خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (12)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وها نحن مع العقائد.
وهنا أذكر الناسين وأعلم غير العالمين: أن العقيدة الإسلامية الصحيحة هي بمثابة الروح للجسد، فاقدها ميت، ومالكها حي، ومن ملكها مع ما فيها من تقديم أو تأخير أو زيادة أو نقصان فهو كالمريض، فالعقيدة الإسلامية التي مصدرها قال الله جل جلاله قال رسوله صلى الله عليه وسلم هي العقيدة التي كان يعيش عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأبناؤهم وأحفادهم في القرون الذهبية الثلاثة، وتلك العقيدة بمثابة الروح للجسد، صاحبها حي، يسمع ويبصر، ويقول ويأخذ ويعطي، وفاقدها كالميت.
والبرهنة والدليل على هذا: أن أهل الكتاب من يهود ونصارى إذا كانوا يعيشون تحت ظل راية لا إله إلا الله محمد رسول الله -أي: كانوا أهل ذمة، وأهل الذمة يعيشون بين المسلمين- فهؤلاء -أهل الذمة- لا يكلفون أبداً فإذا أهل هلال رمضان لا يقال لهم: صوموا؛ لأنهم أموات.
وإذا نادى منادي الله أن: حي على الصلاة لا يقال له: صل يا عبد الله! لأنه ميت.
وإذا حان وقت الزكاة لا يقال له: هات زكاتك يا عبد الله! لأنه ميت.
وهذا أكبر دليل على أن فاقد العقيدة الإسلامية كالميت، لا يؤمر ولا ينهى، وهو لا يسمع ولا يبصر أيضاً، هذه العقيدة إذا داخلها ما داخلها من تأويلات وتحريفات -عرفت عند المعتزلة وغيرهم- فصاحبها كالمريض، يسمع أحياناً ولا يقدر أحياناً أخرى، ويعطي في وقت ويعجز في الوقت الآخر، شأنه شأن المريض، لما كان قادراً صلى قائماً، فلما مرض صلى قاعداً؛ لمرضه. ومعنى هذا: أنه يجب أن تكون عقيدتنا عقيدة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
وإليكم البرهنة القاطعة: كان صلى الله عليه وسلم يوماً في هذا المسجد النبوي يعلم أصحابه الكتاب والحكمة ويزكيهم، فقال لهم مخبراً ومعلماً: ( لقد افترق اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار، وافترق النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ). بزيادة فرقة عن النصارى، وفرقتين عن اليهود، ومن أراد أن يطلع على هذه الفرق فرقة بعد أخرى في قائمتين فليراجع تفسير القرطبي من سورة آل عمران عند قول الله تعالى: وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [آل عمران:103]، يجد قائمة بأسماء الفرق التي تنتسب إلى الإسلام، وهي فرق باطلة.
فقال: ( كلها في النار )، أي: الثلاثة والسبعين ( إلا واحدة ففي الجنة ). اللهم اجعلنا منهم! ( فقال قائل: من هي الفرقة الناجية يا رسول الله! أو من هم الناجون؟ ) واحفظ الجواب. ( قال: هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي ). لا رافضية ولا زيدية، ولا معتزلة ولا ماتريدية ولا أشعرية، بل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فتلك هي العقيدة الإسلامية.
فلما سأله: من هم يا رسول الله! الناجون؟ فأجاب فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) فاعمل يا عبد الله! واعملي يا أمة الله! أن تكون عقيدتك كعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلا زيادة ولا نقصان.
هذا وقد علمنا أن أركان العقيدة الإسلامية ستة، وواجب كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظها، وأن يفهم معناها، وأن يعتقدها، ولا تنحل عقدتها حتى الموت.
أركان العقيدة الإسلامية ستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. كم ركناً هذه؟ ستة. جاءت في القرآن الكريم خمسة أركان في سورة البقرة، والسادس في سورة القمر، وجاءت في حديث جبريل، وهو من أصح الأحاديث في رواية مسلم وغيره، لما كان الرسول جالساً بين أصحابه يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إذ أتى جبريل في صورة دحية بن خليفة الكلبي ، وكان من أجمل الناس وأحسنهم هيئة، وشق الصفوف وجلس بين يدي رسول الله، متنكراً للناس، ثم أسند ركبتيه إلى ركبتي الرسول ووضع يديه على فخذيه، وسأله: ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ ما الساعة، فأجابه الحبيب صلى الله عليه وسلم عن كل أسئلته، إلا عن الساعة اعتذر وقال: ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل )، أي: أنا وأنت سواء؛ إذ علمها عند الله، ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأعراف:187]. لا تأتينا إلا بغتة.
ودرسنا الركن الأول والثاني والثالث، وها نحن مع الركن الرابع، وهو الإيمان بالرسل،
وقد علمنا أن عدد الرسل الذين أرسلهم الله إلى أقوامهم وأممهم عددهم (314) رسولاً، أولهم نوح عليه السلام، وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عرفنا هذا ويجب علينا أن نعرفه.
أما عدد الأنبياء فهم (124000) ونحن لسنا مأمورين بالإيمان التفصيلي بهم، بل مأمورون بالإيمان الإجمالي، فكل نبي نؤمن به نبياً من الله، وكل رسول نؤمن به رسولاً من الله، إلا من ذكروا في القرآن بأسمائهم فيجب أن نعرفهم بأسمائهم، و(18) منهم في سورة الأنعام، وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ [الأنعام:83]، إلى قوله: الْعَالَمِينَ [الأنعام:86]. (18)، والباقي (7) موزعون في القرآن، والمجموع (25)، فيجب معرفتهم، ونعرفهم بسؤال أهل العلم، فاجلس إلى عالم وقل له: حفظني هذه الأسماء لأحفظها. أو دلني أين توجد؟ يدلك.
وعلمنا أن أولي العزم منهم خمسة، وتضمنتهم آية من سورة الأحزاب، إذ قال تعالى: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7]. (منك) الكاف ضمير يعود على رسول الله، فهو الذي يخاطبه الله ويوحي إليه وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7] على هذا الترتيب.
وفي حديث عرصات القيامة المشهور: لما يطول الموقف بالبشرية وهي على صعيد واحد، والعرق من أعقابهم إلى ركبهم.. إلى أنصافهم.. إلى أفواههم، يذهبون إلى آدم، وقد أخبرنا بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستحيل أن يكذب على الله، بل هو يتلقاه من الله.
(يا آدم! يا أبا البشر! خلقك الله بيديه ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته، اسأله)، اطلب منه (أن يقضي بيننا) وينتهي هذا الموقف الصعب، والله يعتذر آدم، ويقول: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله) وكيف أخاطبه؟ (ويذكر خطيئته). استحى من الله أن يقول: رب! عبيدك يطالبون بأن تقضي بينهم! ذكر خطيئته، وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها، خطيئة واحدة، فما قتل نفساً ولا أكل مال أحد، وإنما نهي عن الأكل من شجرة معينة، فزين له الشيطان أكلها وغرر به، فأكل منها فأبعد من دار السلام، فيقول: (عليكم بنوح) .
اعتذار نوح عليه السلام من الشفاعة
اعتذار إبراهيم عليه السلام من الشفاعة
وقد عاش عليه السلام مائة وعشرين سنة أو أكثر، ونحن نكذبها في اليوم الواحد ثلاثاً إلا من رحم الله، وكذباته خير من صدقنا؛ إذ كذب لله ولم يكذب لنفسه.
وأول كذبة: أنه لما كان مع قومه المشركين البابليين - بابل العراق- وكان الوحيد الذي يعبد الله وحده، والبشرية كلها هلكى تعبد الشياطين، وكان يتألم، بل ويتحسر من شرك المشركين وضلال الضلال وبخاصة أباه. كيف تأكله النار؟ وكان للمشركين يوم عيد يخرجون خارج البلاد للمرح والتنزه. ولا أدري ماذا يفعلون؟ كأعياد النصارى، وحتى المسلمين عندهم أعياد، وأستغفر الله! فما عندنا إلا عيدان: الأضحى والفطر، نهاية رمضان والعاشر من ذي الحجة، ففي الأول نصلي ونذكر ونكبر ونتصدق، وفي الثاني نهلل ونكبر ونذبح الذبائح ونتصدق باللحوم، فليس عندنا مرح ولا قضاء عطلة كذا.
فظهر لإبراهيم أن يكيد لهم، فقد كانوا عندما يخرجون يوم عيد الفصح هذا بنسائهم يتركون بعض الأطعمة تحت الآلهة؛ ليباركها الآلهة، فإذا عادوا يأخذونها مباركة، فجاء الخليل عليه السلام بهراوة وقد ذهبوا وقبل أن يخرجوا قالوا: ألا تخرج معنا يا إبراهيم! تنفس على نفسك؟ هذا يوم عيد فصح. فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:88-89] أوهمهم؛ لأنهم يعبدون النجوم، فأوهمهم أنه ينظر إلى الآلهة، وقال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، وهو في الحقيقة سقيم في نفسه من شركهم وباطلهم وفسادهم، ولكن اعتبرها كذبة عندما قال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، فلما خرجوا انهال على تلك الأصنام، فكسرها وحطمها وجعلها جذاذاً لهم إلا كبير الآلهة ربط الفأس في عنقه ليقولوا: هذا الذي فعل، وتمت محاكمة عجيبة، ومنها قضوا عليه بأن يلقوه في النار، وحكموا بإحراقه لما تبين لهم أنه هو الذي فعل، وأبكتهم لما قال: سلوا هذا الذي يفعل، وليس أنا، وأشار بإصبعه.. مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا [الأنبياء:59].. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]. وهو يشير إليه بأصبعه، ومع هذا حكموا عليه بالإعدام، فأججوا النار، وكانوا يساهمون فيها تبركاً وتطوعاً بالحزم، حتى إن الوزغ ساهمت فكانت تنفخ في النار حتى تتقد، وعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بقتل الوزغ، وكانت أم المؤمنين عائشة تضع جريدة من النخل في حجرتها؛ لتقتل بها الوزغ؛ لأنها كانت تنفخ وتأجج النار.
فهذه اعتبرها كذبة، لما قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]، وهو يشير إلى أصبعه بقلبه والإله أمامه، وهم فهموا أن الإله هو الذي كسر الإلهة. هذه الثانية.
ثالثاً: لما هاجر من أرض العراق واتجه غرباً نحو أرض فلسطين والشام ومصر، ومعه سارة بنت عمه، وهي زوجته، وخرج معهما لوط ابن أخيه، فتركوه في أرض الشام أو الأردن، وذهب هو يدعو إلى ربه مع زوجته، فلما انتهيا إلى الديار المصرية رآهما بعض من يسميهم العوام بالقوادين، وعندنا في المدينة نسميهم الجرارين، فقالوا لذلك الحاكم الملك: إن امرأة من أحسن النساء جاءت مع زوجها، ولا تليق إلا بك أنت، والعياذ بالله! فقال: ائتوني بها، فلما عرف إبراهيم أنهم يأتونها قال: أي فلانة! إذا سألك عني فلا تقولي: زوجي، فيأمر بقتلي، ولكن أخي، فوالله ما يوجد على الأرض من أخ إلا أنا وأنت، فمن عدانا كلهم كفار، فأنت أختي في الإسلام وأنا أخوك، فلا تقولي: زوجي، وتمت كرامة عظيمة، كلما يدنو منها ويضع يده يصاب بالشلل الفوري، ثلاث مرات، حتى قال: أخرجوا عني هذه وأبعدوها، وصنعها -كما يقولون- أعطاها جارية، وأعطاها مع الجارية بغلة. فاعتبر إبراهيم هذه كذبة. والشاهد عندنا: أن إبراهيم اعتذر من أن يكلم الله ويقول: عبادك يسألونك أن تقضي بينهم، فقد طال وقوفهم، واليوم مثل خمسون ألفاً من أيامنا، فاستحى من الله عز وجل: ( وقال: عليكم بموسى ).
