خطب ومحاضرات
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً. أما بعد:
فقد كنا أجملنا القول في أنواع الاستعانة بالجن، ثم فصلنا الكلام في النوع الأول من الاستعانة بهم، وهي الاستعانة المباحة بالجن.
واليوم سنتحدث إن شاء الله عن بقية الأنواع، وسنبدأ الحديث عن
النوع الثاني من أنواع الاستعانة: وهي تدخل في دائرة الاستحباب، بأن تستعين بهم فيما هو من المستحبات، كما هو الحال في الجني مع الجن، وفي الإنسي مع الإنس، فيجوز أن تستعين بإنسي على طاعة مستحبة، ويستعين جني بجني على أمر مستحب، ويستعين جني بإنسي على أمر مستحب، ويستعين إنسي بجني على أمر مستحب.
وصور ذلك كثيرة منها:
استعمال نبي الله سليمان لبعضهم في بناء المساجد، ولو قدر لإنسان أن له صلة بالجن, وأراد -مثلاً- أن يبني مسجداً، أو أن يقوم بطاعة ويريد أعواناً له، ويكلفه ذلك، فقال للجن: الذين يتصلون به ساعدوني في هذا الأمر فبنوا معه وساعدوه، ووفروا عليه أجرة العمال فأي حرج في ذلك؟
وهكذا إذا أردت أن تستعين بهم في الدلالة على أمر محمود يعلمونه وأنت تجهله، كما لو استعنت بهم في معرفة كتاب أين يوجد، أو في معرفة مخطوطة مثلاً، وعندك جني يأتي إليك فقلت له: ابحث عن كتاب -وليكن مثلاً كتاب- اللباب عن كشف قول الترمذي وفي الباب، وهذا الكتاب مخطوط وموجود، وأنت عندك اطلاع على الخفايا التي في الزوايا فأين هذا الكتاب فقال: يوجد في مكان كذا فاذهب إلى هناك، هذا لا حرج فيه على الإطلاق.
وهكذا إذا كان لمدارسة واجتماع على طاعة كقراءة قرآن، وهذا حصل لكثير من الإنس مع الجن, وللجن مع الإنس ولا حرج.
ومن صور ذلك ما رواه الشبلي في آكام المرجان في صفحة تسع وتسعين، والقصة ينقلها الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء التاسع عشر صفحة خمسين وأربعمائة في ترجمة أبي الوفاء ابن عقيل، وهو علي بن عقيل شيخ الحنابلة، توفي سنة ثلاث عشرة وخمسمائة للهجرة، وكنت ذكرت أن كتابه الفنون من أكبر كتب الأئمة المؤلفة يبلغ خمسمائة مجلد.
قال عنه الذهبي : لم يكن له في زمانه نظير على بدعته، وعلى كل حال بدعته تاب منها؛ لأنه دخل في الاعتزال فترة، واستتابه الحنابلة, وكتبوا عليه محضراً فرجع، ومن تاب تاب الله عليه، ورحمة الله واسعة.
القصة كما قلت في السير وفي آكام المرجان، خلاصتها أنه حكى ابن عقيل في الفنون رؤيا عيان شاهدها وعلم بها قال: كان عندنا بالظفرية -منطقة في بغداد- دار كلما سكنها ناس أصبحوا موتى، وجاء مرةً رجل مقرئ من حفاظ القرآن كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في فضل سورة البقرة, والحديث في صحيح مسلم : (فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة) يعني: السحرة لا تستطيع أن تنفذ وتؤذي من يحفظها بإذن الله جل وعلا.
قال: فجاء مرةً رجل مقرئ فاكتراها وارتقى بناها بها -والظاهر وارتقى بناه بها، فالعبارة فيها خطأ- يعني إما بدأنا ننظر أحواله، أو لعله يرتقى بها، أي: سكن فيها، أو المعنى: راقبناه ماذا سيكون حاله فيها؟ وأصبح سالماً فتعجب الجيران، فأقام مدةً ثم انتقل إلى غيرها.
