خطب ومحاضرات
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [51]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين الطاهرين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فكنا قد استعرضنا أسباب نزول قول الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، وتقدم معنا أن الأسباب الخمسة تقوي الاحتمال الأول من القول الأول، والاحتمال الأول من القول الثالث، فيما تحتمله (أنى) من معاني، في قوله تعالى: أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، وهي: كيف شئتم، أو على أي حالة شئتم.
وهذا المعنى المنقول عن خمسة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين روي أيضاً عن جمع غفير من التابعين وروي أيضاً عن مرة الطيب وهو مرة بن شراحيل الهمداني وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة ستٍ وسبعين، ثقة عابد.
وروي أيضاً عن الحسن البصري، وعن قتادة، هؤلاء كلهم تابعون، وقولهم في سبب النزول له حكم الرفع إلى نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام، لكن قول الصحابي يكون مرفوعاً متصلا، وقول التابعي يكون مرفوعاً مرسلاً، ويشهد لما تقدم نقل هؤلاء: أن اليهود عليهم لعائن ربنا المعبود قالوا للمسلمين: إنكم تأتون نسائكم كما يأتي البهائم بعضها بعضا، على أي حالة كانت، ويقصدون ما كان يحصل من المهاجرين رضي الله عنهم وأرضاهم، في الكيفيات المتقدمة، ونحن نأتي النساء على حرف، فعاب اليهود المسلمين بما يحصل منهم فأنزل الله هذه الآية يوسع فيها على المسلمين ويقرهم على ذلك الفعل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، واشترط النبي عليه الصلاة والسلام شرطاً واحداً أن يكون ذلك في مكان واحد.
هذه الآثار كما قلت تقرر هذا الأمر وتدل عليه، عندنا روايتان موهمتان سأذكرهما ثم أستعرض النصوص الحسان المتواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام في إتيان تحريم وطء المرأة في الدبر في دبرها.
حديث أبي سعيد الخدري في إتيان المرأة من دبرها في القبل
الرواية الأولى: رواية أبي سعيد الخدري، والرواية الثانية: رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، وبعد هاتين الروايتين سنورد الأحاديث المتواترة عن نبينا إمام البررة عليه الصلاة والسلام في تحريم تلك الفعلة الخبيثة المنكرة.
رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه رواها إسحاق بن راهويه في مسنده، وأبو يعلى في مسنده، والطبري في تفسيره، والطحاوي في مشكل الآثار، وابن مردويه في تفسيره، ورواية أبي يعلى في المجمع في الجزء السادس، صفحة تسع عشرة وثلاثمائة، وفي المطالب العالية في الجزء الثالث، صفحة عشر وثلاثمائة، وفي الفتح في الجزء الثامن، صفحة إحدى وتسعين ومائة، وفي رواية تلخيص الحبير في الجزء الثالث، صفحة عشر ومائتين، ولفظ الحديث عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: ( أكثر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: أبعر )، أكثر أو أبعر، امرأته على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ومعنى أبعر: من المبعر -بالفتح-، وهو: مكان البعر من كل ذات أربع، أو المكان الذي يخرج فيه البعر من الحيوانات، وأبعر كأنه يريد أنه أصابها في ذلك المكان، فكنى عنه بذلك، وقال: أبعر رجل على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وأما أكثر فمعناها أي: ألصق، وأدخل عضوه في ذلك المكان، على حسب الرواية أكثر أو أبعر، قال: ( فتكلم الناس في ذلك على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولعل كلامهم بناء على إخبار منه، أنه حصل منه هذا الوطء من جهة الدبر، فرفع الأمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، وفي رواية من روايات أبي سعيد الخدري أصاب رجل امرأته في دبرها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر الناس ذلك فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]).
أولاً: الحديث قال عنه الهيثمي في المجمع، فيه الحارث بن سريج النقال وفي المجمع القفال وهو غلط، والصواب: النقال ، وهو: الحارث بن سريج النقال ، قال عنه الهيثمي : هو شيخ أبي يعلى (ضعيف كذاب)، والحكم عليه بأنه كذاب فيه شدة، وقد توفي سنة ستٍ وثلاثين بعد المائتين، وقال الذهبي في المغني، في الجزء الأول، صفحة إحدى وأربعين ومائة وفي الميزان في الجزء الأول، صفحة أربع وثلاثين وأربعمائة، أما في المغني فاقتصر على قول ابن عدي أنه يسرق الأحاديث، وتقدم معنا تفسير سرقة الأحاديث بثلاثة أمور، وأما في الميزان فقال: هو أحد الفقهاء، ثم حكى تضعيفه عن ابن معين ، والنسائي ، وموسى بن هارون، كما نقل عن الأزدي أنه قال: تكلموا فيه حسداً، وعلق الذهبي على هذه العبارة قال: كذا قال: أبو جهل ، وهذه العبارة غير مقبولة من الأزدي ، ثم نقل عن مجاهد بن موسى قال: دخلنا على الإمام ابن مهدي ، فرفع الحارث بن سريج النقال إلى عبد الرحمن بن مهدي حديثاً مقلوباً ليمتحنه، وليعلم هل يتفطن له أو لا؟ قال: فبدأ عبد الرحمن بن مهدي حتى كاد أن يفرغ منه، ثم فطن فنقده ورمى به، وقال: كادت والله تمضي، كادت والله تمضي.
