شرح أخصر المختصرات [87]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[وشرط في الزنا أربعة رجال يشهدون به أو أنه أقر به أربعاً.

وفي دعوى فقر ممن عرف بغنى ثلاثة.

وفي قود وإعسار وموجب تعزير، أو حد ونكاح ونحوه مما ليس مالاً، ولا يقصد به المال، و‏يطلع عليه الرجال غالباً رجلان.

وفي مال وما يقصد به رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي.

وفي داء ودابة وموضحة ونحوهما قول اثنين، ومع عذر واحد.

وما لا يطلع عليه الرجال غالباً كعيوب نساء تحت ثياب، ورضاع، واستهلال، وجراحة ‏ونحوها في حمام وعرس: امرأة عدل أو رجل عدل.

فصل: وتقبل الشهادة على الشهادة في كل ما يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي.‏

وشُرِط تعذر شهود أصل بموت، أو مرض، أو غيبة مسافة قصر، أو خوف من سلطان أو ‏غيره، ودوام عدالتهما، واسترعاء أصل لفرع أو لغيره، وهو يسمع فيقول: أشهد أني أشهد أن ‏فلان بن فلان أشهدني على نفسه أو أقر عندي بكذا ونحوه، أو يسمعه يشهد عند حاكم، أو يعزوها ‏إلى سبب كبيع وقرض، وتأدية فرع بصفة تحمله وتعيينه لأصل، وثبوت عدالة الجميع.

وإن رجع شهود مال قبل حكم لم يحكم وبعده لم ينقض وضمنوا.

وإن بان خطأ مفت أو قاض في إتلاف لمخالفة قاطع ضمنا].‏

عدد الشهود في الزنا

لما ذكر المؤلف الشهادات ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل، وما يتعلق بها؛ تكلم بعد ذلك في عدد الشهود في الدعاوي التي يختلف فيها الحكم، فذكر أن عدد الشهود في الزنا أربعة، ودليل ذلك: قول الله تعالى في سورة النساء: وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً [النساء:15] وقوله تعالى في سورة النور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4]، إلى قوله تعالى: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ [النور:13] فدل على اشتراط أربعة، ولابد أن يكونوا رجالاً، فلا تقبل شهادة النساء ولو كثرن في هذا؛ وذلك لأنه شيء يتعلق بالرجال، ويطلع عليه الرجال؛ فاشترط أن يكونوا رجالاً، وتقدم قول المؤلف: ثبوته بشهادة أربعة رجال عدول في مجلس واحد بزناً واحد مع وصفه، يعني: لابد أن يكونوا في مجلس واحد، ولابد أن يكونوا عدولاً، ولابد أن يشهدوا بزناً واحد، ولابد أن يصفوه وصفاً شاملاً؛ وبذلك يثبت الحد الذي هو الزنا.

يقول العلماء: لابد أن يشهدوا به شهادة واضحة بأن يروا فرجه في فرجها، وقد ذكرنا في كتاب الحدود أن هذا قد يكون متعذراً، يعني: رؤية الفرجين، ولكن إذا تحققوا أنه وقع بها وأنه أولج فيها، ورأوا علامات ظاهرة تدل على الزنا؛ فإنهم يشهدون وتقبل شهادتهم، وإذا شهد أربعة على رجل بأنه زنى قبلت شهادتهم على الصحيح ولو جاءوا متفرقين، وهكذا أيضاً لو شهد اثنان في يوم السبت أنه زنى، ثم شهد يوم الأحد آخران أنه زنى، فاجتمع أربعة عدول ثقات، ففي هذه الحالة تقبل شهادتهم، ويقام عليه الحد، هذا ما يتعلق بما يثبت به حد الزنا.

وكذلك إذا شهدوا أنه أقر عندهم أربع مرات، فهذا أيضاً مما يقام به الحد، يقولون: نشهد أنه اعترف عندنا أربع مرات أنه زنى بفلانة، ففي هذه الحال تقبل شهادتهم، والصحيح أنه إذا أنكر يدان، فإذا قال: إنهم كذبوا علي. وكانوا عدولاً فإنه يدان، ويقام عليه الحد بموجب شهادتهم على اعترافه، ولا يقبل إنكاره ولا يقبل رجوعه ولو قال: رجعت عن الإقرار بعد أن شهد عليه أربعة؛ فالصحيح أنه لا يقبل.

هناك من يقول: إذا رجع يقبل رجوعه ولا يقام عليه الحد، واستدلوا بما وقع في رجم ماعز فإنه لما أذلقته الحجارة هرب، وروي أنهم ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هلا تركتموه) ، ولكن لما لم يعنفهم ولم يضمنهم؛ دل على أنه مستحق للرجم ولو هرب.

عدد الشهود في دعوى الفقر

يقول: (وفي دعوى فقر لمن عرف بغنى ثلاثة)، دليل ذلك حديث قبيصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا قبيصة! لا تحل المسألة إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله حلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة -يعني: فقر- حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه فيقولون: نشهد بالله لقد أصابت فلاناً فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش)، فإذا كان إنسان معروفاً بالغنى ثم ادعى أنه افتقر، فلا تقبل دعواه، ولا تحل له المسألة إلا إذا شهد له ثلاثة من ذوي الحجا من قومه -يعني: من أقاربه العارفين به - فيقولون: نشهد بأنه افتقر بعد أن كان غنياً، وأصابه فقر وفاقة. فحلت له المسألة وإلا فلا تحل له.

ما يكفي فيه شهادة رجلين

مما يقبل فيه رجلان: القود يعني: القصاص بالنفس، وما دون النفس. فالقود يقبل فيه شاهدان رجلان يقولان: نشهد بأن هذا الذي قتل فلاناً، أو نشهد بأنه هو الذي قطع يده أو فقأ عينه أو جدع أنفه أو قطع إصبعه أو قلع سنه؛ لأن هذا قود،فهذا يقبل فيه شاهدان.

وكذلك الإعسار، إذا قالا: نشهد أنه معسر، إذا لم يكن معروفاً بالغنى فيشهد اثنان على إعساره.

وكذلك ما يوجب التعزير أو يوجب الحد، مثال الذي يوجب التعزير: سرقة مال يسير دون نصاب السرقة، وكذلك قذف بغير الزنا، إذا قذفه بغير الزنا ولو بالكفر أو بالبدعة فإنه إذا جاء شاهدان فقالا: نشهد أن هذا كفر فلاناً، أو أنه رماه بأنه يشرب الخمر أو أنه قد سرق فشاهدان يكفيان في عقوبة التعزير، فلو شهد عليه اثنان أنه سرق تحت النصاب عزر، ولو شهدا أنه ضم امرأة أجنبية أو قبلها وهي لا تحل له أو نحو ذلك ففيه التعزير، ويقبل فيه شاهدان.

وكذلك عقد النكاح يكفي فيه شاهدان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).

وكذلك عقد المبايعة والإجارة ونحو ذلك.

يقول: (ما ليس بمال ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال غالباً يقبل فيه رجلان).

فيقبل رجلان في القصاص وفي الحدود وفي العقوبات وما أشبه ذلك مما يطلعون عليه، وكذلك في إثبات النسب إذا قال: إن هذا ابني، فقيل: ائت بشاهدين، فجاء بشاهدين؛ ثبت نسبه.

وكذلك الطلاق، قال تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] فهذه كلها يقبل فيها رجلان، ولا يقبل فيها النساء، فلا تقبل شهادتهن في إثبات الحدود، وتكون مرجحة فإذا شهد نساء أن هذا دخل بيت فلان وسرق منه، فلا يقام عليه حد القطع، ولكن يعزر، وكذلك لو شهد النساء أن هذا شرب خمراً أو أن هذه شربت خمراً فلا يقام الحد ولكن يقام التعزير.