فسئل فقال: لما بت بها في أول ليلة صليت بها العشاء وقرأت شيئاً من القرآن, وإذا شاب صعد من البئر فسلم عليَّ, قال: فبهت، فقال: لا بأس عليك، علمني شيئاً من القرآن.
يقول: فشرعت أعلمه ثم قلت: هذه الدار كيف حديثها؟ يعني: لا يسكن فيها أحد إلا مات.
قال: نحن جنٌ مسلمون، نقرأ القرآن، ونسكن في هذه الدار، وهذه الدار لا يسكنها ممن قبلك إلا الكفار، فيجتمعون على الخمر، فإذا اجتمعوا خنقناهم.
فقلت: أنا في الليل أخافك فلا تأت ليلاً، أي: لا تأتني بعد العشاء من البئر، وائتني في النهار لكي نقرأ القرآن، قال: نعم، قال: فكان يصعد من البئر بالنهار, وألفته، أي: ألفه وتعرف عليه وأحبه، فبينما هما يقرآن، إذا بمعزم في الدرب، وأصحاب العزائم في الطريق يعزمون ويصيح قائلهم: المرقي من الدبيب، ومن العين، ومن الجن.
فقال الجني: أي شيء هذا؟ قلت: معزم، قال: اطلبه، فقمت وأدخلته، فإذا أنا بالجني قد صار ثعباناً في السقف والرجل يعزم، فعزم الرجل، يعني: ذاك اختبأ وتوارى وصار ثعباناً وارتفع إلى السقف والرجل يعزم، فما زال الثعبان يتدلى حتى سقط في وسط المنديل، فسله هذا الذي يعزم، وقام ليأخذه ويضعه في زنبيله فمنعته، فقال: أتمنعني من صيدي؟ فأعطيته ديناراً، قلت: خذ ديناراً واترك هذا الجني الذي صار ثعباناً وسقط، فانتفض الثعبان، وخرج الجني إلى صورته التي كان عليها, وقد ضعف ونحل واصفر وذاب، فقلت: ما لك؟ قال: قتلني بهذه الأسامي التي كان يعزم بها، وما أظن أني أفلح، فاجعل ذلك متى سمعت في البئر صراخاً، فانهزم، قال: فسمعت في الليل النعي والعويل فانهزمت.
قال ابن عقيل : وامتنع أحد أن يسكن تلك الدار بعدها، وما يجري في هذا الكون عجيب غريب، والله أعلم.
وهذا المعزم يعزم بأشياء بحيث تؤثر في الجن بقدرة الله وتقديره, والله على كل شيء قدير، لكنه قال له: الآن أنا قتلت فإذا مت فهؤلاء أصحابي سيثارون، وأنت إذا كنت في البيت فإنهم سيؤذونك، فما لك إلا أن تذهب، فمتى ما سمعت الصراخ بالبئر فاترك هذا البيت ا هـ.
وأخبرني مرةً بعض الإخوة قال: يوجد دار عندنا فيها هذه القصة، وكان كل من يسكنها يخرج منها، وأحياناً يأتيه الجن وكذا، قلت: خذوني إليها -نسأل الله الستر والعافية- فإما أن يعقد الإنسان معهم صلة شرعية، وإما أن يردهم خاسئين، نسأل الله اللطف وحسن الخاتمة.
الصورة الثالثة: قد تتعين الاستعانة بهم لمن يتصل بهم إذا كان في أمر واجب يحصل بمساعدتهم، أو أمر واجب إذا ساعدونا فيه قمنا به، كما لو استعنت بهم في دفع صائل عليك، أو على غيرك، يريد أن يعتدي على عرضك، أو على بدنك وأنت على صلة بواحد من الجن, فطلبت منه أن يكف هذا العاصي سواء كان من الإنس أو الجن، فدفع الضر واجب، ودفع الصائل متعين.
إن كان فيما هو مشروع في الإسلام، فلا تتبعه بأمر محرم، ولا تعبده، ولا تستغث به، ولا تذبح له، ولو قدر أنه جني صالح ويتصل بك، وهناك إنسان يؤذى من قبل الجن فتقول: يا عبد الله! ادفع عتاة الجن عن هذا الإنسي الذي يؤذونه، فتستعين به في أمر أنت يجب عليك أن تفعله إذا أمكنك وهو دفع الضر عن نفسك وعن غيرك ممن يؤذي المسلمين، فهذا لا حرج فيه.
