والدلالة الثانية من الآية: وهي أن الله تعالى أبقى اسم الإخوة الثابتة بالإيمان بقوله تعالى:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (الحجرات: 10) .
بين القاتل والمقتول بقوله تعالى:"فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ" (البقرة: 178) .
والدلالة الثالثة من الآية: أنه تعالى ما أخرج مرتكب الكبيرة عن اشتمال الرحمة والتخفيف بقوله تعالى:"ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ" (البقرة: 178) .
وهذه الوجوه الثلاثة مروية عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والآيات الواردة في وعيد الفساق فبعضها يوجب تعميم الوعيد، وبعضها يوجب تعميم الوعد، ولا يمكن الترجيح لما في ذلك من تعطيل بعض الآيات، والإيمان ثابت يتغير، فلا يزول بالشك، فوجب حمل آيات الوعيد على استحلال الذنب، كقوله تعالى:"وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا" (النساء: 93) .
أي: متعمداً لإيمانه، أي: قتله لأجل أنه مؤمن، ومن هذا قصده يكون كافراً، والذي يؤيد التأويل أن الله سبحانه وتعالى جعل موجب القتل العمل القصاص وبقي اسم الإيمان والأخوة وجعله أهلا للرحمة على ما مر.
والدليل على أن الكبيرة لا تزيل الإيمان ولا توجب النفاق: أن إخوة يوسف عليه السلام ائتمنوا فخانوا حيث ألقوه في غيابة الجب، وحذثوا فكذبوا حيث قالوا: أكله الذئب، وباعوه بثمن بخس، ولم يكن في شريعتهم بيع الأخ حلالاً، ووعدوا حيث قالوا:"وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (يوسف: 12) .
والقول بتكفير الأنبياء كفر صراح ولأن المعتزلة والخوارج اعتبروا أن المرء بارتكاب الكبيرة ييأس من روح الله ورحمته ويقنط من يرتكبها وإنه"لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: 87) .
والذي يدل عليه قوله تعالى:"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر: 53) .
فالله تعالى لم يقنط المسرفين من عباده ولم ييأسهم من رحمته، وهم أيسوهم وقنطوهم فقد ردوا نص الكتاب، والله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالرحمة والغفران والعفو، وذلك ما يعارض آيات الوعيد، ولأن من أمارات الكرم إنجاز الوعد واختلاف الوعيد، ولأنه