حكم إعطاء المسلم صوته الانتخابي لغير المسلم - محمد بن شاكر الشريف
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
نجاح الثورة في إزالة رأس النظام الطاغية فتح المجال أمام مشاركة الإسلاميين الفعالة في الانتخابات النيابية، وهذه بدورها فرضت بعض القضايا التي لم تكن تظهر أيام حكم المخلوع، ومن ذلك قضية انتخاب النصراني في الانتخابات، مع أنه من حيث الواقع لم يكن النصارى يدخلون المجالس النيابية إلا عن طريق التعيين، أما عن طريق الاختيار فلم يكن ينجح منهم أحد رغم ضعف الوعي الديني في تلك الأزمنة، واليوم يتجدد الحديث في هذه المسألة حيث يثيرها بعض الناس من قبيل الإحراج للتيار الإسلامي علهم يحصلون على فتاوى من بعض الدعاة تعطيهم الحق في الحصول على صوت المسلمين.
والحديث في مثل هذه المسائل ينبغي أن يكون محكوماً بالدليل وفق الضوابط الفقهية والقواعد الأصولية في الفهم والاستنباط، وليس بالعواطف أو المساومات التصالحية، وهذا الاجتهاد يحتاج إلى مراعاة ما يلي:
1- التكييف الفقهي لعمل النائب البرلماني:
عضو البرلمان وإن كان يقال عنه هو وكيل عن الشعب أو نائب عنه لكن هذا التخريج لا يستقيم على قواعد الوكالة أو النيابة.
أولا: عضو البرلمان لا ينظر إليه تلك النظرة على أنه وكيل أو نائب من انتخبه في الدائرة التي ترشح فيها، ولكن ينظر إليه على أنه وكيل أو نائب عن الشعب كله فكيف يكون وكيلا أو نائبا عن من لم يوكله أو ينيبه؟
ثانيا: أن عضو البرلمان بعد حصوله على العضوية لا يملك من يعد وكيلا أو نائبا عنه عزله بمقتضى إرادته، وهذا يخالف مقتضيات الوكالة أو النيابة؛ لأن المستنيب أو الموكل يملك إلغاء الوكالة أو الاستنابة في أي وقت شاء ولا يلزم هذا الإلغاء حتى يكون صحيحاً سوى وجود إرادة الموكل أو المستنيب، وحينئذ يقال تكييف عضو المجلس على أنه وكيل أو نائب فقط لا يستقيم، لكن من حيث استحقاقه لهذا المنصب عن طريق الاختيار من قبل أفراد دائرته الانتخابية فمن الممكن أن يعد من هذه الناحية أنه يمثل وكالة ناقصة غير تامة.
ثالثا: يقوم عضو المجلس بالمراقبة والمتابعة للسلطة التنفيذية فمن الممكن أن يعد من هذه الناحية أنه يقوم بمهمة أهل الحل والعقد الذين يقومون بالحسبة السياسية على السلطة التنفيذية، وأهل الحل والعقد لهم ولاية كاملة ومن ثم فإن النصراني لا يجوز اختياره لهذا الأمر من ذلك الباب.
رابعا: يقوم المجلس بسن بعض القوانين والأنظمة فهو في ذلك يقوم بما يسمى بسلطة إيجاد الأنظمة أو ما يسمى بالسلطة التشريعية، والتقنين والتنظيم في بلاد المسلمين لا بد أن يتم من خلال الالتزام بالأحكام الشرعية، وغير المسلم لا يفقه في ذلك شيئا بل المسلم غير المؤهل تأهيلا علميا لا يصلح أن يكون من أهل هذا الشأن.
وهكذا فيمكننا النظر إلى عضو المجلس إلى أنه قائم بعدد من المهام التي لا تصفو لتكييف واحد، وعلى ذلك قد يكون الأدق النظر إلى عضو المجلس من ناحية تكييف جديد لا يرتبط بالتكييف التقليدي، وعلى ذلك يكون لعضو المجلس تكييف قائم بذاته لا مثيل له فيما تقدم من أعمال حيث يأخذ من كل مهمة بطرف، فهو يقوم بأعمال تعد من قبل أعمال أهل الحل والعقد كما يقوم بأعمال تعد من قبيل عمل السلطة التشريعية، كما أن طريقة وصوله لهذه العضوية ترتكز على طبيعة الوكالة والنيابة، فهو بذلك كائن مركب من كل هذه الوظائف، ومن ثم فإنه يمكن تكييف عمل عضو المجلس على أنه ولاية اجتمع فيها الكثير من الوظائف والأعمال، ومن ثم فإن هذه العضوية لا ينالها إلا المسلم المأمون في دينه عقيدته وعبادته لأنها ولاية، فلا يتولاها غير المسلم كما لا يتولاها اختيارا المسلم الفاجر أو صاحب الكبائر، لكن عند التعارض وعدم إمكانية الجمع بين صلاح المسلم الديني وأهليته للعمل المراد، فيمكن في هذه الحالة أن يقدم صاحب الأهلية على صاحب الصلاح بالنظر إلى أن مردود الصلاح راجع لصاحبه ومردود الأهلية راجع لجماعة المسلمين، وذلك عند إمكان انفصال الصلاح عن الكفاءة بحيث يوجد أحدهما ويغيب الآخر بمعنى أنهما غير مرتبطين أو متلازمين، وعلى ذلك أفتى من أفتى من أهل العلم لو كان هناك أميرا جهاد أحدهما أصلح دينا من الآخر والثاني أكفأ عسكريا من الصالح فمع أيهما يكون الغزو؟ فكان الجواب مع الأكفأ وإن كان فاجرا؛ لأن كفاءته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الثاني فضعفه على المسلمين وصلاحه لنفسه، لكن هذه الفتوى في المفاضلة بين الأشخاص عندما يكون الشخصان مسلمين، ومن البين إمكان انفصال أحد الأمرين عن الآخر بحيث يوجد أحدهما ويغيب الآخر.
2- أحكام الولاء والبراء :
بالنظر إلى أن الشريعة قد أوجدت بين المسلمين ولاء يشملهم بحسب انتمائهم لهذا الدين من غير نظر إلى أوطانهم وألوانهم ولغاتهم، وفي الوقت نفسه أوجدت قدرا من التباعد بين المسلمين والكفار الذين لا يؤمنون بهذا الدين القويم بحيث يتبرأ المسلم من الكافر من دينه وعمله من غير أن يكون في هذا ظلم لغير المسلم بل يحفظ دمه وماله وعرضه ما دام محافظا على عقد الذمة، فإنه بمقتضى الولاء بين المؤمنين والبراء من الكافرين لا يصلح أن يكون النصراني عضوا من أعضاء المجلس النيابي؛ لأن اختيارهم أعضاء في المجلس النيابي يعد توليا لهم، يقول ابن القيم عن حكم تولية أهل الذمة بعض شئون البلاد الإسلامية: "ولما كانت التولية شقيقة الولاية كانت توليتهم نوعا من توليهم، وقد حكم تعالى بأن من تولاهم فإنه منهم، ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة، فلا تجتمع البراءة والولاية أبدا، والولاية إعزاز، فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبدا، والولاية صلة، فلا تجامع معاداة الكافر أبدا" أ.هـ.
3- الموازنة بين الكفاءة والديانة:
الكفاءة معتبرة في من تسند إليه الأعمال، والأعمال التي يقوم بها عضو المجلس ليست عملا عضليا أو بدنيا مجردا وإنما عمل ذهني بالدرجة الأولى يعتمد على ويتأثر بالخلفية الفكرية أو التصورية للعضو، والدين أكبر مكون من مكونات الفكر والتصور فعندما نوازن بينهما في حالة عضو المجلس فإن منزلة الدين أعلى من منزلة الكفاءة، والحقيقة أن كفاءة عضو المجلس النيابي مرتبطة بدينه؛ لأن عمله ليس عملا عضليا أو بدنيا وإنما عمل ذهني فكري تصوري، ولا يتصور المفاضلة بين الديانة والكفاءة في عمل العضو؛ لأن تصور المفاضلة يكون مع إمكانية الانفصال بحيث يتحقق أحدهما ويتخلف الآخر، أما في حالتنا فلا يمكن الفصل بين ديانة العضو وكفاءته لأعمال العضوية، وهذا الحكم ليس قاصرا على اختلاف الديانة بل لو كانت الديانة واحدة وأحد الأشخاص صالح تقي والآخر فاجر قوي فلا يقال هنا قوته لنا وفجوره على نفسه؛ لأن القوة البدنية أو العضلية في عضو المجلس غير مرادة ولا يعول عليها.
4- عمل العضو ينبغي أن يكون تحت مظلة الأحكام الشرعية، ولا يصلح لأحد أن يعمل من غير أن يستظل بها، والنصراني لا يقبل ولا يوافق على إعلان الدخول تحت مظلة الأحكام العامة للشريعة والتقيد بها وعدم مخالفتها أو عدم تبني أية مشروعات قوانين تتعارض مع التوجه الإسلامي للمجتمع، ونحن لا نقطع بعدم وجود أفراد من النصارى يقبلون إعلان الدخول تحت مظلة الأحكام الشرعية، لكن يبقى هذا في حكم النادر وخاصة في مثل حالة المجتمع المصري الذي ظهر من كثير من رموز النصارى فيه حقدهم الشديد على المسلمين وكرههم لهم ولدينهم، لذا فإن هذه الحالات إن وجدت فتكون من قبيل الأمر الشاذ الذي يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
وهناك نقولات لأهل العلم قديما تدل على عدم جواز تولي النصراني ولاية على المسلمين وعلى عدم استعمالهم فيما فيه اطلاع على أسرار المسلمين، لذلك أستطيع القول إنه: "لا يجوز للمسلم أن يختار النصراني ليكون عضو المجلس النيابي، بل ولا يجوز أن يسمح لهم في بلاد المسلمين الترشح لذلك"، وهذا لا يعني ظلمهم أو يمنع توظيفهم فيما يحسنونه من الوظائف واستشارتهم فيه والأخذ برأيهم كاستعمالهم في الطب والهندسة والزراعة والبناء والاستفادة منهم في كل ذلك.