والتصحيف الذي وقع فيه الذهبي بعيد، فصحف كادت والله تمضي، فأتى إلى تمضي وحذفها، وكادت بدل التاء فيها باء، فصارت العبارة: كاذب والله كاذب.
قال الحافظ ابن حجر في اللسان في الجزء الثاني، صفحة خمسين ومائة، قلت ما تفرد الأزدي بتوثيقه كما زعم الذهبي، فقد وثقه ابن حبان ، ونقل أيضاً توثيقه عن ابن معين كما نقل عنه تضعيفه، قال ابن معين إنه صدوق ثقة، ثم علق على تصحيف الإمام الذهبي ، فقال: هذا تصحيف من المؤلف حذف تمضي وصحف كادت إلى كاذب، ومراد الإمام ابن مهدي كادت والله تمضي، ويعني: هذه الزلة، لم ينتبه لما في الحديث من قلب، قال: وما جعله الحارث بن سريج النقال يدل على جودة حفظ ابن مهدي وتثبته.
يقول: وهذه الحكاية عن ابن مهدي وقع فيها تصحيف أدى إلى سب الحارث فقد حكى هذا الحافظ أبو بكر الخطيب في الجزء الثاني، من كتابه الجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع، في باب امتحان الراوي بقلب الأحاديث، فقال: قرأت على محمد بن أبي القاسم إلى آخره، يقول: فذكر الحكاية إلى قوله فنقده، فرمى به وقال: كادت والله تمضي، كادت والله تمضي، فحذف المؤلف وهو الذهبي قوله تمضي وصحف كادت بكاذب، وما مراد ابن مهدي إلا كادت تمضي على زلة، وهذا يدل على جودة امتحان الحارث وحفظه وعلى حفظ ابن مهدي وتثبته والله أعلم، ثم بعد أن نقل ذكره ابن حبان في الثقات قال: تفرد الأزدي بتقويته... إلى آخره؛ لأنه يقول: قال الأزدي يتكلمون فيه حسدا، وجهلا، قال الذهبي لما رد هذا الكلام كذا قال أبو جهل، قلت لم ينفرد الأزدي بتقويته، بل قال إبراهيم بن الجنيد سألت ابن معين عنه وعن أحمد بن إبراهيم الموصلي فقال: ثقتان، صدوقان، ثقتان صدوقان، وقال مرة ليس من أهل الكذب... إلى آخر كلامه.
على كل حال الحكم على هذا الراوي بأنه كذاب وأنه ... وأنه ...، فيه خشونة، نعم اختلف أئمتنا فيه، وإذا توسطنا فحديثه لا ينزل عن درجة القبول.
والقصة في كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع في الجزء الأول، صفحة ستٍ وثلاثين ومائة، التي صحف فيها الذهبي، امتحان الراوي بقلب الأحاديث وإدخالها عليه، ثم روى الرواية فقال قرأت على محمد بن أبي القاسم الأزرق ، عن بعل بن أحمد ، قال أنبأنا أحمد بن علي الأبار ، قال سمعت مجاهداً وهو ابن موسى يقول: دخلنا على عبد الرحمن بن مهدي في بيته فدفع إليه، أي: الحارث النقال رقعةً فيها حديث مقلوب، فجعل يحدثه حتى كاد يفرغ، ثم فطن فنقده فرمى به وقال: كادت والله تمضي، كادت والله تمضي، فإذا قلت: الأزدي توثيقه غير معتبر، فهذا جهل، فقد وثقه ابن حبان ، ووثقه الأزدي ، ووثقه ابن معين في رواية.
الإمام الهيثمي يقول شيخ أبي يعلى ضعيف كذاب، فأثبت الكذب بناء على رواية عبد الرحمن بن مهدي وهي كادت بأنها كاذب، والذهبي كذلك، ويرى أن ابن مهدي كذبه، وليس الأمر كذلك، وإذا كان الأمر كذلك، وكان هذا الراوي كاذباً فالرواية لم تنزل عن درجة القبول؛ لأنه ستأتينا الرواية عن عبد الله بن عمر وهي أصح وأثبت منها، وهي في صحيح البخاري فيها هذا المعنى.
ما المراد من قوله أبعر أكثر؟
المراد منها: أي: جاءها من دبرها في قبلها؛ لأن هذا هو الذي انتشر وفشا من الروايات المتقدمة منها رواية سيدنا عمر المتقدمة وفيها: قال: (هلكت، ما أهلكك؟) قال: حولت رحلي البارحة، أي: أنه باشر أهله من ورائها لكن في المكان المعروف المعهود الذي هو مكان خروج المولود وعلى هذا فلا إشكال في قوله: أبعر فليس معناها: وطئتها في دبرها، لكن قيل له: أبعر لأنه أتاها من جهة المِبعر -بالفتح- أو المَبعر -بالكسر- فلا إشكال في ذلك على الإطلاق.
حديث ابن عمر في إتيان المرأة من دبرها في القيل
وقال الهيثمي في المجمع في رجال الإسناد -أي معجم الطبراني الأوسط- علي بن سعيد بن بشير شيخ الطبراني، لأنه رواه في معجمه الأوسط وهو حافظ، لكن قال الدارقطني : ليس بذاك، وبقية رجال الإسناد ثقات، وعلي بن سعيد بن بشير توفي سنة تسع وتسعين بعد المائتين، وترجمته في اللسان في الجزء الرابع، صفحة إحدى وثلاثين ومائتين، وفي السير في الجزء الرابع عشر صفحة خمس وأربعين بعد المائة، وفي تذكرة الحفاظ في الجزء الثاني، صفحة خمسين وسبعمائة، وفي حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، في الجزء الأول، صفحة خمسين وثلاثمائة.
وورد في السير أنه توفي سنة سبع وتسعين ومائتين وهذا خطأ، والصواب تسع وتسعين ومائتين، فلعلها تصحفت -عند الناشرين- تسع الى سبع، وهو -إن شاء الله- لا ينزل حديثه عن درجة الحسن فهو صدوق، لكن كما قال الإمام ابن حجر وغيره، تكلموا فيه لأنه كان من عمال السلطان فقط، كان في مصر وصار والياً على جهة من جهاتها أو قرية من قراها، وفيها أهل ذمة فكانوا إذا تأخروا في دفع الجزية حبس الخنازير في المسجد فمن أجل ذلك تكلم فيه الناس وإلا فهو حافظ إمام.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: إنما نزلت هذه الآية: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، رخصة في إتيان الدبر، أي: في إتيان المرأة من دبرها في قبلها.
رواية ثانية رواها الطبراني في معجمه الأوسط، والطبري في تفسيره، وابن مردويه في تفسيره، وهكذا الإمام ابن النجار رواها كما في الدر وإسناد الرواية حسن، كما نص على ذلك السيوطي في الدر، قال الهيثمي في المجمع: في الإسناد يعقوب بن حميد بن كاسب ، وثقه ابن حبان، وضعفه الأكثرون وبقية رجال الإسناد ثقات، ويعقوب بن حميد بن كاسب تقدم معنا وقلت: إنه صدوق ربما وهم، روى له البخاري في خلق أفعال العباد، وروى له ابن ماجه في سننه، وورد ذكره في الصحيح من قبل الإمام البخاري ، يعقوب ولم ينسبه، فقيل: هو، وقيل: غيره، وهو في السير في الجزء الحادي عشر، صفحة ثمان وخمسين ومائة، وتقدم معنا ذكره في الحديث المتقدم: ( ذروها فإنها ذميمة )، في الدور التي عندما سكنها الناس قلت أرزاقهم، وساءت أحوالهم، وتقدم معنا أيضاً ذكره عند حديث: ( من دخل مسجدي هذا ليتعلم أو ليعلم كان كالغازي في سبيل الله، ومن دخل لغير ذلك كان كالذي يأتي ينظر إلى متاع غيره )، فتقدم معنا ذكر يعقوب بن حميد بن كاسب عند هذين الحديثين، وعلى كل حال حديثه في درجة الحسن إن شاء الله كما قال الحافظ: صدوق ربما وهم.
ولفظ الرواية عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ( أصاب رجل امرأته في دبرها زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر الناس عليه، فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] )، أصابها من دبرها في قبلها، هذا معنى الرواية.
وروى الإمام النسائي في السنن الكبرى، وابن جرير في تفسيره، من رواية زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أن رجلاً أصاب امرأة في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً، فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، إلى آخر الآية ).
قال الإمام الدارقطني في غرائب الرواة، هذه الرواية ثابتة عن الإمام مالك، وقال الإمام ابن عبد البر: هي أيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهي صحيحة معروفة ووردت في كتاب الرواة عن مالك للخطيب البغدادي ، جاءت امرأة من الأنصار إلى نبينا المختار عليه الصلاة والسلام تشكو إليه زوجها، وأنه يطؤها من دبرها، فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، لا حرج في ذلك.
وتقدم معنا، أخبار كثيرة في هذا المعنى، وأن المراد منها أنه يأتيها من الدبر، والوطء يقع في القبل.
هذه الرواية رواها الخطيب في كتابه الرواة عن مالك، ورواها ابن مردويه والطبراني ، وأحمد بن أسامة التجيبي ، وفي رواية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن هذه الآية نزلت في رجال كانوا يطئون النساء في أدباهن، أي: من أدبارهن في قبلهن فنزلت الآية.
وثبت في صحيح البخاري، وتفسير الطبري ، ومسند ابن راهويه ، ورواه الدارقطني في غرائب الرواة، عن مالك ، ولفظ الرواية من رواية نافع شبيهة بالرواية التي ذكرها من رواية عبد الله بن عمر في سبب نزول الآية المتقدمة قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى وهو يقرأ يفرغ، فدخلت عليه يوماً حتى وصل إلى قول الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، فقال: أتدري فيما أنزلت؟ قلت: لا، قال: أنزلت في كذا وكذا ثم مضى، وفي رواية قال: أتدري فيما أنزلت؟ قلت: لا، قال: يأتيها فيه، ولم يذكر المكان الذي يأتيها فيه، قال الإمام البرقاني ، والحميدي : أي: يأتيها في الفرج، والذي يظهر -والعلم عند الله- أن ابن عمر لا يريد هذا بدلالة الروايات الأخرى، وإنما أراد أنه يأتيها من الدبر في الفرج، لا أن يأيتها من ورائها، فكره أن يصرح بهذا المكان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وهذا الذي استظهره أبو بكر بن العربي .
هذه الروايات لا تخرج عن الروايات المتقدمة، والروايات يبين بعضها بعضا، وتقدم معنا روايتان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن الوطء كان يقع في القبل، وعليه فكل رواية عن ابن عمر فيها احتمال وجهين ترد إلى ذلك؛ لأنه تقدم معنا لما قيل لـنافع أنت تفتي عن ابن عمر بكذا قال: كذبوا عليه، القصة كذا وكذا.
هاتان الروايتان الموهمتان وهما: أصابها في المبعر، ويأتيها في الدبر.
هنا روايتان موهمتان ينبغي أن نوضحهما بالروايات الصريحة الواردة في هذا الشأن، لما تواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا الأمر، وينبغي أن نفهم المتشابه على ضوء المحكم، لا أن نعكس الأمر، وإذا وردت رواية موهمة لا نتعلق بها ونقول -انتهى- وجدنا بغيتنا، لا ثم لا، بل الواجب حمل المتشابه المحتمل ورده إلى المحكم ليتضح الأمر على التمام.
الرواية الأولى: رواية أبي سعيد الخدري، والرواية الثانية: رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، وبعد هاتين الروايتين سنورد الأحاديث المتواترة عن نبينا إمام البررة عليه الصلاة والسلام في تحريم تلك الفعلة الخبيثة المنكرة.
رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه رواها إسحاق بن راهويه في مسنده، وأبو يعلى في مسنده، والطبري في تفسيره، والطحاوي في مشكل الآثار، وابن مردويه في تفسيره، ورواية أبي يعلى في المجمع في الجزء السادس، صفحة تسع عشرة وثلاثمائة، وفي المطالب العالية في الجزء الثالث، صفحة عشر وثلاثمائة، وفي الفتح في الجزء الثامن، صفحة إحدى وتسعين ومائة، وفي رواية تلخيص الحبير في الجزء الثالث، صفحة عشر ومائتين، ولفظ الحديث عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: ( أكثر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: أبعر )، أكثر أو أبعر، امرأته على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ومعنى أبعر: من المبعر -بالفتح-، وهو: مكان البعر من كل ذات أربع، أو المكان الذي يخرج فيه البعر من الحيوانات، وأبعر كأنه يريد أنه أصابها في ذلك المكان، فكنى عنه بذلك، وقال: أبعر رجل على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وأما أكثر فمعناها أي: ألصق، وأدخل عضوه في ذلك المكان، على حسب الرواية أكثر أو أبعر، قال: ( فتكلم الناس في ذلك على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ولعل كلامهم بناء على إخبار منه، أنه حصل منه هذا الوطء من جهة الدبر، فرفع الأمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، وفي رواية من روايات أبي سعيد الخدري أصاب رجل امرأته في دبرها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر الناس ذلك فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]).
أولاً: الحديث قال عنه الهيثمي في المجمع، فيه الحارث بن سريج النقال وفي المجمع القفال وهو غلط، والصواب: النقال ، وهو: الحارث بن سريج النقال ، قال عنه الهيثمي : هو شيخ أبي يعلى (ضعيف كذاب)، والحكم عليه بأنه كذاب فيه شدة، وقد توفي سنة ستٍ وثلاثين بعد المائتين، وقال الذهبي في المغني، في الجزء الأول، صفحة إحدى وأربعين ومائة وفي الميزان في الجزء الأول، صفحة أربع وثلاثين وأربعمائة، أما في المغني فاقتصر على قول ابن عدي أنه يسرق الأحاديث، وتقدم معنا تفسير سرقة الأحاديث بثلاثة أمور، وأما في الميزان فقال: هو أحد الفقهاء، ثم حكى تضعيفه عن ابن معين ، والنسائي ، وموسى بن هارون، كما نقل عن الأزدي أنه قال: تكلموا فيه حسداً، وعلق الذهبي على هذه العبارة قال: كذا قال: أبو جهل ، وهذه العبارة غير مقبولة من الأزدي ، ثم نقل عن مجاهد بن موسى قال: دخلنا على الإمام ابن مهدي ، فرفع الحارث بن سريج النقال إلى عبد الرحمن بن مهدي حديثاً مقلوباً ليمتحنه، وليعلم هل يتفطن له أو لا؟ قال: فبدأ عبد الرحمن بن مهدي حتى كاد أن يفرغ منه، ثم فطن فنقده ورمى به، وقال: كادت والله تمضي، كادت والله تمضي.
والتصحيف الذي وقع فيه الذهبي بعيد، فصحف كادت والله تمضي، فأتى إلى تمضي وحذفها، وكادت بدل التاء فيها باء، فصارت العبارة: كاذب والله كاذب.
قال الحافظ ابن حجر في اللسان في الجزء الثاني، صفحة خمسين ومائة، قلت ما تفرد الأزدي بتوثيقه كما زعم الذهبي، فقد وثقه ابن حبان ، ونقل أيضاً توثيقه عن ابن معين كما نقل عنه تضعيفه، قال ابن معين إنه صدوق ثقة، ثم علق على تصحيف الإمام الذهبي ، فقال: هذا تصحيف من المؤلف حذف تمضي وصحف كادت إلى كاذب، ومراد الإمام ابن مهدي كادت والله تمضي، ويعني: هذه الزلة، لم ينتبه لما في الحديث من قلب، قال: وما جعله الحارث بن سريج النقال يدل على جودة حفظ ابن مهدي وتثبته.
يقول: وهذه الحكاية عن ابن مهدي وقع فيها تصحيف أدى إلى سب الحارث فقد حكى هذا الحافظ أبو بكر الخطيب في الجزء الثاني، من كتابه الجامع في أخلاق الراوي وآداب السامع، في باب امتحان الراوي بقلب الأحاديث، فقال: قرأت على محمد بن أبي القاسم إلى آخره، يقول: فذكر الحكاية إلى قوله فنقده، فرمى به وقال: كادت والله تمضي، كادت والله تمضي، فحذف المؤلف وهو الذهبي قوله تمضي وصحف كادت بكاذب، وما مراد ابن مهدي إلا كادت تمضي على زلة، وهذا يدل على جودة امتحان الحارث وحفظه وعلى حفظ ابن مهدي وتثبته والله أعلم، ثم بعد أن نقل ذكره ابن حبان في الثقات قال: تفرد الأزدي بتقويته... إلى آخره؛ لأنه يقول: قال الأزدي يتكلمون فيه حسدا، وجهلا، قال الذهبي لما رد هذا الكلام كذا قال أبو جهل، قلت لم ينفرد الأزدي بتقويته، بل قال إبراهيم بن الجنيد سألت ابن معين عنه وعن أحمد بن إبراهيم الموصلي فقال: ثقتان، صدوقان، ثقتان صدوقان، وقال مرة ليس من أهل الكذب... إلى آخر كلامه.
على كل حال الحكم على هذا الراوي بأنه كذاب وأنه ... وأنه ...، فيه خشونة، نعم اختلف أئمتنا فيه، وإذا توسطنا فحديثه لا ينزل عن درجة القبول.
والقصة في كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع في الجزء الأول، صفحة ستٍ وثلاثين ومائة، التي صحف فيها الذهبي، امتحان الراوي بقلب الأحاديث وإدخالها عليه، ثم روى الرواية فقال قرأت على محمد بن أبي القاسم الأزرق ، عن بعل بن أحمد ، قال أنبأنا أحمد بن علي الأبار ، قال سمعت مجاهداً وهو ابن موسى يقول: دخلنا على عبد الرحمن بن مهدي في بيته فدفع إليه، أي: الحارث النقال رقعةً فيها حديث مقلوب، فجعل يحدثه حتى كاد يفرغ، ثم فطن فنقده فرمى به وقال: كادت والله تمضي، كادت والله تمضي، فإذا قلت: الأزدي توثيقه غير معتبر، فهذا جهل، فقد وثقه ابن حبان ، ووثقه الأزدي ، ووثقه ابن معين في رواية.
الإمام الهيثمي يقول شيخ أبي يعلى ضعيف كذاب، فأثبت الكذب بناء على رواية عبد الرحمن بن مهدي وهي كادت بأنها كاذب، والذهبي كذلك، ويرى أن ابن مهدي كذبه، وليس الأمر كذلك، وإذا كان الأمر كذلك، وكان هذا الراوي كاذباً فالرواية لم تنزل عن درجة القبول؛ لأنه ستأتينا الرواية عن عبد الله بن عمر وهي أصح وأثبت منها، وهي في صحيح البخاري فيها هذا المعنى.
ما المراد من قوله أبعر أكثر؟
المراد منها: أي: جاءها من دبرها في قبلها؛ لأن هذا هو الذي انتشر وفشا من الروايات المتقدمة منها رواية سيدنا عمر المتقدمة وفيها: قال: (هلكت، ما أهلكك؟) قال: حولت رحلي البارحة، أي: أنه باشر أهله من ورائها لكن في المكان المعروف المعهود الذي هو مكان خروج المولود وعلى هذا فلا إشكال في قوله: أبعر فليس معناها: وطئتها في دبرها، لكن قيل له: أبعر لأنه أتاها من جهة المِبعر -بالفتح- أو المَبعر -بالكسر- فلا إشكال في ذلك على الإطلاق.
الرواية الثانية عن سيدنا عبد الله بن عمر وهي أصح وأثبت، رواها الإمام الطبراني في معجمه الأوسط كما في المجمع، في الجزء السادس، صفحة تسع عشرة وثلاثمائة، ورواه الحاكم في مستدركه، وأبو نعيم في المستخرج، قال الإمام السيوطي في الدر في الجزء الأول، صفحة خمس وستين ومائتين: إسناد الحديث حسن.
وقال الهيثمي في المجمع في رجال الإسناد -أي معجم الطبراني الأوسط- علي بن سعيد بن بشير شيخ الطبراني، لأنه رواه في معجمه الأوسط وهو حافظ، لكن قال الدارقطني : ليس بذاك، وبقية رجال الإسناد ثقات، وعلي بن سعيد بن بشير توفي سنة تسع وتسعين بعد المائتين، وترجمته في اللسان في الجزء الرابع، صفحة إحدى وثلاثين ومائتين، وفي السير في الجزء الرابع عشر صفحة خمس وأربعين بعد المائة، وفي تذكرة الحفاظ في الجزء الثاني، صفحة خمسين وسبعمائة، وفي حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، في الجزء الأول، صفحة خمسين وثلاثمائة.
وورد في السير أنه توفي سنة سبع وتسعين ومائتين وهذا خطأ، والصواب تسع وتسعين ومائتين، فلعلها تصحفت -عند الناشرين- تسع الى سبع، وهو -إن شاء الله- لا ينزل حديثه عن درجة الحسن فهو صدوق، لكن كما قال الإمام ابن حجر وغيره، تكلموا فيه لأنه كان من عمال السلطان فقط، كان في مصر وصار والياً على جهة من جهاتها أو قرية من قراها، وفيها أهل ذمة فكانوا إذا تأخروا في دفع الجزية حبس الخنازير في المسجد فمن أجل ذلك تكلم فيه الناس وإلا فهو حافظ إمام.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: إنما نزلت هذه الآية: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، رخصة في إتيان الدبر، أي: في إتيان المرأة من دبرها في قبلها.
رواية ثانية رواها الطبراني في معجمه الأوسط، والطبري في تفسيره، وابن مردويه في تفسيره، وهكذا الإمام ابن النجار رواها كما في الدر وإسناد الرواية حسن، كما نص على ذلك السيوطي في الدر، قال الهيثمي في المجمع: في الإسناد يعقوب بن حميد بن كاسب ، وثقه ابن حبان، وضعفه الأكثرون وبقية رجال الإسناد ثقات، ويعقوب بن حميد بن كاسب تقدم معنا وقلت: إنه صدوق ربما وهم، روى له البخاري في خلق أفعال العباد، وروى له ابن ماجه في سننه، وورد ذكره في الصحيح من قبل الإمام البخاري ، يعقوب ولم ينسبه، فقيل: هو، وقيل: غيره، وهو في السير في الجزء الحادي عشر، صفحة ثمان وخمسين ومائة، وتقدم معنا ذكره في الحديث المتقدم: ( ذروها فإنها ذميمة )، في الدور التي عندما سكنها الناس قلت أرزاقهم، وساءت أحوالهم، وتقدم معنا أيضاً ذكره عند حديث: ( من دخل مسجدي هذا ليتعلم أو ليعلم كان كالغازي في سبيل الله، ومن دخل لغير ذلك كان كالذي يأتي ينظر إلى متاع غيره )، فتقدم معنا ذكر يعقوب بن حميد بن كاسب عند هذين الحديثين، وعلى كل حال حديثه في درجة الحسن إن شاء الله كما قال الحافظ: صدوق ربما وهم.
ولفظ الرواية عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ( أصاب رجل امرأته في دبرها زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر الناس عليه، فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] )، أصابها من دبرها في قبلها، هذا معنى الرواية.
وروى الإمام النسائي في السنن الكبرى، وابن جرير في تفسيره، من رواية زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أن رجلاً أصاب امرأة في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً، فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، إلى آخر الآية ).
قال الإمام الدارقطني في غرائب الرواة، هذه الرواية ثابتة عن الإمام مالك، وقال الإمام ابن عبد البر: هي أيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهي صحيحة معروفة ووردت في كتاب الرواة عن مالك للخطيب البغدادي ، جاءت امرأة من الأنصار إلى نبينا المختار عليه الصلاة والسلام تشكو إليه زوجها، وأنه يطؤها من دبرها، فأنزل الله جل وعلا: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، لا حرج في ذلك.
وتقدم معنا، أخبار كثيرة في هذا المعنى، وأن المراد منها أنه يأتيها من الدبر، والوطء يقع في القبل.
هذه الرواية رواها الخطيب في كتابه الرواة عن مالك، ورواها ابن مردويه والطبراني ، وأحمد بن أسامة التجيبي ، وفي رواية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن هذه الآية نزلت في رجال كانوا يطئون النساء في أدباهن، أي: من أدبارهن في قبلهن فنزلت الآية.
وثبت في صحيح البخاري، وتفسير الطبري ، ومسند ابن راهويه ، ورواه الدارقطني في غرائب الرواة، عن مالك ، ولفظ الرواية من رواية نافع شبيهة بالرواية التي ذكرها من رواية عبد الله بن عمر في سبب نزول الآية المتقدمة قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى وهو يقرأ يفرغ، فدخلت عليه يوماً حتى وصل إلى قول الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223]، فقال: أتدري فيما أنزلت؟ قلت: لا، قال: أنزلت في كذا وكذا ثم مضى، وفي رواية قال: أتدري فيما أنزلت؟ قلت: لا، قال: يأتيها فيه، ولم يذكر المكان الذي يأتيها فيه، قال الإمام البرقاني ، والحميدي : أي: يأتيها في الفرج، والذي يظهر -والعلم عند الله- أن ابن عمر لا يريد هذا بدلالة الروايات الأخرى، وإنما أراد أنه يأتيها من الدبر في الفرج، لا أن يأيتها من ورائها، فكره أن يصرح بهذا المكان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وهذا الذي استظهره أبو بكر بن العربي .
هذه الروايات لا تخرج عن الروايات المتقدمة، والروايات يبين بعضها بعضا، وتقدم معنا روايتان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن الوطء كان يقع في القبل، وعليه فكل رواية عن ابن عمر فيها احتمال وجهين ترد إلى ذلك؛ لأنه تقدم معنا لما قيل لـنافع أنت تفتي عن ابن عمر بكذا قال: كذبوا عليه، القصة كذا وكذا.
هاتان الروايتان الموهمتان وهما: أصابها في المبعر، ويأتيها في الدبر.
ونسوق الأحاديث التي تحرم هذا، ولابد من وعيها، وأن نحمل الروايتين الموهمتين على هذا المعنى؛ لأنه لم يكن هذا الأمر مباحاً وحلالاً ثم نسخ، والأحاديث متواترة قطعاً وجزماً وتدل على التحريم، والروايتان الموهمتان يقابلها خمس روايات صريحات فالواجب الجمع بينها فإذا قلنا: بالإباحة، سنقول نسخ الأمر لكن النسخ يحتاج إلى دليل، فإذاً: نحمل الروايتين الموهمتين على وقوع الوطء في القبل.
سأقتصر على سرد عشرة أحاديث، يحصل فيها عدد التواتر، ثم أشير إلى خمسة وأتبعها بعشرة آثار عن سلفنا الأبرار، ثم أتبعها بعشرة أضرار لذلك العار.
أما الأحاديث فهي متواترة في ذلك عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه، نص الطحاوي على تواترها في شرح معاني الآثار في الجزء الثالث، صفحة ثلاث وأربعين وصفحة ستٍ وأربعين فقال: جاءت الآثار متواترة بالنهي عن إتيان النساء في أدبارهن، وقال في صفحة ستٍ وأربعين بعد أن أورد الآثار في ثلاث صفحات قال: فلما تواترت هذه الآثار عن نبينا المختار عليه الصلاة والسلام بالنهي عن وطء المرأة في دبرها، ثم جاء عن أصحابه وعن تابعيهم ما يوافق ذلك، وجب القول به وترك ما يخالفه.
إذاً: نص على التواتر في مكانين، وهكذا نص الشيخ الكتاني على تواترها في نظم المتناثر من الحديث المتواتر، صفحة سبع وتسعين، وأورد الأحاديث عن أحد عشر صحابياً وغيرهم.
الرواية الأولى: رواية خزيمة بن ثابت ، والثانية: رواية عبد الله بن عباس، والثالثة: رواية أبي هريرة، والرابعة: رواية جابر بن عبد الله ، والخامسة: رواية علي بن طلق، والسادسة: رواية علي بن أبي طالب ، والسابعة: رواية عمر ، والثامنة: رواية عقبة بن عامر ، والتاسعة: رواية ابن مسعود ، والعاشرة: رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين، والروايات كلها صحيحة.
أولها: رواية خزيمة بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه، رواها الإمام أحمد في المسند، والنسائي ، وابن ماجه في السنن، والدارمي في سننه، والشافعي في كتابي الأم، ومسنده، وابن أبي شيبة في مصنفه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في معجمه الكبير والأوسط، والبخاري في التاريخ الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والرامهرمزي في المحدث الفاصل، والخطيب في تاريخ بغداد، والبغوي في شرح السنة ومعالم التنزيل، والبيهقي في السنن الكبرى، وفي مناقب الإمام الشافعي، ورواها الإمام الدوري في ذم اللواط، ورواها الإمام الحميدي في مسنده وابن الجارود في المنتقى، وابن حزم في المحلى، وأبو نعيم في الحلية، وابن أبي حاتم في آداب الشافعي، والسبكي في الطبقات السادة.
والحديث نص الحافظ في الفتح في الجزء الثامن، صفحة إحدى وتسعين ومائة على أنه من الأحاديث الصالحة الإسناد التي يحتج بها، وقال ابن حزم في المحلى في الجزء العاشر، صفحة سبعين: هذا خبر صحيح تقوم به الحجة، وصححه ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر في الجزء الثاني، صفحة ثلاثين.
والشافعي بعد أن روى هذا الحديث في مسنده صفحة ستٍ وسبعين ومائتين، وفي الأم في الجزء الخامس، صفحة ستٍ وخمسين ومائة: ونقل قوله البيهقي في السنن الكبرى في الجزء السابع، صفحة ستٍ وتسعين ومائة، قال الشافعي بعد أن وثق رجال الإسناد وصححه: لست أرخص فيه بل أنهى عنه، وصحح الحديث المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثالث، صفحة تسعين ومائتين وقال: إسناده جيد، وجزم ابن تيمية في مجموع الفتاوى بثبوته في الجزء الثاني والثلاثين، صفحة ستٍ وتسعين ومائتين، وهكذا جزم بصحة هذا الحديث الإمام أحمد وفي طبقات الحنابلة للإمام أبي يعلى في الجزء الأول، صفحة خمس عشرة وثلاثمائة، وقد سأله ولد سيدنا الإمام الشافعي، والشافعي شيخ الإمام أحمد ، والإمام أحمد شيخ ولد الشافعي رضي الله عنهم أجمعين، وولده توفي سنة إحدى وثمانين ومائتين، بعد والده بفترة، لأن والده توفي سنة أربع ومائتين عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه سأل الإمام أحمد : عن الأخبار الواردة في تحريم، وطء المرأة في دبرها، فقال له: الأخبار في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعن أصحابه الكرام ثابتة، والحرث لا يكون إلا حيث يكون الولد، والله يقول: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ [البقرة:223].
حديث خزيمة بن ثابت في النهي عن إتيان النساء في أدبارهن
حديث ابن عباس في بيان أن الله لا ينظر إلى من أتى رجلاً أو امرأة في الدبر
حديث أبي هريرة في لعن الناكح لدبر زوجته
في بعض روايات أبي هريرة عند النسائي كما في الترغيب والترهيب في الجزء الثالث، صفحة تسعين ومائتين: ( استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن )، رواه الإمام أحمد ، وابن ماجه في السنن، والبيهقي في السنن الكبرى، والبغوي في شرح السنة، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والدارمي في سننه بلفظ آخر: ( لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها )، وفي لفظ أيضا في شرح معاني الآثار للطحاوي : ( لا تأتوا النساء في أدبارهن ).
