أرشيف المقالات

الشرك والكفر متلازمان

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
الشِّرك والكفر متلازمان
الوصية الأولى: الإيمان بالله تعالى وعدم الشرك به (3)
ذلكم وصاكم به (الوصايا العشر)

الشرك والكفر متلازمانِ وقد يفترقان بعض الشيء في اللغة؛ لأن الكفر يعني الجحود والنكران؛ أي: جحود الخالق ونكران وجوده، أو جحود نعمه ونكرانها، أما الشرك: فهو أن يجعَل المشركُ لله ندًّا؛ كالشريك، والصاحب، والولد، أو غير ذلك من الأوثان والأصنام، وهذا توضِّحُه الآيةَ الكريمة؛ قال تعالى: ﴿ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾ [غافر: 41، 42]، وفي آية أخرى ورَدَا أيضًا متلازمين؛ لأن محصلتَهما واحدة، وهي إنكار وحدانية الله تعالى، أو إنكار وجوده، وعقابهما واحدٌ، وهو الخُلد في نار جهنم؛ قال تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 151]، وقال أيضًا: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [التوبة: 17].
 
فمن هذا نستنتج أن الشركَ والكفر متلازمان، وإن اختلف اللفظ، فنتيجة كلٍّ منهما النار.
 
بعض أهل الشرك:
واستكمالاً للموضوع عن الشرك نبيِّنُ في هذا المقام بعض الوالغين في الشرك، سواء اعترفوا بما يصنعون أم أنكروا ذلك، فمن هؤلاء:
أ- اليهود:
من المعروف أن اليهودَ أقدمُ من النصارى، وقد تعرَّضوا عبر التاريخ لمِحَن كثيرة، كما وافتهم أيام رخاء وسعة كبيرة، وذلك حسَب إيمانهم وتمسكهم بكتاب ربهم، فكانوا أهلَ ابتلاء وامتحان كلما مالوا عن سبيل الحق والرشاد، وتنوَّع امتحانُهم عبر التاريخ، من امتحان شديد وكرب عظيم؛ كما هو في عهدِ فرعون، وفي غزو بختنصَّر لهم، إلى أدنى من ذلك وأقل، وفي عهودِ إقامة دول قوية، كما في عهد طالوت وداود وسليمان، إلى عهود الدول الهزيلة، وأوقات الضعف والتشرذم والقطيعة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 2] وقال أيضًا: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [الإسراء: 4 - 6]، وكان هذا التبدُّل في حالهم بسبب ذنوبهم؛ لذلك توعَّدهم الله بمزيد من العذاب إن عادوا إلى النُّكران والعصيان، فقال تعالى: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 8].
 
وقبل بَعْث عيسى عليه السلام إليهم، وصَلوا إلى حالة من الضلال كبيرة، وبغَوا وانقسموا إلى شِيع وأحزاب، وغيَّروا وبدلوا في دين الله، واعتدَوا على الأنبياء بالقتل والتنكيل، فكان حالهم بعد أن كانوا خيرَ أمة أخرجت للناس، حالَ شرِّ أمة، وأتعسِ أمة أخرجت للناس، ولقد أمَلوا بعد تفرقهم في التجمُّعِ تحت راية النبي المنتظر، وكانوا يتوعَّدون من يعتدي عليهم باليوم الذي يظهرُ فيه النبي المنتظر ليقتلوا الكافرين قتل عاد وإِرَمَ، ولكن ماذا كان موقفهم يوم ظهر وعلموا به وتثبتوا من أمره؟ أضلهم الشيطان عن الحق وعن اتباع هذا النبي بغيًا، وحبًّا للدنيا، وكرهًا للعرب، ولطبيعة في نفوسهم من حب الدنيا وشهواتها، والانعتاق من كل التزام يشيع الحياة الكريمة في ظل قوانين الله العادلة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 101]، وقال أيضًا في السورة نفسها: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89]؛ فهذا دليلٌ صريح على كُفْر هؤلاء، زِدْ على ذلك أقوالَهم واعتقادهم في الله ما لا يكون، وقد أخبر الله عنهم في كتابه فقال: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، وقالوا أيضًا: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ [المائدة: 64].
 
