شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

أولاً: سندرس العقيدة من أجل أن يكون عملنا مقبولاً عند الله عز وجل.

ثانياً: ندرس العقيدة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أول ما بدأ عليه الصلاة والسلام دعوته للناس أن دعاهم إلى (لا إله إلا الله)؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه قول ربنا جل جلاله: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ[الشعراء:214], صعد على الصفا ونادى: ( يا بني زهرة! يا بني تيم! يا بني هاشم! يا بني عبد مناف! يا بني عدي! يا بني مخزوم! ), نادى أفخاذ قريش كلهم؛ فلما اجتمعوا قال عليه الصلاة والسلام: ( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم, أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم, ما جربنا عليك كذباً قط, قال لهم: فإني رسول الله إليكم جميعاً, قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا ).

فأول ما دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى كلمة لا إله إلا الله, وهذه هي العقيدة, وكذلك لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: ( إنك ستأتي قوماً أهل كتاب, فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله؛ فإن هم أجابوك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة, فإن هم أجابوك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم, وإياك وكرائم أموالهم, واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ).

فهنا أمر معاذاً أن يدعوهم أولاً: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وهذه هي العقيدة.

ثالثاً: ندرس العقيدة من أجل أن نتجنب الشرك والبدع والخرافات؛ فإن ديننا جاء لتحرير الإنسان من ذلك كله, حيث قال أحد الصحابة: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام, ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة؛ فالإسلام جاء ليحررنا من الشرك, فلا نعبد إلا الله, وجاء ليحررنا من الخرافات والتعلق بالأوهام والأساطير, وترك التطير, فبعض الناس تجد عنده الطيرة وهي التشاؤم، وهذه خرافات.

وليحررنا من البدع التي أحدثها الناس في دين الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار ), أي: يجر أمعاءه في النار؛ لأنه كان أول من غير دين إبراهيم, فهذا الشيطان ذهب إلى بعض البلاد ووجد أهلها يعبدون الأصنام, فاجتلب معه بعض الأصنام, وجاء بها ونصبها في مكة, ودعا الناس إلى عبادتها, فكان أول من غير دين إبراهيم, وأول من سيب السوائب، فقد قال الله عز وجل فيها: مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ[المائدة:103]؛ فقد كان عندهم اعتقاد بأن البهيمة إذا أنتجت عشرة بطون فإنها تسيب, فلا يركب ظهرها, ولا ينتفع بها, فهذه كلها من الخرافات التي عششت في رءوس الناس, ونجد لها نظائر وأمثالاً في حياتنا, فالإنسان إذا درس العقيدة يتحرر من هذا كله.

وليس المقصود بدراسة العقيدة أن يكون الإنسان مجادلاً ممارياً, أو متعدياً على الناس, أو متسقطاً لأخطائهم وعثراتهم, ومستطيلاً في أعراضهم, لا والله ليس هذا مقصوداً أبداً, وإنما المقصود بالعقيدة هي: الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم, والمقصود بدراسة العقيدة تحرير القلب من الشرك والنفاق, وتحرير العمل والسلوك من الخرافات والأوهام والأساطير.

ثم بعد ذلك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأن ينعكس هذا على الإنسان في علاقته بربه, وعلاقته بالناس.

سلوك أبي بكر مع أحد اليهود

وأضرب لكم أمثلة في انعكاس العقيدة على سلوك الإنسان وتأثره بها:

المثل الأول: إن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه دخل بيت المدراس وهو المكان الذي يتعبد فيه اليهود ويتدارسون فيه كتبهم, فكلم كبيرهم واسمه: فنحاص بن عازوراء قال له: يا فنحاص ! اتق الله وأسلم, فإنك تعلم أن محمداً رسول الله, الذي تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة, فقال له فنحاص الخبيث: لا نعلم أنه رسول الله! فقال له أبو بكر : تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، فقال له اليهودي: ما أنزل الله على بشر من شيء, ثم قال له: ولو كان الله غنياً كما يزعم صاحبكم ما استقرضنا وما قال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا[البقرة:245]، إذاً: إن الله فقير ونحن أغنياء.

