الرزق والأسباب الجالبة له
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
شُغل بعض الناس بطلب الرزق ، وبالغ البعض في بذل الأسباب المشروعة وغير المشروعة، وتشاغلوا عما خلقوا من أجله، قال جلّ في علاه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} [الذاريات:56]. وعبادة الله قد تكون في طلب الرزق شريطة أن تكون الأسباب مشروعة والوسائل مباحة، قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]، {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [ الجمعة :10]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما مَنَعْتَ» [مجمع الأوسط:7/141]. وقد "تكفّل الحق سبحانه للإنسان برزقه، وجعل للرزق أسبابًا وكل ما على الإنسان هو أنْ يأخذ بهذه الأسباب ثم لا يشغل باله همًا في موضوعه، ولا يظن أن سَّعْيه هو مصدر الرزق، لأن السعي سبب، والرزق من الله، وما على الإنسان إلا أنْ يتحرى الأسباب، فإنْ أبطأ رزقه فليرح نفسه؛ لأنه لا يعرف عنوانه، أمّا الرزق فيعرف عنوان الإنسان وسوف يَأتيه يطرق عليه الباب". قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ .
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون} [الذاريات:22-23]، ولما سمع أعرابي هذه الآية صاح بأعلى صوته وقال: "يا سبحان الله ! من الذي أغضب الجليل حتى حلف".
قال الحسن البصري رحمه الله: كثيرًا ما وجدنا من طلب الآخرة وأتته الدنيا ولكننا لم نجد من طلب الدنيا وأتته الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهَرَبُ مِنَ الْمَوْتِ؛ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ» [صحيح الجامع: 5240]، فلو وعى الإنسان هذه الحقيقة لطابت نفسه وسكن قلبه ولم تذهب حياته حسرات على فوات نصيب من الدنيا، فإن أعطي بعد أخذ الأسباب شكر وإن منع حمد الله وصبر.
ولعلي في هذا المقال أشير إلى بعض الأسباب المشروعة الجالبة للرزق وهي:
1- تحقيق التوحيد ، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [الأعراف:96].
2- الصلاة وأمر الأهل بها قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]، قال سفيان الثوري: في قوله: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} قال: لا نكلفك الطلب، يقول أحد السلف: ما افتقر ولا احتاج للبشر من عمل بهذه الآية.
3- تقوى الله عز وجل قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً .وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [ الطلاق :2-3]
4- الاستغفار قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً.
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً.
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12]، وقال: النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أكثر الاستغفار جعل الله له من كل همَّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب» [مسندأحمد: 4/56].
5- التوكل على الله ، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً» [صحيح الجامع: 5254].
6- صلة الرحم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه»
7- الإنفاق ( الصدقة )، قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين} [سبأ:39].
8- المتابعة بين الحج والعمرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد» [صحيح ابن حبان: 3693].
9- الزواج ، قال تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم} [النور:32].
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "عجبًا لمن لم يلتمس الغنى في النكاح "، والله يقول: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه} [النور:32].
10- الدعاء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم أبي أمامة رضي الله عنه: «دخل رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال يا أبًا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة قال هموم لزمتني وديون يا رسول اللهِ قال أفلا أعلمك كلاما إذاأنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك قال قلت بلى يا رسولاللهِ قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني» [سنن أبي داود: 1555]، قال أحد السلف: "ما افتقر ولا احتاج للبشر من عمل بهذه الآية".
11- شكر النعم، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد} [إبراهيم:7]، قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "قيَّدوا نعم الله بشكر الله، فالشكر قيد النعم".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: عبدالرحمن بن عبدالله الطريف