شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [13]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير, والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى, أما بعد:

أدلة استواء الله على عرشه

فقد توقف بنا الكلام عند قول الشيخ رحمه الله: [على العرش استوى, وعلى الملك احتوى], وعرفنا بأن استواء ربنا جل جلاله على عرشه قد أخبر عنه ربنا في سبعة مواضع من كتابه الكريم, ففي سورة الأعراف قول ربنا جل جلاله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[الأعراف:54], وفي سورة يونس قول ربنا جل جلاله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ[يونس:3].

وفي سورة الرعد قول ربنا جل جلاله: اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[الرعد:2], وفي سورة طه قول ربنا جل جلاله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه:5], ثم في سورة الفرقان قول ربنا جل جلاله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59], ثم في سورة السجدة: اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4], ثم في سورة الحديد قول ربنا جل جلاله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4].

هذه سبعة مواضع في القرآن أخبر فيها ربنا جل جلاله بأنه استوى على العرش, والاستواء كما فهمه سلفنا من كلام العرب أنه بمعنى علا وارتفع, فهو سبحانه وتعالى له صفة العلو بأنواعها الثلاثة: علو الذات, وعلو القدر, وعلو القهر.

الرد على من زعم أن (استوى) بمعنى: استولى

وكما قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله: وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية بأن قوله تعالى: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54], معناه: استولى وملك وقهر.

قال: ولو كان الأمر كما قالوا لما كان بين العرش وبين الحشوش والمزابل اختلاف؛ لأن الله عز وجل هو مالك كل شيء.

لو كان استوى على العرش بمعنى استولى وملك, لما كان بين العرش وبين الأرض السابعة اختلاف؛ لأننا نقرأ في القرآن آيات تدل على أن الله عز وجل مالك كل شيء ومليكه, كقوله سبحانه: وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:189]، وقوله تعالى: وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ [المائدة:18]، وقوله تعالى: للهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، وقوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1], ونقرأ في القرآن: وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111]، وأيضاً قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا[فاطر:40]، وقال سبحانه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22].

فهذه المواضع وغيرها تدل على أن الله عز وجل هو مالك كل شيء, فلو كان قوله تعالى: (استوى) بمعنى استولى وملك كما يقولون, لما أفادت الآية معنى جديداً, وكلام الله عز وجل منزه عن التكرار المجرد عن الفائدة؛ ولذلك نقول بأن استوى هنا بمعنى علا وارتفع.

ولذلك بعدما قال: على العرش استوى قال: [وعلى الملك احتوى], من أجل أن ينفي ما قاله أولئك الخائضون في كتاب الله بغير علم.

فقد توقف بنا الكلام عند قول الشيخ رحمه الله: [على العرش استوى, وعلى الملك احتوى], وعرفنا بأن استواء ربنا جل جلاله على عرشه قد أخبر عنه ربنا في سبعة مواضع من كتابه الكريم, ففي سورة الأعراف قول ربنا جل جلاله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[الأعراف:54], وفي سورة يونس قول ربنا جل جلاله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ[يونس:3].

وفي سورة الرعد قول ربنا جل جلاله: اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[الرعد:2], وفي سورة طه قول ربنا جل جلاله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه:5], ثم في سورة الفرقان قول ربنا جل جلاله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59], ثم في سورة السجدة: اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4], ثم في سورة الحديد قول ربنا جل جلاله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4].

هذه سبعة مواضع في القرآن أخبر فيها ربنا جل جلاله بأنه استوى على العرش, والاستواء كما فهمه سلفنا من كلام العرب أنه بمعنى علا وارتفع, فهو سبحانه وتعالى له صفة العلو بأنواعها الثلاثة: علو الذات, وعلو القدر, وعلو القهر.