق العمل أرحب بفضيلته فأهلاً ومرحباً بكم صاحب الفضيلة!

الشيخ: حياكم الله يا شيخ ناصر ! وحيا الله المستمعين والمستمعات.

المقدم: صاحب الفضيلة! الحديث متصل حول المنافذ إلى المعدة، إن أذنتم بإعادة ما ذكرناه من المنافذ الثلاثة، ثم نجمل أيضاً ما بقي من المنافذ.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد: فقد تحدثنا سابقاً عن المنافذ التي تدخل المعدة، أو ما تدخل إلى الجوف على خلاف بين ابن تيمية رحمه الله وبعض المعاصرين، وعلى قول بعض الفقهاء الذين قالوا: إن كل ما يدخل الجوف إما إلى الدماغ أو إلى الحلق أو إلى المعدة أو إلى التجويف الباطني، فإنهم يرون أنه يفطر كما هو مذهب أبي حنيفة و الشافعي و أحمد و مالك فإذا وصل إلى الحلق والمعدة من باب أولى عند الجميع.

وقلنا: إن الراجح والله أعلم: أن الجوف إنما هو المعدة أو الجهاز الذي يمتص الغذاء لينتفع منه البدن، وعلى هذا فقد ذكرنا المنفذ الأول: وهو الفم، وذكرنا بخاخ الربو والأقراص الذي توضع تحت اللسان، وكذلك تكلمنا عن الأكسجين، وقلنا: إن الراجح في هذه كلها أنها لا تفطر الصائم لأمور:

الأمر الأول: لأن هذا مما تعم به البلوى ويحتاجه المريض.

الأمر الثاني: أن الفقهاء رحمهم الله أجمعوا على أن ثمة أشياء لا بأس بها ولا تفطر مثل: المضمضة، فإذا تمضمض الإنسان ومجها فإن قطرات الماء تبقى في جدار الفم، وهي أكثر بكثير مما يدخل الجهاز الهضمي أو المعدة، مما يشك في دخوله أو عدم دخوله، فلو قلنا: إنه يدخل فإنه أقل بقليل من المضمضة.

المنفذ الثاني: تحدثنا عن الأنف، وقلنا: إن له منفذاً، وعليه إجماع الفقهاء وإجماع الأطباء، وقلنا، أيضاً: إن قطر الأنف الأولى ألا يقطر الإنسان في أنفه؛ لأن لها منفذاً، لكن لو فعل فإنه يستنثر، وذلك لا يفطر الصائم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )، فلو بالغ الصائم ولم يقصد الفطر، فإننا قلنا: إن ذلك مكروه ولا يعد مفطراً كما هو مذهب الحنابلة وغيرهم، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية .

المنفذ الثالث: العين، وذكرنا أن الراجح -والله أعلم- أنه ليس للعين منفذ إلى المعدة، وما يذكره الفقهاء أن قطرة العين إذا وجد طعمها في حلقه أنها تفطر، قلنا: إن الراجح والله أعلم أن ذلك لا يفطر، ولكن إذا وجد طعمها واستطاع أن يمجها فهذا هو الواجب في حقه، ولكننا نعلم أن وجود الطعم في الحلق ليس دلالة على أن لها منفذاً؛ لأن الطعم قوة نفوذ البدن وقوة نفوذ الأعصاب، وقوة نفوذ الشعيرات الدموية في الحاسية على الطعم لا لأن هذا الطعم، نفسه دخل إلى الحلق ومن ثم إلى المعدة.

المقدم: أحسن الله إليكم! ما هو المنفذ الرابع إلى المعدة؟

الشيخ: المنفذ الرابع: هو الأذن، فإن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا قطر الإنسان في أذنه ووجد طعمه في حلقه فإنه يفطر الصائم، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وقلنا: إن الراجح والله أعلم أن الذي يفطر هو ما يصل إلى المعدة.

وعلى هذا فإن الأطباء يقولون: إن الأذن ليس لها منفذ إلى المعدة، إلا في حالة وجود خرق في الأذن الوسطى، فإذا حصل مرض في مثل هذا فإنه ربما يصل إلى المعدة، وعلى هذا فالإنسان الطبيعي والإنسان السليم إذا قطر في أذنه لأجل ألم فيها، فإن الأصل فيه أنه لا يفطر الصائم، وكما قلنا مراراً وتكراراً: إن وجود الطعم ليس دلالة على أن الأذن منفذ إلى المعدة، وهذا أمر معلوم بين، كما بينا أن وضع الصبغة تحت قدمي الشخص أو فوق رأسه فإنه يجد طعمها في حلقه، فإن ذلك ليس دلالة على أن للرأس منفذاً إلى المعدة.

