علامات محبة الله للعبد
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
علامات محبة الله للعبدالمحبة منزلة عظيمة ودرجة عالية رفيعة، تشرح القلوب وتذيب الكروب، وتملأ القلب رضًا وسعادة، كيف لا وهي تُشعِرك بقربك من الله وكرامتك عنده سبحانه؟ فمحبة الله تعالى عبادة عظيمة، وعمل صالح جليل، يطمح كل واحد منا للحصول عليها والظَّفَرِ بها، وهي عبادة لا يقوم الدين إلا بها ولا يكتمل إيمان شخص إلا ببلوغها؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان وذكر منها ...
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ...))؛ فمحبة الله تعالى هي سرُّ تذوق الإيمان ونكهته التي تزينه في القلوب، وتُخضِع الجوارح للاستسلام لأمر الله، والانقياد لأحكامه والرضا بقضائه؛ يقول الشاعر:
لو كان حُبُّك صادقًا لأطَعْتَهُ *** إن المحبَّ لِمنْ أحبَّ مُطيعٌ
وقد ذكرها الله تعالى في كتابه كثيرًا؛ تنبيهًا للناس على أهميتها، واستشعارًا بعظيم منزلتها؛ فقال في محبته لأوليائه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]، ووصف تلك المحبة الناصعة بين المؤمنين؛ فقال: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].
والأعظم من ذلك أن يكون ممن يحبه الله تعالى وينصره؛ فهي غاية كل مسلم، ومطمع كلِّ تقيٍّ، فلا ينالها إلا من حقق ما يحبه سبحانه، وعمِل ما يرضيه من قول وفعل، وليبحث في نفسه ولينظر أين هو من علامات المحبة التي رتَّب الله تعالى عليها محبته، وأوجب على فعلها رضاه، وقد ذكر بعضًا منها ربنا في كتابه ونبَّه عليها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته، فإن حقق العبد هذه العلامات فليُبشر وليستمر، وإن كان مقصرًا فيها فليجتهد ويعمل لكي يحقق هذه العلامات، ويكون من أهل تلك الصفات؛ فأول هذه العلامات الدالة على محبة الله تعالى للعبد هي:
1- اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، والاقتداء به، والحرص على التأسي به؛ فهو علامة من علامات محبة الله للعبد، ودليل على صدق إيمانه؛ فقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]؛ فهذه الآية ميزان في محبة الله تعالى يبيِّن الصادق من الكاذب؛ فقد فضح الله فيها أقوامًا ادَّعَوا محبتهم لله زورًا وكذبًا، فأنزل عليهم هذه الآية، فمن ادعى حبَّ الله ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم تابعًا ولا بسنته متأسيًا، فقوله كاذبٌ وادعاؤه زورٌ وباطل.
2- الإكثار من النوافل:
فالنوافل ما شُرِعت إلا لجبر النقص في الفرائض، ورِفعة للدرجات وكسب الحسنات؛ فلا توجد عبادة عظيمة إلا حفَّها الله تعالى بالنوافل من جنسها: إما قبلها، أو بعد أدائها، فإذا أكثر المسلم من هذه النوافل، كان ذلك دليلًا على صدق إيمانه، وكمال محبته لله تعالى؛ فالفرائض قد يؤديها البعض إسقاطًا لوجوبها، أما النوافل فلا يُقبل عليها إلا من كان قلبه عامرًا بالإيمان، وجوارحه تنبض بالإحسان؛ وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُكْثِرَ من النوافل من صلاة وقيام وقراءة للقرآن فقال: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79]، وجاءت كثير من الآيات ترغِّب المسلم في الحرص على هذه النوافل، وتنبِّهه إلى عدم تركها أو التهاون بها في حال من الأحوال، فإذا حرص المسلم عليها، تحققت له الفوائد العظيمة والمنن الجليلة؛ قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: ((من عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه))، فانظر إلى هذه الفوائد التي يبلغها المسلم من المحافظة على النوافل.
3- محبة الناس والثناء الحسن على العبد:
فثناءُ الناس على المسلم، والشهادة له بالصلاح والاستقامة على الطاعة وحسن الخلق - علامة من علامات محبة الله، وانظر إلى هذا الموقف الذي حدث في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((مُرَّ بجنازة فأُثْنِيَ عليها خيرًا، فقال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، ومُرَّ بجنازة فأُثنِيَ عليها شرًّا، فقال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، قال عمر: فدًى لك أبي وأمِّي، مُرَّ بجنازة فأُثني عليها خيرًا، فقلتَ: وجبت وجبت وجبت، ومُرَّ بجنازة فأُثنيَ عليها شرًّا فقلتَ: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتُم عليه خيرًا وجبت له الجنَّة، ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النَّار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض)).
فثناء الناس للعبد وشهادتهم له دليلٌ على قبول الله تعالى لهذا العبد ونشر محبته بين الناس، فلا يراه أحد إلا أحبه؛ فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا فأحبِبْهُ، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يُوضَع له القَبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض))، فانظر إلى من أحبه الله كيف ينشر له القبول في السماء والأرض.
4- حسن الخلق:
فالإسلام هو دين الأخلاق الفاضلة الكريمة، وهو منبعها ومُشرِّعُها؛ فلا يوجد دين أو شريعة أعطت الأخلاق حقها مثل الإسلام، بل إنه عليه الصلاة والسلام جعل الغايةَ من بعثته أن يتمم مكارم الأخلاق، وينهى عن سفاسفها؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنما بُعثتُ لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق)).
فمن حسُن خلقُه، واستقامت تصرفاته، فهو على خير بل هو علامة على محبة الله تعالى له، وصَوْنِ الله تعالى لجوارحه من الإساءة؛ فعن أسامة بن شريك قال: ((كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأن على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله؟ قال: أحسنهم خلقًا))، فمن أراد أن يبلغ هذه المنزلة ويصل إلى هذه المكانة، فليحرص على العمل الذي يحبه ربه ودعا إليه نبيه صلى الله عليه وسلم.
فمن أحبه الله، فتح له الأبواب المغلقة، ويسَّر له الصعاب أمامه، فأي شيء خسره من رضي ربه عنه وأحبه؟ وأي شيء كسبه من أبغضه الله وأبعده عن محبته؟