أولها إن معرفة تاريخنا الفكري و المذهبي- كمذهب المعتزلة - و نقده هو أمر ضروري و مطلوب، و علينا أن ندرسه و ننقده لنستفيد من إيجابياته و سلبياته على حد سواء.
و الثاني هو أن الفكر الاعتزالي لم يمت و لم يختف، و إنما هو ما يزال موجودا حيا يتحرك، بأفكاره التي أثر بها في الفرق التي أخذت بأُصوله، أو ببعضها، كالشيعة، و الإباضية، و الأشعرية.
و المبرر الثالث مفاده أن الفكر الاعتزالي عرف في وقتنا الحاضر إحياءً و اهتماما و توسعا على أيدي المدرسة العلمانية الحديثة التي تتبنى الاعتزال و الرشدية، من رجالها: حسن حنفي، و محمد أركون، و محمد عابد الجابري، و غيرهم. فليس من الشرع، و لا من العقل، و لا من الحق، و لا من العدل أن نبقى نتفرج على ما يفعل هؤلاء، بدعوى أن المعتزلة فرقة كلامية طواها التاريخ. فمن حقنا و من الواجب علينا الرد على هؤلاء، في نشرهم لفكر المعتزلة و الدعوة إليه تحت مسميات و مبررات مختلفة.
و المبرر الأخير - الرابع- مضمونه أن الفكر الاعتزالي ما يزال إلى يومنا هذا يُدرّس في كثير من جامعات و معاهد العالم بطريقة فيها كثير من التحريف و التجني على الشرع و العقل و العلم. و هذا لا يصح السكوت عنه، فلا بد من دراسة الفكر الاعتزالي بطريقة علمية صحيحة و من كل جوانبه، و نبين ما له و ما عليه، و لا يصح أن نبالغ في تعظيمه و نسكت عن سلبياته و طاماته، و مهازله و تحريفاته، و أخطائه و تناقضاته. فجاء كتابنا هذا مساهمة منا لتحقيق جانب مما أشرنا إليه.
و أما فيما يخص منهجي في الرد على مذهب المعتزلة، فهو منهج يقوم على ثلاثة أُسس، ينطلق منها، و يحتكم إلها، و يُناقش بها، و ينتصر لها. و هي: الوحي الصحيح، و العقل الصريح، و العلم الصحيح. و هو منهج شرعي عقلي علمي مأخوذ من آيات قرآنية كثيرة، منها قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} - سورة الحج: 8 - .
و أُشير هنا إلى أنه يُوجد في بحثنا هذا تكرار لكثير من الأفكار، لكنه تكرار هادف وظيفي له مُبرراته. منها تشابه المواضيع و تداخلها فيما