شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [20]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

الاسم الرابع والأربعون من أسماء الله الحسنى: (الشهيد) ودليله من القرآن قول ربنا جل جلاله في سورة البروج: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج:9].

وفي سورة المجادلة قال تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6].

وفي سورة فصلت قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53].

وفي سورة سبأ قال عز وجل: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [سبأ:47].

وفي القرآن ذكر هذا الاسم كثيراً، فلا يوجد مانع أن تسمي ولدك عبد الشهيد، والشهيد من الشهود، والشهود بمعنى: الحضور، والشهيد من الشهادة بمعنى: الإخبار؛ فالشهود بمعنى: الحضور؛ يدل عليه ما ورد في السنة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالصحابة صلاة الصبح يوماً، ثم قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا ) يعني: ذكر ناساً بأسمائهم، ( ثم قال عليه الصلاة والسلام: أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الصبح )؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: ( أشاهد فلان؟ ) معناه: هل فلان حاضر، ومنه قولك: شهدت صلاة الجمعة في المسجد الحرام، بمعنى: حضرت؛ وكذلك الشهود بمعنى: الإخبار، ومنه الشاهد وهو الله؛ قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران:18]، ومنه يقال للشاهد: شاهد؛ لأنه يخبر بحق للغير على الغير؛ فإذا كان كاذباً فشهادته شهادة زور، والتي هي من كبائر الذنوب؛ فالله عز وجل شهيد، بمعنى: أنه حاضر سبحانه وتعالى؛ قال تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، ويأتي الشهيد بمعنى: أنه عالم؛ فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وأنه يرانا جل جلاله.

وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري )؛ فالله عز وجل شهيد بمعنى: حاضر، وبمعنى راء بصير، وبمعنى رقيب، وبمعنى أنه مخبر جل جلاله.

وهذا الاسم الشهيد يطلق أيضاً على بعض البشر، ومنه قول المسيح عليه السلام لما قال الله له يوم القيامة: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ [المائدة:116-117].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يجاء برجال من أمتي يوم القيامة فيذادون عن الحوض، فأقول: يا رب! أصيحابي أصيحابي؛ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ [المائدة:117] )؛ فالمسيح قال عن نفسه: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ))، والرسول صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ))، والله عز وجل قال: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41].

وقال عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143].

والإنسان لو استصحب هذا الاسم بأن الله شهيد عليه؛ فإنه يستحي من الله جل في علاه أن يواقع معصية، أو يأتي منكراً.

الاسم الخامس والأربعون من أسماء الله الحسنى: (الصمد)، وهذا لم يرد في القرآن إلا مرةً واحدة في سورة الصمد، والصمد أيضاً ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل جلاله أنه قال: ( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك؛ أما تكذيبه إياي: فزعمه أني لا أعيده كما بدأته! وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي: فقوله: اتخذ الله ولداً! وأنا الواحد الأحد الصمد ).

وكذلك ثبت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث بريدة : في أن الرجل الذي دعا فقال: ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد؛ فقال عليه الصلاة والسلام: دعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى ).

وقد مر معنا في التفسير أن الصمد يأتي بمعنى مصمود، وهو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها؛ كما قال سبحانه: ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:53]؛ ولذلك تجد الناس في الطائرة -مثلاً- إذا أحاط بهم كرب، وبدأت الطائرة تميد وتضطرب فكلهم يلجئون إلى الله، وإذا كانوا في السفينة فمادت بهم واضطربت فإنهم يلجئون إلى الله، وإذا شب حريق يلجئون إلى الله؛ فالصمد بمعنى المصمود؛ أي: الذي تصمد إليه الخلائق.

وقال ابن عباس : الصمد هو السيد الذي كمل سؤدده، والشريف الذي كمل شرفه، والعالم الذي كمل علمه، والحليم الذي كمل حلمه، وهو الكامل في صفاته جل جلاله.

الاسم السادس والأربعون من أسماء الله الحسنى: الطيب، وهذا لم يرد في القرآن، وإنما ورد في السنة؛ ففي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: ( يا أيها الناس! إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ).

وورد في حديث إسناده حسن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، نظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود )، ولا نثبت بهذا الحديث اسم النظيف؛ لأنه كما ذكرت لكم هو حديث حسن، والحديث الحسن هو: ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خف ضبطه، ومعلوم بأن إثبات الأسماء من العقائد، والعقائد لا تثبت إلا بالقرآن الكريم وبالسنة الصحيحة؛ فلذلك لا نثبت اسم النظيف لله جل وعلا؛ لأن الحديث الذي ذكر فيه إسناده حسن.

