أعلام التصوف الفارسي ثلاثة، هم على التوالي سنائي الغزنوي وفريد الدين العطار وجلال الدين الرومي. وقد حاز فريد الدين العطار هذه المنزلة الكبيرة بفضل ما قدمه للمكتبة الشرقية من مؤلفات ما زالت حتى اليوم تحظى بعظيم التقدير من جميع المهتمين بالتصوف الإسلامي داخل العالم الإسلامي، ولدى جميع المستشرقين الذين أولوا التصوف الإسلامي جل اهتمامهم وعظيم همتهم.
وإذا كانت جميع كتب فريد الدين العطار تحظى حتى اليوم بعظيم التقدير، فأعظمها جميعا وأوسعها شهرة منظومته الخالدة (منطق الطير) والتي تشهد بإبداع صاحبها في النظم، وتعد دليلا عظيما على تفوق الفرس في نظم القصة الشعرية منذ قرون عديدة، كما أن المنظومة فوق كل ذلك واحدة من شوامخ الفكر الصوفي الإسلامي، ولا غنى لأي مهتم بالتصوف الإسلامي عنها.
ونتيجة لما حظيت به هذه المنظومة الفريدة في فكرها وحبكة قصتها، أقدم عدد كبير من المستشرقين على دراستها ونقلها إلى لغاتهم، فقد ترجمت إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية، وحظيت كذلك باهتمام مفكري الشرق، فترجمت إلى اللغتين الهندية والتركية.
ونتيجة للصلات العميقة الجذور بين الأدبين العربي والفارسي، وكذلك الصلات الوطيدة بين التصوف العربي والتصوف الفارسي، أقدمت على ترجمة هذه المنظومة إلى اللغة العربية، لتكون في متناول
القارىء العربي المهتم بالتصوف الإسلامي، والذي لم تتح له الفرصة لمعرفة اللغة الفارسية، وليدرك مثقفونا أن الأدب الفارسي مليء بالكنوز التي تستحق منهم اهتماما كبيرا لا يقل عن اهتمامهم بالفكر الأوربي، ولعل هذا الاهتمام يحقق ما نصبو إليه من تكامل بين الثقافات الإسلامية المختلفة، أملا في تدعيم أواصر الأخوة بين شعوب العالم الإسلامي، وبخاصة الشعبين العربي والإيراني.