خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (36)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى [ الفصل الثالث في الآداب مع الخلق]، وعرفنا ما يجب علينا لوالدينا، والآن مع ما يجب لأولادنا، وإن شئتم ألخص لكم ما يجب لوالدينا، فإليكم ذلك:
أولاً: طاعتهما في كل ما يأمران به ولدهما، أو ينهيان عنه، ليس فيه معصية لله تعالى ومخالفة لشرعه، أما أمر فيه معصية الله فلا طاعة، إذ: ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) قاعدة معروفة عند المؤمنين والمؤمنات.
ثانياً: توقيرهما وتعظيم شأنهما، وخفض الجناح لهما، وتكريمهما بالقول وبالفعل، فلا ينهرهما ولا يرفع صوته فوق صوتهما، ولا يمشي أمامهما، ولا يؤثر عليهما زوجة ولا ولداً، ولا يدعوهما باسمهما، بل بـ(يا أبي! ويا أمي!) ولا يسافر إلا بإذنهما وبرضاهما.
ثالثاً: برهما بكل ما تصل إليه يداه، ويتسع له طاقته من أنواع البر والإحسان، كإطعامهما وكسوتهما، وعلاج مريضهما، ودفع الأذى عنهما، وتقديم النفس فداء لهما.
رابعاً: صلة الرحم التي لا رحم له إلا من قبلهما، والدعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما. هذه حقوق الوالدين على الأولاد.
[ ثانياً: الأولاد:] فالآن نشرع في ذكر أدب الأب المسلم مع أولاده. قال: [ المسلم ] كررنا هذا القول، المسلم بحق وصدق الذي أسلم قلبه ووجهه لله فلا يرى غير الله [ يعترف بأن للولد ] أي: لولده [ حقوقاً عليه يجب عليه أداؤها له، وآداباً يلزمه القيام بها إزاء ولده، وهي تتمثل ] أي: تلك الآداب تتجسد وتتصور [ في اختيار والدته ] اختر أيها الرجل! امرأة تكون صالحة لأولادك، لا تتزوج فاسدة فيصبح أولادها فاسدين، ثم تلوم أولادك، فيجب عليك أولاً: اختيار والدته [وحسن تسميته] أن يحسن تسميته، فلا يسميه اسماً يكرهه الناس أو يتشاءمون به [ وذبح العقيقة عنه يوم سابعه ] يوم سابع الولادة يذبح شاة أو شاتين إن كان ذكراً [وختانه ورحمته، والرفق به، والنفقة عليه وحسن تربيته، والاهتمام بتثقيفه وتأديبه ] يهتم الوالد بتثقيف وتأديب ولده [ وأخذه بتعاليم الإسلام، وتمرينه على أداء فرائضه وسننه وآدابه، حتى إذا بلغ زوجه، ثم خيره بين أن يبقى تحت رعايته وبين أن يستقل بنفسه ] أي: الولد المتزوج [ ويبني مجده بيده ] لأنه أصبح رجلاً متزوجاً [ وذلك لأدلة الكتاب والسنة الآتية ] فهذا الذي قلنا من أن الوالد مطالب به لولده له أدلته من الكتاب والسنة، فلا يقال هذا بالرأي، بل له أدلة: قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
الأدلة من القرآن الكريم على حقوق الأولاد على الآباء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ [التحريم:6] أليس الولد من الأهل؟! بلى. فكيف نقيه؟ نعلمه الإسلام ونحضه عليه ونبينه له حتى يصبح مؤمناً مسلماً صالحاً؛ وبذلك وقيناه من عذاب النار، فالآية دليل على وجوب تربية الأولاد وتعليمهم الإسلام. فهل عرف الآباء هذا؟! أولادهم صعاليك يلعبون إلى نصف الليل في الشوارع، ويقولون السفه. فأين آباؤهم؟! أين جيرانهم؟! أين إخوانهم؟! يتركون أولادهم ليعيشوا على المنكر والباطل؛ فتقسو قلوبهم وتخبث أرواحهم ويكبرون وقد طبع على قلوبهم! واأسفاه! واحسرتاه! قلنا لهم: خذوا أولادكم إلى المسجد! يا رجل -وإن عنده سبعة أولاد- خذهم معك إلى المسجد، اربطهم بحبل ويصلون معك، ويخرجون من المسجد معك، وإن كان لك عملاً يقتضيه حالك فأمهم في البيت ترعاهم حتى تعود إليهم، أما إهمالهم في الشوارع والطرقات يتعلمون الباطل من بعضهم البعض فتقسو قلوبهم وتشتد قساوة قلوبهم فلا يجوز. من يصلحهم بعد ذلك؟!
