Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح أخصر المختصرات [58]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[فصل:

أركانه: الزوجان الخاليان عن الموانع، وإيجاب بلفظ : (أنكحت) أو (زوجت)، وقبول بلفظ: (قبلت) أو (رضيت) فقط أو (مع هذا النكاح)، أو (تزوجتها).

ومن جهلهما لم يلزمه تعلم, وكفاه معناهما الخاص بكل لسان.

وشروطه أربعة:

تعيين الزوجين، ورضاهما, لكن لأب ووصيه في نكاح تزويج صغير وبالغ معتوه ومجنونة وثيب لها دون تسع, وبكر مطلقاً كسيد مع إمائه وعبده الصغير، فلا يزوج باقي الأولياء صغيرة بحال، ولا بنت تسع إلا بإذنها, وهو: صمات بكر، ونطق ثيب.

والولي, وشروطه: تكليف, وذكورة, وحرية, ورشد, واتفاق دين، وعدالة ولو ظاهراً، إلا في سلطان وسيد.

ويقدم وجوباً أب، ثم وصيه فيه, ثم جد لأب وإن علا, ثم ابن وإن نزل, وهكذا على ترتيب الميراث، ثم المولى المنعم، ثم أقرب عصبته نسباً, ثم ولاء, ثم السلطان، فإن عضل الأقرب أو لم يكن أهلاً أو كان مسافراً فوق مسافة قصر زوج حرة أبعد وأمة الحاكم.

وشهادة رجلين مكلفين عدلين ولو ظاهراً سميعين ناطقين.

والكفاءة شرط للزومه, فيحرم تزويجها بغيره إلا برضاها].

للنكاح أركان، وله شروط، ويراد بأركانه: مجموع ما يتكون منه، وأركان الشيء أجزاؤه الذي يتكون منها، ويُعرفون الركن: بأنه جزء ماهية الشيء، كأركان البيت أو المسجد، يعني: حيطانه التي يتكون منها، ونقول مثلاً: أركان الإنسان أجزاؤه، فيقال: يداه ركن منه، ورجلاه ركن، ورأسه ركن، وظهره ركن، يعني: يتكون ويتركب من هذه الأجزاء، كأركان الصلاة التي تتكون منها، فالقيام جزء من الصلاة وهو ركن، والركوع جزء، كذلك أركان النكاح التي يتكون منها ويصير من مجموعها نكاحاً كاملاً.

ذكروا أن أركانه أربعة: الزوج، ولابد أن يكون كامل الرجولة، وخالياً عن الموانع، والزوجة، والإيجاب، والقبول.

قوله: (الزوجان الخاليان من الموانع)، فإذا كان الزوج محرماً للمرأة، لا يصح النكاح؛ لأن هناك مانعاً، أو كان رضيعاً لها لم يصح النكاح، أو كان الزوج كافراً والمرأة مسلمة لم يصح النكاح؛ وذلك لكونه غير كفءٍ لها، وهكذا الموانع التي لا يصح ولا ينعقد معها النكاح، وكذلك المرأة قد يكون فيها موانع، كأن تكون ذات زوج، أو تكون معتدة في عدة زوج قد طلقها أو في عدة وفاة، وكذلك كون الزوج عنده أربع قبلها، فكل هذه موانع لابد من انتفائها من الزوج ومن الزوجة.

فالزوج ركن، والزوجة ركن، والإيجاب ركن، والقبول ركن، والإيجاب يكون من الولي، والقبول من الزوج.

يشترط بعضهم أن يكون الإيجاب بأحد لفظتين: زوجتك، أو أنكحتك، ويقولون: إنها هي الألفاظ التي ذكرت في القرآن، فذكر في القرآن قوله تعالى: زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] ، وكذلك ذكر الأزواج: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب:50] ، وذكر في القرآن النكاح: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] ، وكذلك قوله: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32] ، وقوله: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230] ، وقوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ [البقرة:235] ، فلذلك قالوا: ينطق الولي بأحد هاتين الكلمتين: (زوجتك موليتي) أو (أنكحتك موليتي).

ولفظ التزويج اشتقاقه من العدد الشفع، فإن العدد قسمان: شفع ووتر، والشفع يقال له: زوج، وسمي النكاح زواجاً؛ لأن أحد الزوجين قبله كان فرداً ووتراً، فإذا انضم إليه الزوج الثاني أصبح زوجاً، يعني: أصبح بدل الوتر اثنين، ولأجل ذلك كلمة (الزوج) تطلق على الذكر والأنثى، كما تقول: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: التي صارت معه زوجاً، ويقال: النبي صلى الله عليه وسلم زوج عائشة ، فكلمة زوج تصلح للرجل وللمرأة، فكل منهما يُسمى زوجاً، إلا أن أهل الفرائض احتاجوا إلى التمييز، فأدخلوا على المرأة تاء التأنيث، كما في قول الناظم:

والثمن للزوجة والزوجات وهو لكل زوجة أو أكثرا

وإلا فالأصل أنه موضوع لكل واحد من الزوجين، هذا سبب تسمية الزوج بهذا الاسم؛ لأنه بانضمامه إلى الآخر يكون زوجاً بدل ما كان وتراً وفرداً.

أما النكاح فالأصل فيه أنه الانضمام، تقول العرب: تناكحت الأشجار، يعني: انضم بعضها إلى بعض وتلاصقت، وذلك إذا امتدت أغصانها، ويقال: تناكح العودان على النار، يعني: انضم أحدهما إلى الآخر حتى صح الوقود بهما، وأما تسمية هذا الزواج نكاحاً؛ فلأن الزوج ينضم إلى الزوجة، والانضمام هو: التناكح، هذا هو الأصل من الانضمام.

وهل المراد بالنكاح العقد أو الوطء؟

الجواب: يطلق عليهما، وأغلب ما يطلق على العقد، فيقال: نكح فلان المرأة، يعني: عقد عليها، وذكر بعض أهل اللغة: أن العرب فرقت بينهما فرقاً لطيفاً، فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان، فالمراد عقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو أمته، فالمراد وطؤها، وكل ما في القرآن من نكح فإنه للعقد، إلا قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، فإن النكاح هنا هو الوطء، وورد ذلك في السنة. ذكر بعض العلماء في كتب الفقه: أنه لا يصح إلا بلفظ: (أنكحتك موليتي) أو (زوجتك موليتي) بأحد هاتين الكلمتين، وذهب آخرون إلى أنه يجوز بغيرهما مما هو معروف عند المتخاطبين، ورجح ذلك بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فإذا قال -مثلاً-: (ملكت ابنتي) فمعناه: أنك تملك الاستمتاع بها ما لا يملكه أبوها، فيكون هذا قائماً مقام زوجتك؛ لأنه حصل بها المقصود، وإذا قال: وهبتك ابنتي، حصل أيضاً المقصود، وهكذا إذا قال: أعطيتكها، حصل بذلك المقصود، وهذا القول هو الأقرب، وهو أنه يصح بكل لفظ يدل على المعنى، ويؤدي المراد، مثل: أنكحتك، وزوجتك، وملكّتك، ووهبتك، وأعطيتك ابنتي، وأملكت لك عليها، أو خليت بينك وبينها، أو خذ ابنتي حلالاً لك، أو أحللتها لك، أو ما أشبه ذلك.

وأما القبول فهو من الزوج، واشترطوا أن يقول: قبلت، أو رضيت، عبارتين فقط، أو قبلت هذا النكاح، يعني: يضيف كلمة (هذا النكاح) بعد (قبلت)، أو يجمع بينهما فيقول: قبلت هذا النكاح ورضيته، أو تزوجتها، أو قبلتها.

وإذا قلنا: إنه يصح بما دل على المعنى، فيصح إذا قال الزوج: وافقت، أو أنا موافق، أو أخذتها، أو استوهبتها، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الرضا.

يقول المصنف رحمه الله: (ومن جهلهما لم يلزمه تعلم)

يعني: من جهل كلمة: (أنكحت) أو (زوجت) أو كلمة: (قبلت) أو (رضيت)، وذلك إذا كان لا يعرف اللغة، أو لا يعرف معناها، فهل يلزمه أن يتعلمهما، ولا يصح إلا أن يقول: (قبلت) أو (رضيت)؟

الجواب: لا يلزم، إنما يكفيه معناهما الخاص بكل لسان؛ وذلك لأن كل قوم وأهل كل لسان عندهم اصطلاحات يتعارفون عليها بلسانهم، ذكر لنا بعض الإخوان أنه جاء إلى بعض الأعراب الجهلة في بعض جهات المملكة، وأخذ يسأله، فذكر له أنه مفتيهم، وأنه الذي يعقد لهم، فقال له: كيف طريقتك في عقد النكاح لهم؟ لأنهم بوادٍ بعيدون عن القرى، وبعيدون عن الناس، فذكر له أنه يقول للولي قل: هاك خصلة بنتي على سنة الله وسنة رسوله، منامها حلال، ومقامها حلال، وادخل على الله من الملل والاستملال، وأنت وإياها تحت الله! ولا شك أن هذه من العبارات التي اصطلحوا عليها، وليس عندهم أحد يعقد لهم، فرضوا بأن يكون هذا الذي عندهم -وكأنه أعرفهم وأفهمهم- أن يتكلم بهذه الكلمات.

فيبقى أن الزوج لابد أن يقول: قد وافقت، أو قبلت، أو أخذتها، أو ما أشبه ذلك.

وهل يصح النكاح بالمعاطاة؟

الصحيح: أنه لا يصح، وإنما تصح المعاطاة في البيع، مثلاً: إذا كانت السلعة معروفاً ثمنها، الثوب معروف ثمنه، فأتيت مثلاً بعشرة ودفعتها للبائع، ودفع لك الثوب، ولم يتكلم واحد منكما بكلمة، صح البيع بالمعاطاة، ولكن لا يصح النكاح بالمعاطاة، فلا يصح أن تدفع له مثلاً المهر، ويدفع لك الزوجة بدون كلام، بل لا يصح إلا بهذا الكلام، ولا يصح أيضاً إلا بشروطه.

الشروط: جمع شرط، وهو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، يعني: إذا عدمت الشروط عدم المشروط، ولكن إذا اجتمعت الشروط فقد يتخلف المشروط، فهاهنا الشروط في النكاح هي لوازم النكاح التي لا يتم إلا بها، وهي أيضاً شروط للعقد، وشروط العقد أربعة:

الأول: تعيين الزوجين.

الثاني: رضاهما.

الثالث: الولي.

الرابع: الشهود.

هذه شروط النكاح، إذا تخلف واحد منها لا يصح النكاح.

تعيين الزوجين

الشرط الأول: التعيين، ومعناه: أن يسمي الزوج أو يعيّنه، وكذلك الزوجة، فلا يقول مثلاً: زوجتك أحد بناتي، وله خمس أو عشر؛ لأنه قد يختار من لا ترضى، أو من لا تصلح له، أو يختار الولي له من لا تناسبه، فلابد أن يعينها، فإن قال مثلاً: زوجتك ابنتي فلانة، وسماها صح إذا تعينت، أو كان له بنات وقال: زوجتك ابنتي الكبرى، أو الصغرى، أو الوسطى صح ذلك؛ وذلك لأن هذا الوصف يحصل به التعيين، ولو لم يكن له إلا ابنة واحدة، وقال: زوجتك ابنتي؛ صح ذلك، وأما إذا كان ليس أباً فلابد أن يسميها، فإذا قال: زوجتك أختي، فلابد من تسميتها، أو زوجتك ابنة أخي، فلابد أن يسميها، حتى تتعين؛ لأن الجهالة يحصل معها الغرر، ويحصل معها عدم المقصود.

كذلك أيضاً يشترط تعيين الزوج وهو الرجل، فإذا قال: زوجت أحد ولديك ابنتي، أو أحد أبنائك، وله عدة أبناء، لا يصح، أو جاء إليه اثنان فقال: زوجت أحدكما ابنتي فلانة لا يصح؛ لأنه لا يعرف أيهما هو الزوج، فلابد أن يخاطبه، ويقول: يا فلان! زوجتك ابنتي فلانة، أو يكون الخطاب له، وهو معروف ماثل بين يديه، ويقول: زوجتك ابنتي فلانة، هذا معنى تعيين الزوجين.

الرضا

الشرط الثاني: الرضا، ولا شك أن الرضا معتبر، وقد تقدم أنه شرط في البيع أيضاً، ودليله: قوله سبحانه وتعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [النساء:29]، وقوله: إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232] ، فإذا كان شرطاً في البيع، مع أنه تمليك مال، فلابد أيضاً أن يكون شرطاً في النكاح، فلا يصح إكراه أحدهما على النكاح وهو لا يريده، ولا يصح أن يُكره الرجل على امرأة لا يرغبها، وتنفر نفسه منها، إما لسوء خلق، أو لقبح مظهر، أو دمامة، أو عيب، أو كبر، أو صغر، أو جهل، أو نحو ذلك، فإذا أكره وهو غير مقتنع ولم يكن موافقاً، لم يعش عيشة طيبة، ويؤدي ذلك إلى الفراق بسرعة، فلذلك لابد أن يكون موافقاً راضياً، وهكذا الزوجة أيضاً لابد من رضاها، بل ورضاها أهم، وما ذاك إلا أن الغالب أن الزوج هو المتقدم للخطبة، وهو الطالب، والغالب أنه لا يقدم إلا بعدما يتأكد من الصلاحية، أما الزوجة فإنها قد تكون جاهلة بذلك الزوج، وقد تكون أيضاً كارهة له، وربما كارهة للنكاح كلياً، فلذلك لابد من رضاها، وقد جاءت السنة باشتراط الرضا، فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح البكر حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر) ، وثبت أيضاً: (أن جارية زوجها أبوها بغير رضاها، فخيّرها النبي صلى الله عليه وسلم) ، وفي حديث آخر: (جاءت جارية بكراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:

يا رسول الله! إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته -يعني: ليرفع قدره، كأن ابن أخيه كان خاملاً فأراد أن يرفع قدره بتزويجه بابنته- فخيّرها، فأجازت نكاح أبيها، وقالت: إنما أردت أن يعلم النساء أن ليس للأولياء عليهن سلطة) أو كما في الحديث، فدل ذلك على أنه يشترط رضاها، وفي حديث عبد الله بن عمر أنه خطب ابنة خاله قدامة وكان قد مات، وكان له بنت فخطبها إلى أمها فوافقت، وعقدوا له، ثم إنه جاءهم المغيرة بن شعبة ورغب لهم في المال، فجاء عمها، واشتكى وقال: (يا رسول الله! إنها جاهلة، وإنها تزوجت وأنا غير راضٍ، وأنا أولى بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها يتيمة، وإن اليتيمة لا تزوج إلا بإذنها وبإذن وليها) ففسخ نكاحها من عبد الله وهي ابنة خاله، وزوجها بـالمغيرة ؛ فدل ذلك على أنها لا تزوج إلا برضاها، وبعد مشاورتها.

ثم لابد أن يُسمى لها الرجل حتى تعرفه يقيناً، وإذا كانت جاهلة فلها أن تسأل، وكذلك أيضاً لابد أن تخبر عن نسبه، وعن حرفته، وعن كفاءته، ومقدرته المالية ونحوها، فإذا اقتنعت بذلك كله، حصل التزويج، أما إذا لم تقتنع فلا يجوز.

والفقهاء استثنوا الأب، وقالوا: إن الأب يجوز له أن يزوج الصغيرة بدون إذنها، وله أيضاً أن يزوج ابنه الصغير إذا رأى في ذلك مصلحة، ولماذا يزوج ابنته دون رضاها إذا كانت صغيرة؟

الجواب: الغالب أن الأب يكون معه شفقة، ويكون معه حنو على ولده ذكراً كان أو أنثى، فلا يقدم على تزويجه إلا لمصلحة ظاهرة يراها، فأباحوا له أن يزوج ولده ذكراً أو أنثى إذا كان صغيراً، والغالب أن الصغير رجلاً أو امرأة لا يكون عنده تفكير، ولا يكون عنده معرفة، فإذا كان الأب راضياً بهذا الزوج فالغالب أن الولد يكون كفئاً وأهلاً أن يزوج، ومع ذلك فالصحيح أنه ليس على إطلاقه، فقد يكون كثير من الآباء عندهم جشع، ويزوج غير الكفء لأجل المال، فإذا جاءه إنسان عنده مال ورغبه في كثرة العطاء، فقد يزوجه بغير رضا المرأة، والمرأة هي التي تتألم، وهي التي تتعذب؛ لأنها تلازم ذلك الزوج طوال حياتها، فإذا لم يكن أهلاً في دينه وفي خلقه، فإنها هي التي ينالها الأذى، فلابد من رضاها.

وكثيراً ما تشتكي الإناث فتذكر الواحدة منهن أن أباها أكرهها؛ لأجل أن ذلك الزوج عنده مال، ودفع له دفعاً كثيراً، فتألمت الزوجة وتعذبت، وبقيت حسيرة سجينة، وتذكر أنه يتركها في المنزل، ويذهب مع رفقته، ولا يأتي إلا في الساعة الثالثة ليلاً، وربما لا يأتي إلا بعد الفجر، وإذا جاء طرح نفسه على الفراش، وهي طوال ليلها ساهرة تنتظره، أو كذلك يأتي إلى بيته بأصدقائه الفاسدين، ويشرب معهم المسكر، ويسهرون طوال ليلهم على غناء وزمر ومفاسد، وتكون هي المعذبة، لذلك لابد أنها تكون راضية حتى ولو كانت صغيرة إذا كانت مميزة عاقلة.

والأولى أيضاً عدم تزويج الصغيرة التي دون العاشرة؛ وذلك لأنها في الغالب ليس عندها تفكير، ولكن إذا كان الأب ناصحاً، وخاف أن هذا الزوج يفوت عليه، فله أن يزوجها، ويكون ذلك موقوفاً على رضاها بعدما تميز.

كذلك أيضاً استثنوا المعتوه ولو كان بالغاً، أي: ضعيف العقل، ما عنده تمييز ولا عنده معرفة، سواء كان ذكراً أو أنثى، فإذا رأى وليه المصلحة في تزويجه فإن له أن يزوجه ولو بغير رضاه، فكثير من النساء تكون مخبلة ضعيفة العقل، أو معها مس أو نحوه، ولا تمييز لها، فلابد أنه ينظر لها المصلحة، فإذا جاءه من يخطبها ولو كبيراً ولو فقيراً ورأى في ذلك المصلحة فله تزويجها؛ لأنه ليس لها اختيار، سواء كان فيها نقص العقل أو فقده كالجنون، فالمعتوهة أو المجنونة له أن يزوجها وليها بغير اختيارها؛ لأنه ليس لها اختيار.

كذلك أيضاً استثنوا الثيب التي دون تسع، وإن كان ذلك أيضاً نادراً، فلو قدر أن رجلاً زوج ابنته وهي بنت ثمان، ودخل بها زوجها ووطأها، ثم طلقها وأصبحت ثيباً وعمرها دون التسع، فلأبيها أن يزوجها؛ وذلك لعدم تمييزها، ولعدم معرفتها بما هو الأصلح.

وقد ذكرنا أن الأولى عدم تزويجها حتى ترشد وحتى تختار.

وكذلك أيضاً البكر، جُعل له تزويجها مطلقاً؛ وذلك لأن الأب كما ذكروا أحنى على أولاده، وأشفق عليهم، فلا يزوج إلا باختيار وبحرص، فجعلوا الأب أحق بالبكر ولو كان عمرها عشرين، فله أن يزوجها بدون اختيارها وبدون أخذ رأيها، هكذا قالوا، وقد ذكرنا الأدلة على أنها تختار، وأنه لا يجوز تزويجها إلا برضاها؛ لعموم الأدلة: (لا تنكح البكر حتى تُستأذن) وهذا عام، سواء كان الأب أو غيره، فالفقهاء اختاروا أن الأب له خصوصية، وألحقوا به أيضاً وصيه، فإذا أوصى إلى إنسان عدل وموثوق فإنه يقوم مقام الأب في كونه يزوج الصغير ويزوج المعتوه ولو كان بالغاً بدون رضاه، ويزوج المجنونة، ويزوج الثيب التي دون تسع، ويزوج البكر مطلقاً ولو كانت ابنة عشرين، فالأب ووصيه يزوجون هؤلاء بدون الرضا.

والقول الثاني -وهو الصحيح سيما في هذه الأزمنة-: أنه لابد من الرضا لهؤلاء مطلقاً.

واستثنوا أيضاً السيد، فإذا كان إنسان عنده مماليك: إماء وعبيد، فيزوج إماءه بدون رضاهن؛ وذلك لأن المصلحة له، وهو الذي يأخذ المهر، وأولادها يكونون مماليكاً له وعبيداً، فله أن يكرهها، وأن يجبرها على أن تتزوج بمن يريد، ولعل الأرجح: عدم جواز ذلك؛ لما فيه من التعذيب حسياً أو معنوياً، وكذلك أيضاً عبده الصغير، ليس له إكراهه على أن يتزوج إلا برضاه؛ لأن ذلك يخضع لشهوته ونفسه وميلها.

ولما ذكروا الأب ووصيه والسيد قالوا: لا يزوج بقية الأولياء صغيرة بحال، كالأخ وابن الأخ، والعم وابن العم، والجد، والابن وابنه، لا يزوجون الصغيرة بحال، فلابد أنهم يتركونها حتى تبلغ وترشد، ولا يزوجون بنت تسع إلا بإذنها، سواء كانت بكراً أو ثيباً.

ثم ذكروا كيف يعرف إذنها، ورد في الحديث: (رضا البكر صماتها، وسئل: إن البكر قد تستأذن فتستحيي، فقال: إذنها سكوتها) ، فإذا سكتت فإن ذلك دليل على الرضا، أما إذا نطقت وقالت: لا أريده، فعند ذلك لا يجوز إجبارها، وإذا تجرأت ونطقت وقالت: زوجوه، ولو كانت بكراً، جاز ذلك بطريق الأولى، فإذا كان رضاها السكوت، فالنطق دليل الرضا أيضاً، وأما الثيب فلا يُكتفى في نكاحها بالسكوت، بل لابد أنها تنطق وتتكلم صريحاً بأنها قد رضيت فتقول: زوجوه، أو قبلته، أو ما أشبه ذلك.

الولي

الشرط الثالث: الولي.

الولي هو: ولي المرأة الذي يتولى العقد لها، واشتراطه هو قول الجمهور، ووردت في اشتراطه الأحاديث الكثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهو حديث مشهور، رواه نحو خمسة من الصحابة أو أكثر، وورد أيضاً حديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها)، وفي رواية: (فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) وهذا هو قول الجمهور.

واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] فدل على أن الولي هو الذي يمنع المرأة؛ لأن العضل المنع، أي: لا تمنعوهن من نكاح أزواجهن، أي: من الزواج.

وذهب الأحناف إلى أنه يصح للمرأة أن تزوج نفسها، وعللوا ذلك بأنها أملك لنفسها، وإذا كانت تملك نفسها فإنها تزوج نفسها، وهي أيضاً تملك أمتها، فلها أن تزوج أمتها.

وأدلة الحنفية تعليلات، وقد استدلوا بظاهر قوله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230] ولكن لا دلالة في الآية، إنما المراد: حتى يطأها الزوج.

فالحاصل: أن جمهور الأمة على أنه لابد من الولي في العقد، وأن من تزوجت بدون ولي فنكاحها باطل، ورد ذلك في حديث: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ، وقد أخذ الحنفية من بعض هذه الكلمات: (الثيب أحق بنفسها من وليها) ، فجعلوا هذا دليلاً على أنها تزوج نفسها، ولكن ليس هذا بصحيح، وإنما المراد أنها أحق بنفسها، أي: لا يكرهها، ولا يزوجها إلا بعدما يأخذ رضاها.

وإذا عرفنا أن الولي شرط من شروط النكاح، فماذا يشترط في الولي؟

ذكر المصنف أنه يشترط فيه ستة شروط:

الشرط الأول: التكليف.

الشرط الثاني: الذكورية.

الشرط الثالث: الحرية.

الشرط الرابع: الرشد.

الشرط الخامس: اتفاق الدين.

الشرط السادس: العدالة.

فهذه ستة شروط، ويمكن أن تكون سبعة، فإن التكليف يتضمن شرطين:

الشرط الأول: البلوغ.

فلا يُزوج صغير دون البلوغ؛ وذلك لنقص معرفته؛ لأنه ناقص المعرفة بنفسه، فلا يكون عارفاً بغيره، أو بمن هو ولي عليه.

الشرط الثاني: العقل.

فناقص العقل أو المخبل أوالمجنون ليس أهلاً أن يزوج؛ وذلك لعدم أهليته، ولعدم تفكيره.

الشرط الثالث: الذكورة.

فلا تزوج المرأة المرأة، كما جاء في الحديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) ، وفي الحديث الآخر: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل).

الرابع: الحرية.

فالمملوك لا يزوج نفسه، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فهو عاهر) أي: زاني، فإذا كان لا يقدر أن يزوّج نفسه، فكذا لا يزوّج بنته، ولو كانت حرة.

الخامس: الرشد.

الرشد هو: الصلاح، وضده السفه، فإذا كان سفيهاً مغفلاً لم يكن أهلاً أن يزوج، ورد في الحديث: (لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل) ، فاشترط فيه: أن يكون مرشداً، يعني: رشيداً غير سفيه، ولا ضعيف التفكير.

الشرط السادس: اتفاق الدين.

فلا يزوج الكافر مسلمة؛ لأن الإسلام فرق بينهما، قال تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] فلابد أن يكونا متفقي الدين.

الشرط السابع: العدالة.

أي: ولو ظاهراً، فيشترط أن يكون عدلاً، فيخرج ما إذا كان فاسقاً معلناً الفسوق، أما إذا كان ظاهره العدالة فإنه يُزوج، واستثنوا السلطان؛ لأنه -أي: السلطان- ولي من لا ولي له، واستثنوا السيد ولو كان فاسقاً؛ لأنه ولي مواليه.

ثم ترتيب الأولياء: يقدم الأب وجوباً؛ وذلك لأنه أولى بابنته، ثم وصيه، إذا مات وكان قد وصى أو وكَّل، فوصيه يقدم على غيره، ثم الجد لأب، ثم أبوه وإن علا، فهو أقدم من الإخوة، ثم الابن، يعني: ابن المرأة يزوجها، ثم ابن الابن وإن نزل يزوج جدته مثلاً، ثم بعد ذلك بقية العصبة على ترتيب الميراث: فيقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم أبناءهما وإن نزلا، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، على ترتيب الميراث كما تقدم، ثم إذا انقطع أصحاب العصبة فهل يزوج ذوو الأرحام كالخال، والأخ من الأم، وابن الأخت؟

والصحيح: أنهم لا يزوجون، والمولى أقرب منهم، فالمولى المعتق يزوج، فإذا عُدم فأقرب عصبته نسباً، ابنه، ثم أبوه، ثم إخوته على ترتيب الميراث، ثم مولاه، يعني: الذي أعتقه، ثم إذا انقرضوا فالسلطان، لحديث: (السلطان ولي من لا ولي له)، فإذا عضل الأقرب أو لم يكن أهلاً، أو كان مسافراً فوق مسافة قصر زوج حرة أبعد، وأمة حاكم، والعضل مذكور في قوله تعالى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232]، فإذا عضلها ومنعها حتى ولو كان أباها، فإنه يزوج من هو أبعد منه، إذا اشتكت واشتكى أقاربها أنه منعها وعضلها، كذلك إذا لم يكن أهلاً، فإذا كان سفيهاً أو فاسقاً أو مخبلاً زوج الأبعد، كذلك إذا كان غائباً مسافة لا تقطع إلا بمشقة زوج الأبعد، وفي هذه الأزمنة المسافات تقاربت، فليس هناك مكان بعيد، لكن إذا شق عليه الحضور أمكنه أن يوكل ولو هاتفياً.

الإشهاد في النكاح

الشرط الرابع: شهادة رجلين مكلفين عدلين.

ورد في الحديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، والله تعالى أمر بالإشهاد عند البيع فقال: وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة:282] ، وقال: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282] ، فكذلك بطريق الأولى النكاح، والشاهدان يشهدان على قول الولي: زوجتك، وعلى قول الزوج: قبلت.

ولابد أيضاً أن يكونا رجلين، فلا تصح شهادة النساء، ولو كن أربعاً أو خمساً أو عشراً، وكذلك لا يصح بشهادة رجل وامرأتين، وشهادة النساء إنما تكون في المال، ولابد أيضاً أن يكونا مكلفين، فلا يصح شهادة ضعيف العقل، أو مخبّل، أو مجنون، أو صغير، فلابد أن يكون الشاهد مكلفاً، ولابد أن يكونا عدلين، فلا تصح شهادة الفاسق ناقص العدالة؛ لأن العدالة: ضدها الفسوق.

ثم العدالة يُكتفى بها ولو كانت عدالة في الظاهر.

ولابد أن يكونا سميعين ناطقين، يعني: يسمعان الكلام وينطقان.

واشتراط الشهادة هو قول الجمهور، وخالف في ذلك المالكية فاكتفوا بالإعلان، فقالوا: إذا أعلن النكاح اكتفي بذلك ولو لم يكن هناك شهود، والجمهور على أنه لابد من شهود للحديث الذي ذكرنا.

اشتراط الكفاءة في النكاح

الكفاءة في النكاح جعلها بعضهم شرطاً للزومه، فقالوا: يحرم تزويجها بغير الكفء إلا برضاها، وفسرت الكفاءة بأنها المساواة، والمساواة معتبرة في خمسة أشياء: الديانة، والصناعة، والميسرة، والحرية، والنسب، وفيها كلام طويل، وبالأخص في النسب، وقد ورد فيها بعض الأدلة، حيث إن هناك من يجعل الموالي ليسوا أكفاء للعرب، وبعضهم يتسامح في ذلك.

وأما في الصناعة فإذا كانت صناعته رديئة ولم يخبرهم بأنه حداد أو دباغ أو حائك أو حجام أو ما أشبه ذلك، فيمكن أن يكون لهم الخيار.

وأما الديانة فهي شرط كما ذكرنا.

وكذلك الميسرة يشترط أن يقدر على النفقة على زوجته.

وكذلك الحرية، فإذا تبين أنه مملوك فإن ذلك عيب.

فهذه تمام الشروط في النكاح، والله أعلم.