شرح أخصر المختصرات [28]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخيار تخبير ثمن، فمتى بان أكثر، أو أنه اشتراه مؤجلاً، أو ممن لا تقبل شهادته له، أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعضه بقسطه ولم يبين ذلك؛ فلمشتر الخيار.

وخيار لاختلاف المتبايعين، فإذا اختلفا في قدر ثمن أو أجرة ولا بينة لهما حلف بائع: ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم مشتر: ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، ولكل الفسخ إن لم يرض بقول الآخر، وبعد تلف يتحالفان، ويغرم مشتر قيمته.

وإن اختلفا في أجل أو شرط ونحوه فقول ناف، أو عين مبيع أو قدره فقول بائع، ويثبت للخلف في الصفة وتغيّر ما تقدمت رؤيته.

فصل:

ومن اشترى مكيلاً ونحوه لزم بالعقد، ولم يصح تصرفه فيه قبل قبضه.

ويحصل قبض ما بيع بكيل ونحوه بذلك مع حضور مشتر أو نائبه، ووعاؤه كيده وصبرة ومنقول بنقل، وما يتناول بتناوله، وغيره بتخلية.

والإقالة فسخ تسن للنادم].

عرفنا في باب الخيار أن الخيار طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الرد؛ وذلك لأن البيع قد يقع صدفة أو بغتة بدون تروٍ، فيندم أحدهما، فيكون له الخيار في رد السلعة أو استرجاع السلعة، تارة يندم البائع فيتأسف على البيع، وتارة يندم المشتري ويتأسف على الشراء؛ فلذلك جعل هذا الخيار لرد البيع أو لتمكنه.

وذكرنا أن من أنواع الخيار: خيار المجلس، وأنه يثبت ما لم يتفرقا، فإن ندم البائع استرد السلعة، وإن ندم المشتري استرد الثمن، وإذا تفرقا أو أسقطاه فإنه يسقط، فلو قال البائع: بعتك ولا خيار لي؛ فالبيع يلزم ولو قبل التفرق، وينعقد البيع، ولو قال المشتري: اشتريت السيارة بعشرين ألفاً ولا خيار لي من الآن، ولو ندمت فلا ترد علي؛ لزم البيع.

وذكرنا خيار الشرط، وهو أن يشترطا في صلب العقد مدة معلومة ولو طويلة، تارة يشترطها كل منهما فيقول البائع: بعتك البيت بمائة ألف، ولي الخيار شهراً، فيقول المشتري: اشتريته بمائة ألف ولي الخيار شهرين. فإذا ندم البائع في هذا الشهر استرد البيت ورد الثمن، وإن ندم المشتري والبائع ما ندم رد البيت، وقال: أعطني القيمة. وقد يكون الخيار لواحد، فيقول البائع -مثلاً-: بعتك بمائة ألف ولا خيار لي. أو يقول المشتري: ولي الخيار شهراً. وتارة يقول المشتري: لا خيار لي. فيقول البائع: لي الخيار شهراً.

الخيار من باب الحيلة

وقوله: (وحرم حيلة ولم يصح البيع).

صورة ذلك: أن يشتري البيت -مثلاً- بمائة ألف، وقصده أن يسكنه شهراً، فيقول: لي الخيار شهراً. فيسكنه في هذا الشهر، فإذا مضى الشهر وهو قد سكنه، رد البيت وقال: ندمت، فهذه حيلة من المشتري. وكذلك تحرم الحيلة من البائع، فلو قال البائع: بعتك البيت بمائة ألف، ولي الخيار شهراً. فاستلم المائة الألف، وقصده أن ينتفع بها في هذا الشهر، أن يتجر بها ويربح فيها -مثلاً-، ولما مضى الشهر قال: رد علي بيتي وخذ دراهمك، وما قصد بهذا العقد إلا الحيلة، فهذا البيع إذا كان بهذه الحيلة لا يصح.

