أرشيف المقالات

27 :التزام الحق ورحمة الخلق - راية الإسلام - مدحت القصراوي

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
التزام الحق ورحمة الخلق
فمما يجب التنبيه اليه هو أنه يجب الجمع بين ما أمر الله تعالى أن نجمع بينه، وهو جانب التزام الراية والبراءة من الكافرين والقيام بالحق، مع جانب رحمة الخلق والرغبة في نجاتهم..
فإن الله تعالى حكى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه قام بالأمرين..
1) فهو من حكى عنه قوله ـ هو ومن معه من الأنبياء ـ تفصيلَ معنى الحنيفية، فقال { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ثم أمرَنا الله باتباعهم وأكّد معنى الأسوة بهم في هذا الموقف الكريم فقال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة 6 ] .
2) وإبراهيم عليه السلام أيضا هو من حكى الله تعالى عنه أنه جادل رسل الله في إهلاك قوم لوط، وهم أصحاب فاحشة هي من أحطّ ما يتسافل اليه الإنسان، ومع هذا رجا أن يُمهَلوا لعلهم يتوبون { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ .
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ .
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}
  [هود 74-76]
فكما ترى فإن إبراهيم الذي أعلن { إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ.
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ }
وحاجّ قومه في الله، وأبطل شركهم بالأصنام وأبطل تجبر حكامهم وتشريعهم من دون الله..
كل هذا لبيان الحق وحمايته وتميزه الأبلج الواضح وإسقاط الباطل ورموزه..
فإنه أيضا إبراهيم الأواه المنيب المشفق على الخلق والراغب في الخير لهم، فكان هذا الموقف العقدي الحاسم مرافقا لموقف رحمة الخلق وطلب نجاتهم وإمهالهم.
ويجب ألا يلغي جانبُ بيان الحق جانبَ رحمة الخلق، ويجب ألا يلغي جانبُ رحمة الخلق جانبَ بيان الحق ووضوحه وتميزه..
فبهذا يتضح الطريق، وبالآخر تُفتح القلوب ، وبهما معا يرغب عَبيد الله في طريقه وتنشرح له صدورهم ويسقط كثير من مكر الشياطين وكيدهم.
فمن ترك بيان الحق رحمةً للخلق! فهو لم يفهم معنى رحمتهم، فرحمة الخلق في الحفاظ على الطريق ووضوحه ليعود اليه شاردهم ويؤوب اليه آبقهم فيجده كما تركه الأنبياء ..
فقيمة الحق في الحياة والوجود والظفر به هي أرحم ما يقدم للناس، ومن يظن الرحمة في ضياع الحق فقد أهلك نفسه وأهلك من رحمهم بزعمه!
ومن مال به التمسك بالحق وبيانه الى القسوة على الخلق وحرمانهم من الرحمة لعلهم يرجعون، فإنه ينفّر الخلق من الحق ويعرضه في معرض القسوة فلا يدرك الناسُ ما فيه من خيرهم ونجاتهم..
كما أنه يعطي فرصة لكيد الشياطين وتآمرهم وتشويههم للحق وأهله وتنفيرهم للناس وتخويفهم من أهل الحق..
كما يُخشى من افتقاد الرحمة من قلب من يعرض الحق أن ينقلب أمره ويتبدل حاله، فالقلوب بيد الله؛ فقد ينقلب الحال وتصبح مكان من أنكرت عليه ويهديه الله ويصير هو دالا على الله تعالى..
فيجب وضع كل من الشدة والرحمة في موضعها، ويجب الجمع بين القوة والرحمة..
والتعبد لله تعالى بالتزام الحق ورحمة الخلق..
وصلى الله على من كان ضحوكا قتالا، قويا رحيما، ورحمة للعالمين.
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