والطيب في حق ربنا جل جلاله أنه الذي طابت ذاته، وطابت أسماؤه، وطابت صفاته؛ فلا يصدر من ربنا إلا الطيب من الأقوال، والطيب من الأفعال، والطيب يطلق على الأشياء المحسوسة من المطاعم والمشارب والمساكن والملابس والمراكب؛ فتقول: هذا ثوب طيب، ويطلق كذلك على الأشياء المعنوية كقول الله عز وجل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، وقوله جل جلاله: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26]، فإذا قيل: إن فلاناً طيب فإننا نقصد بذلك طيب أفعاله، وطيب أقواله، وطيب صفاته، وطيب أحواله؛ فالله عز وجل طيب في ذاته وأسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله، ولا يصدر عنه إلا الطيب، والإنسان المؤمن دائماً يتصف بالطيب؛ فهو يطيب أقواله، وأفعاله، وأحواله، ولا يعاشر إلا الطيبين، ولا يأكل إلا طيباً؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ويبتعد عما هو ضد الطيب من قول أو فعل أو مطعم أو مشرب أو ملبس أو حال ونحو ذلك.

الاسم السابع والأربعون من أسماء الله الحسنى: الظاهر، ودليله من القرآن قوله تعالى: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد:3].

ودليله من السنة قوله عليه الصلاة والسلام: ( اللهم أنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء )، والباطن تقدم معنا الكلام بأنه جل جلاله باطن لا تدركه الأبصار، وباطن بمعنى أنه جل جلاله يعلم السر وأخفى؛ فما بطن من الأمور وخفي فالله عز وجل به عليم، فهنا الظاهر أي: ظهرت براهين قدرته، وأدلة عظمته، وظهرت أنواع نعمته، فهو جل جلاله ظاهر باعتبار ما يدل عليه سبحانه وتعالى.

الاسم الثامن والأربعون من أسماء الله الحسنى: (العزيز)، وهذا تكرر في القرآن كثيراً، فقد ذكر ثنتين وخمسين مرة، فتارةً يقرن باسم الرحيم؛ كما جاء في تسعة مواضع من سورة الشعراء؛ قال تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء:9]؛ وتارةً يقرن باسم العليم، وتارةً باسم الحكيم، مثل: العزيز العليم، والعزيز الحكيم.

والعزة في اللغة: الغلبة؛ ومنه قول القائل حين اختصم إلى داود مع صاحبه: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص:23]؛ (عزني في الخطاب) بمعنى غلبني؛ فحين نقول: الله عزيز أي: أنه غالب جل جلاله؛ قال تعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف:21]، ومن آثار عزته سبحانه وتعالى تفرده بالملك؛ قال تعالى: قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [سبأ:27].

ومن آثار عزته: إرسال الرسل؛ قال تعالى: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:165].

ومن آثار عزته: أنه غلب العباد بالموت؛ قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2].

ومن آثار عزته: إيجاب العقوبة تنكيلاً بالمخالفين؛ قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]؛ ولذلك لما قرأها بعض الناس: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم! قال له أعرابي: ما هكذا، قال له: أتكذب بقول الله؟ قال: بل اقرأها ثانيةً، فقرأها وختمها بقوله تعالى: والله عزيز حكيم، فقال الأعرابي له: هكذا، عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع، يعني: قال له: إن قولك: والله غفور رحيم هنا ليس مناسباً في ختم الآية؛ فالأعرابي عنده فهم بأن تذييل الآية بصفة العزة يكون مناسباً لسياقها؛ فالعزيز معناه: الغالب؛ قال تعالى: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجمعة:1].

الاسم التاسع والأربعون من أسماء الله الحسنى: (العظيم)، وهذا في القرآن كثير، كما في قول ربنا جل جلاله في خاتمة أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي؛ قال تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]؛ فهو عظيم في ذاته، عظيم في أسمائه، عظيم في صفاته؛ فلا أعظم منه جل جلاله، ولذلك لما نزل قول ربنا جل جلاله: ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، قال النبي عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم ).

وقال عليه الصلاة والسلام: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ).

الاسم الخمسون من أسماء الله الحسنى: (العفو)، وهذا في القرآن كثير ودائماً ما يقرن باسم الغفور؛ قال تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [المجادلة:2].

والعفو في اللغة: المحو؛ ومنه يقال: عفت الريح الأثر، يعني: لو كان هناك آثار لإنسان مشى أو حيوان فجاءت الريح فإنها تعفو هذا الأثر أي: تمحوه؛ والله عز وجل عفو أي: يمحو الذنب؛ ولذلك لو أن الإنسان أسرف على نفسه عشرات السنين، وعصا ربه وأساء، ثم بعد ذلك استغفر الله فإن الله عز وجل يعفو عنه، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نعفو؛ كما ثبت في حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما ظلم عبد مظلمةً فعفا إلا زاده الله بها عزاً )، وسأله أحد الصحابة قائلاً: ( يا رسول الله! كم أعفو عن الخادم الذي يخدمني؟ قال له: اعف عنه في اليوم سبعين مرة ).

وفي القرآن الكريم قال الله عز وجل: وَلا يَأْتَلِ [النور:22]، أي: ولا يحلف؛ قال الشاعر:

قليل الألايا حافظ ليمينه وإن بدرت منه الألية برت

قال تعالى في حق أبي بكر الصديق: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا [النور:22]؛ لأن مسطح بن أثاثة رضي الله عنه كان ممن تكلم في عرض أمنا الحصان الرزان عائشة رضي الله عنها، وكان هذا الرجل من أرحام أبي بكر وكان ابن خالته؛ فمعلوم بأن الذي يتكلم في عرضك من أرحامك هو أشد عليك ممن يتكلم من الأبعدين.

ثم إن هذا الرجل -أي: مسطح- كان أبو بكر يحسن إليه؛ فالإنسان يزداد نقمةً إذا صدرت الإساءة ممن هو قرين إحسانه؛ فـأبو بكر غضب وحلف بالله ألا ينفع مسطحاً بخير أبداً، يعني: لا يتصدق عليه ثانية؛ فقال عز وجل: وَلا يَأْتَلِ [النور:22] أي: ولا يحلف أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ [النور:22]، الذي هو أبو بكر أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النور:22]، ثم قال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا [النور:22]، ثم قال: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22]، فقال أبو بكر : بلى، إني لأحب أن يغفر الله لي، ثم رجع وأحسن إليه فكان يعطي مسطحاً ضعف ما كان يعطيه سابقاً إرضاءً للرحمن، وإرغاماً للشيطان، فالله جل جلاله عفو، والإنسان يتصف بهذه الصفة.

الاسم الحادي والخمسون من أسماء الله الحسنى: (العليم)، وهذا لا يحتاج إلى كثير بيان، فالله عز وجل قد وسع كل شيء رحمةً وعلماً، والله جل جلاله عالم الغيب والشهادة، وعلمه سبحانه وتعالى يتعلق بالأشياء قبل وقوعها، فلا يعلم بالشيء قبل وقوعه فقط، وإنما هو عالم به قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ فقد قدر مقادير الخلائق قبل ذلك، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء؛ ولذلك نحن ندعو الله عز وجل باسمه العليم؛ كما ثبت من حديث أبان بن عثمان بن عفان قال: سمعت أبي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من قال إذا أصبح: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثاً لم تضره فجأة بلية حتى يمسي، ومن قالهن إذا أمسى ثلاثاً لم تضره فجأة بلية حتى يصبح. فأصيب أبان بالفالج، فجاء هذا الرجل ينظر إليه )، يعني: كأنه يقول له: يا أخي! ألم تقل: أن من قال ذاك الدعاء لا يصيبه شيء؟ فأين أثر ذلك عليك وقد أصابك ما أصابك؟ ( فقال له أبان : لا تنظر إلي، فوالله ما كذبت على عثمان ، ووالله ما كذب عثمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكنني غضبت فنسيت أن أقولها )، يعني: في ذلك اليوم ربما زوجته أغضبته مثلاً، فغضب فنسي أن يقول هذا الدعاء؛ ولذلك لا بد أن نعود أنفسنا أننا إذا أصبحنا أن نقول ثلاثاً: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.

وكذلك إذا أمسينا أن نقوله ثلاثاً، ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح صلاته من الليل قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ).

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [21] 2670 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [19] 2498 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [8] 2489 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [10] 2359 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [12] 2278 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [23] 2246 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [1] 2210 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [2] 2117 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [16] 2022 استماع
شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [3] 2021 استماع