أرشيف المقالات

كيفية جمع القراءات القرآنية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
كيفية جمع القراءات القرآنية
 
"للشيوخ في كيفية الجمع ثلاثة مذاهب:
الأول: الجمع بالحرف، وهو طريق أكثر المصريين و المغاربة، وكيفيته أن يشرع في القراءة، فإذا مرَّ بكلمة فيها خلف أصولي أو فَرْشي، أعاد تلك الكلمة بمفردها حتى يستوفي ما فيها من الخلاف، فإن كانت مما يسوغُ الوقف عليه وقف، واستأنف ما بعدها، وإلا وصلها بآخر وجه انتهى إليه، حتى يصل إلى وقف فيقف.
 
مثاله: ﴿ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾ [يوسف: 23]، فيقول: هِيتَ هَيتُ هَيتَ هِئْتُ هِئْتَ لك.
 
وإن كان الخلفُ مما يتعلق بكلمتين؛ كمدِّ المنفصل، والسَّكت على مفصول، وقفَ على الكلمة الثانية إن حسن، واستوعب الخلاف، ثم انتقل إلى ما بعدها على هذا الحكم، وهو أوثق في استيفاء أوجه الخلاف، وأسهل وأخصر في الأخذ، ولكنه يُخرِج القارئ عن رونق وحسن أداء التلاوة.
 
الثاني: الجمع بالوقف وكيفيته:
أن يبدأ القارئ بقراءةِ مَن قدَّمه من الرواة، ولا يزال بذلك الوجه حتى يقف على وقف يسوغ الابتداء بما بعده، ثم يعود إلى القارئ الذي بعده إن لم يكن وافقه في قراءته، ثم يفعل ذلك بقارئ قارئ، حتى ينتهي الخُلف، ويبدأ بما بعد ذلك الوقف على هذا الحكم، وهو مذهب الشاميِّين، وهذا المذهب أشدُّ في الاستحضار، وأقوى في الاستظهار، وأطولُ زمانًا وأجود مكانًا، وبه قرأتُ على عامَّةِ مَن قرأتُ عليه مِصرًا وشَامًا، وبه آخذُ.
 

الثالث: الجمع بالوقف على اختيار ابن الجزري:
قال في النشر بعدما تقدَّم: "ولكني ركَّبتُ من المذهبين مذهبًا، فجاء في محاسن الجمع طرازًا مُذهبًا، فأبتدئُ بالقارئ، وأنظرُ إلى مَن يكون من القرَّاء أكثر موافقةً له، فإذا وصلتُ إلى كلمةٍ بين القارئين فيها خُلف وَقفتُ، وأخرجتُه معه، ثمَّ وصلتُ إلى أن أنتهي إلى الوقف السائغ جوازُه، وهكذا حتى ينتهي الخلاف"؛ النشر (2/230).
 
قلتُ: وهذا الذي عليه العمل عند حُذَّاق القراء في مصر
ومثاله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].
 
فيبدأ بقالون بالسكون وقصر المنفصل، فيندرج معه يعقوب، فإذا وصل إلى ﴿ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ﴾ وقف وأعاد للدُّوري من ﴿ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ﴾ بالإمالة إلى ﴿ شَدِيدٌ ﴾.
 
ثم قرأ للسوسي من إدغام ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ إلى النهاية بوجهَي ﴿ وَتَرَى النَّاسَ ﴾.
 
ثم قرأ بصلة الميم لقالون، يأخذ أصحاب الصلة.
 
ثم يبدأ الآية بمد المنفصل أربعًا لقالون إلى سكارى، فيندرج معه الشامي وعاصم.
 
ثم يعيد للدُّوري من سكارى بالإمالة.
 
ثم يعيد للكسائي وخلف سكارى بالإمالة.
 
ثم يقرأ بالصلة لقالون فيذهب وحدَه.
 
ثم يمد ستًّا لورش، ويستوفي له وجهَي اللِّين مع تقليل سكارى.
 
ثم يقرأ لحمزة من ﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾، يبدأ بعدم الغنة لخلف مع السكت في شيء، ثم بالغنة لخلاد كذلك.
 
ثم بعدم السكت على شيء لخلاد.
 
ثم بالسكت على المفصول لخلف إلى تمام الآية، وقد استوعب الخلاف الذي فيها.
 
وللجمعِ شُروطٌ أربعة لا بد منها؛ وهي:
• مراعاة الوقف والابتداء.
• وحسن الأداء.
• وعدم التركيب
 
أما رعاية الترتيب والتزام تقديم رَاوٍ بعينه، فلا يشترط، إلا أنه في هذا الزمان صار من لوازم الجمع، فالأحسن للقارئ أن يراعي ترتيب كتابه الذي يقرأ به، فيُقدِّم مَن قدَّمه الكتاب من المشايخ ورواتهم على ترتيبه، ثم يسير على طريقة الجمع التي يتَّبعها في قراءتها، فإذا كان الخلاف في كلمة كأوجه (هأنتم وأرأيتم) راعى في قراءتها لكل راوٍ ترتيبَ الكتاب هذا، وقد أشار إلى ذلك كله العلامة ابن الجزري في طيبته فقال:






وقد جرى من عادة الأئمةْ
إفرادُ كلِّ قارئ بختمَةْ


حتى يُؤهَّلوا لجمعِ الجمعِ
بالعشرِ أو أكثرَ أو بالسَّبعِ


وجمعُنا نختارُه بالوقفِ
وغيرُنا يأخذُه بالحرف


بشرطِه فلْيَرْعَ وقفًا وابتدا
ولا يُركب ولْيُجِد حُسن الأدا


فالماهرُ الذي إذا ما وقفا
يبدا بوجه من عليه وقفا


يعطفُ أقربًا به فأقربا
مختصرًا مستوعبًا مرتِّبا


ولْيلزَمِ الوقار والتأدُّبا
عند الشيوخِ إن يُرِد أن يَنجَبا






 
وإذا عرفتَ ما ذُكرَ علمتَ أنَّ ما عليه مُقرئو زمانِنا من أنه يأتيهم مَن لا يُحسِنُ أداءَ القراءةِ، فيقرأُ عليهم أحزابًا لكلِّ رَاوٍ، ولا يتمكَّن من إحسانِ الإفرادِ، ثم يجمعُ الجميعَ، مُخالفٌ لعملِ المتقدِّمين والمتأخرين، وفقنا الله لما يرضيه، آمين".
 
المرجع:
"حل المشكلات وتوضيح التحريرات في القراءات"، للعلامة المقرئ محمد بن عبدالرحمن الخليجي (ت: 1389 هـ).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