المقدم: أحسن الله إليكم. بعض الدهونات تكون لها رائحة نفاثة تطير إلى الحلق، وكذلك بعض العطورات، فهل يمكن أن نقول قاعدة عامة هنا: ما وجدت من طعم -أيها الصائم! أو أيتها الصائمة- في حلقك فمجيه ولا جناح عليك؟

الشيخ: الطيب الذي نسميه البخاخ ليس هو الذي له جرم، مثل: العود هذا، لكن نحن نتكلم عن الطيب العادي أو الدهن العود، الدهن العود هذا بإجماع الفقهاء كما ذكر ذلك أبو العباس أنه لا يفطر، وعلى هذا فالطيب الذي يتطيب به الإنسان لا يفطر، والكريمات كذلك بإجماعهم، ووجود الرائحة النفاثة فيه ليست دالة على أن لها منفذاً كما قلنا، ووجود شيء في الحلق إنما هو من قوة الشعيرات الدموية، وقوة نفوذ الجسم عليها، والحلق واللسان هو المكان الذي يحس به الصائم، أو يحس به الإنسان لقوة نفوذه، وهو من الحواس التي يعرفها الأطباء في ذلك.

المقدم: أحياناً يعمد الصائم أو الصائمة إلى الفرشاة والمعجون فبعض المعاجين تكون نفاذة طيارة، تبقى حتى لو استعمله قبل سحوره، فيجد أن طعمه مازال في فمه، فهل يقال: يمجه مرة أو مرتين ويكفي، حتى لا يدخل في الوسوسة أيضاً، أم ماذا يفعل؟

الشيخ: مسألة معجون الأسنان هذا فإن قوة النفوذ فيه ليست دلالة على أن له جرماً يدخل إلى الجوف، وإنما هي قوة الرائحة. هذه نقطة.

النقطة الثانية: أن العلماء رحمهم الله لا يرون في المعجون بأساً، وقد بوب البخاري في صحيحه وذكره معلقاً بصيغة الجزم عن محمد بن سيرين أنه لا بأس بالسواك ولو وجد طعمه، فهذا يدل على أن وجود الطعم ليس دلالة على أن له جرماً، فهذه قوة نفوذ وقوة رائحة، فما يجده الصائم بعد فرشاة الأسنان ولو كان ذلك قبل الأذان، فإن ذلك لا بأس به. والله أعلم.

المقدم: أحسن الله إليكم، ذكرنا المنافذ الأربعة فما هو المنفذ الخامس إلى المعدة؟

الشيخ: المنفذ الخامس: يقول العلماء: هو القبل، ومع ذلك فقد اختلف الفقهاء المتقدمون رحمهم الله، هل للقبل منفذ إلى الجوف أم لا؟

فذهب أبو حنيفة وهو رواية عند الحنابلة إلى أنه ليس للقبل منفذ إلى المعدة، وهذا يؤيده الطب الحديث، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية .

وعلى هذا فالراجح والله أعلم: أن القبل ليس له منفذ إلى المعدة، وعلى هذا فالتحميلات التي يضعها المريض الذي به مرض البروستات -نسأل الله أن يشفينا وإياهم وجميع المسلمين- ليس بها بأس ولو كان الإنسان صائماً؛ لأن القبل ليس له منفذ إلى المعدة، والمثانة إنما هي طريقة التبول فيها عند الأطباء، وهي عن طريق التكثف وعن طريق الرشح، الذي يبقى في جدار المثانة ليتبوله الإنسان عن طريق الصمام أو العضلة التي يعرفها الأطباء في هذا الباب.

المقدم: أحسن الله إليكم، فما هو المنفذ السادس إلى المعدة؟

الشيخ: المنفذ السادس هو: الدبر، فإن أكثر الفقهاء، يرون أن وجود التحميلات -على ما نسميها نحن في واقعنا المعاصر وكلام الأطباء- مفطر للصائم، قالوا: لأن المرء يجد طعمها أو لها منفذ إلى المعدة.

والطب الحديث يثبت أن الدبر ليس له منفذ إلى المعدة، وبعض الأدوية التي تكون عن طريق الدبر إنما هي نوع تمتصها الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة، وامتصاصها إنما ينتفع بها البدن مثل انتفاعه بالأكل والشرب، فإذا وجدت بعض الأدوية التي ينتفع منها المريض أو الصائم مثل انتفاعه في الأكل والشرب عن طريق الدبر فإنه يفطر الصائم، أما التحميلات التي لاستطلاق البطن أو لإزالة الحمى والحرارة، فإن هذه لا بأس بها، والله تبارك وتعالى أعلم.