قال: [ كما أن في الآية الأولى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] دليل وجوب نفقة الولد على الوالد، إذ النفقة الواجبة للمرضعة كانت بسبب إرضاعها الولد ] وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] فالذي ينفق على المرضع هو الوالد أبو الولد [ وقال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء:31] ] حرم الله قتل الأولاد، إذ كانوا يقتلونهم خشية الفقر؛ فحرم الله قتل الأولاد. ومعنى هذا: أنه إذا حرم قتلهم حرم أذيتهم وكل ما يضر بهم.
الأدلة من السنة النبوية على حقوق الأبناء على الآباء
الذنب الثاني الأعظم: (أن تقتل ولدك- طفلك- خشية أن يطعم معك) إذ كانوا من شدة الفقر يقتلون بناتهم وأولادهم الذكور أيضاً، وأما الآن فلم يبلغنا، لكن يوجد في العالم في ديار الكفر من يقتل الطفل، لكن الإجهاض موجود، لما تحمل زوجته يخاف من الولد فيجهضه لسبب من الأسباب، ولا يحل أبداً قتل النفس، والشاهد عندنا في قوله صلى الله عليه وسلم: ( أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك).
ثالثاً: (أو تزني بحليلة جارك) أي: بزوجة جارك أو ببنت جارك، ولا فرق بين الجار والبعيد، لكن أقبح ما يكون جارك الذي يجب أن تحميه، فإذا بك تفجر بنسائه!! إذ حق الجار أعظم الحقوق!
و الزنا حرام سواء في الشرق أو الغرب، وهو من كبائر الذنوب -والعياذ بالله تعالى- وأهله موعودون بجهنم والخلود فيها، لكن كونها امرأة جارك أو بنت جارك فهي أعظم فاحشة؛ لأنه يجب أن تصون جارك وتحميه وتموت دونه، فالذي يزني بحليلة جاره ارتكب أعظم ذنب وأكبره.
قال: [ فالمنع من قتل الأولاد مستلزم لرحمتهم والشفقة عليهم، والمحافظة على أجسامهم وعقولهم وأرواحهم] فعدم القتل مستلزم للرحمة، فلا بد أن ترحمهم وأن تشفق عليهم، وأن تحافظ على أجسامهم وعقولهم وأرواحهم [ وقال صلى الله عليه وسلم في العقيقة على الولد: ( الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ) ] وهذا دليل على وجوب العقيقة. (الولد مرتهن) رهينة. (تعق عنه يوم السابع) سابع ولادته. وقد تقدم أن عرفنا: أنه إن كان ذكراً يذبح شاتين، وإن كان أنثى يذبح شاة واحدة، وتقدم أن عرفنا: أن هذا على المستطيع، أما العاجز فلا يكلف بهذا، وأما القادر فنعم [ ( ويسمى فيه ويحلق رأسه ويتصدق بشعره بوزنه ذهباً )، هذه حقوق الولد على الوالد: يسميه ويختار له أحسن الأسماء، ويعق عليه -يذبح شاة أو شاتين- ويحلق رأسه وإن قلّ، ويزنه ويتصدق بوزنه ذهباً، قد يصل وزن شعره إلى ربع جرام أو ثلث جرام، هذه حقوق الولد على الوالد [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( الفطرة -أو سنن الفطرة- خمس: الختان ) ] أي: للأولاد، والبنات أيضاً، الخفاض للبنات والختان للأولاد [ ( والاستحداد ) ] حد الشعر حول العانة [ ( وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط ) ] هذه من خصال الفطرة يرعاها المؤمن، ومن بينها الختان للولد وهو حق من حقوقهم، وحلق شعر العانة، وقص الشارب إذا طال وهبط على الشفة، وتقليم الأظفار بأي واسطة، ونتف الإبط [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم، فإن أولادكم هدية إليكم ) ] (أكرموا أولادكم) ذكوراً أو إناثاً، (وأحسنوا آدابهم) تربيتهم وتثقيفهم، فإن أولادكم هدية أهداها الله إليكم؛ فكيف تفرطون فيها أو تهملونها؟! [ وقال عليه الصلاة والسلام: ( ساووا بين أولادكم في العطية ) ] هذه حقوق الأولاد، ما تعطي زيداً وتترك عمْراً! ما تعطي هذا الولد وتترك هذا! سو بينهما، إن أعطيت هذا درهماً أعطِ للثاني درهماً مثله، وإن أعطيت هذا حديقة أعطِ الثاني حديقة: ( ساووا بين أولادكم في العطية )، فلا يحل أبداً أن تعطي أحد أولادك وتترك الثاني، أو تعطي أقل مما أعطيت الأول، لابد من التسوية [ ( فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء ) ] هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ( ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء )لضعفهن وعجزهن، ولكن لا أفضل أحداً على أحد، فإذا أعطيت سو بين الولد والبنت فيما أعطيته وقسمته على أولادك: ( فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء )؛ والعلة الضعف والعجز [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( مروا ) ] هذا فعل أمر [ ( أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع )] هذا الحديث ينبغي أن نحفظه يا معشر المستمعين والمستمعات! أو نخرج من الدرس فارغي القلوب؛ لماذا لا نحفظ حديثاً كهذا؟! فهيا باسم الله نحفظه:
يقول: ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع )، فلا ينام الطفل مع أخته، ولا الطفل مع أخيه، إلا إذا كان لكل منهما ثياب يلبسها، أما عراة فلا يجوز.
إذاً: نحن مأمورون بأن نأمر أولادنا بالصلاة إذا دخلوا السنة السابعة، وإذا أضاعوها وهم في العاشرة يجب أن نضربهم بعصا حتى يصلوا، ونفرق بينهم في المضاجع، فلا ينامون تحت غطاء واحد في فراش واحد وعوراتهم مكشوفة.
من منا حفظ هذا الحديث: ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع )؟
قلها ولو باللسان الدارج ينفعك ذلك: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة إذا وصلوا سبع سنين، وأن نضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، وأن نفرق بينهم في المضاجع في الفراش.
ذكر أقوال السلف في حقوق الولد على والده
وأول إحساني إليكم تخيري لماجدة الأعراق بادٍ عفافها ].
هذا امتنان على أولاده لما كبروا، فمن الممكن أنهم تبجحوا أو امتنوا عليه؛ فقال: الفضل لي أنا.
وأول إحساني إليكم تخيري لماجدة الأعراق باد عفافها
والشاهد: لماجدة الأعراق باد عفافها: هو طهرها وصفاؤها. امرأة صالحة من عشيرة صالحة؛ فلهذا كنتم أنتم صالحين.
[ أولاً: قوله تعالى في كتابه: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، ففي هذه الآية] الكريمة من سورة التحريم [ الأمر بوقاية الأهل من النار ] قُوا أَنفُسَكُمْ [التحريم:6] أي: احفظوهم من النار [ وذلك بطاعة الله تعالى، وطاعته تعالى تستلزم معرفة ما يجب أن يطاع فيه تعالى، وهذا لا يتأتى بغير التعلم ] ومن هنا وجب تعليم الولد [ ولما كان الولد من جملة أهل الرجل كانت الآية دليلاً على وجوب تعليم الوالد ولده، وتربيته وإرشاده، وحمله على الخير والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وتجنيبه الكفر والمعاصي والمفاسد والشرور؛ ليقيه بذلك عذاب النار ] أما أمرنا تعالى أن نقي أنفسنا وأهلينا من النار؟ كيف نقي أنفسنا؟ بالإيمان والعمل الصالح، وترك الشرك والمعاصي، فأولادنا وأزواجنا نقيهم بتعليمهم طاعة الله وحثهم عليها، وإلزامهم بها، وهم بذلك يتقون النار، فلا بد إذاً: من تعليم الأولاد ما يضرهم وما ينفعهم، ولابد من تعليمهم العقيدة السليمة الصحيحة، ولا بد من تعليمهم آداباً وأخلاقاً يتحلون بها، وعبادات يزاولونها ليل نهاراً طول حياتهم؛ وبذلك تكون الوقاية، فالعمل الصالح هو محاب الله عز وجل، فيجب أن يعرف محاب محبوبه، والمحاب يقابلها المكاره، فيجب أن تعرف ما يكره الله من كل مكروه من قول أو عمل؛ حتى تتجنبه ويتجنبه ولدك، وإلا كيف تكون الوقاية من النار؟! إلى أين نهرب؟!
