أرشيف المقالات

أسماء سورة الفاتحة

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
أسماء سورة الفاتحة
 

1- اسمها: سورة الفاتحة.
جرى تسمية السور بما يناسب أهم مواضيعها، أو باسم أبرز ما ذكر فيها، كالفاتحة لأنها فاتحة القرآن، وإن كان أصل التسمية لا يعلل، ولكن قضى الله بحكمته الكمال والتمام لكلامه سبحانه من كل وجه.
 
يقول أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ رحمه الله: «فمن أسمائها: الفاتحة؛ لأنه يستفتح الكتاب بها تلاوة وكتابة»[1].
 
ويقول ابن كثير رحمه الله: «يقال لها: الفاتحة، أي: فاتحة الكتاب خطًّا، وبها تفتح القراءة في الصلاة، ويقال لها أيضًا: أم الكتاب عند الجمهور»[2].
 
2- معنى الفاتحة:
يقول الشوكاني رحمه الله: «معنى الفاتحة في الأصل أول ما من شأنه أن يفتتح به، ثم أطلقت على أول كل شيء كالكلام، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية، فسميت هذه السورة فاتحة الكتاب لكونه افتتح بها، إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف، وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز، وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن.
 
وقد اشتهرت هذه السورة الشريفة بهذا الاسم في أيام النبوة»[3].
 
3-أسماء السورة الكريمة:
قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سَمَّى بعض سور القرآن الكريم، كالفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والكهف.
 
واختلف أهل العلم، هل أسماء سور القرآن الكريم كلها ثابت بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، أم أن بعضها ثبت باجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم؟
 
فذهب أكثر أهل العلم إلى أن أسماء سور القرآن كلها ثابتة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.
 
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: «لِسوَر القرآن أسماءٌ سمّاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم»[4].
انتهى.
 
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن بعض أسماء سور القرآن الكريم كان بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لها، وبعضها كان باجتهاد من الصحابة أنفسهم رضي الله عنهم، وهذا هو القول الصحيح المتلائم مع عموم الأدلة.
 
يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله[5]: «إنه لم يثبت في السنة الصحيحة والمأثورة من أسمائها إلا فاتحة الكتاب، أو أم القرآن، أو أم الكتاب»[6].
 
وقد ورد في أجوبة «فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء» بالمملكة العربية السعودية جوابًا عن هذا السؤال، ونصه: لا نعلم نصًّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على تسمية السور جميعها، ولكن ورد في بعض الأحاديث الصحيحة تسمية بعضها من النبي صلى الله عليه وسلم، كالبقرة، وآل عمران، أما بقية السور فالأظهر أن تسميتها وقعت من الصحابة رضي الله عنهم» انتهى[7].
 
وفي نحو ذلك يقول الزركشي رحمه الله: «ينبغي البحث عن تعداد الأسامي: هل هو توقيفي، أو بما يظهر من المناسبات؟
 
فإن كان الثاني فلن يعدم الفَطِنُ أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسمائها، وهو بعيد»[8]انتهى.
 
وهذا تصريح من صاحب البرهان بعدم توقيف أسماء السورة قاطبة، وأن اشتقاق أسماء السور يمكن استخراجه من معانيها، وكذلك بأبرز ما ورد فيها.
 
يقول ابن كثير: لهذه السورة عِدَّةُ أسماء تدلُّ على فضلِها وشرفِها، واشتمالها على المقاصدِ الأصليَّة والأصول المُهِمَّة، فهي: الفاتحةُ لأنها تفتتح بها القراءة، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام[9].
 
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ: «سمّيت فاتحة الكتاب؛ لأنّ اللّه بها افتتح القرآن.
 
وسمّيت أمّ القرآن وأمّ الكتاب؛ لأنّها أصل القرآن منها بدئ القرآن وأمّ الشّيء: أصله، ويقال لمكّة: أمّ القرى؛ لأنّها أصل البلاد دحيت الأرض من تحتها، وقيل: لأنّها مقدّمةٌ وإمامٌ لما يتلوها من السّور يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصّلاة، والسّبع المثاني؛ لأنّها سبع آياتٍ باتّفاق العلماء.
 
وسمّيت مثاني لأنّها تثنّى في الصّلاة، فتقرأ في كلّ ركعةٍ، وقال مجاهدٌ: سمّيت مثاني لأنّ اللّه تعالى استثناها لهذه الأمّة فذخرها لهم»[10].
 
يقول الفخر الرازي رحمه الله: «اعلم أن هذه السورة لها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى:
فالأول: «فاتحة الكتاب»سميت بذلك الاسم لأنه يفتتح بها في المصاحف والتعليم، والقراءة في الصلاة، وقيل سميت بذلك لأن الحمد فاتحة كل كلام على ما سيأتي تقريره، وقيل: لأنها أول سورة نزلت من السماء.
 
والثاني: «سورة الحمد» والسبب فيه أن أولها لفظ الحمد.
 
والثالث: «أم القرآن» »[11].
 
وفي نحو قول الرازي يقول ابن عاشور: «لم يثبت في السنة الصحيحة من أسمائها إلا فاتحة الكتاب، أو السبع المثاني، أو أم القرآن، أو أم الكتاب»[12].
 
ونسوق بعض الأدلة الصحيحة والصريحة في بعض أسماء السورة الكريمة.
 
1- تسميتها بالسبع المثاني والقرآن العظيم.

عن أبي سعيد بن المعلَّى، قال: كنتُ أصلِّي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أُجِبْه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، فقال: «ألم يقل الله: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]»، ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد»، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن، قال: «الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه»[13].
 
ويقول في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «قال الله -تعالى- في أمِّ القرآن والسبع المثاني والقرآن العظيم: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وهذه السورة هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي الشافية، وهي الواجبة في الصلوات، لا صلاة إلا بها، وهي الكافية تكفي من غيرها، ولا يكفي غيرها عنها»[14].
 
2- أمّ القرآن.
ثبت في صحيح البخاري عن عطاء أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: «في كل صلاة يُقرأ؛ فما أسمعنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أمِّ القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير»[15].
فسماها أمَّ القرآن.
 
3- فاتحة الكتاب.

روى البخاري بسنده وغيره عنعبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»[16].
 
وهناك مسميات كثيرة لفاتحة الكتاب هي للأوصاف أقرب منها للأسماء.
 
ولعل في ذلك كفاية، والحمد لله رب العالمين.


المصدر: «معالم التوحيد في فاتحة الكتاب»



[1] زاد المسير (1/ 10).
[2] ابن كثير: (1/ 101).
[3] فتح القدير (1/ 13).
[4] جامع البيان (1/ 100).
[5] محمد الطَّاهر بن محمد بن محمد الطَّاهر بن عاشور، ولد في مدينة تونس سنة (1296) هـ، أحد أهم العلماء الذين عرفتهم تونس في القرن العشرين.
وقد توفي في (1393 هـ).
أما عقيدته: فالطاهر ابن عاشور كان في مسائل الاعتقاد وعلم الكلام على مذهب الأشاعرة من حيث الأصل، ويظهر اعتقاد العلَّامة ابن عاشور واضحًا في موقفه من نصوص الصفات، فهو إما أن يؤولها، وإما أن يفوضها، وينظر: في ذلك تفسيره للإتيان (2/ 284) والاستواء (16/ 187)، واليدين (23/ 302).
ينظر: * كتاب: شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر بن عاشور تأليف: بلقاسم الغالي.  كتاب: محمد الطاهر بن عاشور علَّامة الفقه وأصوله، والتفسير وعلومه.
تأليف: خالد الطباع.
* مقدمة كتاب: مقاصد الشريعة لابن عاشور تحقيق: محمد الطاهر الميساوي.
* كتاب: التقريب لتفسير التحرير والتنوير تأليف: محمد بن إبراهيم الحمد.
[6] التحرير والتنوير(1/ 132).
[7] فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (4/ 16).
[8] البرهان في علوم القرآن (1/ 270).
[9] تفسير ابن كثير (1/ 102).
[10] معالم التنزيل (1/ 49).
[11] التفسير الكبير: الفخر الرازي (1/ 145).
[12] التحرير والتنوير(1/ 132).
[13] أخرجه البخاري (4474).
[14] ينظر: مجموع الفتاوى (14/ 5،6).
[15] أخرجه البخاري ( 738).
[16] أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394) عن الزهري به.
وفي بعض الطرق زيادة: «فصاعدًا»: أخرج تلك الزيادة مسلم (349)، وأبو داود (822)، والنسائي في الكبرى (911)، وفي المجتبى (985)، من طريق معمر وحده عن الزهري.
قال البخاري: وقال معمر، عن الزهري: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب فصاعدًا» وعامة - الثقات لم يتابع معمرًا في قوله: «فصاعدًا»، مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب وقوله: «فصاعدًا» غير معروف ما أردته حرفًا أو أكثر من ذلك؟ إلا أن يكون كقوله: «لا تقطع اليد إلا في ربع دينارفصاعدًا» فقد تقطع اليد في دينار وفي أكثر من دينار.
ويقال: إن عبد الرحمن بن إسحاق تابع معمرًا، وأن عبد الرحمن ربما روى عن الزهري، ثم أدخل بينه وبين الزهري غيره، ولا نعلم أن هذا من صحيح حديثه أم لا.
القراءة خلف الإمام للبخاري (ص: 3).
وقال ابن حبان: وقوله: «فصاعدًا» تفرد به معمر عن الزهري دون أصحاب الصحيح (5/ 87).
قلت: فهي ضعيفة، والله أعلم.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