الملك مدة الخيار للمشتري

لمن الملك مدة الخيار؟ ينتقل الملك مدة الخيارين للمشتري، ولو كان -مثلاً- حيلة فالملك فيهما للمشتري، ولهذا تكون له أجرة الدار إذا كان المبيع داراً مؤجرة، وله ثمر النخل إذا كان المبيع له ثمر، وله لبن الشاة إذا كانت هي المبيعة، وعليه نفقة الشاة أو نفقة الجمل، وذلك لأن الملك له، وله نماؤه المنفصل، فلو ولدت الشاة في مدة خيار الشرط فولدها للمشتري، وإذا ماتت ذهبت على المشتري، وإذا انهدم الجدار فإصلاحه على المشتري، فالملك مدة الخيارين للمشتري، والدراهم في يد البائع، ولو سرقت منه ثم ندم المشتري فإنه يردها، ولا يقول: الدراهم سرقت؛ لأنه أخذها لمصلحته، فربحها له، وخسارتها عليه، فالثمن دخل في ملك البائع، والسلعة دخلت في ملك المشتري، فهذا دليل على انتقال كل منهما إلى الآخر، فإذا حصل الندم وفُسخ البيع ففي هذه الحال يرجع كل منهما إلى ماله، فلو انهدم البيت فندم المشتري، فإن كان في البيت عيب ولم يخبره فإنه يستحق الرد، وإن لم يكن فيه عيب، بل جاءه -مثلاً- مطر أو سيل، ففي هذه الحال المطالب به المشتري، يصلحه إذا أراد رده؛ وذلك لأنه استلمه سليماً، فلابد أن يرده سليماً.

حكم التصرف في المبيع مدة الخيار

قوله: (ولا يصح تصرف في مبيع وعوضه مدتهما)، أي: مدة الخيارين، خيار الشرط وخيار المجلس، لا يصح التصرف في مبيع وعوضه، مثال تصرف البائع: إذا قال: الخيار لي في هذه الدار، فلي أن أهدم هذا الجدار، ولي أن أغير هذه الزاوية. فليس له التصرف، وكذلك المشتري، لو قال: لي الخيار، وأريد أن أزيد فيها كذا، وأريد أن أصلح فيها كذا، ليس له ذلك، إلا إذا كان الخيار للمشتري وحده، فتصرفه دليل على قبوله، وإسقاط الشرط، فلو أنه سبل البيت، والخيار له؛ لزم العقد، وأصبح البيت موقوفاً، فليس له الرد بعد ذلك؛ لأنه تصرف فيه، وأخرجه من ملكه حيث جعله وقفاً، ولو كتب على الكتاب: وقف لله تعالى؛ لزم البيع، ولم يتمكن من الرد.

وإذا كان الخيار للبائع فلا يجوز للمشتري التصرف، ولا يصح، فلو كتب على الكتاب: وقف، وندم البائع، استرده وأبطل الوقفية، وكذلك لو كان المبيع بيتاً أوقفه، وكذلك لو كان المبيع شاة فباعها المشتري، لم يصح البيع؛ لأن علاقة البائع لم تنقطع، فلابد أن يستردها إذا ندم، فلا يصح أن يتصرف فيها المشتري حتى تنقضي مدة الخيار.

وكذلك لا يتصرف البائع في العوض إذا كان معيناً، كأن يقول -مثلاً-: بعتك الشاة بهذا الكيس. فالمبيع هو الشاة، والثمن هو الكيس، فأنت أيها البائع لا تتصرف في الكيس، وأنت أيها المشتري لا تتصرف في الشاة حتى تنقضي مدة خيار شرط، فلا يتصرف كل منهما فيما صار إليه.

أما إذا كان العوض دراهم، فالدراهم يقوم بعضها مقام بعض، فله أن يتصرف فيها، فإذا قال -مثلاً-: اشتريت الشاة بهذه المائة ورقة واحدة. ثم ندم بعد ذلك المشتري وقال: رد علي دراهمي، أعطيتك ورقة فئة مائة. فقال: الورقة صرفتها، أو تصرفت فيها، ولكن خذ عشر ورقات فئة عشرة. فإنه يقبلها، أو خذ ورقتين فئة خمسين. فإنه يقبلها؛ وذلك لأنه لا فرق بين هذه وهذه.

واستثنوا تصرف المشتري في العبد إذا أعتقه المشتري فإنه يعتق على الصحيح؛ وذلك لأن الشرع يتشوف إلى العتق، والقول الثاني: أنه لا ينفذ ولا يعتق؛ لأنه تصرف في شيء ليس مختصاً به، فربما يندم البائع ويقول: رد علي عبدي، فإذا قال: أعتقته، فسيقول: تعتقه وأنا قد اشترطت أن لي الخيار؟ وأنا الآن ندمت ولا أستغني عن عبدي. فيكون العتق في هذه الحال لاغياً.

أما إذا كان الخيار للمشتري، كأن قال: اشتريت العبد بألف، ولي الخيار شهراً، ثم أعتقه، والبائع ليس له خيار، فإنه يعتق.

وكذلك تصرف المشتري إذا كان الخيار له وحده، فإنه يصح، فلو ذبح الشاة سقط خياره، ولا يصح له أن يذبحها والبائع قد اشترط الخيار، أما إذا كان البائع ليس له خيار والخيار للمشتري، كما لو اشترى الشاة بمائة، ثم إنه شرط الخيار خمسة أيام، وذبح الشاة في اليوم الثاني، بطل خياره ولزم البيع.

وقوله: (وحرم حيلة ولم يصح البيع).

صورة ذلك: أن يشتري البيت -مثلاً- بمائة ألف، وقصده أن يسكنه شهراً، فيقول: لي الخيار شهراً. فيسكنه في هذا الشهر، فإذا مضى الشهر وهو قد سكنه، رد البيت وقال: ندمت، فهذه حيلة من المشتري. وكذلك تحرم الحيلة من البائع، فلو قال البائع: بعتك البيت بمائة ألف، ولي الخيار شهراً. فاستلم المائة الألف، وقصده أن ينتفع بها في هذا الشهر، أن يتجر بها ويربح فيها -مثلاً-، ولما مضى الشهر قال: رد علي بيتي وخذ دراهمك، وما قصد بهذا العقد إلا الحيلة، فهذا البيع إذا كان بهذه الحيلة لا يصح.

لمن الملك مدة الخيار؟ ينتقل الملك مدة الخيارين للمشتري، ولو كان -مثلاً- حيلة فالملك فيهما للمشتري، ولهذا تكون له أجرة الدار إذا كان المبيع داراً مؤجرة، وله ثمر النخل إذا كان المبيع له ثمر، وله لبن الشاة إذا كانت هي المبيعة، وعليه نفقة الشاة أو نفقة الجمل، وذلك لأن الملك له، وله نماؤه المنفصل، فلو ولدت الشاة في مدة خيار الشرط فولدها للمشتري، وإذا ماتت ذهبت على المشتري، وإذا انهدم الجدار فإصلاحه على المشتري، فالملك مدة الخيارين للمشتري، والدراهم في يد البائع، ولو سرقت منه ثم ندم المشتري فإنه يردها، ولا يقول: الدراهم سرقت؛ لأنه أخذها لمصلحته، فربحها له، وخسارتها عليه، فالثمن دخل في ملك البائع، والسلعة دخلت في ملك المشتري، فهذا دليل على انتقال كل منهما إلى الآخر، فإذا حصل الندم وفُسخ البيع ففي هذه الحال يرجع كل منهما إلى ماله، فلو انهدم البيت فندم المشتري، فإن كان في البيت عيب ولم يخبره فإنه يستحق الرد، وإن لم يكن فيه عيب، بل جاءه -مثلاً- مطر أو سيل، ففي هذه الحال المطالب به المشتري، يصلحه إذا أراد رده؛ وذلك لأنه استلمه سليماً، فلابد أن يرده سليماً.

قوله: (ولا يصح تصرف في مبيع وعوضه مدتهما)، أي: مدة الخيارين، خيار الشرط وخيار المجلس، لا يصح التصرف في مبيع وعوضه، مثال تصرف البائع: إذا قال: الخيار لي في هذه الدار، فلي أن أهدم هذا الجدار، ولي أن أغير هذه الزاوية. فليس له التصرف، وكذلك المشتري، لو قال: لي الخيار، وأريد أن أزيد فيها كذا، وأريد أن أصلح فيها كذا، ليس له ذلك، إلا إذا كان الخيار للمشتري وحده، فتصرفه دليل على قبوله، وإسقاط الشرط، فلو أنه سبل البيت، والخيار له؛ لزم العقد، وأصبح البيت موقوفاً، فليس له الرد بعد ذلك؛ لأنه تصرف فيه، وأخرجه من ملكه حيث جعله وقفاً، ولو كتب على الكتاب: وقف لله تعالى؛ لزم البيع، ولم يتمكن من الرد.

وإذا كان الخيار للبائع فلا يجوز للمشتري التصرف، ولا يصح، فلو كتب على الكتاب: وقف، وندم البائع، استرده وأبطل الوقفية، وكذلك لو كان المبيع بيتاً أوقفه، وكذلك لو كان المبيع شاة فباعها المشتري، لم يصح البيع؛ لأن علاقة البائع لم تنقطع، فلابد أن يستردها إذا ندم، فلا يصح أن يتصرف فيها المشتري حتى تنقضي مدة الخيار.

وكذلك لا يتصرف البائع في العوض إذا كان معيناً، كأن يقول -مثلاً-: بعتك الشاة بهذا الكيس. فالمبيع هو الشاة، والثمن هو الكيس، فأنت أيها البائع لا تتصرف في الكيس، وأنت أيها المشتري لا تتصرف في الشاة حتى تنقضي مدة خيار شرط، فلا يتصرف كل منهما فيما صار إليه.

أما إذا كان العوض دراهم، فالدراهم يقوم بعضها مقام بعض، فله أن يتصرف فيها، فإذا قال -مثلاً-: اشتريت الشاة بهذه المائة ورقة واحدة. ثم ندم بعد ذلك المشتري وقال: رد علي دراهمي، أعطيتك ورقة فئة مائة. فقال: الورقة صرفتها، أو تصرفت فيها، ولكن خذ عشر ورقات فئة عشرة. فإنه يقبلها، أو خذ ورقتين فئة خمسين. فإنه يقبلها؛ وذلك لأنه لا فرق بين هذه وهذه.

واستثنوا تصرف المشتري في العبد إذا أعتقه المشتري فإنه يعتق على الصحيح؛ وذلك لأن الشرع يتشوف إلى العتق، والقول الثاني: أنه لا ينفذ ولا يعتق؛ لأنه تصرف في شيء ليس مختصاً به، فربما يندم البائع ويقول: رد علي عبدي، فإذا قال: أعتقته، فسيقول: تعتقه وأنا قد اشترطت أن لي الخيار؟ وأنا الآن ندمت ولا أستغني عن عبدي. فيكون العتق في هذه الحال لاغياً.

أما إذا كان الخيار للمشتري، كأن قال: اشتريت العبد بألف، ولي الخيار شهراً، ثم أعتقه، والبائع ليس له خيار، فإنه يعتق.

وكذلك تصرف المشتري إذا كان الخيار له وحده، فإنه يصح، فلو ذبح الشاة سقط خياره، ولا يصح له أن يذبحها والبائع قد اشترط الخيار، أما إذا كان البائع ليس له خيار والخيار للمشتري، كما لو اشترى الشاة بمائة، ثم إنه شرط الخيار خمسة أيام، وذبح الشاة في اليوم الثاني، بطل خياره ولزم البيع.

ذكرنا خيار الغبن، وأنه لزيادة الناجش، وكذلك المسترسل، وكذلك تلقي الركبان، واستثنوا المستعجل، فلا خيار له، فلو أن إنساناً دخل السوق مستعجلاً، ولما دخل السوق اشترى شاة على عجل، وزاد عليه صاحبها، أو اشترى كيساً على عجل، والناس يبيعون الكيس بمائة وهو اشتراه بمائتين أو بمائة وخمسين، فلماذا تستعجل؟ لماذا لا تسأل واحداً واثنين وتسأل الناس؟ هذا رآك مستعجلاً وزاد عليك، فأنت باستعجالك أخطأت، فلا خيار لك.

وذكرنا خيار التدليس، وهو الذي يزيد به الثمن كالتصرية، وهي ألا يحلب الشاة يومين أو ثلاثة، فإذا رآها المشتري ظن أنها ذات لبن كثير فزاد في ثمنها، ثم يتبين له أنها مصراة، وأن هذا اللبن لبن يومين، فيردها وصاعاً من تمر بعد اليوم الثالث.

وخيار الغبن والعيب والتدليس على التراخي، ما لم يوجد دليل الرضا، إلا في التصرية فثلاثة أيام، فإذا وجد التمر مفرقاً، ثم إنه طواه، وقال: هذا لا يصلح، ورده بعد يومين، فيلزم البائع قبوله، فإذا قال: لماذا لم ترده في اليوم الأول؟ فيقول: ما تمكنت، وأشهد أنه فيه عيب.

وكذلك خيار الغبن، إذا اشترى السيارة ثم وجد أنه مغبون بزيادة الناجش أو المسترسل، لما اشتراها ورجع علم أنه غبن نصف الثمن أو ثلث الثمن، أوقفها، وقال: لا حاجة لي فيها. فإذا لم يردها إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام، يلزم البائع قبولها، فالخيار على التراخي لا على الفور.

وذكرنا خيار التدليس، والتدليس: هو إظهار السلعة بمظهر لائق، ففي هذه الحال إذا عرف المشتري أنها مدلسة لا يلزمه أن يردها في الحال، لكن إن وجد دليل الرضا بأن استعملها، كأن لبس الثوب، أو طبخ في القدر -مثلاً-، أو استمر في حلب الشاة أكثر من ثلاثة أيام وهي مصراة -مثلاً-، أو ركب السيارة فاستعملها، أو سكن في الدار مع كونه مغبوناً.. أو ما أشبه ذلك، فإن هذا دليل على الرضا، فيسقط خياره، أما المصراة فلا يمسكها أكثر من ثلاثة أيام، وإن أمسكها أكثر فهو دليل الرضا.

وذكرنا خيار العيب، وهو ما تنقص به قيمة المبيع؛ كمرض وفقد عضو وزيادته، وكل عيب ينقص الثمن، مثل الخروق في الثوب أو في القدر، والخراب في السيارة، أو التصدع في الحيطان أو في السقف، ونقص أوراق من المصحف أو من الكتاب، وهكذا كل خلل في السلع، فإذا اشترى شاة ووجدها عوراء أو مريضة أو عرجاء فهذا عيب، فله الخيار، فإذا علم بالعيب فله الخيار بين أمرين: إما أن يردها ويأخذ الثمن، وإما أن يطالب بالأرش، وما هو الأرش؟ هو ما بين قيمة الصحة والعيب، فإذا قال: كم يساوي هذا الكتاب وهو سليم؟ يساوي -مثلاً- عشرة، والآن فيه نقص أو فيه بياض كم يساوي؟ يساوي ثمانية، فيرد عليه الخمس، كم تساوي هذه الشاة وهي سليمة؟ تساوي مائة، وكم تساوي وهي عوراء؟ تساوي ثمانين، فيرد عليه الخمس.. وهكذا، وهذه الزيادة تسمى: الأرش.

وإذا تلف المبيع تعين الأرش، فإذا ذبح الشاة أو ماتت أو احترق الثوب تعين الأرش؛ وذلك لأنه لا يمكن رده. ولو كانت الشاة فيها عور، ثم عند المشتري أصيبت عينها الثانية فأصبحت عمياء، عيب من عند البائع، وعيب من عند المشتري، ففي هذه الحال يخير بين أخذ أرش وبين رد مع دفع أرش، له الخيار: إما أن يأخذ أرش العين التي كانت عند البائع، وإما أن يرد الشاة ويرد معها أرش العين التي صارت عنده أو أرش الكسر الذي حصل عنده، وإن اختلفا عند من حدث العيب، فقال البائع: هذا انكسر عندك. وقال المشتري: بل انكسر قبل أن أشتريها. فإن القول قول المشتري، فيحلف أني اشتريتها وفيها هذا العيب، وهذا إذا لم يكن هناك بينة.

خيار التخبير بالثمن

النوع السادس: خيار التخبير بالثمن، أي: الإخبار، كثير من المشترين يبنون في الشراء على ثمن البائع، فيقول: بكم اشتريت هذه الكتب؟ فيقول: اشريت الكتاب بثمانية. فيقول: أنا أفيدك ريالاً وأشتريها بتسعة، ثم تبين أن البائع اشترى الكتاب بستة، وأنه كذب، وقال: اشتريته بثمانية، فيثبت لك الخيار؛ لأنك اشتريت الكتاب بتسعة على أنك فوت في كل كتاب ريالاً، ولا شك أن هذا هو الفائدة من السؤال لك عن الثمن، فإذا كذب عليك وقال: اشتريتها بثمانية، والحقيقة أنه اشترى بستة، فإن لك الخيار إذا بان أنه زاد عليك، ويحدث هذا كثيراً، فإذا اشترى إنسان غنماً، فجاء إليه آخر وقال: أنا أفيدك في كل شاة عشرة. أو قال -مثلاً-: أشركني، أنا أدخل معك بالشراكة في هذه الغنم أو هذه الأكياس، فكذب عليه وقال: الشاة بمائة أو الكيس بمائة. فأعطاه في كل شاة عشرة ريال فائدة أو في كل كيس، أو اشترك معه وأخذ نصف الغنم أو نصف الأكياس، ثم تبين أن البائع كذب عليه، وأنه اشترى كل شاة بثمانين، أو كل كيس بثمانين، ففي هذه الحال للمشتري الخيار؛ لأنه تبين أن الثمن أكثر مما اشتراه، وأنه أخبره بأكثر مما اشترى به، وكيف تشتري بثمانين وتقول أنك اشتريته بمائة؟! أخطأت، وأنا عاملتك على أنك اشتريت بالمائة، وأعطيتك في كل شاة أو في كل كيس عشرة، فأنا اشتريت منك الكيس بمائة وعشرة، وتبين عندما بحثنا أنك اشتريت الكيس بثمانين، فالخيار لي، رد علي دراهمي.

ويمكن أن يصطلحا فيقول: أسقط عنك العشرين التي زدتها، فأنا اشتريته بثمانين فيصير الثمن بتسعين، بدلاً مما كان بمائة وعشرة، فإذا تراضيا على ذلك جاز.

وكذلك إذا لم يخبره بأن الثمن مؤجل، فإذا قال -مثلاً-: بكم اشتريت الغنم؟ قال: اشتريت كل شاة بمائة -أو الأكياس- وهو صادق، ولكنه اشتراها بثمن مؤجل يحل بعد سنة، فأنت اعتقدت أنه اشتراها بثمن النقد، فأعطيته فائدة في كل كيس عشرة، ولما علمت بأن الثمن مؤجل، والمؤجل عادة يزاد فيه، ولو كان نقداً لكان الكيس بثمانين، ولكنه اشتراه بمائة لأجل الأجل، فاشتراها بمائة لمدة سنة، ففي هذه الحال ماذا نفعل؟

الصحيح أن للمشتري الخيار، فيردها ويأخذ دراهمه، وبعض العلماء يقول: إذا كان الثمن مؤجلاً فيؤجل على المشتري. لكن قد يقول: أنا لا أعرفك يا مشتري، فكيف أؤجله عليك؟ أو يقول المشتري: أنا لا حاجة لي في التأجيل، دراهمي موجودة، ولا أحب الدين. ففي هذه الحال له الخيار: إما أن يسقط عنه ويقول: ثمنها حالة ثمانون، وأنت اشتريتها بمائة لأجل الأجل، فأشتريها بالثمانين وأعطيك فائدة، هذا هو خيار التخبير.

وكذلك إذا تبين أنه اشتراها ممن لا تقبل شهادته له، فله الخيار؛ وذلك لأن العادة أنه يزيد في الثمن؛ لأجل مصلحة ولده، إذا قال: بكم اشتريت الغنم أو الأكياس؟ فقال: كل كيس بمائة، فأعطيته في كل كيس أو في كل شاة فائدة عشرة، ثم اتضح أنه اشتراها من ولده أو اشتراها من أبيه، وزاد في الثمن لمصلحة والده أو لمصلحة ولده، وهي لا تساوي إلا ثمانين، ولكن قال: الزيادة عند والدي أو عند ولدي لا تهم. فأخبرك وقال: نعم، اشتريتها بمائة. وهو صادق، ولكنه ما اشتراها من ولده، وزاد فيها لمصلحة الولد أو لمصلحة الوالد أو الأخ أو نحوهم ممن لا تقبل شهادتهم له، أو اشتراها من زوجته وزاد في الثمن، ولم يخبر المشتري، فلك الخيار، فإذا قال: أنا اشتريتها بمائة. وهو صادق، ولكنها لا تساوي إلا ثمانين؛ لأنه زاد في الثمن لأجل مصلحة ولده أو والده أو نحوهما، فيثبت الخيار للمشتري والحال هذه.

وكذلك إذا اشتراها بأكثر من ثمنها حيلة، ويقع هذا حيلة، فمثلاً: إذا قال: إن فلاناً التاجر بحاجة إلى بيتك هذا، فأنا سوف أشتريه منك بخمسمائة ألف، وهو لا يساوي إلا أربعمائة، حتى آتي إلى هذا التاجر وأقول: أبيعك البيت برأس مالي، أو أبيعك البيت بفائدة خمسين ألفاً أو مائة ألف، وأحلف له أني اشتريتها بخمسمائة وأنا صادق، والبيت لا يساوي إلا أربعمائة، ولكن نحتال حتى نربح على هذا التاجر الذي لا يهمه الثمن لكثرة أمواله، فهذه حيلة، فإذا اتضح للمشتري أنها حيلة فإنه يسترد الثمن ويرد المبيع، أو يشتريه بما يساويه، وبذلك يعلم أن كل حيلة لا تنفذ، والحيل مهنة يلجأ إليها كثير من المحتالين، يقول بعضهم:

واحتل على حل العقود وفسخها من أصلها وذاك ذو الإشكال

إلا على المحتال فهو طبيبها يا محنة الأديان بالمحتال

فحل العقد الذي بين اثنين -مثلاً- أو فسخه يصعب، لكن يأتون بحيل من هنا وهناك.

وكذلك لو باع بعضه بقسطه من الثمن، ولم يبين ذلك، فللمشتري الخيار، أحياناً يشتري غنماً، كل شاة -مثلاً- بمائة، وهي تختلف، بعضها يساوي خمسين، وبعضها مائتين، فيبيع بمائتين ومائة وخمسين وبمائة وثمانين، وإذا بقي رديئها، وجئت إليه، حلف لك أنه اشتراها كل شاة بمائة، وهو صادق، ولكن باع خيارها ولم يبق إلا رديئها، ففي هذه الحال لابد أن يخبر، ويقول: أنا اشتريتها كل شاة بمائة، ولكن بعت بعضها بقسطه، وبعتها بما تيسر.

وهكذا يفعل كثير من الذين يبيعون الفواكه أو الخضار ونحوها، يشتري -مثلاً- البطيخ كل حبة بثلاثة، ثم يبيع بعضها بعشرة، وبعضها بثمانية، وبعضها بسبعة، وبعضها بخمسة، فيبيع خيارها، فيأتي إليه آخر وقد بقي عنده رديئها، فيحلف أنه اشترى كل واحدة بثلاثة، وهو صادق، ولكنه ما أخبر بالحقيقة، فيقلده ويصدقه هذا، ويقول: اشتريت منك برأس مالك، أو أعطيك ريالاً فائدة في كل حبة. ففي هذه الحال له الخيار إذا تبين له أنه لم يبين له، ولم يقل: هذا رديء، بعت بعشرة، وبعت بعشرين، وهذا الباقي قد لا تساوي الواحدة إلا ريالاً أو ريالين أو نصف ريال، فالحاصل أن في هذه الأشياء الخيار.

خيار الاختلاف للمتبايعين

النوع السابع: خيار الاختلاف للمتبايعين، فإذا اختلفا في قدر الثمن، أو أجرة الدار، أو عين المبيع ولا بينة، أو لكل واحد منهما بينة، فلهما بينتان، عند هذا بينة، وعند هذا بينة، وتعارضت البينتان وتساقطتا، فلابد من الحلف، فيقول البائع: بعتك بستمائة. ويقول المشتري: بل بخمسمائة. وليس هناك بينة، وليس هناك وثيقة، وكذلك الأجرة، إذا قال -مثلاً-: استأجرت الدار بعشرة آلاف، فقال: بل بخمسة عشر ألفاً، وليس هناك وثائق، وليس هناك بينة، ففي هذه الحال لابد من التحالف، فيتحالفان، ويبدأ البائع بالحلف؛ وذلك لأنه العارف بالأصل، فصاحب السلعة هو العارف بالقيمة، وهو عادة ما يبيع الشاة إلا بمائتين، وهذا يقول: اشتريتها منك بمائة، أو عادته أنه ما يبيع مثلاً الكيس إلا بمائة، وهذا يقول: اشتريت منك بخمسين، ففي هذه الحال يحلف البائع، ويشتمل حلفه على نفي وإثبات، فيقول: والله ما بعتك الكيس بمائة، وإنما بعتك بمائتين. يشتمل على نفي وإثبات، ويبدأ بالنفي: ما بعتك بمائة، وإنما بعتك بمائتين -مثلاً-؛ أو ما بعتك البيت بأربعمائة، وإنما بعتك بخمسمائة.

وكذلك في الإجارة، يقول: ما أجرتك بعشرة، وإنما أجرتك بخمسة عشر، وكذلك لو كان الخلاف في عين المبيع، إذا اختلفا فقال المشتري: بعتني نعجة. فقال البائع: بل بعتك الكبش. فيحلف ويقول: ما بعتك النعجة الأنثى وإنما بعتك الذكر -الكبش-. فيشتمل حلفه على نفي وإثبات، فإذا لم يرض المشتري بيمينه حلف المشتري، فيحلف بعد ذلك ويقول: والله ما اشتريته بمائتين، وإنما اشتريته بمائة، والله ما استأجرته بخمسة عشر، وإنما استأجرته بعشرة. فتشتمل يمينه -أيضاً- على نفي وإثبات، ويبدأ بالنفي، أو يقول: والله ما اشتريت الكبش، وإنما اشتريت النعجة، فيشتمل على نفي وإثبات، ويحلف البائع: ما بعتك بكذا، وإنما بعتك بكذا، ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا.

ولكل الفسخ إن لم يرض بقول الآخر، فإذا لم يوافق البائع على البيع بمائة فله أن يقول: رد علي الكيس، رد علي نعجتي، رد علي بيتي. فإن رضي المشتري، وقال: قبلته بمائة وخمسين، قبلت الكبش بدل النعجة، قبلت الإيجار بخمسة عشر ألفاً. فله ذلك.

فالحاصل أنهما إذا تحالفا -أي: حلف البائع ثم حلف المشتري- فإنهما يفسخان العقد.

وإذا كانت السلعة تالفة، فيتحالفان ويغرم المشتري القيمة، فقد تتلف السلعة عند المشتري، فإذا ذبح الشاة -مثلاً- واختلفا في قيمتها، فالبائع يقول: بمائتين. والمشتري يقول: بمائة. وهذا قد ذبحها وأكلها، ففي هذه الحال تقدر كم قيمة شاة صفتها كذا وكذا؟ يسأل أهل النظر: بكم تقدرونها؟ فيغرمها المشتري بما تساوي، وإذا اختلفا في صفتها فقال البائع: إنها شاة سمينة أو لبون، وقال المشتري: بل هزيلة، وليست حاملاً، وليست لبوناً. فالقول قول الغارم وهو المشتري، وكذلك في سائر ما يختلفان فيه، فإذا قال المشتري: الثوب احترق، وفيه عيوب، وفيه خروق، وثمنه بعشرة، فقال البائع: بل ثمنه بخمسة عشر، وهو سليم، وليس فيه خروق، وليس فيه عيوب. ففي هذه الحال المشتري يقول: بعشرة، والبائع يقول: بخمسة عشر، والثوب قد احترق أو قد تمزق، واختلفا في العيوب التي فيه، واختلفا في صفته، فمن يقدم قوله؟ القول قول المشتري؛ لأنه غارم؛ فيقدر بقيمته التي يقدره بها ويصفه بها المشتري.

وإن اختلفا في أجل أو شرط ونحوه فالقول قول من ينفيه، مثال الأجل: إذا قال: إني اشتريت البيت مؤجلاً أو لمدة سنة. فقال البائع في الحال: ليس هناك أجل، تنقدني الثمن حالاً. فالقول قول البائع؛ لأنه نافٍ، وكذلك لو قال البائع: بعتك البيت بشرط أن أسكنه شهراً. وأنكر ذلك المشتري، وقال: بل البيع ناجز، وليس هناك شرط، ففي هذه الحال القول قول من ينفي الشرط.

وكذلك لو اختلفا في تحديد الأجل، فالبائع يقول: أجل الدين ستة أشهر، والمشتري يقول: اثنا عشر شهراً. فالقول قول البائع أنه ستة أشهر؛ لأنه نافٍ للزيادة، ولأن الأصل حل المبيعات، وعدم تأجيلها.

فالحاصل أنه إذا اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه.

وكذلك إذا اختلفا في عين المبيع أو قدره فالقول قول البائع، مثال اختلافهما في عين المبيع: أن يقول البائع: بعتك الذكر. ويقول المشتري: اشتريت الأنثى. أو يقول: بعتك هذا البيت الذي هو دور. فيقول: لا، بل بعتني هذا البيت الذي هو من دورين. ففي هذه الحال القول قول البائع؛ لأنه هو المالك، فيحلف أني ما بعته هذا البيت، وإنما بعته هذا البيت، ما بعته الأنثى، وإنما بعته الذكر. هذا مثال اختلافهما في عين المبيع.

وكذلك إذا اختلفا في قدره، فإذا قال -مثلاً-: بعتني كيسين بمائة. فقال: بل كيساً. ففي هذه الحال القول قول البائع: أو ما بعته كيسين، وإنما بعته كيساً.

وتقدم مثال اختلافهما في قدر الثمن.

خيار الخلف في الصفة

النوع الثامن: الخيار للخلف في الصفة، ولتغير ما تقدمت رؤيته، مثلاً: باعك شاة بالوصف، فقال: أبيعك شاتي التي صفتها سمينة، وكبيرة، ولبون. ثم وجدها مختلفة، ليست سمينة، أو ليست كبيرة، أو ليست لبوناً، أو قال -مثلاً-: أبيعك ذلك الكيس الذي فيه بر جيد، ليس فيه رداءة، ولما رآه وجده مختلفاً، وجده رديئاً، فيه شعير أو فيه تراب أو ما أشبه ذلك، فيثبت الخيار للخلف في الصفة.

وهناك أشياء كان لا يجوز بيعها بالوصف، لكن في هذه الأزمنة يجوز ذلك، مثل المنازل، فقد تشتري البيت وما رأيته، ولكن يضعون له مخططاً، فيقولون: هذا الدور الأرضي فيه كذا وكذا غرفة، وأساسه من كذا، ونوع البلاط كذا، وارتفاع السقف كذا، وسعة كل غرفة كذا وكذا متراً أو كذا وكذا سنتيمتراً، ومرافقه كذا وكذا، وأبوابه من كذا، ومكيفاته من كذا، فيرسمونه، فتتصوره كأنك تراه، لكن إذا دخلته وتغيرت صفاته عما وصف لك، ففي هذه الحال يثبت لك الخيار.

وكذلك لو رأيته رؤية سابقة ثم تغير، كما لو رأيته قبل شهر، رأيت الجمل وهو سمين، ولكن ظننت أنه باق على سمنه، وإذا هو قد هزل، فإن ذلك يثبت لك الخيار.

أو مثلاً: دخلت البيت قبل شهر أو قبل شهرين وهو مهيأ ومحسن، ولما اشتريته بالوصف رأيته بعد شهر وإذا هو قد تكسر بلاطه، أو تكسرت غسالاته -مثلاً-، أو انقلعت أصباغه أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يثبت الخيار.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2737 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2604 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2567 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2480 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2345 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2337 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2327 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2315 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2265 استماع
شرح أخصر المختصرات [45] 2261 استماع