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ [التحريم:6] أليس الولد من الأهل؟! بلى. فكيف نقيه؟ نعلمه الإسلام ونحضه عليه ونبينه له حتى يصبح مؤمناً مسلماً صالحاً؛ وبذلك وقيناه من عذاب النار، فالآية دليل على وجوب تربية الأولاد وتعليمهم الإسلام. فهل عرف الآباء هذا؟! أولادهم صعاليك يلعبون إلى نصف الليل في الشوارع، ويقولون السفه. فأين آباؤهم؟! أين جيرانهم؟! أين إخوانهم؟! يتركون أولادهم ليعيشوا على المنكر والباطل؛ فتقسو قلوبهم وتخبث أرواحهم ويكبرون وقد طبع على قلوبهم! واأسفاه! واحسرتاه! قلنا لهم: خذوا أولادكم إلى المسجد! يا رجل -وإن عنده سبعة أولاد- خذهم معك إلى المسجد، اربطهم بحبل ويصلون معك، ويخرجون من المسجد معك، وإن كان لك عملاً يقتضيه حالك فأمهم في البيت ترعاهم حتى تعود إليهم، أما إهمالهم في الشوارع والطرقات يتعلمون الباطل من بعضهم البعض فتقسو قلوبهم وتشتد قساوة قلوبهم فلا يجوز. من يصلحهم بعد ذلك؟!
قال: [ كما أن في الآية الأولى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] دليل وجوب نفقة الولد على الوالد، إذ النفقة الواجبة للمرضعة كانت بسبب إرضاعها الولد ] وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] فالذي ينفق على المرضع هو الوالد أبو الولد [ وقال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء:31] ] حرم الله قتل الأولاد، إذ كانوا يقتلونهم خشية الفقر؛ فحرم الله قتل الأولاد. ومعنى هذا: أنه إذا حرم قتلهم حرم أذيتهم وكل ما يضر بهم.
[ ثانياً:] بعد الآيات الكريمة إليكم الأحاديث النبوية الشريفة [ قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أعظم الذنوب ] فأجاب صلى الله عليه وسلم بقوله [ (أن تجعل لله نداً وهو خلقك، وأن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، وتزاني بحليلة جارك)] سائل مؤمن يسأل: (أي الذنوب أعظم يا رسول الله؟!) دلنا عليه حتى نتجنبه ونبتعد عنه، ونرحل حتى من ساحته ووبائه؛ فيجيبه صلى الله عليه وسلم بقوله: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) أي: ضداً، إلهاً آخر يعبد معه، أو يعبد دونه. ناده: ضاده. فالذي يدعو غير الله ناد الله وضاده بإنسان أو مخلوق، يدعوه كما يدعو الله، فالذي يعبد غير الله قد جعل ذاك المعبود نداً لله تعالى: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، أيخلقك وتلتفت إلى غيره وتغمض عينيك عنه؟! أيخلقك لعبادته ويرزقك لعبادته، ويرزقك لعبادته، ويوجد دار السلام من أجلك وتغمض عينيك وتذكر غيره، وتستغيث بسواه وتعبد غيره؟! أي ضلال أعظم من هذا الضلال؟! أي ظلم أعظم من هذا؟ والله لا ذنب أعظم من هذا؟! فلهذا قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك).
الذنب الثاني الأعظم: (أن تقتل ولدك- طفلك- خشية أن يطعم معك) إذ كانوا من شدة الفقر يقتلون بناتهم وأولادهم الذكور أيضاً، وأما الآن فلم يبلغنا، لكن يوجد في العالم في ديار الكفر من يقتل الطفل، لكن الإجهاض موجود، لما تحمل زوجته يخاف من الولد فيجهضه لسبب من الأسباب، ولا يحل أبداً قتل النفس، والشاهد عندنا في قوله صلى الله عليه وسلم: ( أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك).
ثالثاً: (أو تزني بحليلة جارك) أي: بزوجة جارك أو ببنت جارك، ولا فرق بين الجار والبعيد، لكن أقبح ما يكون جارك الذي يجب أن تحميه، فإذا بك تفجر بنسائه!! إذ حق الجار أعظم الحقوق!
و الزنا حرام سواء في الشرق أو الغرب، وهو من كبائر الذنوب -والعياذ بالله تعالى- وأهله موعودون بجهنم والخلود فيها، لكن كونها امرأة جارك أو بنت جارك فهي أعظم فاحشة؛ لأنه يجب أن تصون جارك وتحميه وتموت دونه، فالذي يزني بحليلة جاره ارتكب أعظم ذنب وأكبره.