وكذلك نقول: إن المنظار الذي يضعه المريض فإن كان ليس فيه دهان أو فيه دهن بسيط جداً فإن الأقرب والله أعلم أنه لا يفطر، وإن كنا نقول للأطباء: الأولى ألا تبقوا على جدار الأنبوب نوعاً من الدهان؛ لأجل ألا تترشح، ولأجل ألا تذوب في الأمعاء الدقيقة أو الأمعاء الغليظة فيستفيد منها المرء، كما يستفيد من الأكل والشرب. والله تبارك وتعالى أعلم.

المقدم: أحسن الله إليكم، ما هو المنفذ السابع من منافذ المعدة؟

الشيخ: المنفذ السابع: هو عن طريق البدن، مثل: الأدهان، ومثل: الإبر الأنسولين، ومثل: غسيل الكلى، نحن نقول: إن البدن ليس له منفذ بإجماع الأطباء، وهو الراجح وهو قول أكثر الفقهاء حيث قالوا: إن الإنسان إذا غرز شيئاً في بدنه فإن لم يصل إلى الدماغ ولم يصل إلى التجويف الباطني كالجائفة والمأمومة فإنه لا يفطر، وهذا مصداق قول الأطباء، ولو دخل إلى التجويف الباطني ولم يصل إلى المعدة فإن الراجح أنه لا يفطر الصائم.

وعلى هذا فإبر الأنسولين وكذلك الإبر التي تقوم بالعضل وليس يتغذى بها البدن فإن الراجح والله أعلم أنها لا تفطر، وهو قول أكثر الفقهاء المعاصرين، أما بعض الإبر التي تكون فيها مادة الجلوكوز يتغذى منها البدن وربما استغنى بها الإنسان عن الأكل والشرب، فإن هذه في معنى الأكل والشرب وهي تفطر، وهو قول أكثر الفقهاء المعاصرين.

تبقى مسألة: غسيل الكلى، ولا أريد أن أطيل في غسيل الكلى؛ لأن له برنامجاً مستقلاً، لكن لعلي أذكر فقط أنه بالنسبة لغسيل الكلى فمن المعلوم أن المحلول الذي يوضع في الدم لينقي الدم ويزيل الشوائب يوضع فيه ماء ويوضع فيه أحياناً مادة الجلكوز، فيكون هذا الدم قد غذي مثلما يتغذى الدم بالأكل والشرب، وعلى هذا فنقول: إن الأصل أن غسيل الكلى يفطر الصائم، وعلى هذا فإذا احتاج المريض إلى غسل الكلى فإنه إن استطاع أن يجعله في الليل فهذا هو الواجب، وإن لم يستطع مثل أن يكون بعض المواقيت التي قد وضعت في مستشفيات لا يتأتى إلا في النهار، فإننا نقول له: إن ذلك يفطر، وإذا كان هذا مرض لا يرجى برؤه فإنه ينقلب من الصيام إلى الإطعام، كما هو معلوم أن من كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه فإنه ينتقل من الصيام إلى الإطعام، ويكون كالمريض والشيخ الكبير.

نسأل الله أن يشفينا وإياهم، وجميع المسلمين.

المقدم: اللهم آمين، أحسن الله إليكم، وشكر الله لكم هذا البيان وهذا الإيضاح.

أذكر مستمعينا الكرام! بأن مزيداً من التفصيلات ستجدونها في برامج أخرى تعنى بذكر ما ذكره المعاصرون والعلماء حول بعض القضايا المعاصرة، شيخنا الجليل ذكر هذه المنافذ أو تلكم المنافذ السبعة إلى البدن: الفم، الأنف، العين، الأذن، القبل، الدبر، البدن، ذكرها بإجمال وذكر بعض الأمثلة وما يمكن أن يستشهد به من الأمثلة المعاصرة حتى يتضح المقال لك أخي المستمع وأختي المستمعة.

ونحن على وعد إن شاء الله بذكر شيء مما يخص المفطرين ممن تناولوا شيئاً من المفطرات سواء كان ذلك التناول عن طريق مرض أو عرض أو لأمر آخر كسفر ونحوه، مزيداً من التفصيلات بإذن الله تأتيكم إن شاء الله تباعاً عبر هذا البرنامج في حلقاته القادمة وأنتم على خير.

أختم هذا اللقاء كما بدأت به بالشكر والعرفان لشيخنا الجليل بعد شكر الله جل في علاه، أشكر صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي ، الأستاذ المشارك في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، على ما أجاد وأفاد، وأشكر لكم استماعكم وإنصاتكم، لقائي بكم وبشيخنا الجليل يتجدد في الغد وأنتم على خير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.