ومن تمام ملكه أنه لا (يَشْفَعُ عِنْدَهُ) أحد (إِلا بِإِذْنِهِ) فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له مماليك، لا يقدمون على شفاعة حتى يأذن لهم. (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) والله لا يأذن لأحد أن يشفع إلا فيمن ارتضى، ولا يرتضي إلا توحيده، واتباع رسله، فمن لم يتصف بهذا، فليس له في الشفاعة نصيب.
ثم أخبر عن علمه الواسع المحيط، وأنه يعلم ما بين أيدي الخلائق، من الأمور المستقبلة، التي لا نهاية لها (وَمَا خَلْفَهُمْ) من الأمور الماضية التي لا حد لها، وأنه لا تخفى عليه خافية (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)
وأن الخلق لا يحيط أحد بشيء من علم الله ومعلوماته (إِلا بِمَا شَاءَ) منها وهو ما أطلعهم عليه من الأمور الشرعية والقدرية، وهو جزء يسير جدا مضمحل في علوم الباري ومعلوماته، كما قال أعلم الخلق به، وهم الرسل والملائكة: (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا) .
ثم أخبر عن عظمته وجلاله، وأن كرسيه، وسع السماوات والأرض، وأنه قد حفظهما ومن فيهما من العوالم بالأسباب والنظامات، التي جعلها الله في المخلوقات.
ومع ذلك فـ (لا يَئُودُهُ) أي: يثقله حفظهما، لكمال عظمته، واقتداره، وسعة حكمته في أحكامه.
(وَهُوَ الْعَلِيُّ) بذاته، على جميع مخلوقاته، وهو العلي بعظمة صفاته، وهو العلي الذي قهر المخلوقات، ودانت له الموجودات، وخضعت له الصعاب، وذلت له الرقاب.
(الْعَظِيمُ) الجامع، لجميع صفات العظمة والكبرياء، والمجد والبهاء، الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح، ويعرف العارفون أن عظمة كل شيء، وإن جلت عن الصفة، فإنها مضمحلة في جانب عظمة العلي العظيم.
فآية احتوت على هذه المعاني التي هي أجل المعاني، يحق أن تكون أعظم آيات القرآن، ويحق لمن قرأها، متدبرا متفهما، أن يمتلئ قلبه من اليقين والعرفان والإيمان، وأن يكون محفوظا بذلك من شرور الشيطان.). [1]
من فوائد آية الكرسي
1 -من فوائد الآية: إثبات هذه الأسماء الخمسة؛ وهي (الله) ؛ (الحي) ؛ (القيوم) ؛ (العلي) ؛ (العظيم) ؛ وما تضمنته من الصفات.
2 -ومنها: إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية في قوله تعالى: (لا إله إلا هو) .
3 -ومنها: إبطال طريق المشركين الذين أشركوا بالله، وجعلوا معه آلهة.
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى 1376 هـ) ، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق، الناشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1423 هـ -2002 م، ص 953 - 954. وانظر ص 110.