قال: [ فالمنع من قتل الأولاد مستلزم لرحمتهم والشفقة عليهم، والمحافظة على أجسامهم وعقولهم وأرواحهم] فعدم القتل مستلزم للرحمة، فلا بد أن ترحمهم وأن تشفق عليهم، وأن تحافظ على أجسامهم وعقولهم وأرواحهم [ وقال صلى الله عليه وسلم في العقيقة على الولد: ( الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ) ] وهذا دليل على وجوب العقيقة. (الولد مرتهن) رهينة. (تعق عنه يوم السابع) سابع ولادته. وقد تقدم أن عرفنا: أنه إن كان ذكراً يذبح شاتين، وإن كان أنثى يذبح شاة واحدة، وتقدم أن عرفنا: أن هذا على المستطيع، أما العاجز فلا يكلف بهذا، وأما القادر فنعم [ ( ويسمى فيه ويحلق رأسه ويتصدق بشعره بوزنه ذهباً )، هذه حقوق الولد على الوالد: يسميه ويختار له أحسن الأسماء، ويعق عليه -يذبح شاة أو شاتين- ويحلق رأسه وإن قلّ، ويزنه ويتصدق بوزنه ذهباً، قد يصل وزن شعره إلى ربع جرام أو ثلث جرام، هذه حقوق الولد على الوالد [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( الفطرة -أو سنن الفطرة- خمس: الختان ) ] أي: للأولاد، والبنات أيضاً، الخفاض للبنات والختان للأولاد [ ( والاستحداد ) ] حد الشعر حول العانة [ ( وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط ) ] هذه من خصال الفطرة يرعاها المؤمن، ومن بينها الختان للولد وهو حق من حقوقهم، وحلق شعر العانة، وقص الشارب إذا طال وهبط على الشفة، وتقليم الأظفار بأي واسطة، ونتف الإبط [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم، فإن أولادكم هدية إليكم ) ] (أكرموا أولادكم) ذكوراً أو إناثاً، (وأحسنوا آدابهم) تربيتهم وتثقيفهم، فإن أولادكم هدية أهداها الله إليكم؛ فكيف تفرطون فيها أو تهملونها؟! [ وقال عليه الصلاة والسلام: ( ساووا بين أولادكم في العطية ) ] هذه حقوق الأولاد، ما تعطي زيداً وتترك عمْراً! ما تعطي هذا الولد وتترك هذا! سو بينهما، إن أعطيت هذا درهماً أعطِ للثاني درهماً مثله، وإن أعطيت هذا حديقة أعطِ الثاني حديقة: ( ساووا بين أولادكم في العطية )، فلا يحل أبداً أن تعطي أحد أولادك وتترك الثاني، أو تعطي أقل مما أعطيت الأول، لابد من التسوية [ ( فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء ) ] هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ( ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء )لضعفهن وعجزهن، ولكن لا أفضل أحداً على أحد، فإذا أعطيت سو بين الولد والبنت فيما أعطيته وقسمته على أولادك: ( فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء )؛ والعلة الضعف والعجز [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( مروا ) ] هذا فعل أمر [ ( أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع )] هذا الحديث ينبغي أن نحفظه يا معشر المستمعين والمستمعات! أو نخرج من الدرس فارغي القلوب؛ لماذا لا نحفظ حديثاً كهذا؟! فهيا باسم الله نحفظه:
يقول: ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع )، فلا ينام الطفل مع أخته، ولا الطفل مع أخيه، إلا إذا كان لكل منهما ثياب يلبسها، أما عراة فلا يجوز.
إذاً: نحن مأمورون بأن نأمر أولادنا بالصلاة إذا دخلوا السنة السابعة، وإذا أضاعوها وهم في العاشرة يجب أن نضربهم بعصا حتى يصلوا، ونفرق بينهم في المضاجع، فلا ينامون تحت غطاء واحد في فراش واحد وعوراتهم مكشوفة.
من منا حفظ هذا الحديث: ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع )؟
قلها ولو باللسان الدارج ينفعك ذلك: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأمر أولادنا بالصلاة إذا وصلوا سبع سنين، وأن نضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، وأن نفرق بينهم في المضاجع في الفراش.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4156 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4082 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3869 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3863 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3834 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3823 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3748 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3646 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3633 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3607 استماع |