حديث أبي هريرة في بيان خطورة إتيان النساء في أعجازهن
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والنسائي في السنن، والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أتى شيئاً من الرجال والنساء في أدبارهن فقد كفر )، ورواه الطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع في الجزء الرابع، صفحة تسع وتسعين ومائتين وقال: رجاله ثقات، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أتى النساء في أعجازهن فقد كفر )، وقد نص المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثالث صفحة تسع ومائتين على أن الحديث رجاله ثقات.
وهذه الرواية الأخيرة: ( من أتى شيئاً من الرجال والنساء في أدبارهن فقد كفر )، ( من أتى النساء في أعجازهن فقد كفر )، قال ابن كثير في تفسيره في الجزء الأول، صفحة أربع وستين ومائتين: إن الأثر موقوف على سيدنا أبي هريرة وإسناده صحيح، فيرى الرفع وهم، وأن الوقف هو الأصح، وأنا أقول: ثبت مرفوعاً، وإذا جاءنا في بعض الروايات الموقوفة زيادة فالطرق المرفوعة تقويها، على أن الموقوف في مثل هذا المقام له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو حكم شرعي لا دخل فيه للعقل البشري.
حديث جابر في النهي عن إتيان النساء في حشوشهن
الحشوش معناها الحمامات، مكان مجتمع الفضلات، والمحاش جمع محشة، وهي الدبر والمكان الذي يجتمع فيه الأذى.
حديث علي بن طلق في النهي عن إتيان النساء في أعجازهن
حديث علي بن أبي طالب في النهي عن إتيان النساء في أعجازهن
حديث عمر في النهي عن إتيان النساء في أدبارهن
خلا يعلى بن اليمان وهو ثقة، ويعلى بن اليمان بحثت عنه في كتب التراجم، لأتحقق، فإن كان كما ذكر الهيثمي أو غيره فبها ونعمت، وإن كان من تصحيف الطابعين فلابد من التصحيح، ومع البحث ما وجدت راوياً من الرواة اسمه يعلى بن اليمان، إنما يعلى بن النعمان، ويعلى بن اليمان وثقه ابن حبان كما في تعجيل المنفعة صفحة سبع وخمسين وأربعمائة، وقلت: هو مترجم في تاريخ بغداد، وفي التاريخ الكبير للبخاري في الجزء الثامن، صفحة ثمان عشرة وأربعمائة، وفي الجرح والتعديل في الجزء التاسع، صفحة أربع وثلاثمائة، هذا على حسب الرواية يعلى بن النعمان ولا يوجد اليماني فقلت: لعلهما متشابهان، وعند البحث بعد ذلك في الرواية، رأيت أنها في البزار ، كما في المجمع، لكن الهيثمي في المجمع لا يورد الإسناد، فرجعت إلى كشف الأستار للبحث عن يعلى بن اليمان فورد اسمه في كشف الأستار: عثمان بن اليمان ، فيمان صحيحة، ولكن الخطأ في يعلى وليس في اليمان، فهو عثمان بن اليمان الحباني أبو محمد اللؤلؤي قال ابن حبان : ثقة ربما أخطأ، انظروا كشف الأستار الجزء الثاني، صفحة ثلاث وسبعين ومائة، وأنا أعجب للشيخ الأعظمي عليه وعلى المسلمين رحمة رب العالمين، لوهمه وعدم انتباهه.
فقد علق على كتابين: على المطالب العالية وعلى كشف الأستار، ففي كشف الأستار ضبطه عثمان بن اليمان وفي المطالب العالية للحافظ ابن حجر حذف الإسناد كما فعل الإمام الهيثمي، قال الأعظمي قال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح خلا يعلى بن اليمان وهو ثقة -مع أنه يقول في تعليقه على كشف الأستار سبطه عثمان بن اليمان-، والصحيح عثمان بن اليمان ، والشيخ الأرناؤوط في تعليقه على زاد المعاد أخذ كلام الهيثمي كما هو وكتبه: رجاله رجال الصحيح إلا يعلى بن اليمان وهو ثقة.
فالإمام الهيثمي أنا على يقين أنه غير واهم، لكن الطبعة من شر الطبعات، فـعثمان صحفوها إلى يعلى، ثم اليمان وبقي كما هو، وكنت سأنبه عليه وأقول إن اليمان خطأ والصواب النعمان، ثم بعد أن بحثت تبين أن اليمان صح، والخطأ في يعلى، وأنه عثمان .
على كل حال عثمان بن اليمان ثقة بل إسناده إن شاء الله صحيح ثابت، والرواية عن سيدنا عمر رضي الله عنه موقوفة ومرفوعة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( استحيوا من الله لا تأتوا النساء في أدبارهن ).
حديث عقبة بن عامر في لعن من أتى النساء في محاشهن
حديث ابن مسعود في النهي عن إتيان النساء في محاشهن
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] | 4050 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] | 3982 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] | 3910 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] | 3797 استماع |
شرح الترمذي - مقدمات [8] | 3790 استماع |
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] | 3777 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] | 3576 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] | 3489 استماع |
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] | 3469 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [6] | 3418 استماع |