فهرس الكتاب
الصفحة 13 من 43

وهذه العبارات المنطوقة دالة عليه، فإن عبر عنه بالعربية سُمّي قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية سمي توراة. فالاختلاف على العبارة المؤدية لا على كلام الله تعالى.

وزعم جمهور المعتزلة أن كلام الله تعالى عرض محدث أحدثه الله تعالى في محل فصار به متكلماً، وهو من جنس الحروف المكتوبة والأصوات تعالى الله وكلامه عن ذلك علوّاً كبيراً. وقالت الحنابلة: إن الحروف المكتوبة والأصوات المنطوقة قديمة وهي كلام الله، وأحمد رضي الله عنه بريء من ذلك.

والحجة لأهل الحق: قوله تعالى:"وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكلِيماً" (النساء: 164) .

وقوله تعالى:"وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ" (الأعراف: 143) .

ومن جهة العقل أن الباري جل وعلا لو لم يكن متكلماً في الأزل لكان موصوفاً بالضد من أضداد الكلام كالسكوت والآفة وذلك من أمارات الحدث لأنها نقائص على ما مر، وذلك مستحيل في حق الله تعالى، وإذا لم يكن موصوفاً في الأزل بضد من أضداد الكلام لا يستحيل اتصاف الذات بالكلام، وإذا ثبت أنه تعالى موصوف في الأزل انتفى منه الحدوث لاستحالة قيام المحدث القديم على ما مر في مسألة التكوين والمكون. ولا يستقيم قول المعتزلة: إنه عرض أحدثه في محل مضاربه متكلماً لأن ذلك المحل يتصف بالكلام فيصير المتكلم ذلك المحل. فلا يبقى كلام الله تعالى وصار ذلك المحل قائلاً: أنا الله تعالى لا إله إلا أنا فاعبدني. وهذا لا يخفى على عاقل بطلانه وقبحه وسخافة قائله.

ولا وجه لقول من قال أحدثه لا في محل لأن الكلام صفة، وقيام الصفة لا بمحل محال.

وقال القاضي أبو يوسف: ناظرت أبا حنيفة رضي الله عنهما كذا وكذا شهراً فاتفق رأيي ورأيه على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر.

وقولنا: القرآن غير مخلوق أي: المعاني التي هي في ضمنها على هذا النظم الخاص لأنه كلام الله تعالى، ومقتضى إلهيته السبحانية عن معاني الخلق، وكذا كلامه يكون على وصف السبحانية، عز عن معاني الخلق، فلا يوصف بالحروف والأصوات، والحرف والصوت مخلوق خلقه الله ليجعل به التفاهم والتخاطب لحاجة العباد إلى ذلك، والباري سبحانه وتعالى وكلامه مستغنٍ عن ذلك وهو معنى قوله:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام