منها من قال لا إله إلا الله )) [1] . لذا لا يصح للزمخشري و لا يحق له أن يجعل الحديث خاصا بالتائبين فقط، من دون أي دليل صحيح.
و ليس صحيحا قوله بأن كل التائبين يكونون أحوج الناس إلى الشفاعة من غيرهم. و إنما الذين يكونون أحوج الناس إليها هم عصاة المسلمين. و أما التائبون الصادقون فالأصل فيهم أنهم تابوا و عادوا إلى الصراط المستقيم، و ازداوا إيمانا و تقوى. لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و الله تعالى قد قبل توبتهم و غفر لهم، و بدّل سيئاتهم حسنات، لقوله سبحانه: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الفرقان 70 - . فأين ما زعمه الزمخشري من أن التائبين هم المعنيون بالشفاعة يوم القيامة لحاجتهم إليها؟؟!!. فالعصاة هم الأحوج إليها من غيرهم من المسلمين، و ليس ما زعمه الرجل بتأويله التحريفي للحديث!!.
و ختاما لهذا الفصل يُستنتج منه أن المعتزلة خالفوا الشرع و العقل في نفيهم تقدير الله تعالى و قضائه لقبائح البشر و دخولها في مشيئته. و خالفوهما في قولهم بأن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم، و أن مرتكب الكبيرة خالد مُخلد في النار أبدا.
و تبين أيضا أنهم كانوا مغالطين مُحرفين مُلبيسين في معظم مواقفهم المتعلقة بالقضاء و القدر و المشيئة الإلهية، فعلوا ذلك تعصبا و انتصارا لمذهبيتهم الزائفة. فلم يُفرّقوا بين إرادة الله تعالى الكونية و الشرعية، و لا بين ما يُحبه و يرضاه، و بين ما لايُحبه و لا يأمر به، مع دخوله في إرادته الكونية المهيمنة على العالم. و زعموا أن إدخال شرور البشر في قضاء الله و قدره و مشيئته هو ظُلم و قُبح، و لم يُفرّقوا بين فعل البشر لها و دخولها في المشيئة الإلهية. و لا ميزوا بين دور الإرادة الإلهية في حصول الهداية و الضلال، و بين دور الإنسان في اتخذاذ الأسباب المؤدية إلى ضلاله أو هدايته. فأوقعهم كل ذلك في أخطاء و انحرافات منهجية جنوا بها على الشرع و العقل معا.
(1) البخاري: الصحيح، ج 9 ص: 149.