فهنا أبو بكر رضي الله عنه رفع يده فلطمه لطمة منكرة وقال له: والله يا عدو الله لولا ما بيننا وبينكم من عهد لضربت عنقك, فجاء اليهودي يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر لطمه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يا أبا بكر ؟ قال له: زعم عدو الله أن الله فقير وهم أغنياء, فأنكر اليهودي وحلف بالله ما قال, فأنزل الله قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181] ).

فما الذي حمل أبا بكر على أن يلطم اليهودي؟ أليس غضباً لله؟ أليس تعظيماً لجنابه جل جلاله؟ فـأبو بكر رضي الله عنه انفعل لهذه العقيدة وأثمرت هذا الغضب, ولكن ما قيمة أن أدرس العقيدة وأكون صاحب ألفاظ مشققة, وكلمات منمقة, ولسان فصيح, ثم بعد ذلك أسمع أن الله يُسب جل جلاله, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتقص من عرضه ولا يتمعر وجهي لذلك؟! فهل هذه العقيدة مسألة مثل مسائل الكيمياء والفيزياء والعلوم العقلية والتجريبية وغيرها, والإنسان يدرسها وانتهى الأمر, ثم هو محايد تجاهها؟ لا يصلح هذا.

سلوك الإمام مالك مع أحد المبتدعة

المثال الثاني: الإمام مالك رحمه الله تعالى لما جاءه رجل فقال له: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه:5], كيف استوى؟

فالإمام مالك رحمه الله طأطأ رأسه ونكت بعود في الأرض حتى علته الرحضاء, وتصبب عرقاً, وابتل جسمه، ثم رفع رأسه بعد حين وقال: الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والسؤال عنه بدعة ثم قال: أخرجوه من المسجد فإني أراه رجل سوء.

فسكوت مالك رحمه الله قبل إجابته ونزول العرق من جسده أليس انفعالاً بهذه العقيدة؟ أليس دليلاً على أنه رضي الله عنه قد وقر في قلبه تعظيم الله عز وجل, والخوف من سطوته سبحانه وتعالى؟ فهذه هي العقيدة التي نريدها.

أثر العقيدة في سلوك الصحابي حارثة بن النعمان

المثال الثالث: والرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأل حارثة بن النعمان : ( كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال: أصبحت مؤمناً حقاً يا رسول الله قال: إن لكل قول حقيقة, فما حقيقة قولك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا )؛ فهو في البداية قال: أصبحت مؤمناً حقاً, والرسول صلى الله عليه وسلم يسأله: ( ما حقيقة ذلك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا, فأسهرت ليلي, وأظمأت نهاري, وأصبحت وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً, وكأني أنظر إلى أهل الجنة وهم يتزاورون فيها, وإلى أهل النار وهم يتعاوون فيها، قال: يا حارثة عرفت فالزم ).

لأن الرجل هذا مؤمن, وهذا الإيمان انعكس على عباداته وعلى أخلاقه, فقد سهر بالليل في القيام, وظمئ بالنهار في الصيام, وصار عالم الغيب عنده كعالم الشهادة, حتى بلغ الحال ببعض من يقول: والله لو نادى مناد أن القيامة غداً ما كان عندي شيء أزيده من العمل, فهذه هي العقيدة التي أثمرت دراستها وأينعت في قلوب أولئك.

أما الذي يتعلم العقيدة فقط كقضايا علمية من أجل أن يخطئ الناس بعد ذلك, وأن يتتبع أغلاطهم وعثراتهم, ويختبر عامة الناس بأمور لا علم لهم بها, فهذا ليس من صنيع المؤمنين الطيبين.

وأضرب لكم أمثلة في انعكاس العقيدة على سلوك الإنسان وتأثره بها:

المثل الأول: إن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه دخل بيت المدراس وهو المكان الذي يتعبد فيه اليهود ويتدارسون فيه كتبهم, فكلم كبيرهم واسمه: فنحاص بن عازوراء قال له: يا فنحاص ! اتق الله وأسلم, فإنك تعلم أن محمداً رسول الله, الذي تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة, فقال له فنحاص الخبيث: لا نعلم أنه رسول الله! فقال له أبو بكر : تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، فقال له اليهودي: ما أنزل الله على بشر من شيء, ثم قال له: ولو كان الله غنياً كما يزعم صاحبكم ما استقرضنا وما قال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا[البقرة:245]، إذاً: إن الله فقير ونحن أغنياء.

فهنا أبو بكر رضي الله عنه رفع يده فلطمه لطمة منكرة وقال له: والله يا عدو الله لولا ما بيننا وبينكم من عهد لضربت عنقك, فجاء اليهودي يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر لطمه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يا أبا بكر ؟ قال له: زعم عدو الله أن الله فقير وهم أغنياء, فأنكر اليهودي وحلف بالله ما قال, فأنزل الله قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181] ).

فما الذي حمل أبا بكر على أن يلطم اليهودي؟ أليس غضباً لله؟ أليس تعظيماً لجنابه جل جلاله؟ فـأبو بكر رضي الله عنه انفعل لهذه العقيدة وأثمرت هذا الغضب, ولكن ما قيمة أن أدرس العقيدة وأكون صاحب ألفاظ مشققة, وكلمات منمقة, ولسان فصيح, ثم بعد ذلك أسمع أن الله يُسب جل جلاله, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتقص من عرضه ولا يتمعر وجهي لذلك؟! فهل هذه العقيدة مسألة مثل مسائل الكيمياء والفيزياء والعلوم العقلية والتجريبية وغيرها, والإنسان يدرسها وانتهى الأمر, ثم هو محايد تجاهها؟ لا يصلح هذا.

المثال الثاني: الإمام مالك رحمه الله تعالى لما جاءه رجل فقال له: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه:5], كيف استوى؟

فالإمام مالك رحمه الله طأطأ رأسه ونكت بعود في الأرض حتى علته الرحضاء, وتصبب عرقاً, وابتل جسمه، ثم رفع رأسه بعد حين وقال: الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والسؤال عنه بدعة ثم قال: أخرجوه من المسجد فإني أراه رجل سوء.

فسكوت مالك رحمه الله قبل إجابته ونزول العرق من جسده أليس انفعالاً بهذه العقيدة؟ أليس دليلاً على أنه رضي الله عنه قد وقر في قلبه تعظيم الله عز وجل, والخوف من سطوته سبحانه وتعالى؟ فهذه هي العقيدة التي نريدها.

المثال الثالث: والرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأل حارثة بن النعمان : ( كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال: أصبحت مؤمناً حقاً يا رسول الله قال: إن لكل قول حقيقة, فما حقيقة قولك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا )؛ فهو في البداية قال: أصبحت مؤمناً حقاً, والرسول صلى الله عليه وسلم يسأله: ( ما حقيقة ذلك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا, فأسهرت ليلي, وأظمأت نهاري, وأصبحت وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً, وكأني أنظر إلى أهل الجنة وهم يتزاورون فيها, وإلى أهل النار وهم يتعاوون فيها، قال: يا حارثة عرفت فالزم ).

لأن الرجل هذا مؤمن, وهذا الإيمان انعكس على عباداته وعلى أخلاقه, فقد سهر بالليل في القيام, وظمئ بالنهار في الصيام, وصار عالم الغيب عنده كعالم الشهادة, حتى بلغ الحال ببعض من يقول: والله لو نادى مناد أن القيامة غداً ما كان عندي شيء أزيده من العمل, فهذه هي العقيدة التي أثمرت دراستها وأينعت في قلوب أولئك.

أما الذي يتعلم العقيدة فقط كقضايا علمية من أجل أن يخطئ الناس بعد ذلك, وأن يتتبع أغلاطهم وعثراتهم, ويختبر عامة الناس بأمور لا علم لهم بها, فهذا ليس من صنيع المؤمنين الطيبين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [21] 2670 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [19] 2498 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [8] 2489 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [10] 2359 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [12] 2278 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [23] 2246 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [1] 2210 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [16] 2022 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [3] 2021 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [20] 1797 استماع