وقال ابن تيمية : كما تجب مساعدة الإنسان للإنسان عند تعينها عليه كذلك تجب مساعدة الجان للإنسان إذا تعينت عليهم.
وتقدم معنا أن الجن المؤمنين كانوا يساعدون الإنس المؤمنين في بعض ما يقرأ عليهم من كتب العلم، وتقدم معنا حديث ضمن مباحث النبوة ورد في مسند أحمد وأبي يعلى ، والبزار ، ورواه البيهقي في دلائل النبوة، وإسناده صحيح من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه خرج صحابي من خيبر وتبعه رجلان فتبعهما ثالث وهو يقول: ارجعا.. ارجعا، فما زال بهما حتى أعادهما، ثم تبعه وقال: هذان شيطانان جنيان مفسدان عاتيان، أرادا أن يفزعاك وأن يؤذياك فرددتهما، فإذا وصلت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأقرئه منا السلام، وأخبره أننا في جمع الزكاة ولو كان يصلح أن نرسلها إليه لأرسلناها إليه.
فعند ذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الوحدة وقال: (ولو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل وحده أبداً.).
فإذاً هنا جني دفع جنيين عن هذا المسلم الصحابي الصالح في ظلام الليل عندما مشى بمفرده، ونصرة المظلوم من أفضل الأعمال والقربات عند رب العالمين، وهي واجب كفائي أو عيني على المسلمين، على حسب قدرتك، وعلى حسب حالك وعلمك، فإذا علمت وحدك بالأمر تعين عليك ووجب أن تنصره، وإذا علمت أنت وغيرك وجب على الجميع نصرة هذا المظلوم، وإذا لم ينصروه فقد عصوا الله.
ولو قدر -افتراضاً- أنك في فلاة وأدركت إنساناً يستغيث وهو بحاجة إلى النجدة، أو المساعدة، أو بحاجة إلى ماء، أو بحاجة إلى أن توصله إلى الطريق، أو...، فلا يجوز أن تتركه وتقول: ما لي وله، فلو مات فعليك إثمٌ من ذلك؛ لأنه تعين عليك مساعدته، ولا يوجد أحد بلغه حاله إلا أنت, وإذا وقع ظلم على وجه الأرض على مظلوم، والأمة علمت بذلك فيجب عليها أن تنصره ولو قام واحد من الأمة بالنصرة, ورد الظلم فقد حصل المطلوب، وإلا أثم الجميع.
فكم في رقابنا من آثام في هذه الأيام نحو إخواننا الذين يؤذون في مشارق الأرض ومغاربها، وكل من في وسعه أن ينصر ولم ينصر فهو عاص لله ظالم لنفسه متجاوز لحدود ربه.
فهذا لا بد من وعيه، وعليه إذا كان لك صلة بجني من المؤمنين الصالحين, وحصل أذى من الجن على بعض عباد الله الطيبين، وطلبت منه المساعدة لدفع ذلك الضر, فهذا مما يجب ولا حرج في ذلك.
الاستعانة الثانية: مذمومة شنيعة محرمة في الشريعة، وهي أن تطلب من الجن ما لا يحل في شريعة الله جل وعلا، والجن لا تجيب الطالب في الغالب إلا إذا استجاب لهم فيما لا يحل؛ لأنه كما قال الله سبحانه: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9]، كما تستمتع بهم يستمتعون بك وبدينك، فلا يعطونك شيئاً إلا بعد أن ينالوا من دينك أضعاف أضعافها.
فالغالب أنهم لا يستجيبون عندما تطلب منهم محرماً إلا إذا فعلت أنت المحرم أولاً، فكل من الفريقين يستمتع بصاحبه فيما حرم الله عليهم، وهذا أشار إليه ربنا جل وعلا في سورة الأنعام: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:128] ، وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ [الأنعام:128].
أما استمتاع الإنس بالجن فلأنهم طلبوا منهم قضاء حوائجهم فيما لا يحل، في المحرمات، أو الكبائر، أو البدع، أو الشرك والكفر، واستمتاع الجن بهم أنهم طلبوا منهم أن يعبدونهم، أو أن يعبدوا غيرهم ممن تعجبهم عبادتهم له أو قبور يستغيثون بها، أو أحجار، أو أشجار، وكل هذا مما يرضيهم.
ومنها قولهم: إذا عبدت هذه الشجرة نقضي لك حاجتك، فنحملك في الهواء، أو نحضر لك المحرم الذي طلبته، أو نؤذي لك فلاناً الذي تريد أن نؤذيه، وإذا وضعت المصحف في النجاسة -والقرآن كريم مكرم طاهر مبارك، نسأل الله أن يصونه من كل أذى- أو سترته بعذرة نقضي لك حاجتك، أو نربط فلاناً عن زوجته، أو نمنعه من الاتصال بها، هذا كله يقع من شياطين الإنس مع شياطين الجن، فهؤلاء يستمتعون وهؤلاء يستمتعون، ولذلك قال الله: وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام:128] .
يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء الثالث عشر صفحة ثمانين: قلت: الاستمتاع بالشيء أن يتمتع به فينال به ما يطلبه ويريده ويهواه، ثم ذكر أنواع هذا الاستمتاع:
قال: فيخدم هؤلاء لهؤلاء في أغراضهم، وهؤلاء لهؤلاء في أغراضهم، فالجن تطيع الإنس، بعد طاعة الإنس للجن, وكل واحد حصَّل من الآخر مراده، فالجن تأتيه بما يريده من مال، أو من قتل، أو...، والإنس تطيع الجن فتارةً تسجد للجن، أو تسجد لمن يأمرهم الجن بالسجود له.
وقد كان الإنس ولا يزال عتاتهم يستعملون ويستعيذون بالجن: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6] كما أخبر الله جل وعلا عن ذلك في كتابه.
إذاً الاستعانة بالجن فيما لا يحل لا تحل، ولا تحصل الاستعانة بهم في الغالب في هذا الأمر إلا إذا فعلت ما لا يحل، فعصيت عندما استغثت بهم وعبدتهم من دون الله، وعصيت عندما طلبت منهم أن يقضوا لك حاجةً محرمةً في شريعة الله.
فطلب الإنسي إذاً من الجني ما لا يحل لا يكون إلا بفعل ما لا يحل في الغالب، وهو في المكروه مكروه، وهو في الحرام حرام، وهو في الأمر الذي هو محرم ويأخذ شكله الصلاح والولاية ويكون صاحبه مغرور فهو بدعة، وهو في الشرك والكفر شرك وكفر على حسب ما يجري من الإنسان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية في مجموع الفتاوى في الجزء التاسع عشر صفحة اثنتين وستين، ونقل هذا الكلام عن الشبلي في آكام المرجان في صفحة ثمان وثلاثين ومائة.
إتيان الكهنة والعرافين وسؤالهم
كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث معاوية بن الحكم قال: (قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أموراً كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال: فلا تأتي الكهان)، وتكملة الحديث قال معاوية بن الحكم رضي الله عنه: (كنا نتطير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم).
وهذا الحديث كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى هو في صحيح مسلم ، انظروه في شرح النووي لصحيح مسلم في الجزء الرابع عشر صفحة ثلاثٍ وعشرين ومائتين، وانظروا كلام النووي في بيان معنى الكهانة في المكان المشار إليه.
قال ابن تيمية : وفي صحيح مسلم أيضاً عن عبيد الله ، عن نافع ، عن صفية ، عن بعض أزواج النبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً).
والحديث في صحيح مسلم كما قال ابن تيمية ، وهو في مسند أحمد في الجزء الرابع صفحة ثمان وستين، وفي الجزء الخامس صفحة ثمانين وثلاثمائة، وفي بعض روايات الحديث: (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة).
وقد ورد معنى هذا الحديث من غير هذا الطريق عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، ورد من رواية أبي هريرة ، ومن رواية الحسن رضي الله عنهم أجمعين في مسند أحمد في الجزء الثاني صفحة تسع وعشرين وأربعمائة.
ولفظ الحديث: عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد).
وورد في كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم صفحة اثنتين وعشرين في النوع السادس عند عنوان معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد).
وأئمتنا يقولون: هذا من الموقوف الذي له حكم الرفع، وقد روي كما رأيتم مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية أبي هريرة ، والحسن رضي الله عنهم أجمعين.
قال ابن تيمية : وأما إن كان السائل يسأل الجني ليمتحن حاله, ويختبر باطن أمره, وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز، كما ثبت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل
قال ابن تيمية : وكذلك إذا كان يسمع ما يقولونه ويخبرون به عن الجن كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار ويعرف ما عندهم فيعتبر به، وكما يسمع المسلم خبر الفاسق, ويتبين ويتثبت فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة كما قال الله جل وعلا: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] .
وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أهل الكتاب كانوا يقرءون التوراة ويفسرونها بالعربية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه. وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، وإلهانا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون )، فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه ولم يصدقوه ولم يكذبوه.
وهذا الحديث الذي ذكره ابن تيمية وعزاه إلى صحيح البخاري موجود في صحيح البخاري في كتاب التفسير، وفي كتاب الاعتصام، وفي كتاب التوحيد.
المكان الأول في الجزء الثاني، صفحة سبعين ومائة مع شرح الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وكذلك رواه البغوي في شرح السنة في الجزء الأول، صفحة ثمان وستين ومائتين.
والحديث روي من رواية أبي نملة الصحابي الأنصاري وهو عمار بن معاذ الخزرجي شهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع نبينا عليه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
ورواية أبي نملة رضي الله عنه ثابتة في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن حبان ، وشرح السنة للإمام البغوي ، والحديث روي أيضاً من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين في مسند الإمام أحمد .
قال ابن تيمية : وقد روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه أبطأ عليه خبر عمر رضي الله عنهم أجمعين، وكان هناك امرأة لها قرين من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة، أي: يعلمها.
وفي خبر آخر: أن عمر أرسل جيشاً فقدم شخص إلى المدينة فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم، وشاع الخبر، وسأل عمر عن ذلك فذكر له، وقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن، وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك، فجاء بعد ذلك بعدة أيام.
الأثر الأول الذي رواه الإمام ابن تيمية عن أبي موسى الأشعري ذكره الإمام الشبلي أيضاً في آكام المرجان في صفحة ثمان وثلاثين ومائة، وعزاه إلى ابن أبي الدنيا ، وإلى عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
والأثر الثاني تقدم معنا ذكره، وقلت: إنه أيضاً في مجموع الفتاوى في الجزء الثالث عشر، صفحة تسع وثمانين، والعلم عند رب العالمين.
استعمال الجن في المحرمات وشبهة سيطرة سليمان عليه السلام على الجن
وواقع الأمر بعد وفاة نبي الله سليمان جاءت الجن ودفنت كتباً من السحر والشرك والكفر تحت كرسيه الذي كان يجلس عليه، فلما استخرج انقسم الناس إلى قسمين: قسم قالوا: إن نبي الله سليمان كان يستعمل الجن بهذا الكفر، فهو كان يستمتع بهم وهم يستمتعون به، فكفروا نبي الله سليمان بذلك, وهو النبي الكريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
وقسم قالوا: بما أنه كان يستعملهم بهذا الأمر، فنحن نستعملهم به، ففريق استدل على جواز استعمالهم بهذا الكفر بما يؤثر من كتب سحر وطلاسم وضلال وجدت تحت كرسي نبي الله سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ففريق برر فعله في استغاثته بالجن وعبادته للجن بما نقل في تلك الصحف، وفريق كما قلت قال: هذا لا يجوز، وحكم على نبي الله سليمان بالضلال والكفر.
والفريقان ضالان، فهذا لا علم لنبي الله سليمان به، وهو كما قلت من عمل الشياطين والجان، وما كان هذا النبي المبارك يستعملهم بهذا الكفر، إنما قسرهم الله وقهرهم وسخرهم له.
وعليه لا يجوز أن نستعملهم بذلك، ولا يجوز أن ننسب هذا الأمر إلى نبي الله سليمان.
وهذا يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء التاسع عشر، صفحة اثنتين وأربعين، وجميع السحرة الآن الذين يزاولون السحر والاستعانة بالجن بواسطة الكفر تراهم يكتبون ويرسمون أول شيء نبي الله سليمان ثم لاهوت ثم كذا وهكذا، لكن المقصود أن نبي الله سليمان وأسماءه كذا منقولة في الأصل عندهم، ويقولون: هو الذي كان يستعمل هذا الكفر في استعمال الجن, ضل سعيهم, وخاب عملهم، وهو نبي كريم مبارك على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
إذاً لا يجوز أن نستعمل الجن في محرم، وفي الغالب إذا استعملناهم في محرم سيكون بمحرم منا أيضاً نحوهم، ولذلك لا يجوز أن نستعملهم في محرم، ولا أن نفعل معهم محرماً، ولا تطيعنا الجن إذا أردنا أن نستعملهم في معصية إلا بعد أن نعصي نحن الله جل وعلا معهم، وأن يحققوا مرادهم منا.
قال: وأما سؤال الجن وسؤال من يسألهم فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للمسئول فهو حرام.
كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث معاوية بن الحكم قال: (قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أموراً كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال: فلا تأتي الكهان)، وتكملة الحديث قال معاوية بن الحكم رضي الله عنه: (كنا نتطير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم).
وهذا الحديث كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى هو في صحيح مسلم ، انظروه في شرح النووي لصحيح مسلم في الجزء الرابع عشر صفحة ثلاثٍ وعشرين ومائتين، وانظروا كلام النووي في بيان معنى الكهانة في المكان المشار إليه.
قال ابن تيمية : وفي صحيح مسلم أيضاً عن عبيد الله ، عن نافع ، عن صفية ، عن بعض أزواج النبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً).
والحديث في صحيح مسلم كما قال ابن تيمية ، وهو في مسند أحمد في الجزء الرابع صفحة ثمان وستين، وفي الجزء الخامس صفحة ثمانين وثلاثمائة، وفي بعض روايات الحديث: (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة).
وقد ورد معنى هذا الحديث من غير هذا الطريق عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، ورد من رواية أبي هريرة ، ومن رواية الحسن رضي الله عنهم أجمعين في مسند أحمد في الجزء الثاني صفحة تسع وعشرين وأربعمائة.
ولفظ الحديث: عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد).
وورد في كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم صفحة اثنتين وعشرين في النوع السادس عند عنوان معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد).
وأئمتنا يقولون: هذا من الموقوف الذي له حكم الرفع، وقد روي كما رأيتم مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية أبي هريرة ، والحسن رضي الله عنهم أجمعين.
قال ابن تيمية : وأما إن كان السائل يسأل الجني ليمتحن حاله, ويختبر باطن أمره, وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز، كما ثبت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل
قال ابن تيمية : وكذلك إذا كان يسمع ما يقولونه ويخبرون به عن الجن كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار ويعرف ما عندهم فيعتبر به، وكما يسمع المسلم خبر الفاسق, ويتبين ويتثبت فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة كما قال الله جل وعلا: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] .
وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أهل الكتاب كانوا يقرءون التوراة ويفسرونها بالعربية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه. وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، وإلهانا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون )، فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه ولم يصدقوه ولم يكذبوه.
وهذا الحديث الذي ذكره ابن تيمية وعزاه إلى صحيح البخاري موجود في صحيح البخاري في كتاب التفسير، وفي كتاب الاعتصام، وفي كتاب التوحيد.
المكان الأول في الجزء الثاني، صفحة سبعين ومائة مع شرح الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وكذلك رواه البغوي في شرح السنة في الجزء الأول، صفحة ثمان وستين ومائتين.
والحديث روي من رواية أبي نملة الصحابي الأنصاري وهو عمار بن معاذ الخزرجي شهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع نبينا عليه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.