ما يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين

متى تقبل شهادة رجل وامرأتين؟ في المال وما يقصد به المال، فيقبل رجل وامرأتان في البيع كما قال الله تعالى: َاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282] فهذا في المبايعات؛ لأنها مال، يقول الشهود: نشهد أنه باع هذه الدار على فلان، نشهد أنه أقر بدين قدره ألف أو عشرون ألفاً، نشهد أنه أوصى له بمال، نشهد أنه وهبه هذه الشاة مثلاً، نشهد أنه كساه هذا الثوب.

فالمال وما يقصد به المال تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، والذي يقصد به المال هو ما يستفاد منه مالياً كما لو قالوا: نشهد أنه أسكنه هذه الدار مجاناً، أو منحه هذه البقرة ليشرب من لبنها أو ما أشبه ذلك، فهذه تقبل فيها شهادة رجل وامرأتين.

وإذا لم يكن هناك إلا رجل فتقبل شهادته مع اليمين، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالشاهد واليمين، فإذا جاء المدعي بالشاهد وقال: لا أعرف شاهداً آخر، عند ذلك قال: عليك اليمين، احلف مع شاهدك ونحكم لك، فإذا حلف ومعه شاهد حكم له، هذا في المال أو ما يقصد به المال.

وأما شهادة زنا، أو شهادة سرقة، أو شهادة سكر، أو شهادة قذف، أو شهادة نكاح أو طلاق؛ فلا تقبل فيها النساء، ولا تكفي فيها اليمين.

ما يقبل فيه شهادة الواحد

متى تقبل شهادة واحد؟ ذكر أنه يقبل قول طبيب واحد مجرب إذا أثبت أن هذا مريض أو أن هذه الدابة مريضة، ففي الأمراض تقبل شهادة الطبيب، وكذلك في الدواب إذا قال: هذه الدابة معيبة، وكان معروفاً بالخبرة فإنها تقبل شهادته.

وكذلك الموضحة - وهي الشجة التي تصل إلى العظم-إذا شهد المقدر أنها وصلت إلى العظم، فتقبل شهادته ولو كان وحده، فإن تيسر اثنان يقولان: نشهد أنها موضحة وصلت إلى العظم فهو أفضل، فإن لم يتيسر قبل واحد مع العذر.

شهادة النساء

تقبل شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال غالباً من أمور النساء الخفية، وإنما يطلع عليها النساء، مثل العيوب الخفية التي تحت الثياب، فإذا شهد النساء مثلاً أنها بكر أو أنها ثيب فهذا لا يطلع عليه الرجال، أو أن فيها عيباً كعفل أو قرن أو فتق وغيرها مما يذكر من عيوب النساء التي ترد بها في النكاح، وتقدم في كتاب النكاح ذكر العيوب كالرتق والعفل والقرن ونحو ذلك، فهذه لا يطلع عليها إلا النساء، فإذا شهدت امرأة ثقة بمثل هذا فإنه يقبل.

وكذلك الرضاع، فهذا أيضاً لا يطلع عليه الرجال، ودليله: قصة عقبة بن عامر لما تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب ، فجاءت أمة سوداء فقالت: إني قد أرضعت عقبة والذي تزوج بها، فأنكر ذلك عقبة وقال: أنا ما أعرف ذلك، فعند ذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (كيف وقد قيل؟ خلها عنك) ففارقها عقبة وتزوجت غيره، فهذا دليل على أنها تقبل شهادة المرأة الواحدة في الرضاع؛ لأنه لا يعرف إلا من قبلها.

وكذلك الشهادة في الاستهلال، وفسر الاستهلال بالصياح، فإن الولد إذا خرج من بطن أمه واستهل -أي: صاح- يكون حياً وإن لم يصح يكون ميتاً؛ وذلك لأنه إذا خرج حياً واستهل وصرخ دل ذلك على أنه حي فيورث، وإذا ولد ميتاً فلا يورث، فإذا قالت المرأة الواحدة: أشهد أنه استهل، يعني: صاح عندما ولد، قبلت شهادتها وحدها.

وكذلك الجروح الخفية في المرأة، إذا قالت امرأة: اطلعت على جرح في هذه المرأة تحت الثياب، وقد يكون هذا في الحمامات، فهناك حمامات خاصة للنساء في بعض البلاد الباردة، وحمامات أخرى للرجال يغتسلون فيها، والغالب في ذلك الزمان أنها تكون مظلمة، لم يكن هناك كهرباء، ولا يستخدمون فيها السرج؛ وذلك لأنها ليس لها منافذ، فالنساء قد يقع بينهن في الحمام شيء من المشاجرات والمخاصمات والضرب ونحو ذلك، فإذا شهدت امرأة واحدة أنها رأت جرحاً في هذه المرأة تحت الثوب، وأنه بسبب فلانة قبلت شهادتها.

يقول: وكذلك الجراحات التي في العرس، فإذا كان النساء في حفل زواج، فقد يحصل بينهن شيء من الاختلاف ومن المضاربة في ذلك الحفل، فتحصل جراحات وما أشبه ذلك، فإذا شهدت بذلك امرأة واحدة عدل موثوقة قبلت شهادتها، وكذلك بطريق الأولى الرجل.

لما ذكر المؤلف الشهادات ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل، وما يتعلق بها؛ تكلم بعد ذلك في عدد الشهود في الدعاوي التي يختلف فيها الحكم، فذكر أن عدد الشهود في الزنا أربعة، ودليل ذلك: قول الله تعالى في سورة النساء: وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً [النساء:15] وقوله تعالى في سورة النور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور:4]، إلى قوله تعالى: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ [النور:13] فدل على اشتراط أربعة، ولابد أن يكونوا رجالاً، فلا تقبل شهادة النساء ولو كثرن في هذا؛ وذلك لأنه شيء يتعلق بالرجال، ويطلع عليه الرجال؛ فاشترط أن يكونوا رجالاً، وتقدم قول المؤلف: ثبوته بشهادة أربعة رجال عدول في مجلس واحد بزناً واحد مع وصفه، يعني: لابد أن يكونوا في مجلس واحد، ولابد أن يكونوا عدولاً، ولابد أن يشهدوا بزناً واحد، ولابد أن يصفوه وصفاً شاملاً؛ وبذلك يثبت الحد الذي هو الزنا.

يقول العلماء: لابد أن يشهدوا به شهادة واضحة بأن يروا فرجه في فرجها، وقد ذكرنا في كتاب الحدود أن هذا قد يكون متعذراً، يعني: رؤية الفرجين، ولكن إذا تحققوا أنه وقع بها وأنه أولج فيها، ورأوا علامات ظاهرة تدل على الزنا؛ فإنهم يشهدون وتقبل شهادتهم، وإذا شهد أربعة على رجل بأنه زنى قبلت شهادتهم على الصحيح ولو جاءوا متفرقين، وهكذا أيضاً لو شهد اثنان في يوم السبت أنه زنى، ثم شهد يوم الأحد آخران أنه زنى، فاجتمع أربعة عدول ثقات، ففي هذه الحالة تقبل شهادتهم، ويقام عليه الحد، هذا ما يتعلق بما يثبت به حد الزنا.

وكذلك إذا شهدوا أنه أقر عندهم أربع مرات، فهذا أيضاً مما يقام به الحد، يقولون: نشهد أنه اعترف عندنا أربع مرات أنه زنى بفلانة، ففي هذه الحال تقبل شهادتهم، والصحيح أنه إذا أنكر يدان، فإذا قال: إنهم كذبوا علي. وكانوا عدولاً فإنه يدان، ويقام عليه الحد بموجب شهادتهم على اعترافه، ولا يقبل إنكاره ولا يقبل رجوعه ولو قال: رجعت عن الإقرار بعد أن شهد عليه أربعة؛ فالصحيح أنه لا يقبل.

هناك من يقول: إذا رجع يقبل رجوعه ولا يقام عليه الحد، واستدلوا بما وقع في رجم ماعز فإنه لما أذلقته الحجارة هرب، وروي أنهم ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هلا تركتموه) ، ولكن لما لم يعنفهم ولم يضمنهم؛ دل على أنه مستحق للرجم ولو هرب.

يقول: (وفي دعوى فقر لمن عرف بغنى ثلاثة)، دليل ذلك حديث قبيصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا قبيصة! لا تحل المسألة إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله حلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة -يعني: فقر- حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه فيقولون: نشهد بالله لقد أصابت فلاناً فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش)، فإذا كان إنسان معروفاً بالغنى ثم ادعى أنه افتقر، فلا تقبل دعواه، ولا تحل له المسألة إلا إذا شهد له ثلاثة من ذوي الحجا من قومه -يعني: من أقاربه العارفين به - فيقولون: نشهد بأنه افتقر بعد أن كان غنياً، وأصابه فقر وفاقة. فحلت له المسألة وإلا فلا تحل له.

مما يقبل فيه رجلان: القود يعني: القصاص بالنفس، وما دون النفس. فالقود يقبل فيه شاهدان رجلان يقولان: نشهد بأن هذا الذي قتل فلاناً، أو نشهد بأنه هو الذي قطع يده أو فقأ عينه أو جدع أنفه أو قطع إصبعه أو قلع سنه؛ لأن هذا قود،فهذا يقبل فيه شاهدان.

وكذلك الإعسار، إذا قالا: نشهد أنه معسر، إذا لم يكن معروفاً بالغنى فيشهد اثنان على إعساره.

وكذلك ما يوجب التعزير أو يوجب الحد، مثال الذي يوجب التعزير: سرقة مال يسير دون نصاب السرقة، وكذلك قذف بغير الزنا، إذا قذفه بغير الزنا ولو بالكفر أو بالبدعة فإنه إذا جاء شاهدان فقالا: نشهد أن هذا كفر فلاناً، أو أنه رماه بأنه يشرب الخمر أو أنه قد سرق فشاهدان يكفيان في عقوبة التعزير، فلو شهد عليه اثنان أنه سرق تحت النصاب عزر، ولو شهدا أنه ضم امرأة أجنبية أو قبلها وهي لا تحل له أو نحو ذلك ففيه التعزير، ويقبل فيه شاهدان.

وكذلك عقد النكاح يكفي فيه شاهدان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).

وكذلك عقد المبايعة والإجارة ونحو ذلك.

يقول: (ما ليس بمال ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال غالباً يقبل فيه رجلان).

فيقبل رجلان في القصاص وفي الحدود وفي العقوبات وما أشبه ذلك مما يطلعون عليه، وكذلك في إثبات النسب إذا قال: إن هذا ابني، فقيل: ائت بشاهدين، فجاء بشاهدين؛ ثبت نسبه.

وكذلك الطلاق، قال تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] فهذه كلها يقبل فيها رجلان، ولا يقبل فيها النساء، فلا تقبل شهادتهن في إثبات الحدود، وتكون مرجحة فإذا شهد نساء أن هذا دخل بيت فلان وسرق منه، فلا يقام عليه حد القطع، ولكن يعزر، وكذلك لو شهد النساء أن هذا شرب خمراً أو أن هذه شربت خمراً فلا يقام الحد ولكن يقام التعزير.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2737 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2713 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2605 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2480 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2346 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2337 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2327 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2315 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2265 استماع
شرح أخصر المختصرات [45] 2261 استماع