فأيُّ شيء أكبر عند الله مِن أن يجعلوا له شريكًا أو ولدًا أو ندًّا؟!
أو أن ينتقصوا من صفاته، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
 
ولقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الطريق الذي يجب أن يسلكه أهل الكتاب ليكونوا على هدى، فقال: ((والذي نفسُ محمد بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمِنْ بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النارِ))[1]، وبالمقابل فقد أجزل الثواب لأهل الكتاب إذا آمنوا، ففي الحديث الذي يرويه مسلم قال: ((ثلاثةٌ يؤتَوْن أجرَهم مرتين، رجلٌ من أهل الكتاب آمَن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمَن به واتبعه وصدقه، فله أجران، وعبدٌ مملوكٌ أدَّى حق الله تعالى وحقَّ سيده، فله أجران، ورجلٌ كانت له أمَةٌ فغذاها فأحسن غِذاءها، ثم أدَّبها فأحسن أدبها، ثم أعتقها وتزوَّجها، فله أجرانِ))[2].
 
لكن طبيعة اليهودي تأبى أن تكونَ سوية إلا ما ندر منهم، فلو تتبعنا تاريخَهم منذ بعث موسى رسولاً إليهم إلى بقيتهم من يهود المدينة، لَرأيناهم يحُومون مرارًا حول الشرك، ويقعون فيه، فبعد نجاتهم من فرعونِ مِصْرَ، وعبورهم البحر، رأَوا أقوامًا يعكُفون على أصنام لهم فقالوا لنبيهم: ﴿ يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، ولَمَّا وعَظهم وبين لهم خطأ ما يقولون، وأن هؤلاء الذين يعكفون على الأصنام في درجة منحطة من التفكير: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 139]؛ أي: مكسَّر ما هم فيه، ومهلِك لهم، أما أنتم فتَسْمُون عليهم بعلمكم وعبادتكم لله الواحد، ولكن هذا لم يُفِدْهم شيئًا، بل استغلوا فرصة غيابِه لتلقِّي الألواح، فصنَعوا عِجلاً وعبدوه، كما أنهم لم يكونوا أهلَ صبر في الدعوة، فنَفَسُهم في ذلك قصير، يرضَوْن بالذل والعبودية تحت أقسى الظروف وأشدِّها تأثيرًا على الدِّين والعِرض، وعلى البَذْل والجهاد والتحمُّل؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، فقالوا لموسى: ﴿ أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾ [الأعراف: 129].
 
ولما طلَب منهم قتال أهل أريحا، ليفتحوا البلد، ويكونوا عليها سادة، رفَضوا ذلك: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ولَمَّا وصل حالهم إلى الكفر، وقتلِ الأنبياء، سلَّط الله عليهم ذلاًّ وتشردًا إلى يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61]، وتذكُر كتبُ التاريخ المِحَن التي تعرَّض لها اليهود؛ ففي سنة 586 قبل الميلاد غزاهم "بختنصر"، واستولى على بيت المقدس، ودمر الهيكل، وتشرَّدوا، وفرَّ قسم منهم إلى اليمن، وفي سنة 70 ميلادي دمر "تيتوس" الروماني أورشليم القدس، وتفرَّق اليهود، وفي ما بين سنوات (117-138) أيام حكم الإمبراطور الروماني "هدريان" مر اليهودُ بأقسى المحن وأشدِّها؛ حيث قُضِي على اليهود ككيان سياسي في فلسطين، وغُيِّر اسم المدينة المقدسة "القدس" إلى "إيليا"، وحُوِّل المعبد اليهودي إلى معبد روماني، سماه "جوبيتر"، وبِيعت النساءُ اليهوديات إِماءً، وضاع اليهود في غياهب التاريخ، ومن هؤلاء يهودُ يثرب، وهؤلاء أيضًا، أخرجهم المسلمونَ من المدينة بعد أن استفحَل شرُّهم، وظهر للعيان كفرُهم.
 
