فهرس الكتاب
الصفحة 27 من 218

العذراء تأنس، وصلب عنا على عهد بيلاطس، وتألم وقُبِر، وقام من الأموات في اليوم الثالث على ما في الكتب، وصعد إلى السماء وجلس على يمين الرب، وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، ولا فناء لملكه. والإيمان بالروح القدس، الرب المحيي المنبثق من الأب، الذي هو الابن يسجد له، ويمجده الناطق بالأنبياء )) [1] .

فواضح مما ذكرناه أن عقيدة النصارى في التثليث هي أنهم يعتقدون بوجود ثلاث ذوات كل واحدة هي إله بذاتها، و لا يعتقدون بوجود إله واحد له ثلاثة صفات. فإثبات الصفات الأزلية لله تعالى لا يُؤدي أبدا إلى تعدد القدماء كما يزعم المعتزلة، لأن الصفات لا تنفك عن الذات، و هي تابعة لها بالضرورة من جهة؛ و لا يتعدد الأزلي إلا إذا تعددت الذوات الأزلية من جهة أخرى. فالمعتزلة مُغالطون و مُدلّسون، عندما سووا بين الصفات و الذوات.

بل إن موقف المعتزلة من الصفات الإلهية يُوصلهم إلى نقض مبدأ التوحيد، و القول بتعدد الآلهة كالنصارى و أمثالهم. لأن قولهم: إن الصفات عين الذات، و إنها لذاته، و أن صفة العلم هي الله، و القدرة هي الله، و صفة الحياة هي الله ... إلخ. يجعلهم بين ثلاثة احتمالات لا رابع لها. الأول إما أن تكون هذه الصفات هي كلها صفات لله تعالى و في هذه الحالة يكونون كغيرهم من الذين أثبتوا الصفات للذات الواحدة؛ لكنه من جهة أخرى احتمال مخالف لِما هم عليه من نفيهم للصفات.

و الاحتمال الثاني مفاده أن قصدهم من ذلك القوله هو نفي الصفات الإلهية بطريقة سُفسطائة تلبيسا و تدليسا على غيرهم لتمرير موقفهم. و هذا الاحتمال هو الموافق لموقفهم النافي للصفات، لكنه مُناقض لقولهم: إن الصفات عين الذات، و إنها لذاته، و أن صفة العلم هي الله، و القدرة هي الله، و صفة الحياة هي الله؛ لأنه يتضمن إثباتا لتلك الصفات لا نفيها. لأنه أثبت لله صفة العلم، و القدرة، و الحياة. و لا معنى لعبارة: عين الذات، أو زائدة على الذات. لأن الحقيقة هي إما أن الله تعالى عالم، و قادر، و حي، و سميع، و ... و إما أنه ليس كذلك. فإذا كان عالما حيا قادرا، فهو مُتصف بها بالضرورة، و إذا لم يكن كذلك فهو ليس مُتصفا بها أيضا. و لا يصح القول: عين الذات، أو زائدة على الذات، فهذا

(1) محمد أبو زهرة: محاضرات في النصرانية، ط 3، دار الكتاب العربي، القاهرة، ص: 98.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام