فتاوى نور على الدرب [52]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم من لا يصلي بالمسجد وهو جار المدرسة، وهذا ما يفعله كثير من الأساتذة لدينا؟

الجواب: هذه المسألة التي سأل عنها الأخ أن بعض الأساتذة يتركون الصلاة في المسجد وهم إلى جانبه، نقول: إن هذا خطأ، وذلك لأن صلاة الجماعة دل على وجوبها الكتاب والسنة، ففي القرآن يقول الله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]، وهذا دليل على وجوب الصلاة مع الجماعة في حال الخوف، ففي حال الأمن من باب أولى، وفي كونه سبحانه وتعالى يجعلهم طائفتين دليل على أنها فرض عين، لأنها لو كانت فرض كفاية لكان الواجب قد سقط بصلاة الطائفة الأولى، وهذا هو الصحيح، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما ثبت عنه: ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معي حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )، والنبي عليه الصلاة والسلام هم ولم يفعل، ولكننا نعلم أنه لا يهم بمثل هذه العقوبة العظيمة إلا لترك أمر واجب، إذ لا يمكن أن يهم بمثل هذه العقوبة لترك أمر مستحب يخير الإنسان بين فعله وعدمه.

وعلى هذا فنقول: يجب على هؤلاء الإخوة أن يقيموا الصلاة جماعة.

ثم هل تجب الجماعة في المساجد أو يجوز أن تقام الجماعة في مكان العمل كالمدارس وشبهها أو في البيوت، هذه على قولين لأهل العلم، والصواب أنه يجب أن يصلوها جماعة في المساجد، وذلك لأن المساجد إنما بنيت ليجتمع المسلمون فيها، وقد ( استأذن رجل النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته فأذن له، فلما ولى قال: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب )، فأمره بالإجابة مع كونه أعمى وليس له قائد يلائمه، وهو جدير بأن يرأف بحاله، ولو كان في حاله رأفة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها وقال له: استدع من يصلي معك في بيتك، وبذلك تحصل الجماعة، فلما ألزمه بأن يجيب ويحضر إلى جماعة المسلمين في المساجد دل على وجوب صلاة الجماعة في المسجد، وأنه لا يجوز التخلف عنها حتى ولو أقامها الإنسان جماعة.

وعلى هذا فنقول لهؤلاء الإخوة الذين سأل عنهم الرجل: يجب عليهم أن يصلوا في المسجد، ولا يتخلفوا عنه، اللهم إلا إذا كان ثمة عذر، بحيث ينشل العمل بخروجهم إلى المسجد، أو يخشى أنهم إذا خرجوا لم يرجعوا، فهذا قد يقال: إنهم في هذه الحالة أو في هذه الحال يعذرون عن الذهاب إلى المسجد، ويسوغ لهم أن يصلوا الجماعة في المدرسة.

مداخلة: في قولكم يا شيخ أن الرسول صلى الله عليه وسلم هم ولم يفعل، الرسول صلى الله عليه وسلم إنما منعه الأطفال والنساء الذين في البيوت.

الشيخ: نعم، هذه الزيادة التي زادها الإمام أحمد ضعفها كثير من أهل العلم، ولذلك لم نعتمد عليها، وإنما اعتمدنا على أن مجرد همه بهذه العقوبة دليل على أنه واجب وأنه شيء عظيم، فإن صحت هذه الزيادة فهي تبين السبب في منع الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لم يحرق.

مداخلة: طيب، بالنسبة للمدارس لو خرج الطلاب والمدرسون إلى المسجد أيضاً هذا يمكن أن يشكل عبئاً على المسجد إذا كان صغيراً أو يحدث فوضى أيضاً في المسجد لأن الطلاب معروف عنهم ..

الشيخ: نحن قلنا: إذا كان ثمة عذر ولعل هذا أيضاً من الأعذار إذا كان المسجد صغيراً لا يحتملهم، أو كان يخشى من أذاهم أي: أذى الطلبة فنعم هذا يكون عذراً مسوغاً.

السؤال: أرجو من فضيلتكم بأن تشرحوا لنا الحديث الآتي مادياً ومعنوياً، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ) رواه البخاري ، وهل يجوز الصلاة نظراً لأن أكثر المسلمين خصوصاً في الدول العربية يلبسون الثياب تحت الكعبين، وقد شاهدت بعض الأئمة في المساجد؟ وشكراً لكم.

الجواب: لا أدري ماذا يريد بكلمة: مادياً، ولكن الحديث معناه واضح، وهو أن ما نزل من الإزار عن الكعبين ففي النار، ومعنى (ففي النار) أي: أن صاحبه يعذب بالنار في قدر ما نزل من هذا الإزار، يعني: يكون التعذيب على الجزء الذي نزل إليه الإزار فقط، أي أنه تعذيب جزئي بالنار، ولا تستغرب هذا فقد ثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أخل بعض الصحابة بغسل أقدامهم ثبت أنه نادى بأعلى صوته: ( ويل للأعقاب من النار ) فتوعد الأعقاب فقط بالنار، وهو عذاب جزئي، هذا أيضاً يكون العذاب جزئياً على ما حصلت فيه المخالفة، وهو النزول إلى أسفل من الكعبين.

وأما هل تجوز الصلاة؟ فنقول: الثوب نفسه لا يجوز لبسه على هذا الوضع، بل يجب أن يجعله الإنسان من الكعبين فما فوق، وأيضاً لا ينبغي أن يشمره كثيراً كما يفعل بعض الناس يشمره كثيراً حتى يبقى ساقه أكثره مكشوفاً، بل الدين وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.

مداخلة: إذن الذي فهمنا من هذا أنه كلما طال الإسبال كلما تعرض الإنسان لشدة الهلاك.

الشيخ: هو الظاهر، فإن اقترن به الخيلاء فقد ثبت فيه عقوبة أعظم من ذلك، وهي: ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ).

السؤال: أفيدكم بأنني من إحدى قبائل بني عمرو، وأفيدكم بأن قبيلتي قد اتخذت قانوناً من ناحية المهر بسبب المغالاة، إلى أنه صار بعض الناس يزوجون بناتهم بخمسين ألف وما بعد، ولا أدري هل هي معرفة أم غشامة، وكما قلت: أن قبيلتي قررت أن يكون المهر خمسة عشر ألفاً فيما بينهم، وقد جاء أحد رجال قبيلتي يطلب من أحد رجال القبيلة أن يزوجه ابنته ولكن للأسف رد عليه بقوله: إنه لن يزوج ابنته من القبيلة نظراً لرخص المهر عندهم، وأنه يريد خمسين ألفاً فما فوق، فأرجو من فضيلتكم أن توضحوا حكم ذلك، وأن ترشدوا عسى أن يكون يسمعكم ويهتدي إلى سنة الله ورسوله، وأن يقنع بما قررته القبيلة، دون بيع ابنته وإهانتها، أفيدوني عن هذا والله يرعاكم ووفقكم الله.

الجواب: لا شك أن تخفيف المهر وتيسيره أفضل وأولى وأعظم بركة، فإن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة، فالذي اتفقت عليه هذه القبيلة بأن يكون المهر خمسة عشر ألف ريال هذه اتفاقية حسنة يحمدون عليها، وينبغي لهم أن يفوا بها، لأنها هي الموافقة للشرع، حيث أن المشروع في المهر تخفيفه.

ثم إنه لا ينبغي لأحد منهم أن يشذ عن هذا الاتفاق لما في ذلك من تعريض نفسه للكلام فيه والقدح، وربما يحدث في ذلك بغضاء بينه وبين قبيلته، فيحصل بذلك مفسدة.

أما كون هذا العقد ملزماً فلا يظهر لي أنه ملزم؛ لأن كل إنسان له الاختيار في طلب ما يريد من المهر، ولكن الشيء الذي يجب أن يمنع هو أن ينظر ولي المرأة إلى المال فقط، بقطع النظر عن الدين والخلق، فإن ذلك خيانة منه لأمانته، والواجب عليه ألا ينظر إلى المال بل ينظر إلى الدين والخلق كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) أو ( وفساد عريض )، وكون هذا الرجل يقول: أنا لا أريد أن أزوج ابنتي بأحد من قبيلتي لأن المهر قليل، أريد أن أزوجها من رجل خارج عن القبيلة لأجل أن يعطيني مهراً كثيراً، نقول: هذا يظهر منه أنه رجل مادي لا يريد إلا المال، ولو أنه تعلل بغير ذلك لربما نقول له وجه، لكن ما دام تعلل بهذا فقط فإننا نرى أنه على خطأ، وأنه يجب عليه أن يعيد النظر فيما يهدف إليه، وأن يكون هدفه ما تصلح به أمور الزوجية بقطع النظر عن المال.

السؤال: المرأة تشتكي من معاملة زوجها تقول: عشت معه عشر سنوات ولم يأتني أبناء، منها ست سنوات في السعودية وأربع في الأردن في بيتي أنا وزوجي، وكان يأتي إلي كل سنة، ثم تغيب أكثر من سنة، ولما عاد أخبرني أنه تزوج، وأنا الآن أحترمه وأحترم والده، إلا أن والده يتكلم في، فهل للرجل أن يتصرف مثل هذا التصرف؟

الجواب: التصرف بنكاح امرأة ثانية له أن يفعل إلى أربع، لقول الله تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، إلا إذا كانت المرأة قد اشترطت عليه عند العقد ألا يتزوج عليها، فإن الصحيح أن هذا شرط جائز ملزم للزوج، فإن لم يفعل وتزوج عليها فقد أساء، إلا أن يكون لسبب يقتضي ذلك، وحينئذ يكون لها الخيار بين أن تبقى معه أو أن تفارقه وتفسخ النكاح، ولكن الذي يظهر من سؤال هذه المرأة أنه ليس بينها وبين زوجها هذا الشرط، فيكون له الحرية في أن يتزوج امرأة أخرى، لكن ليس له الحرية في أن يسيء معاملة الزوجة الأولى وأن ينقصها حقها من القسم والنفقة وغير ذلك، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ).

مداخلة: نعوذ بالله.

طيب، تقول: هل يجوز له أن يغيب عني مثل هذه المدة، أكثر من سنة مثلاً؟

الشيخ: لا يجوز له أن يغيب إلا إذا رضيت بذلك، وإلا فالواجب أن يعاشرها بالمعروف، وليس هذا من العشرة بالمعروف.

مداخلة: تقول أيضاً: قلت له: الله لا يسامحك في الدنيا والآخرة، هل علي شيء في ذلك؟

الشيخ: ليس عليها شيء في ذلك، إذا كانت تريد بقولها: (لا يسامحك) فيما يتعلق بحقها لا بحق الله، فليس عليها في ذلك شيء ما دام قد ظلمها.

مداخلة: أيضاً تقول: ما حكم كلام والده في، وأنا أحترمه؟

الشيخ: إذا كان هذا الكلام فيها مع قيامها بالواجب وعدم إساءتها إليه فإنه حرام عليه واعتداء منه عليها، فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يتحلل هذه المرأة من اعتدائه عليها، وإن كان يتكلم فيها بتقصير فعلته لعلها تأتي فيما يكمل هذا التقصير فهذا لا حرج فيه.

السؤال: ما حكم الختان؟

الجواب: الختان من الفطرة كما ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الأمور التي تتم بها الطهارة، لأن هذه القلفة التي تزال في الختان إذا بقيت فقد ينفتح منها شيء يتخزن فيه البول، فإذا أزيلت صار ذلك أكمل في الطهارة، وقد اختلف فيه أهل العلم هل هو واجب على الرجال والنساء أو سنة في حق الرجال والنساء، أو واجب في حق الرجال سنة في حق النساء، على هذه الأقوال الثلاثة مع اتفاقهم على أنه من الفطرة ومن الأمور المندوب إليها، وهو من سنن المرسلين أيضاً.

السؤال: عندي طفل ولد وذكره على هيئة مختون، ولا أقدر أن أختنه حيث أن وضعه الحالي لا يستدعي الختان، فما العمل الآن هل أتركه على حاله أم ماذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الجواب: ما دام الابن ولد مختوناً فإنه لا يختن، وكيف يختنه، هل معناه أن يقطع حشفته؟ لا، إذن فهذا قد كفي ولله الحمد، فلا يجب أن يختن، بل ولا يجوز؛ لأنه لا موضع للختان حينئذٍ.