كل هذا القهرِ والضياع والذل كان بسبب كُفرهم، فأصبحوا الشعبَ البغيض في كل مكان بعد أن كانوا الشعبَ المفضَّل على العالَمين.
 
ب- النصارى:
والنصارى حرَّفوا دين عيسى عليه السلام الذي أتاهم به من عند الله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 116].
 
وهذه المُساءَلة من الله تعالى لعيسى عليه السلام تُبيِّن أن قومَه هم الذين بدَّلوا وحرفوا في دعوة عيسى عليه السلام، وأن عيسى عليه السلام أقرَّ بأنه أخبرهم بالذي أخبره اللهُ به، بأن الله واحدٌ لا شريك له، وهذا مبيَّنٌ في خطابه لقومه: ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 117]، وقال لهم أيضًا: ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 30]، وقال لهم أيضًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 51]، فماذا ادَّعوا هم كذبًا وافتراءً؟!
 
لقد جعلوا الإلهَ ثلاثة، الأب والابن ورُوح القدس، فأخبر الله بكُفر هذه الفئة: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ﴾ [المائدة: 73]، وقال أيضًا عن الذين ادَّعوا أن عيسى هو اللهُ: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 72].
 
لذلك، فإن دعوةَ الإسلام لأهل الكتاب هي مِن أجل تجديد إيمانهم، وتصحيحِ عقيدتهم؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].
 
جـ - المنافقون:
فئة ظهَرت في المدينة، وشجَّع اليهودُ على نموها وتفريخها؛ داعمين إياها بالمال والتأييد، وهذه الفئةُ مكَرَت أشدَّ المكر بالمسلمين، محاوِلةً توهينهم وزعزعتهم من الداخل؛ أي من داخل الصف، وسيلتُها في ذلك إظهارُ الإيمان، وإخفاء الكفر؛ وذلك ليتمكن هؤلاء من التغلغل في صفوف المسلمين، والتعرف عليهم على أنهم إخوة لهم، ثم بثِّ الفُرقة والأكاذيب بينهم، والوشاية والنميمة والتحريض والتهييج بعضهم على بعض، وقد وقَف النبيُّ صلى الله عليه وسلم حيالَ هذه الفئة موقفَ الناصح لهم، والمرغب لهم بالإخلاص، وترك ما هم عليه، وبالتهديد بالعقوبة في الآخرة لعلهم يرتدعون وينزجرون؛ لأنه لا يريد أن يقاتلَهم بتهمة النفاق، فيعود ذلك بالضرر على سمعة المسلمين، حين يشاع بأن محمدًا يقتُل أصحابه؛ فهم في الظاهر مسلمون، ولا يدرك الباطن والسرائر إلا الله، ومع أن الله سبحانه وتعالى أطلَعه عليهم وعلى مؤامراتهم، إلا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يستعملِ السيفَ ضدهم؛ لِما قدَّمنا، ولئلا يكون ذلك ذريعةً للمسلمين من بعده بالقتل على الشبهة، أو على التهمة بالنفاق، وربما يؤدي ذلك إلى قتل أناس بهذه التهمة، وهم برآءُ منها، فماذا فعَل المنافقون حتى استوجبوا النار؟
 
قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]؛ فقد أخبَر الله أنهم غيرُ مؤمنين رغم قولِهم: آمنا بالله وباليوم الآخر، ثم بيَّن في الآيات التالية بعضَ صفاتهم الأخرى، وذلك حتى الآية 16 من البقرة؛ حيث قال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 16].
 



[1])) رواه مسلم ج2 ص186.


[2])) رواه مسلم 188 ج2.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١