الصفحة 27 من 33

كذلك بالنسبة لدركات الشر هي أمور ينبغي للإنسان أن يأخذها على سبيل التوازن، وأعظم ما لا يفلح به المصلحون هو أنهم يجهلون مراتب الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، والأخذ بأسباب المدد من الله، يجهلون مراتب الخير، ومراتب الشر، فيخلطون في ذلك، ويقع التقصير والسلب في أثرهم في الإصلاح بحسب تقصيرهم في تلك المراتب؛ ولهذا يكون جهدهم قصيراً، وكثير من المصلحين يجتهد في إصلاحه، ولكن أثره في ذلك ضعيف، وهذا لأسباب عريضة جداً من هذه الأسباب: أن الله سبحانه وتعالى جعل مقادير قد جهلها الإنسان وهي البصيرة التي أمر الله سبحانه وتعالى بامتثالها كما في قول الله جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] ، يدعو إلى الله، ولم يقل يدعو إلى غير الله، ولكن مع الدعوة إلى الله لا بد أن تكون على بصيرة، ما هي هذه البصيرة التي تزيد عن الدعوة إلى الله؟ هي معرفة المراتب، معرفة مراتب المأمور به، الذي يصلح من الذي لا يصلح؛ لهذا كثير من الناس يشغلون أنفسهم بفضول المأمورات والدعوة إليها ويدعون الأصول العامة العظيمة، وربما استفرغ الإنسان وسعه وماله بمفضول أعمال البر والإصلاح، ويجهل الأمور العظيمة، ويقل نتاجه في ذلك وأثره في الأمة، ويكون في ذلك أثره قاصراً، وربما يكون الإنسان فرداً علم مراتب الإصلاح على سبيل التحقيق، فوفقه الله جل وعلا، ولو كان قليل ذات اليد قليل الجهد، قليل العلم، ليس بطليق اللسان ونحو ذلك، فيوفقه الله جل وعلا ويسدده؛ لأن الإنسان إذا كان حاذقاً في رميه، فإنه يرمي ولو رمى بسهم من خشب، وإذا كان الإنسان لا يصيب ولو رمى بأدق النبال ضرباً في ذلك، وأدق الأسلحة فإنه لا ينفع من ذلك شيء، وهذه سنة جعلها الله سبحانه وتعالى في إصابة الحق والباطل.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام