خطب ومحاضرات
شرح أخصر المختصرات [60]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[فصل: والشروط في النكاح نوعان:
صحيح كشرط زيادة في مهرها، فإن لم يف بذلك فلها الفسخ.
وفاسد يبطل العقد، وهو أربعة أشياء:
نكاح الشغار، والمحلل، والمتعة، والمعلق على شرط غير مشيئة الله تعالى.
وفاسد لا يبطله كشرط أن لا مهر، أو لا نفقة، أو أن يقيم عندها أكثر من ضرتها أو أقل.
وإن شرط نفي عيب لا يفسخ به النكاح فوجد بها فله الفسخ.
فصل: وعيب نكاح ثلاثة أنواع:
نوع مختص بالرجل كجب وعنة، ونوع مختص بالمرأة كسد فرج ورتق، ونوع مشترك بينهما كجنون وجذام، فيفسخ بكل من ذلك، ولو حدث بعد دخول، لا بنحو عمىً وطرش وقطع يد أو رجل إلا بشرط، ومن ثبتت عنته أجل سنة من حين ترفعه إلى الحاكم، فإن لم يطأ فيها فلها الفسخ.
وخيار عيب على التراخي لكن يسقط بما يدل على الرضا، لا في عنة إلا بقول.
ولا فسخ إلا بحاكم، فإن فسخ قبل دخول فلا مهر، وبعده لها المسمى يرجع به على مُغرِّ.
ويقر الكفار على نكاح فاسد إن اعتقدوا صحته، وإن أسلم الزوجان -والمرأة تباح إذن- أقرا].
هذا الفصل يبوبون عليه: باب الشروط في النكاح، وقد سبق أنهم قالوا: باب الشروط في البيع، وهنا قالوا: باب الشروط في النكاح، وهي: ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر، وهي قسمان:
- شروط صحيحة.
- وشروط باطلة.
وقد ورد الوفاء بالشروط في النكاح في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج) يعني: أن الشروط التي تشترطها المرأة، وتحل نفسها لك بها، عليك أن توفي بها.
والشرط هو ما يلتزم به الزوج للزوجة، أو ما تلتزم به الزوجة لزوجها، ويكون محل الشروط صلب العقد، أي: الشروط التي يلزم الوفاء بها هي التي يشترطونها عند العقد، ويكتب ذلك في العقد، فيكتب في العقد أنه اشترط الولي على الزوج لزوجته أن يسكنها في بيت مستقل، أو اشترط ألا يسافر بها، أو اشترط ألا يتزوج عليها، وقد تكثر الشروط التي يحتاج إلى كتابتها، ويختار الإشهاد عليها، فيكتبونها ويشهدون عليها عند العقد، وإذا خالف فيها فلها طلب الفسخ؛ لأنه حق لها، ومعلوم أنه إذا أدخل عليها زوجة أخرى في بيتها فإنها تتضرر، فلها أن تطلب الفسخ، وتقول: إما ألا تدخل علي الزوجة أو فارقني.
كذلك أيضاً إذا شرط لها ألا يسافر بها، فإن لها شرطها، وكذلك إذا شرط لها ألا يخرجها من دارها أو من بلدها، فإن هذا من الشروط التي لها فيه مصلحة، وهكذا أيضاً إذا اشترط عليه أن يزوّرها أهلها كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة، فلها شرطها، ولها المطالبة به، وكذلك إذا شرطت زيادة في المهر، فإذا كان مهر أخواتها -مثلاً- عشرة آلاف فاشترطت عشرين ألفاً فلها شرطها، وهكذا إذا شرطوا أيضاً شرطاً قد وجد له أصل في الشرع، ويكون ذلك من باب التأكيد، فإذا شرطوا ألا يُركبها مع أجنبي في السيارة، أو ألا يخلو بها أجنبي، فهذا شرط أقره الشرع، وكذلك إذا شرطوا على الزوج ألا يدخل عليها جهاز الدش ونحوه، ولو طلبت ذلك، وهكذا إذا شرطت أن تبقى في وظيفتها، أو شرطت أن تواصل دراستها حتى تكملها، أو شرطت -إذا كانت موظفة- أن لها راتبها، أو أن يوصلها إلى المدرسة، أو إلى محل عملها، كل ذلك من الشروط التي يجب الوفاء بها.
أما الشروط التي تحلل حراماً فلا يجوز اشتراطها ولا الوفاء بها، فلو شرطت أن يمكنها من دخول السوق متى أرادت، أو أن تخرج من بيته متى شاءت، فهذا شرط يخالف الشرع، أو شرطت مثلاً أن يمكنها من نزع الحجاب، كما يكون ذلك في بعض البلاد، أو من حضور الحفلات التي فيها منكرات، أو النوادي، أو من الألعاب التي فيها منكر ونحوه، فهذا شرط يخالف مقتضى الشرع، فلا يجوز الوفاء به، ولو رضي بذلك عند العقد، فإن في الحديث: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) .
وإذا شرطت ألا يتزوج عليها فبعض العلماء يقول: لا يصح؛ لأن هذا شرط يحرم حلالاً، ولكن الجمهور على أنه صحيح؛ وما ذاك إلا لأن عليها ضرراً من الضرة، وعلى هذا إذا أراد الزواج بأخرى فإنه يخيرها، ويقول: أنا أريد أن أتزوج، فإما أن توافقي، وإما أن تطلبي الفراق، أي: إذا رغب في ذلك النكاح، وكان هناك دوافع، لكن قد تقول: إن الطلاق ضرر عليَّ، فقد يكون ضرراً عليها، لاسيما إذا أتت بولد واحد أو عدد، فإن ذلك يكون إساءة لسمعتها، وإذا طلقت فقد لا يرغبها الرجال، ويقولون: هذه قد نشزت وفارقها زوج، فلا يرغب فيها غيره، فلذلك يرى بعض العلماء أن عليه الوفاء بهذا الشرط، وألا يتزوج عليها، ولو تضرر.
والصحيح: أنه إذا احتاج إلى ذلك فإنه يخيرها بين أن تبقى معه مع الزوجة الجديدة أو تفارقه، فيكون لها الخيار.
فإذا لم يف بهذه الشروط أو ببعضها فلها طلب الفسخ، ولها أن تذهب إلى الحاكم وتطلب منه أن يفسخ النكاح إذا جاءت بالشرط، وقد تقول: قد شُرط عليه كذا، وهذه صورة العقد، أو هؤلاء الشهود الذين يشهدون، فأطالب إما أن يفي بما شُرط عليه، وإما أن يخلي لي السبيل، ويكون هذا أوثق لها، روي أن عمر رضي الله عنه رفع إليه رجل تزوج امرأة، وأنها شرطت عليه ألا يسافر بها، فقال: مقاطع الحقوق عند الشروط، يعني: أن الحقوق تقطعها الشروط، فالشروط أوثق، وأولى ما يوفى به شروط النكاح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ، فإذا كان هناك شروط في العقد لزم الوفاء بها.
الشروط الفاسدة: منها شروط تبطل العقد، ومنها شروط فاسدة والعقد صحيح.
والشروط التي تبطل العقد أربعة:
نكاح الشغار
وروي في حديث ابن عمر أنه فسر الشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ولا صداق بينهما.
ورجح بعض المحققين أن تفسيره من كلام ابن عمر ، وقيل: إنه من كلام نافع ، فعلى هذا هل يكون حجة؟ وهل يستدل به على أن الشغار هو الذي لا يكون فيه مهر؟
ذهب إلى ذلك بعض العلماء كالأحناف، فقالوا: الشغار صحيح، ولكن يفرض لكل منهما، فإذا تم العقد فإننا نقول: يا هذا! أعط زوجتك مهراً، وأنت أيضاً أعط زوجتك مهراً، أي: مهر أمثالها، ويبقى النكاح على حاله صحيحاً.
والقول الثاني: أنه باطل ولو سُمي لها صداقاً، ولو أعطيت صداقاً بعد العقد أو قبله، وقالوا: إنه ورد في الحديث تفسيره أن يقول: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، زوجني أختك بشرط أن أزوجك أختي، أو نحو ذلك، ويكون العلة فيه هو الاشتراط: لا أزوجك إلا إذا زوجتني، أو لا أزوج ابنك إلا بشرط أن تزوج ابني، فيكون هذا مفسداً له؛ لأنه لابد غالباً أن يحصل إكراه لإحدى الزوجتين، فإنه قد يكره ابنته لمصلحته، ويلجؤها على أن توافق؛ لأن له مصلحة بأنه سوف يتزوج، فيقول: يا ابنتي! اقبلي حتى يزوجوني، أو حتى يزوجوا ابني، فيكرهها، فيكون فيه غالباً إكراه إحدى الزوجتين، أو إكراه كلتيهما، والإكراه لا يجوز، وقد تقدم أنه لا يجوز تزويج البكر إلا بإذنها، ولا الثيب إلا بأمرها، كما في الحديث: (والبكر يستأذنها أبوها) ، فإذا كان هناك عدم رضا فلن تصلح الحال، ولن تستقيم الأمور، فلذلك حرم هذا النكاح، كما يقع في كثير من القرى ومن البوادي، يقع عندهم هذا، ثم تحصل مفسدة، وهو أن أحدهما إذا نشزت امرأته وذهبت إلى أهلها، وابنته صالحة مع زوجها، جاء إلى ابنته وأخذها قهراً، وقال: انشزي يا بنتي! كما نشزت ابنتهم، أو آخذ ابنتي قهراً ولو كانت موافقةً لزوجها، ولو كان بينهما أولاد، ولو كانت تحبه ويحبها، فيصر على أن يأخذها قهراً، ويكون في ذلك مفسدة. هذه هي العلة في تحريم الشغار.
أما إذا لم يكن هناك شرط، وكان هناك رضاً من الطرفين، ودفع لكل واحدة منهما ما تستحقه، ففي هذه الحال يظهر أنه لا بأس به، فإذا قال: أهلاً وسهلاً، أنا سوف أزوجك أو أزوج ابنك، وابنتي موافقة، فأعطها مهرها الذي تستحق، فقال: مهرها كذا وكذا، وعندي أيضاً ابنة إذا تريدها فإنها توافق عليك أو على ابنك، ولم يكرهها، ولا ألزمها، فهي راضية، ولكن لابد أن تدفع لها مهرها، وكل واحد منهم يقول: أنا سوف أزوجك سواء زوجتني أم لا، وإذا زوجتني فإني سوف أعطي ابنتك حقها، فمثل هذا لا بأس إذا حصل التراضي.
نكاح التحليل
ثم قد يكون هذا من المرأة، كثيراً ما تندم المرأة إذا طلقت ثلاثاً، وتتمنى الرجوع إلى زوجها، والزوج لا يشعر بذلك منها، فتتزوج، وإذا دخل بها الزوج ووطأها نفرت منه، وافتدت أو خالعت، أو قالت: لا أريده، ويكون قصدها بذلك أن تحل للأول، فهل يكون هذا تحليلاً؟
الجواب: لا يكون إذا كان الزوج الأول لم يتدخل في هذا، والزوج الثاني ما له دخل، ولا قصد إحلالها، وإنما هي التي نفرت، وطلبت فراقه حتى تحل للأول، فمثل هذا الوعيد عليها هي، وأما الزوج فلا وعيد عليه، ولا يلحقه هذا اللعن.
نكاح المتعة
وكذلك أيضاً روي عن بعض الصحابة أنه كان يبيحه كـابن عباس ، ولكن الصحيح أن ابن عباس ما أباحه إلا للضرورة، وقد أنكر عليه بعض الصحابة حتى علي رضي الله عنه، وكان ابن عباس يبيح أيضاً أكل لحوم الحمر، فيقول: إنها حلال، فرد عليه علي في هاتين المسألتين، في المتعة وفي الحمر، كما في الحديث الذي في الصحيح عن علي رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر) فجمع بينهما في حديث، وأتى بكلمة: (يوم خيبر) ظرفاً لتحريم الحمر لا ظرفاً للمسألتين، وتوهم بعض العلماء أن النهي عن نكاح المتعة كان في خيبر، والصحيح: أنه ما أبيح إلا في غزوة الفتح، وحرم في تلك الغزوة.
وقد ناقش أدلة الرافضة كثير من أهل السنة، ولهم مؤلفات في ذلك، والرافضة لهم مبالغة في إباحتها، ولا يزالون هكذا، ولا يعتبر بخلافهم؛ لأنهم ليسوا من أهل السنة.
تعليق الشرط على غير مشيئة الله
إذا قال: زوجتك بشرط رضا أخيها، وأخوها غائب، فهذا معلق على شرط، أو زوجتك بشرط بقائها إلى سنة أو نصف سنة، أو زوجتك بشرط نجاحها في هذا الاختبار، فهذا غيب ولا يُدرى، لأجل ذلك يكون هذا باطلاً، فإذا أرادوا العقد عند تحقق الشرط فليعقدوا لها عقداً جديداً لا بتعليق.
الأول: نكاح الشغار، صورته: أن يقول لك: أزوج ابنك ابنتي، بشرط: أن تزوج ابني ابنتك، أو زوجني بنتك، بشرط: أن أزوجك ابنتي، أو لا أزوج ابنك إلا إذا زوجت ابني، فهذا هو نكاح الشغار. واختُلف في سبب تسميته، فقيل: كلمة (الشغار) مشتقة من الشغر الذي هو الفراغ، يقال: شغر البيت، يعني: خلي ولم يكن فيه ساكن، ومحل شاغر، ومركز شاغر، أي: خالٍ، فقيل: إنه سمي من الفراغ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يخلونه من المهر، فيقول أحدهم: زوجني بنتك وأزوجك ابنتي، ولا صداق، وتكون هذه عوض هذه، يعني: بضع هذه هو مهر الثانية، وبضع هذه هو مهر الأولى، فلا يكون بينهما شيء من المهر، هذا تفسير للشغار.
وروي في حديث ابن عمر أنه فسر الشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، ولا صداق بينهما.
ورجح بعض المحققين أن تفسيره من كلام ابن عمر ، وقيل: إنه من كلام نافع ، فعلى هذا هل يكون حجة؟ وهل يستدل به على أن الشغار هو الذي لا يكون فيه مهر؟
ذهب إلى ذلك بعض العلماء كالأحناف، فقالوا: الشغار صحيح، ولكن يفرض لكل منهما، فإذا تم العقد فإننا نقول: يا هذا! أعط زوجتك مهراً، وأنت أيضاً أعط زوجتك مهراً، أي: مهر أمثالها، ويبقى النكاح على حاله صحيحاً.
والقول الثاني: أنه باطل ولو سُمي لها صداقاً، ولو أعطيت صداقاً بعد العقد أو قبله، وقالوا: إنه ورد في الحديث تفسيره أن يقول: زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي، زوجني أختك بشرط أن أزوجك أختي، أو نحو ذلك، ويكون العلة فيه هو الاشتراط: لا أزوجك إلا إذا زوجتني، أو لا أزوج ابنك إلا بشرط أن تزوج ابني، فيكون هذا مفسداً له؛ لأنه لابد غالباً أن يحصل إكراه لإحدى الزوجتين، فإنه قد يكره ابنته لمصلحته، ويلجؤها على أن توافق؛ لأن له مصلحة بأنه سوف يتزوج، فيقول: يا ابنتي! اقبلي حتى يزوجوني، أو حتى يزوجوا ابني، فيكرهها، فيكون فيه غالباً إكراه إحدى الزوجتين، أو إكراه كلتيهما، والإكراه لا يجوز، وقد تقدم أنه لا يجوز تزويج البكر إلا بإذنها، ولا الثيب إلا بأمرها، كما في الحديث: (والبكر يستأذنها أبوها) ، فإذا كان هناك عدم رضا فلن تصلح الحال، ولن تستقيم الأمور، فلذلك حرم هذا النكاح، كما يقع في كثير من القرى ومن البوادي، يقع عندهم هذا، ثم تحصل مفسدة، وهو أن أحدهما إذا نشزت امرأته وذهبت إلى أهلها، وابنته صالحة مع زوجها، جاء إلى ابنته وأخذها قهراً، وقال: انشزي يا بنتي! كما نشزت ابنتهم، أو آخذ ابنتي قهراً ولو كانت موافقةً لزوجها، ولو كان بينهما أولاد، ولو كانت تحبه ويحبها، فيصر على أن يأخذها قهراً، ويكون في ذلك مفسدة. هذه هي العلة في تحريم الشغار.
أما إذا لم يكن هناك شرط، وكان هناك رضاً من الطرفين، ودفع لكل واحدة منهما ما تستحقه، ففي هذه الحال يظهر أنه لا بأس به، فإذا قال: أهلاً وسهلاً، أنا سوف أزوجك أو أزوج ابنك، وابنتي موافقة، فأعطها مهرها الذي تستحق، فقال: مهرها كذا وكذا، وعندي أيضاً ابنة إذا تريدها فإنها توافق عليك أو على ابنك، ولم يكرهها، ولا ألزمها، فهي راضية، ولكن لابد أن تدفع لها مهرها، وكل واحد منهم يقول: أنا سوف أزوجك سواء زوجتني أم لا، وإذا زوجتني فإني سوف أعطي ابنتك حقها، فمثل هذا لا بأس إذا حصل التراضي.
الثاني: المحلل، وهو: الذي يتزوج المرأة لأجل أن يحلها لزوجها الذي طلقها ثلاثاً، كأنه مستأجَر، وقد اشترطوا عليه وقالوا له: تزوجها بشرط أنك متى وطأتها فإنها تطلق منك، أو يلزمك أن تطلقها، ويقصدون بذلك إحلالها لزوجها، وقد يكون الزوج الذي طلق هو الذي يتفق مع هذا الجديد فيقول له: تزوج امرأتي فلانة فإني قد طلقتها، وحُرمت عليّ، بشرط: أنك تبيت معها ليلة ثم تفارقها، حتى أراجعها بعدما تطلقها وتعتد، وقد تقدم في ذكر أنواع المحرمات أنها تحرم عليه مطلقته حتى تنكح زوجاً آخر ويطؤها، فإذا كان ذلك الذي تزوجها ما قصد إلا إحلالها، أو استأجره أهلها أو زوجها حتى يحلها، فإن هذا باطل، والأحاديث فيه كثيرة، أورد ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230] أحاديث كثيرة في لعن المحلِّل والمحلَّل له، وفي بعضها تسمية هذا المحلِّل (التيسَ المستعار)، والتيس هو ذكر المعز، يعني: كأن زوجها استعاره حتى يطأ زوجته، أو كأنه تيس يُستعار حتى ينزو على المعزى حتى تحبل، فهذه تسمية للتنفير، أما إذا تزوجها برضا وباختيار، وما قصد بذلك إلا النكاح، ففي هذه الحال لو طلقها بعد ذلك باختياره حلت للأول.
ثم قد يكون هذا من المرأة، كثيراً ما تندم المرأة إذا طلقت ثلاثاً، وتتمنى الرجوع إلى زوجها، والزوج لا يشعر بذلك منها، فتتزوج، وإذا دخل بها الزوج ووطأها نفرت منه، وافتدت أو خالعت، أو قالت: لا أريده، ويكون قصدها بذلك أن تحل للأول، فهل يكون هذا تحليلاً؟
الجواب: لا يكون إذا كان الزوج الأول لم يتدخل في هذا، والزوج الثاني ما له دخل، ولا قصد إحلالها، وإنما هي التي نفرت، وطلبت فراقه حتى تحل للأول، فمثل هذا الوعيد عليها هي، وأما الزوج فلا وعيد عليه، ولا يلحقه هذا اللعن.
الثالث: نكاح المتعة، وهو الذي تحدد فيه المدة، بأن يقول للمرأة: تزوجتك مدة شهر، أو يقول وليها: زوجتكها مدة أسبوع، ويعطيها صداقاً يسيراً كدرهم أو دراهم معدودة، ثم إذا مضت المدة التي حددوها حصل الفراق بينهما، هذا النكاح ورد أنه أبيح في غزوة الفتح، والصحيح: أنه ما أبيح إلا فيها، ثم حرم فيها؛ وذلك لأنهم لما دخلوا مكة كانوا عشرة آلاف، وأكثرهم عزّاب، وأعراب، ومسلمون جدد، ويشق عليهم طول العزبة، ودخلوها في نصف رمضان، أو في العشر الأواخر، ومكثوا ستة عشر أو سبعة عشر يوماً، ففي تلك المدة مع عشرة أيام في الطريق خاف النبي صلى الله عليه وسلم عليهم العنت؛ لكونهم حديث عهد بالإسلام، فأباح لهم نكاح المتعة، بأن يتزوج الرجل المرأة على ثوب، أو على خمسة دراهم، ويمكث معها عشرة أيام أو أسبوعاً يستمتع بها، ثم يفارقها إن انتهت المدة، ثم هي تعتد، أو تستبرئ، وإن حملت فإن حملها يكون منه، وإن لم تحمل لا تتزوج غيره إلا بعدما تحيض حيضة، حتى تعرف براءة رحمها، ولما مضت عشرة أيام أو نحوها أعلن أنه زواج محرم، وبقي تحريمه أبداً، وما ذاك إلا لأنه لا يُسمى نكاحاً شرعياً، وهذه المرأة لا تُسمى زوجة، ولا يتوارثان، ولا يحصل بهذا عشرة زوجية، فلذلك نهي عنه نهياً مؤبداً، وبقي كذلك، إلا عند الرافضة فإنهم يبالغون في أنه حلال، ويدّعون أنه كان حلالاً في العهد النبوي، وأن الذي حرمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيعيبون على عمر ، ويطعنون فيه بأنه هو الذي حرم هذا النكاح، وكذبوا، بل التحريم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر إنما نهى عن متعة الحج، فتوهموا أنه نهى عن متعة النكاح، ومعنى متعة الحج، أي: التمتع بالحج إلى العمرة، حتى لا يجمع الإنسان في سفر واحد بين حج وعمرة، بل يسافر للعمرة سفراً مستقلاً، وقصده بذلك ألا يبقى البيت مهجوراً؛ لأنهم إذا اعتمروا مع حجتهم بقي البيت طوال السنة لا يأتي إليه أحد، مع أنه ليس نهياً صريحاً، إنما هو نهي كراهة، أو نهي من باب ما هو الأحسن، فلما رأوا في صحيح مسلم أو في غيره أنه نهى عن المتعة، جعلوها متعة النكاح، وقد وقع في بعض الروايات في صحيح مسلم ، وكذلك في مصنف عبد الرزاق: أنه نهى عن متعة النساء، والصحيح: أنه خطأ من الراوي.
وكذلك أيضاً روي عن بعض الصحابة أنه كان يبيحه كـابن عباس ، ولكن الصحيح أن ابن عباس ما أباحه إلا للضرورة، وقد أنكر عليه بعض الصحابة حتى علي رضي الله عنه، وكان ابن عباس يبيح أيضاً أكل لحوم الحمر، فيقول: إنها حلال، فرد عليه علي في هاتين المسألتين، في المتعة وفي الحمر، كما في الحديث الذي في الصحيح عن علي رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر) فجمع بينهما في حديث، وأتى بكلمة: (يوم خيبر) ظرفاً لتحريم الحمر لا ظرفاً للمسألتين، وتوهم بعض العلماء أن النهي عن نكاح المتعة كان في خيبر، والصحيح: أنه ما أبيح إلا في غزوة الفتح، وحرم في تلك الغزوة.
وقد ناقش أدلة الرافضة كثير من أهل السنة، ولهم مؤلفات في ذلك، والرافضة لهم مبالغة في إباحتها، ولا يزالون هكذا، ولا يعتبر بخلافهم؛ لأنهم ليسوا من أهل السنة.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح أخصر المختصرات [21] | 2739 استماع |
شرح أخصر المختصرات [28] | 2716 استماع |
شرح أخصر المختصرات [72] | 2607 استماع |
شرح أخصر المختصرات [87] | 2570 استماع |
شرح أخصر المختصرات [37] | 2483 استماع |
شرح أخصر المختصرات [68] | 2348 استماع |
شرح أخصر المختصرات [81] | 2339 استماع |
شرح أخصر المختصرات [58] | 2332 استماع |
شرح أخصر المختصرات [9] | 2319 استماع |
شرح أخصر المختصرات [22] | 2269 استماع |