شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [7]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فلا زلنا نتدارس الباب الثاني من أبواب الطهارة من سنن الترمذي رحمه الله، ويدور هذا الباب حول ما جاء في فضل الطهور، وقد روى فيه الترمذي الحديث الذي يدل على فضل الطهور عن شيخيه إسحاق بن موسى الأنصاري ، وقتيبة بن سعيد عليهم جميعاً رحمة الله بسنده المتصل من طريق شيخيه إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب ) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.

وكنا نتكلم على فقه الحديث ومعناه، وقلت: بأننا سنتدارس أمرين اثنين فيما يتعلق بفقه الحديث ومعناه.

الأمر الأول: في تكفير الوضوء وسائر الطاعات للمعاصي والسيئات.

والأمر الثاني: في كيفية خروج الخطايا من بدن الإنسان وأعضائه عندما يتوضأ.

أما الأمر الأول فتقدم معنا أن تقصير الإنسان لا يخرج عن حالتين اثنتين:

الحالة الأولى: تقصيره في حق الله جل وعلا.

الحالة الثانية: تقصيره في حق العباد.

تقصير العبد في حق الله

أما التقصير في حق الله فله ثلاثة أنواع:

النوع الأول: لا يغفر ولا يكفر إلا بالإقلاع عنه والتوبة منه وهو الشرك.

النوع الثاني: هو الكبيرة وتغفر بالتوبة، وإذا لم يتب الإنسان منها، ولقي ربه بالإيمان فيقتص لسيئاته الكبائر من حسناته.

النوع الثالث: فيما يقع منه من الصغائر، والصغائر هي: كل ذنب ليس فيه عقوبة مقدرة في الدنيا، ولا وعيد شديد في الآخرة، فهذه الصغائر تكفرها الطاعات، فإذا توضأ الإنسان وعليه صغائر تغفر له بكرم الرحمن سبحانه وتعالى، وهذا محل اتفاق.

الحالة الثانية: هي تقصير الإنسان فيما بينه وبين العباد وسيأتينا بحثه إن شاء الله.

إن تقصير الإنسان في حق ربه إذا كان ضمن الصغائر فالطاعات تزيل هذه الصغائر وتغفرها وتكفرها وتمحوها بفضل الله جل وعلا، وقد نقل اتفاق أهل السنة وأهل الإسلام على هذا.

أما الكبائر فتقدم معنا أن المعتمد عند أهل السنة أن الطاعات لا تكفرها ولا تزيلها ولا تمحوها، إنما لا بد لها من توبة صادقة بين العبد وبين ربه سبحانه وتعالى، وقررت هذا بأدلته، وقلت: إن ما ورد من أحاديث فيها أن الطاعات تزيل الموبقات، أي: الكبائر من السيئات والخطيئات، فهذا في حق من جاء تائباً نادماً من ذنبه فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمل صالح مع توبة، وأما من مات ولم يتب من كبائره فستقع المقاصة يوم القيامة، سواء أقلع عن الكبائر، أو لقي الله وهو مصر عليها، فتقع المقاصة بين حسناته وسيئاته، وعليه فإذا كانت الحسنات كثيرة فإنها تمحى بها الكبائر، فإذا بقي له فضل من الحسنات ولو كانت حسنةً واحدة وسع الله له فيها في الجنة بفضله ورحمته فهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وإذا لم يبق عنده ولا حسنة فأمره إلى الله، ولعله يدخل في قول الله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16].

فأمره موكول إلى الله إذا لم يبق له حسنة.

تكفير الكبائر بالطاعات المؤداة بشروطها المنتفية عنها موانعها

لو قال قائل: إذا كانت الكبائر في نهاية الأمر ستغفر بالطاعات، فما الفارق إذاً بينها وبين الصغائر؟ لقد قلنا: إن الفارق كبير؛ لأن الصغائر تغفر بالطاعات ويبقى ثواب الطاعات، فلا ينقص من ثوابها شيء، وأما الكبائر عندما تكفر بالطاعات يذهب أجر الطاعات؛ لأن هذا عن طريق القصاص، فهي مقاصة بين الحسنات والسيئات، وهذا هو المعتمد عند أهل السنة، وذهب بعض أئمتنا الكرام إلى أن الكبائر تغفر بالطاعات ويزول أثر الكبائر وتمحى عقوبتها إذا فعل الإنسان طاعة خالصة لله كالحج، وصيام رمضان، وقيام رمضان، وقيام ليلة القدر، وهذا القول يدل عليه أدلة صحيحة وهي على المطلوب واضحة صريحة، لكن مع ذلك ليس فيها دلالة على هذا القول عند التحقيق في الأمر.

قلت: لأن هذا متوقف على وجود شروط لتلك العبادة، وانتفاء الموانع، ووجود الشروط فيها وانتفاء الموانع يقتضي أن توجد التوبة إلى الله جل وعلا، والندم مما صدر من الإنسان، ومما فعله من تقصير وتفريط في حق الرحمن، وعليه فإن حج مع توبة تغفر كبائره بفضل الله ورحمته، وإن صام مع توبة تغفر كبائره بفضل الله ورحمته، أما إن صام بلا توبة، فلا نعلم هل قبل منه ذلك أم لا؛ لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] ومعلوم أن الذي لا يتوب من ذنبه ليس بتقي، وعليه فهذه العبادة لم تقبل منه، بل ردت عليه، ولذلك قلت: إن هذا القول مع صحة أدلته لابد من توجيهه بما يتفق مع قول أهل السنة، وعليه فنقول: العبادة التي تكفر الموبقات وكبائر الخطيئات هي التي توجد فيها شروطها وتنتفي عنها الموانع المبطلة لقبولها، ولذلك لابد من أن يصلي الإنسان كما أمر، وأن يتوضأ كما أمر، وأن يقبل بقلبه ووجهه على ربه، فإذا فعل هذا يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ لأنه تاب وأناب وخشع في عبادته وأخلص فيها، فإذا قبلت بعد ذلك ينال تلك الجائزة، أما أنه لا توبة، والعبادة فقدت بعض شروطها، ووجد مانع يمنع من قبولها، فلا تقبل فكيف تقوى على تكفير الكبيرة.

فالصلاة إذا وجدت شروطها، وانتفى عنها موانعها كان لها هذا الأثر، وهو تكفير الخطايا من الصغائر والكبائر؛ لأنها قارنتها توبة، وقارنها خشوع وإنابة إلى الله ورجوع إليه، وهذا الذي كان يحصل لسلفنا الكرام، وكما كنت وعدت سأذكر لكم الحديث الذي في سنن أبي داود ، وصحيح ابن حبان ، ومستدرك الحاكم، وصحيح ابن خزيمة ، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

أما التقصير في حق الله فله ثلاثة أنواع:

النوع الأول: لا يغفر ولا يكفر إلا بالإقلاع عنه والتوبة منه وهو الشرك.

النوع الثاني: هو الكبيرة وتغفر بالتوبة، وإذا لم يتب الإنسان منها، ولقي ربه بالإيمان فيقتص لسيئاته الكبائر من حسناته.

النوع الثالث: فيما يقع منه من الصغائر، والصغائر هي: كل ذنب ليس فيه عقوبة مقدرة في الدنيا، ولا وعيد شديد في الآخرة، فهذه الصغائر تكفرها الطاعات، فإذا توضأ الإنسان وعليه صغائر تغفر له بكرم الرحمن سبحانه وتعالى، وهذا محل اتفاق.

الحالة الثانية: هي تقصير الإنسان فيما بينه وبين العباد وسيأتينا بحثه إن شاء الله.

إن تقصير الإنسان في حق ربه إذا كان ضمن الصغائر فالطاعات تزيل هذه الصغائر وتغفرها وتكفرها وتمحوها بفضل الله جل وعلا، وقد نقل اتفاق أهل السنة وأهل الإسلام على هذا.

أما الكبائر فتقدم معنا أن المعتمد عند أهل السنة أن الطاعات لا تكفرها ولا تزيلها ولا تمحوها، إنما لا بد لها من توبة صادقة بين العبد وبين ربه سبحانه وتعالى، وقررت هذا بأدلته، وقلت: إن ما ورد من أحاديث فيها أن الطاعات تزيل الموبقات، أي: الكبائر من السيئات والخطيئات، فهذا في حق من جاء تائباً نادماً من ذنبه فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمل صالح مع توبة، وأما من مات ولم يتب من كبائره فستقع المقاصة يوم القيامة، سواء أقلع عن الكبائر، أو لقي الله وهو مصر عليها، فتقع المقاصة بين حسناته وسيئاته، وعليه فإذا كانت الحسنات كثيرة فإنها تمحى بها الكبائر، فإذا بقي له فضل من الحسنات ولو كانت حسنةً واحدة وسع الله له فيها في الجنة بفضله ورحمته فهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وإذا لم يبق عنده ولا حسنة فأمره إلى الله، ولعله يدخل في قول الله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16].

فأمره موكول إلى الله إذا لم يبق له حسنة.

لو قال قائل: إذا كانت الكبائر في نهاية الأمر ستغفر بالطاعات، فما الفارق إذاً بينها وبين الصغائر؟ لقد قلنا: إن الفارق كبير؛ لأن الصغائر تغفر بالطاعات ويبقى ثواب الطاعات، فلا ينقص من ثوابها شيء، وأما الكبائر عندما تكفر بالطاعات يذهب أجر الطاعات؛ لأن هذا عن طريق القصاص، فهي مقاصة بين الحسنات والسيئات، وهذا هو المعتمد عند أهل السنة، وذهب بعض أئمتنا الكرام إلى أن الكبائر تغفر بالطاعات ويزول أثر الكبائر وتمحى عقوبتها إذا فعل الإنسان طاعة خالصة لله كالحج، وصيام رمضان، وقيام رمضان، وقيام ليلة القدر، وهذا القول يدل عليه أدلة صحيحة وهي على المطلوب واضحة صريحة، لكن مع ذلك ليس فيها دلالة على هذا القول عند التحقيق في الأمر.

قلت: لأن هذا متوقف على وجود شروط لتلك العبادة، وانتفاء الموانع، ووجود الشروط فيها وانتفاء الموانع يقتضي أن توجد التوبة إلى الله جل وعلا، والندم مما صدر من الإنسان، ومما فعله من تقصير وتفريط في حق الرحمن، وعليه فإن حج مع توبة تغفر كبائره بفضل الله ورحمته، وإن صام مع توبة تغفر كبائره بفضل الله ورحمته، أما إن صام بلا توبة، فلا نعلم هل قبل منه ذلك أم لا؛ لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] ومعلوم أن الذي لا يتوب من ذنبه ليس بتقي، وعليه فهذه العبادة لم تقبل منه، بل ردت عليه، ولذلك قلت: إن هذا القول مع صحة أدلته لابد من توجيهه بما يتفق مع قول أهل السنة، وعليه فنقول: العبادة التي تكفر الموبقات وكبائر الخطيئات هي التي توجد فيها شروطها وتنتفي عنها الموانع المبطلة لقبولها، ولذلك لابد من أن يصلي الإنسان كما أمر، وأن يتوضأ كما أمر، وأن يقبل بقلبه ووجهه على ربه، فإذا فعل هذا يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ لأنه تاب وأناب وخشع في عبادته وأخلص فيها، فإذا قبلت بعد ذلك ينال تلك الجائزة، أما أنه لا توبة، والعبادة فقدت بعض شروطها، ووجد مانع يمنع من قبولها، فلا تقبل فكيف تقوى على تكفير الكبيرة.

فالصلاة إذا وجدت شروطها، وانتفى عنها موانعها كان لها هذا الأثر، وهو تكفير الخطايا من الصغائر والكبائر؛ لأنها قارنتها توبة، وقارنها خشوع وإنابة إلى الله ورجوع إليه، وهذا الذي كان يحصل لسلفنا الكرام، وكما كنت وعدت سأذكر لكم الحديث الذي في سنن أبي داود ، وصحيح ابن حبان ، ومستدرك الحاكم، وصحيح ابن خزيمة ، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.