اعتذار موسى عليه السلام من الشفاعة
اعتذار عيسى عليه السلام من الشفاعة
( وإني أعيذها) أحصنها وأحفظها بك وذريتها أيضاً ( من الشيطان الرجيم)، عجيب حنة هذه، حصنت بنتها وما تلد بنتها أيضاً؛ ولهذا دعوة الآباء والأجداد تنفع الأبناء والأحفاد.
إذاً: فحفظ الله البتول مريم العذراء، فما قارفت ذنباً قط، ثم شاء الله عز وجل أن يخلق في بطنها عيسى بكلمة التكوين، فقد جاءها جبريل يقول لها: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [آل عمران:45]، الآية. فلما وضعته -في ساعة فقط- شاهدت تلك الكرامة وكلامه معها.
فعيسى عليه السلام - والشاهد عندنا- بركة دعوة حنة ، فما قارف ذنباً قط، مع أنه عاش (33) سنة، وسينزل إلى الأرض ويعيش (30) سنة؛ ليكون عمره كعمر الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويدفن مع الرسول في الحجرة أيضاً، فما ذكر ذنباً قط، فالرسول لما يقص هذا يقصه للعبرة والعظة؛ لنتجنب معاصي الله عز وجل، فلا يسجل علينا ذنباً من الذنوب وإن كان فنتوب إلى الله ليمحى أثره ويزول، ( فيأتون عيسى فلا يذكر ذنباً قط ولكن يقول: عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ).
شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للخلق في الموقف يوم القيامة
إذاً: أولوا العزم: أولهم نوح، خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
(فيأتون نوحاً عليه السلام، فيعتذر ويذكر خطيئته ) وقد مكث ألف سنة إلا خمسين سنة، قضاها نبياً ورسولاً، ما أخطأ فيها خطأً إلا مرة واحدة، (950) عاماً وهو يعبد الله، وخطيئته أفضل من إصاباتنا، وهي لما دعا وقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]، ما أراد الله ذلك، فقد يخرج من أصلابهم المؤمنين والمؤمنات، فلم تدعو عليهم جميعاً بالهلاك؟ يذكر هذا فيستحي من الله أن يخاطبه، فيقول: ( عليكم بإبراهيم).
( فيأتون إبراهيم ) وإبراهيم خليل الرحمن وأبو الأنبياء، فيعتذر ويذكر غضب الله، ويقول: كيف أكلمه أو أخاطبه وقد كذبت ثلاث كذبات؟
وقد عاش عليه السلام مائة وعشرين سنة أو أكثر، ونحن نكذبها في اليوم الواحد ثلاثاً إلا من رحم الله، وكذباته خير من صدقنا؛ إذ كذب لله ولم يكذب لنفسه.
وأول كذبة: أنه لما كان مع قومه المشركين البابليين - بابل العراق- وكان الوحيد الذي يعبد الله وحده، والبشرية كلها هلكى تعبد الشياطين، وكان يتألم، بل ويتحسر من شرك المشركين وضلال الضلال وبخاصة أباه. كيف تأكله النار؟ وكان للمشركين يوم عيد يخرجون خارج البلاد للمرح والتنزه. ولا أدري ماذا يفعلون؟ كأعياد النصارى، وحتى المسلمين عندهم أعياد، وأستغفر الله! فما عندنا إلا عيدان: الأضحى والفطر، نهاية رمضان والعاشر من ذي الحجة، ففي الأول نصلي ونذكر ونكبر ونتصدق، وفي الثاني نهلل ونكبر ونذبح الذبائح ونتصدق باللحوم، فليس عندنا مرح ولا قضاء عطلة كذا.
