يفهمهما العقل الصريح بسهولة. و هذا يعني إما أنهم لم يفهموا موضوعي القضاء و القدر، و الهداية و الضلال، و لم يكونوا في المستوى العلمي الذي يُؤهلهم لفهمهما. و إما أنهم تعمدوا إظهار مخالفتهم لما قاله الشرع حول الموضوعين انتصارا لمذهبهم و تعصبا له بالباطل!!.
فمن ذلك أنهم لم يُفرّقوا بين إرادة الله تعالى الكونية و إرادته الشرعية، و لا بين ما يُحبه و يرضاه، و بين ما لايُحبه و لا يأمر به، مع دخول كل ذلك في إرادته الكونية المهيمنة على العالم. فمع وضوح هذا الأمر شرعا و عقلا، فإنهم خالفوه و أنكروه، بدعوى أن إدخال أفعال البشر القبيحة في قضاء الله و قدره و مشيئته هو ظلم لهم. و هذا فهم غير صحيح و زعم باطل، لأن الله تعالى قضى و قدّر ما سيفعله البشر باختيارهم بناء على علمه المُسبق، و ليس هو الذي فعل أعمالهم، و لا أجبرهم عليها، و إنما هم الذين فعلوها. فلم يفهم هؤلاء أن سبق العلم لا يعني قهرا و لا جبرا، أو أنهم لم يُريدوا فهمه انتصارا لمذهبهم في موقفه من القضاء و القدر.
و منها فقد تبين أن المعتزلة ارتكبوا جرائم كبرى في حق الوحي و العقل من خلال موقفهم من العقل و منهج الفهم و الاستدلال. فخالفوا الشرع و عطّلوه صراحة، و أخلوا بمنهج البحث و الاستدلال، و تلاعبوا به حسب آرائهم أهوائهم و ظنونهم. و أفسدوا العقل البديهي و حمّلوه ما لا يطيق، و زجوا به في غير مجاله، و قدّموه على الوحي الصحيح، و جعلوه وثنا معبودا من دون الله. فحقيقة موقف المعتزلة من العقل و الشرع ليس أنهم قدموا عقولهم على الشرع كما هو شائع بين أهل العلم، و إنما الحقيقة هي أنهم قدموا آراءهم و أهواءهم و ظنونهم على الوحي الصحيح، و العقل الصريح. فافتروا بذلك عليهما، و كانوا من أعدائهما بقصد أو بغير قصد.
و اتضح من ذلك أيضا أن المعتزلة كانوا أصحاب منهج علمي ناقص و مُنحرف لا يصلح أن يكون أساسا للفهم الصحيح، و لا للبحث و الاستدلال من جهة، و لا كانوا أصحاب منهج نقدي في تعاملهم مع الأحاديث النبوية و الروايات البشرية. و بسب هذا الانحراف عن المنهج العلمي الصحيح، مارسوا التغليط و التلبيس، و الانتقاء و الإغفال، و التأويل الفاسد، و قدموا أهواءهم و آراءهم على الشرع و العقل. فهم بهذا -و غيره من الانحرافات المنهجية- يكونون قد دخلوا مجال الفكر و العلم