أرشيف المقالات

منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (7) السلام

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (7)
السلام

المسلك الأول: مادة السلام في اللغة تدل على الخلاص والنجاة، والسلام هو الموصوف بالسلامة، والسلامة الأمن والاطمئنان، والبراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة، والخلاص من كل مكروه وعيب.
 
المسلك الثاني: دل هذا الاسم على اسم الله السلام وصفته السلامة من النقائص والعيوب كوصف ذات وتسليم من شاء من خلقه على مقتضى حكمته كوصف فعل، فهو من أسماء الذات والأفعال.
 
والله عز وجل سلمت ذاته وصفاته وأفعاله من النقائص والعيوب، ودعا سبحانه لإفشاء السلام بين عباده، ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [سورة الفرقان: 63]، ودعا لسبل السلام﴿ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة المائدة: 16]، ودعا للجنة دار السلام، ﴿ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [سورة يونس، 25]، فكل سلامة مبتدأها وتمامها ونسبتها إليه.
 
واسم الله السلام يدل باللزوم على كمال الحياة والقيومية والعظمة والرحمة والعلم والحكمة، وغيرها من صفات الكمال.
 
المسلك الثالث: ودل اسم السلام على تنزيه الله تعالى من فهو المقدَّس المنزه عن كل سوء، السالم من مماثلة أحد من خلقه، ومن نقصان صفة من صفاته، ومن كل ما ينافي كماله، قال ابن القيم في نونيته:
وهو السلام على الحقيقة سالمٌ ♦♦♦ من كل تمثيل ومن نقصانِ
 
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان وفلان، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، أقبل علينا بوجهه، قال:" لا تقولوا السلام على الله؛ فإن الله هو السلام"، قال ابن القيم: فنهاهم النبي أن يقولوا السلام على الله؛ لأن السلام هو المسلم عليه، دعاء له وطلب أن يسلم، والله تعالى هو المطلوب منه لا المطلوب له، وهو المدعو لا المدعو له، فيستحيل أن يسلم عليه، بل هو المسلم على عباده.[1]
 
المسلك الرابع: ذكر الغزالي رحمه اله في المقصد الأسنى[2] عند تفسيره لهذا الاسم: هو الذي تسلم ذاته عن العيب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عن الشر، حتى إذا كان كذلك لم يكن في الوجود سلامة إلا وكانت معزية إليه صادرة منه، وقال ابن القيم رحمه الله: فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، ونزهه به رسوله، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل، والسلام من الشريك، ولذلك إذا نظرت إلى إفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت ومن السِّنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً...
ثم قال: وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل، فتأمل كيف تضمَّن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى، وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان.[3]
 
المسلك الخامس: تعلقت هذه الصفة في القرآن بتسليم المسلمين يوم الفرقان يوم غزوة بدر، قال تعالى مضيفًا هذه النعمة إليه دالاً أنها من مقتضيات اسمه السلام: ﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [سورة الأنفال: 43].
 
المسلك السادس: اقترن هذا الاسم باسم الله بعدة أسماء ليدل على كمال الله تعالى بتنزيه عن سائر النقائص: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾  [سورة الحشر: 23].
 
المسلك السابع: هذا الاسم من مجموعة الأسماء التي تدل على تنزيه الله عن النقص، فهو كاسمه سبحانه "القدوس والسلام والغني والأحد ونظائره، فإن القدوس هو المسلوب عنه كل ما يخطر بالبال ويدخل في الوهم، والسلام هو المسلوب عنه العيوب، والغني هو المسلوب عنه الحاجة، والأحد هو المسلوب عنه النظير والقسمة".[4]
 
المسلك الثامن: وقد يكون للعبد نصيبًا من معنى هذا الاسم لكن الفارق عظيم بين صفة الله وصفة العبد، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: الله أحق بهذا الاسم من كل مسمىً به، لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق سلام بالإضافة.[5]
 
المسلك التاسع: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتعبد الله بهذا الاسم وبهذه الصفة، فيثني الله عليه بها، فعن عمرو ابن العاص قال: أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اجمع عليك سلاحك وثيابك ثم ائتني، قال: فأتيته وهو يتوضأ، فقال: يا عمرو إني أرسلت إليك لأبعثك في وجه يسلمك الله ويغنمك وأزعب لك زعبة من المال، فقلت: يا رسول الله ما كانت هجرتي للمال، وما كانت إلا لله ولرسوله، قال: نعما بالمال الصالح للرجل الصالح، رواه في شرح السنة وروى أحمد نحوه، وقال لأبي أمامة ومن معه لما بعثهم في سرية: اللهم سلهم وغنمهم، فسلموا وغنموا.
 
وكان من أذكاره صلى الله عليه وسلم ما رواه مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال:" اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، وقال:" إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة، فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير من المسألة ما شاء، متفق عليه عن ابن مسعود.
 
المسلك العاشر: ومن هدي السلف الصالح: ما روته كتب السير أن أحد الصالحين دخل على أحد الملوك، وكان بعض الذباب يطير إليه ويقع عليه، فسأله ذلك الملك: لم خلق الله الذباب؟ فقال: لكي يذل به الملوك؛ فسبحان الملك السلام الذي سلم من كل نقص وعيب.
 
المسلك الحادي عشر: ينبغي علينا أن نحرص على أن نتعبد الله تعالى بهذا الاسم من خلال:
الدعاء: ويوم القيامة كما أخبر صلى الله عليه وسلم:" ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم"، متفق عليه عن أبي هريرة، وفي دعاء عمر حين دخول المسجد الحرام: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام"، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، رواه الترمذي عن طلحة.
 
وكان يعلم عليه الصلاة والسلام أصحابه هذه الدعوات، قال عبد الله بن مسعود: وكان يعلمنا كلمات، ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا، رواه أبو داود.
 
تعبيد الأسامي بهذا الاسم لله وتسبح الله به سبحانه، وإذا قال العبد مثنيا على ربه: سبحان الله أو تقدس الله أو تعالى الله ونحوها، كان مثنياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال.[6] الحق الواضح المبين ص 81-82.
 
تعظيم اسم الله السلام فلا يذكره إلا على طهارة، وهكذا سائر أسماء الله لا يذكر الله إلا على طهارة، وقد أتى المهاجر بن المنقذ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال:" إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال على طهارة".
 
القيام بما يقتضيه من فعل وقول، فيسلم لله تعالى في أفعاله وأوامره كما قال تعالى: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ﴾ [سورة النساء: 65]، وأن يحب السلم ويدعو الناس إليه: ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [سورة الأنفال: 61]، وأن يكثر من الصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب: 56]، ويسعى في إفشاء السلام بين الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البزار والبيهقي: "السلام اسم من أسماء الله، وضعه الله في الأرض، فأفشوه بينكم؛ فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام؛ فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب".
 
المسلك الثاني عشر: أن يغرس المؤمن فيه خلقًا راسخًا أن يسلم المسلمين من أذيته، قال صلى الله عليه وسلم:" من سلم المسلمون من لسانه ويده"، رواه مسلم عن جابر.
 
المسلك الثالث عشر: فعرفنا مما سبق أن اسم الله السلام يقوي جانب النفي في الشهادة، فهو نفي أن يكون لشيء من الآلهة تنزيه من النقص أو العيب، بل هي مصدر العيب والنقص،﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾  [سورة الحشر: 23].



[1] بدائع الفوائد 2/ 368.


[2] المقصد الأسنى / 69.


[3] بدائع الفوائد 2/ 150-152.


[4] المقصد الأسنى 1/ 157.


[5] بدائع الفوائد 2/ 150.


[6] الحق الواضح المبين لابن سعدي/ 81-82.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