فظهر لإبراهيم أن يكيد لهم، فقد كانوا عندما يخرجون يوم عيد الفصح هذا بنسائهم يتركون بعض الأطعمة تحت الآلهة؛ ليباركها الآلهة، فإذا عادوا يأخذونها مباركة، فجاء الخليل عليه السلام بهراوة وقد ذهبوا وقبل أن يخرجوا قالوا: ألا تخرج معنا يا إبراهيم! تنفس على نفسك؟ هذا يوم عيد فصح. فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:88-89] أوهمهم؛ لأنهم يعبدون النجوم، فأوهمهم أنه ينظر إلى الآلهة، وقال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، وهو في الحقيقة سقيم في نفسه من شركهم وباطلهم وفسادهم، ولكن اعتبرها كذبة عندما قال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89]، فلما خرجوا انهال على تلك الأصنام، فكسرها وحطمها وجعلها جذاذاً لهم إلا كبير الآلهة ربط الفأس في عنقه ليقولوا: هذا الذي فعل، وتمت محاكمة عجيبة، ومنها قضوا عليه بأن يلقوه في النار، وحكموا بإحراقه لما تبين لهم أنه هو الذي فعل، وأبكتهم لما قال: سلوا هذا الذي يفعل، وليس أنا، وأشار بإصبعه.. مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا [الأنبياء:59].. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]. وهو يشير إليه بأصبعه، ومع هذا حكموا عليه بالإعدام، فأججوا النار، وكانوا يساهمون فيها تبركاً وتطوعاً بالحزم، حتى إن الوزغ ساهمت فكانت تنفخ في النار حتى تتقد، وعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بقتل الوزغ، وكانت أم المؤمنين عائشة تضع جريدة من النخل في حجرتها؛ لتقتل بها الوزغ؛ لأنها كانت تنفخ وتأجج النار.
فهذه اعتبرها كذبة، لما قال: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]، وهو يشير إلى أصبعه بقلبه والإله أمامه، وهم فهموا أن الإله هو الذي كسر الإلهة. هذه الثانية.
ثالثاً: لما هاجر من أرض العراق واتجه غرباً نحو أرض فلسطين والشام ومصر، ومعه سارة بنت عمه، وهي زوجته، وخرج معهما لوط ابن أخيه، فتركوه في أرض الشام أو الأردن، وذهب هو يدعو إلى ربه مع زوجته، فلما انتهيا إلى الديار المصرية رآهما بعض من يسميهم العوام بالقوادين، وعندنا في المدينة نسميهم الجرارين، فقالوا لذلك الحاكم الملك: إن امرأة من أحسن النساء جاءت مع زوجها، ولا تليق إلا بك أنت، والعياذ بالله! فقال: ائتوني بها، فلما عرف إبراهيم أنهم يأتونها قال: أي فلانة! إذا سألك عني فلا تقولي: زوجي، فيأمر بقتلي، ولكن أخي، فوالله ما يوجد على الأرض من أخ إلا أنا وأنت، فمن عدانا كلهم كفار، فأنت أختي في الإسلام وأنا أخوك، فلا تقولي: زوجي، وتمت كرامة عظيمة، كلما يدنو منها ويضع يده يصاب بالشلل الفوري، ثلاث مرات، حتى قال: أخرجوا عني هذه وأبعدوها، وصنعها -كما يقولون- أعطاها جارية، وأعطاها مع الجارية بغلة. فاعتبر إبراهيم هذه كذبة. والشاهد عندنا: أن إبراهيم اعتذر من أن يكلم الله ويقول: عبادك يسألونك أن تقضي بينهم، فقد طال وقوفهم، واليوم مثل خمسون ألفاً من أيامنا، فاستحى من الله عز وجل: ( وقال: عليكم بموسى ).
فأتوا موسى فاعتذر؛ لأنه قتل القبطي قتل خطأ، فقد شدد الخناق على الإسرائيلي فلكمه فمات. قال: كيف أكلمه وأنا قتلت نفساً ( عليكم بعيسى ).
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4156 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4082 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3869 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3863 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3834 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3823 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3748 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3646 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3633 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3607 استماع |