ورواية أبي نملة رضي الله عنه ثابتة في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن حبان ، وشرح السنة للإمام البغوي ، والحديث روي أيضاً من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين في مسند الإمام أحمد .
قال ابن تيمية : وقد روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه أبطأ عليه خبر عمر رضي الله عنهم أجمعين، وكان هناك امرأة لها قرين من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة، أي: يعلمها.
وفي خبر آخر: أن عمر أرسل جيشاً فقدم شخص إلى المدينة فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم، وشاع الخبر، وسأل عمر عن ذلك فذكر له، وقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن، وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك، فجاء بعد ذلك بعدة أيام.
الأثر الأول الذي رواه الإمام ابن تيمية عن أبي موسى الأشعري ذكره الإمام الشبلي أيضاً في آكام المرجان في صفحة ثمان وثلاثين ومائة، وعزاه إلى ابن أبي الدنيا ، وإلى عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
والأثر الثاني تقدم معنا ذكره، وقلت: إنه أيضاً في مجموع الفتاوى في الجزء الثالث عشر، صفحة تسع وثمانين، والعلم عند رب العالمين.
من يستعملون الجن في الأمور المحرمة بأمور محرمة, يزعمون أن نبي الله سليمان كان يستعملهم بواسطة أمور محرمة يقوم بها نحوهم، فكان يعظمهم ويعبدهم من دون الله.
وواقع الأمر بعد وفاة نبي الله سليمان جاءت الجن ودفنت كتباً من السحر والشرك والكفر تحت كرسيه الذي كان يجلس عليه، فلما استخرج انقسم الناس إلى قسمين: قسم قالوا: إن نبي الله سليمان كان يستعمل الجن بهذا الكفر، فهو كان يستمتع بهم وهم يستمتعون به، فكفروا نبي الله سليمان بذلك, وهو النبي الكريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
وقسم قالوا: بما أنه كان يستعملهم بهذا الأمر، فنحن نستعملهم به، ففريق استدل على جواز استعمالهم بهذا الكفر بما يؤثر من كتب سحر وطلاسم وضلال وجدت تحت كرسي نبي الله سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
ففريق برر فعله في استغاثته بالجن وعبادته للجن بما نقل في تلك الصحف، وفريق كما قلت قال: هذا لا يجوز، وحكم على نبي الله سليمان بالضلال والكفر.
والفريقان ضالان، فهذا لا علم لنبي الله سليمان به، وهو كما قلت من عمل الشياطين والجان، وما كان هذا النبي المبارك يستعملهم بهذا الكفر، إنما قسرهم الله وقهرهم وسخرهم له.
وعليه لا يجوز أن نستعملهم بذلك، ولا يجوز أن ننسب هذا الأمر إلى نبي الله سليمان.
وهذا يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء التاسع عشر، صفحة اثنتين وأربعين، وجميع السحرة الآن الذين يزاولون السحر والاستعانة بالجن بواسطة الكفر تراهم يكتبون ويرسمون أول شيء نبي الله سليمان ثم لاهوت ثم كذا وهكذا، لكن المقصود أن نبي الله سليمان وأسماءه كذا منقولة في الأصل عندهم، ويقولون: هو الذي كان يستعمل هذا الكفر في استعمال الجن, ضل سعيهم, وخاب عملهم، وهو نبي كريم مبارك على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.
إذاً لا يجوز أن نستعمل الجن في محرم، وفي الغالب إذا استعملناهم في محرم سيكون بمحرم منا أيضاً نحوهم، ولذلك لا يجوز أن نستعملهم في محرم، ولا أن نفعل معهم محرماً، ولا تطيعنا الجن إذا أردنا أن نستعملهم في معصية إلا بعد أن نعصي نحن الله جل وعلا معهم، وأن يحققوا مرادهم منا.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] | 4047 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] | 3981 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] | 3907 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] | 3795 استماع |
شرح الترمذي - مقدمات [8] | 3788 استماع |
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] | 3773 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] | 3571 استماع |
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] | 3466 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [6] | 3419 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [59] | 3419 استماع |